الحاكمية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٧ - أبريل - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال من الاستاذ عبد المجيد المرسلى عن ( الحاكمية ) والتى يرفعها الاخوان للوصول الى الحكم ، وهل لها علاقة بالاسلام .
آحمد صبحي منصور

الإجابة

شكرا إستاذ عبد المجيد المرسلى على هذا السؤال الهام ، واقول :

أولا :

1 ـ ظهر هذا المصطلح لأول مرة شعارا للخوارج ( لا حكم إلا لله ) . كانوا أعرابا محدودى الأفُق ، إنضموا لعلى بن أبى طالب كراهية فى قريش  ، وإشتهروا  بالشجاعة والتدين الظاهرى ، وبهم إنتصر ( على ) فى موقعةالجمل على ( عائشة ) والزبير وطلحة . فى موقعة صفين ضد معاوية قارب جيش ( على ) من الإنتصار إذ وصلت خيول قائده ( الأشتر النخعى ) الى القرب من فسطاط معاوية ، فطلب معاوية رأى عمرو بن العاص فأشار برفع المصاحف على أسنة الرماح والاحتكام الى كتاب الله .  سارع أولئك الأعراب الى الموافقة ، فرفض ( على ) وحاول أن يقنعهم إنها مكيدة ، فهددوه إن لم يوافق فسيسلمونه الى معاوية ، أرسل ( على ) مضطرا الى ( الأشتر النخعى ) يطلب منه التوقف ، فرفض لأنه قارب على النصر . أخبره (على ) إنه إن لم يتوقف فسيسلمه الأعراب الى معاوية . توقف القتال ، وجرت محادثات التحكيم . قبلها طلب ( على ) أن يمثّله ابن عمه ابن عباس فرفض الأعراب ، وجعلوا أبا موسى الأشعرى ممثلا له ، بينما إختار معاوية ( عمرو بن العاص ) . خدع الماكر عمرو بن العاص المأفون أبا موسى الأشعرى واتفق معه على أن يخلع كل منها صاحبه . أى أن يخلع أبو موسى عليا وأن يخلع عمرو معاوية . تقدم أبو موسى الأشعرى فخلع عليا ، وجاء عمرو فوافق على خلع ( على ) وأعلن خلافة معاوية . تشاجرا ، ولكن وقع الخلاف واستحكم فى معسكر ( على ). فالأعراب رفضوا التحكيم ، وقالوا إنهم كفروا إذ وافقوا على تحكيم الرجال وأنه ( لا حكم إلا لله ) .وطلبوا من (على ) أن يعترف مثلهم بالكفر وأن يقول مقالتهم ( لا حكم إلا لله ) ، رفض (على ) .فخرجوا عليه بهذا الشعار ، حاربهم وأنتصر عليهم فى موقعة ( حروراء ). ولكن لم تمت الفكرة ، فظلت تعيش ، فمن الخوارج من إغتال ( على بن أبى طالب ) وحاولوا إغتيال معاوية وعمرو بن العاص ، وظهرت ( المحكّمة ) الأولى ، وكان الواحد منهم يخرج على الناس فى الطرقات يصرخ ( لا حكم إلا لله ) ويقتل من يقابله الى أن يُقتل . وظهرت لهم فرق كثيرة ومختلفة ، وإشتهروا بقتل المخالف لهم حتى من النساء والرجال والصبيان ، ولهم فى ذلك فظائع .وربما نتوقف معهم فى بحث خاص . وقد إستمروا فى حرب نظامية ضد الدولة الأموية ، ثم فى حرب الدولة العباسية فى بدايتها .

2 ـ تم بعث مصطلح ( لا حكم الله ) فى شعار الإخوان فى عصرنا . وهم بكل ما يتمتعون به من غباء يستشهدون بالقرآن الكريم ، وهو مناقض لمزاعمهم .

ثانيا :

1 ـ منشور لنا هنا بحث عن الشورى الاسلامية ، والتى كان يمارسها النبى محمد عليه السلام ، وبها فإن ( الأمة ) هى مصدر السلطات ، وهى التى تحكم نفسها بما يعرف الآن بالديمقراطية المباشرة . وحين كنت أستاذا زائرا فى مركز الوقفية الأمريكية للديمقراطية قدمت لهم بحثا بالانجليزية عن ( جذور الديمقراطية فى الاسلام ) فطلبوا تكلمة البحث فأضفت له فصلا ، وأصبح إسمه ( بين ديمقراطية الاسلام وطغيان المسلمين ) ،وتتبعت فيه التحول من الديمقراطية الى الاستبداد فى دول الخلافة .

2 ـ الغباء الإخوانى يستشهد بآيات ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) ، (  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45)( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة ). والسياق ليس عن ( الحكم السياسى ) بل الحكم القضائى ، الحكم السياسى يأتى فيه الفعل متعديا لا بد له من مفعول مثل : ( حكم فلان الشعب ). أما الحكم القضائى فالفعل فيه ( لازم ) ، ليس له مفعول ، بل يأتى بعده حرف ( الباء ) أو كلمة ( بين ) . وهذا مفهوم وواضح من سياق سورة المائدة . قال جل وعلا عن اليهود عُصاة بنى إسرائيل فى عصر النبى محمد عليه السلام : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49).

تدبر كلمات ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ) ( يَحْكُمُ بِهَا )(  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا )( وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا ). فالحكم القضائى بين الناس يأتى هكذا ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )  (58)  النساء ). هذا فى الدنيا ، أما فى الآخرة فالحكم القضائى لله جل وعلا ( يحكم بين الناس ) . والآيات كثيرة ، منها قوله جل وعلا : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر ).

3 ـ لم تأت كلمة ( الحكام ) فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة ، مفهوم منها الفساد والرشوة . قال جل وعلا : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)البقرة )

أخيرا :

لا خير فى المحمديين طالما ظلوا خصوما للقرآن الكريم .

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 658