مستبد وعادل ؟!!

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٦ - يوليو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال من الأستاذ نعمان سيف : لماذا لا تؤمن بفكرة المستبد العادل ، وقد دعا اليها الامام محمد عبده وجمال الدين الأفغانى ؟ وهل نسيت سيرة عمر بن عبد العزيز ؟ وهل نسيت كلمة عمر بن الخطاب ( لو أن دابة في العراق تعثرت لخشيت أن يُسأل عنها عمر لِمَ لم تُصلح لها الطريق ) . المستبد العادل يمهد الطريق للديمقراطية . يعنى خطوة في الطريق . مستحيل أن يصحو الشعب ليجد فجأة ديمقراطية . لا بد من خطوات تمهيدية يقوم بها مستبد عادل . ما رأيك ؟ أرجو أن ترجع للصواب .
آحمد صبحي منصور

الإجابة

أولا :

1 / 1 ـ لا يهمنى رأى فلان أو فلان . أنا باحث تاريخى ومتدبر للقرآن الكريم ، وما أقوله ينبع من البحث التاريخى والتدبر القرآنى . عمر بن الخطاب من أكابر الكفرة المجرمين ، واساطير عدله كانت بين العرب عماد قوته وظلمه . هو الذى ظلم شعوب الأمم المفتوحة . العدل لا يتجزّأ . ومن أشد أنواع الظلم أن تجعل ظلمك دينا تنسبه لرب العزة جل وعلا وهو الذى لا يريد ظلما للعالمين . وهذا ما فعله الخلفاء الفاسقون . عمر بن عبد العزيز كان يحكم في سياق الاستبداد ، حاول أن يخرج عنه فقتله بنو أمية بالسُمّ . تاريخ المحمديين صفحة واحدة دامية من الحروب الخارجية والأهلية ، وقد توارثوا تقديس الخلفاء الفاسقين ، وطالما هم كذلك فلا أمل في إصلاحهم .  

1 / 2 : مهما تظاهر المستبد بشعار العدل ـ فهو نفس بشرية تقبل الفجور والتقوى ، وليس معصوما من الخطأ .

1 / 3 : وترتب علي فكرة ( المستبد العادل )

1 / 3 / 1 : أنه مسئول عن الرعية أمام الله جل وعلا وحده يوم القيامة . وهذا ما يقوله عبد الفتاح السيسى القزم الواطى الذى يحكم مصر الآن . بكل جُرأة يعلن نفسه مسئولا عن المصريين أمام رب العالمين ، حتى في الدين . الله جل وعلا ترك للناس حرية الاختيار بين الهداية والضلال ومسئوليتهم على هذا الاختيار يوم القيامة بين خلود في النار أو خلود في الجنة . قال جل وعلا : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا(31)الكهف )( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ(108)يونس ) ( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(15)  الاسراء ). ولكن هذا القزم الواطى يرفع نفسه فوق رب العزة جل وعلا، ويؤيده في ذلك شيخ أزهره . اللهم عجّل بانتقامك منهم.!

1 / 3 / 2 : ذلك الشعار الكافر ( الراعى والرعية ) ، فالشعب ( رعية من المواشى ) وهو الذى يرعاهم ويسوقهم ويملكهم ، ومن حقه أن يقتل منهم من يشاء ويستبقى منهم من يشاء ، ووضع فقهاء الدين الأرضى له فتوى تبيح له أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين . ولا حرج عليه ولا معقب لأمره ، فقد تحول الى إله لا يُسأل عمّا يفعل ، لذا فإن المستبد مهما تخفّى خلف شعارات فهو زاعم للألوهية . وتنتشر في كوكب المحمديين قولهم ( الزعيم المُلهم ).

2 ـ لا يتأتى الإصلاح إلا بالقرآن الكريم ، وهذا ما نقوم به ونجاهد في سبيله . ونستعرض بعض الآيات القرآنية في هذا السياق . قال جل وعلا :

2 / 1 :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)الحديد ).

