القرآن هو الحل :فلسفة الثــــــورة .. والثــروة!!

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٣٠ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ـ يقولون إن أمريكا هي قمة الديمقراطية في العالم، ولكن الواقع أن الثروة الأمريكية يتحكم فيها خمس عشرة أسرة أو حوالي مائة شخص وأولئك الذين يمتلكون أمريكا ويحتكرون ثروتها هم الذين يتحكمون في سياستها وهم الذين يقومون بصناعة الرئيس الأمريكى ويديرون مسرحية انتخابه وإذا وصل الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض فمحظور عليه أن يقترب من الثوابت الأمريكية وهى المسيحية والرأسمالية وسيطرة الجنس الأبيض، وإلا كان مصيره مثل (لنكولن) و(كنيدي)فأمريكا برغم دعاوي الديمقراطية المفتوحة مثل أي بلد في العالم تنطبق عليها قاعدة أن من يملك الثروة هوالذي يحكم البلد .
ولو تخيلنا أن فقراء أمريكا من الزنوج والهنود الحمر والأسيويين قاموا بثورة شيوعية ووصلت للحكم فإن أول ما سيفعله رجال الثورة هو تأميم الشركات الامريكية، أو بمعنى آخرمصادراتها بأسم الشعب أو بمعنى أدق استيلاء الثوار عليها لحسابهم الخاص لكي يتم التعانق بين الثورة والثروة وتتحول رأسمالية الشركات التي يمتلكها الأفراد المائة أو الأسرات الخمس عشرة إلى رأسمالية يمتلكها زعيم الثورة بمفرده، أما الفقراء ففي الحالتين يكتفون بترديد الشعارات الديمقراطية والحرية تارة أو الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تارة أخرى .. وتظل الثروة في أيدى الحكام كانوا رأسماليين أوشيوعين.

2 ـ وهذا ما تمخضت عنه الثورات التحررية أو الشيوعية في العالم الحديث ، فالنظام القديم كان يمتلك الثروة والحكم فجاءت الثورة فاستولت على الحكم واقتنصت الثروة تحت شعارات شتى من التأميم والاشتراكية وحماية المكاسب أو تأمين الثورة. وفي النهاية فإن الحاكم الدكتاتور هو المالك الأكبر للثروة . وعلى سبيل المثا ل كان الأخ(شاوشيسكو)عامل أحذية يتغنى بآلام الفقراء في رومانيا وبعد أن نجح في ثورته ما لبث أن أصبح المالك الوحيد لكل ثروة رومانيا وامتدت مظلة الفقر في عهده السعيد لتشمل كل الشعب الروماني..
وفي أوائل العقد الثاني من القرن العشرين كان الفلاحون المسلمون في آسيا الوسطى هم عماد الثورة ضد آل (رومانوف) في روسيا ، ولكن أستطاع الشيوعيون سرقة الثورة ولم يستطع (ستالين ) القضاء على الثائرين المسلمين إلا بعد أن فرض عليهم سياسة التجويع أي حرمهم من الثروة بعد أن أقتنص منهم الثورة .
* * *
3 ـ والتاريخ المصري حافل بنماذج لذلك التحالف غير المقدس بين السلطة السياسية والثروة و بين الثورة والثروة، ويحكي القرآن الكريم أن فرعون موسى عقد مؤتمراً لقومه ليرد به على دعوة موسى : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ( الزخرف 51.)
أى فطالما يملك مصر ونيلها فكيف يزاحمه موسى بدعوته ؟
وبعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر وعودة الجيش العثماني برز (محمد علي) الألباني وعلا نجمة بتحالفه مع زعماء الشعب مستغلاً التطور الجديد الذي أحدثته الحملة الفرنسية ، وبعد أن وصل (محمد علي )إلى القلعة تخلص من رموز النظام القديم ثم من الزعامة الشعبية ، وعزز مركزه السياسي بتحكمه في الثروة المصرية الزراعية والصناعية والتجارية والمعدنية ، وتحققت قاعدة أن من يملك السلطة يمتلك الثروة وأن من يمتلك الثروة يملك السلطة .
وورث الملك (فاروق) الثروة والسلطة وثار عليه نفر من أبناء الشعب أغنياء بأحلامهم الرومانسية وفقراء في ثروتهم المالية ، ولكن ما لبس أن تحولت إليهم الثروة بعد أن نجحت الثورة.