أنزل الله جل وعلا الكتب الإلهية لاقامة القسط ، وأنزل الحديد ( أساس القتال والحروب ) وفعلا فإن الحديد هبط الى الأرض ، وهذه حقيقة علمية . الناس بين إقامة القسط أو التقاتل بالحديد . العادة أن أكابر المجرمين في تآمر بينهم للوصول الى الحكم أو الاحتفاظ به ، ويستخدمون الدين الشيطانى وكهنته ، والشعارات التي يخدعون بها الناس . يزداد ظلم المستبد فيأتى من يخدع الناس بشعارات دينية أو قومية أو وطنية ، والشعارات الدينية هي الأقوى ، ثم إذا وصل للحكم كشّر عن أنيابه وأفسد البلاد والعباد ، وتتكرر القصة ـ  ولا تزال ـ خصوصا في كوكب المحمديين الذين إتّخذوا القرآن الكريم مهجورا . الحل هو أن ( يقوم الناس بالقسط ) أي جميع الناس من الرجال والنساء ، كلهم ـ جميعهم ـ يطلب القسط ويكون مستعدا لدفع الثمن بالحديد . عندها لا يمكن للمستبد أن يواجه شعبا متحدا صلبا متمسكا بحقوقه ، خصوصا وأن القسط يشمل الجميع ، حتى من يتوب من أكابر المجرمين .

وهذا الإصرار على طلب القسط والاستعداد للتضحية في سبيله يستلزم :

2 / 1 / 1 : إرادة قلبية في تغيير ما بالنفوس من خنوع ورضى بالذُّل الى أن يكون الخضوع والخشوع للخالق جل وعلا وحده لا شريك له ، وأنهم جميعا عبيده وعباده ، وليسوا عبيدا لمخلوق مثلهم . عندها تأتى إرادة الله جل وعلا تؤكّد إرادتهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )  (11) الرعد )

2 /  1 / 2  : وقتا لتغيير ثقافة الخنوع والرضى بالذل , الجيل الذى توارث الخنوع والذل قرونا يستحيل أن يتغير . الجيل الذى توارث عبادة وتقديس الخلفاء الفاسقين وصحابة الفتوحات وأئمة الأديان الأرضية من البخارى وغيره يستحيل أن يتغير في يوم وليلة أو عام أو أعوام . لا أمل فيه . ولنتذكر أن بنى إسرائيل عاشوا قرونا من الاستعباد تحت حكم الرعامسة ، فلما أنجاهم الله جل وعلا ظلت فيهم ثقافة الخنوع والكسل والقعود ، ولما طلب منهم موسى دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله جل وعلا لهم ــ وقتها ــ جبنوا ورفضوا ، فحكم الله جل وعلا بتحريمها عليهم وأن يتيهوا في الأرض أربعين عاما ، حتى ينقرض هذا الجيل الذى لا خير فيه . نقرأ قول ربنا جل وعلا :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ(21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ(22) قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(26)المائدة ). لمجرد التذكير : هذا الوعد كان يخص بنى إسرائيل في عهد موسى فقط ، وليس مستمرا على الاطلاق !. ويكفى أنهم أضاعوه .  

3 ـ إذا أثمر الإصلاح وصل المجتمع الى دولة إسلامية تحكم بالإسلام السلوكى :

3 / 1:  بالمواطنة المتساوية بين جميع المواطنين المسالمين بغض النظر عن الملل والنحل والأديان .

3 / 2 : وبالحرية الدينية المطلقة للجميع ، وسيكون كل فرد مسئولا عن إختياره الدينى يوم الدين أمام مالك يوم الدين وحده .

3 / 3 : وأن يتحقق القسط السياسى بالديمقراطية المباشرة ، حيث يكون الحاكم ملزما بالتشاور ، وأن لا يكون فظّا غليظ القلب فينفض الناس من حوله ، فالناس هم مصدر السلطة ، ولو إنفضوا من حوله سقط . وهذا ما قاله رب العزة جل وعلا لخاتم النبيين : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)آل عمران ). بدون هذا يكون التعذيب أساس المُلك ، لأن المستبد هو الذى يملك الأرض وما عليها ومن عليها .

أخيرا :

هذا هو طريقنا في الإصلاح السلمى بالدعوة السلمية والصبر أملا في غد مشرق . ويكفى أننا ندعو بكتاب الله جل وعلا الذى نؤمن به وحده حديثا ، ومن واقع تخصصنا العلمى في تاريخ المحمديين . ونحمد الله جل وعلا أننا خلال مسيرة تقترب من نصف قرن قد حطمنا كثيرا من الأبقار المقدسة والخرافات المقدسة . ولكن لا يزال الطريق صعبا وطويلا . والله جل وعلا هو المستعان .

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 300