4 ـ ولكن لابد من دفع الثمن فالذي يترجم نفوذه السياسي إلى ثروة لا يلبث أن يفقد الاثنين ، والذي يصل بثروته للتحكم السياسي لابد أن تفسده السياسية كما أفسد السياسة ، وقد يسقط النظام الذي أسهم في إفساده فيتحول هو إلى رقم في قائمة الضحايا في الثورة الجديدة ، ولنتذكر ما حدث(لعبود باشا) والملك (فاروق).
ويظل التاريخ خير شاهد على ما حدث للطغاة والثوار الذين أفسدتهم الثورة : لقد قتلت سيوف المسلمين زعماء الفتنة الكبرى، ولم يلبث البيت الأموي أن انقسم على نفسه وقتلوا أنفسهم بأيديهم وأيدي الآخرين، ثم قضى العباسيون على معظم ذرية الأمويين ثم قضى المغول على معظم ذرية العباسيين.
وشهد التاريخ المعاصر مصرع كثير من الطغاة والثوار الذين أفسدتهم الثورة ومن بقى حياً لقى النفي والذل والمرض في أواخر حياته:
(رضا بهلوى) بدأ سائس خيل ثم ما لبث أن سيطر على الجيش الإيراني وحكم إيران وسيطر على ثروتها ثم اضطر الانجليز إلى نفيه في جزيرة موريشيوس فعاش حياته يربي الخنازير إلى أن مات طريداً .
ولم يكن ابنه الشاه محمد رضا أسعد حالاً ، لم يعتبر بمصير أبيه بل طغى وكدس الأموال وبلغت استثماراته الشخصية في أمريكا عشرات المليارات ، وحين طرده الشعب طردته أمريكا فعاش حياته الأخيرة مريضاً ذليلاً وما أغنى عنه ماله وما كسب .
وتكررت القصة مع (ماركوس) و( دفالييه)( ونوريبجا) ومن قبل كان (يعقوب جوون) النيجيري( وبوكاسا) الذي اختار العودة لوطنه من منفاه ليلقى جزاء ما قدمت يداه.
وما اتعس أن يعيش الحاكم المعزول أواخر حياته خائفاً مطارداً ملعوناً مريضاً، والعادة أن الأنسان في أواخر حياته يريد أن يعيش في مسقط رأسه بين أولاده وأحفاده في أمن وهدوء وراحة بال ولكن السلطة وبريق الثروة يذهب بالأبصار !!.
* * * * *
5 ـ ومساكين دائماً أولئك الحكام .. وهم يمثلون ضعف الإنسان في القصة التي تتكرر دائماً، ذلك الثائر المثالي الذى يأتي لإنقاذ الفقراء على حصان أبيض، ذلك المهدي المنتظر الذي يقف حصانه الأبيض أمام السرداب لكى تتفرج على يديه الأزمات ، ولكن ـ وآه من ولكن – لا يلبث أن يكتسب ملامح الطغاة ويهرب منه الحصان الأبيض إلى ثائر آخر وإلى سرداب آخر لينتظر المهدي المنتظر التالي. وتتكرر المأساة التي تمثل ضعف الإنسان.

6ـ وطالما بقى في الإنسان حيا يسعى قادرا على فعل الخير فأمامه الفرصة لكى يفتح صفحة جديدة نقية مع ربه " : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ )( الزمر 53 : 55 )
ملاحظة :
نشرت جريدة ( الأخبار ) المصرية هذا المقال عام 1990 حسبما أتذكر ، فى سلسلة ( القرآن هو الحل )، فى صفحة ( الرأى للشعب ).
وواضح بين السطور تحذير مسبق من وقوع السلطة فى الفساد ، ومن استغلال أصحاب السلطة نفوذهم للوصول الى الثروة.
ومن أسف أن هذا ما تحقق بالفعل ، ووصل بمصر والمصريين الى القاع .
أى كان هذا المقال شاهدا على عصره ، شاهدا ايجابيا يرفع الراية الحمراء محذرا منذرا ، بقدر السقف المتاح لى فى حرية الرأى وقتها .
ولا يزال هذا المقال بعد حوالى عشرين عاما صالحا للاستهلاك الآدمى،لقوم يعقلون.

اجمالي القراءات 16921