سكان المقابر.. منسيون في رمضان! |
|||
|
|||
القاهرة- نسج العنكبوت خيوطه الرفيعة على جدران منازلهم ليكون لهم صاحبا وانتشرت الحشرات فيها وكأنها لهم مؤنسً، وصارت الكلاب الضالة التي لا ينقطع نباحها شريكا لهم بالمسكن الذي شاركوا فيه الأموات رقدتهم.. إنهم نحو مليون ونصف مليون مصري لم يجدوا لهم مأوى سوى المقابر.. يشكون الفقر والإهمال لحالهم حتى في شهر الخير رمضان، عدا بعض المساعدات القليلة كان أبرزها تدشين مجموعة على موقع "فيس بوك" الاجتماعي الشهير بالتعاون مع جمعية بيتي الخيرية لتوفير 550 شنطة رمضان و500 وجبة يومية لسكان المقابر. وفي مقابر الإمام الشافعي بحي الخليفة (شرق القاهرة) يقول عم سيد - مساعد تربي- الذي يعيش وأولاده الخمسة بحوش إحدى المقابر: "سمح لنا أصحاب المقبرة بالعيش هنا مقابل الاعتناء بالحوش، ونبقى بانتظار زيارة أهل الميت من وقت لآخر خاصة في الأعياد لنسترزق منهم ببضعة جنيهات، وزيارة بعض أهل الخير الذين يرأفون لحالنا وهم قليلون، حتى في رمضان الحالي لم يأتنا منهم إلا القليل".
أما أم محمود القاطنة في "الإمام الشافعي" أيضا والتي توفي زوجها وتعيش في بيت أقرب لبيت الزواحف من كثرة ما تلهو فيه من زواحف وحشرات فلا دخل لها سوى معاش 100 جنيه (18 دولارا) من وزارة الشئون الاجتماعية لا يكفي حاجتها الأساسية هي وبناتها الثلاث. وتحكي: "وزعت علينا فتاة كارت نحصل بموجبه على دعم عيني من أحد أعضاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية بالبرلمان) بمناسبة شهر رمضان، وعندما ذهبت لمكتب النائب لأحصل على الدعم وجدته علبة سمن فقط، وهناك زحام شديد عليها". طلبت من موظفي المكتب -تتابع أم محمود- "إعطائي السمن دون مزاحمة نظرا لكبر سني، لكنهم ردوا عليّ بأن المساواة بين أهل الدائرة واجب على نائب الشورى، ويجب أن أقف في الطابور مثل غيري، والحقيقة لا أحد يعيرنا اهتماما، لا أعضاء مجلس شعب ولا شورى". أم هانم تتمنى الموت وتقسم أم هانم التي داهمتها الشيخوخة والعمى في آن واحد، ولا تستطيع حتى خدمة نفسها بعد أن تركها أولادها ضائعة في الدنيا "أتمنى أن أفتح القبر لأرقد مع الأموات وأرتاح من متاعب الدنيا، فليس لدي ما أعيش عليه سوى مساعدات زهيدة من الجمعية الشرعية، فضلا عن بعض التبرعات البسيطة لأهل الخير في هذا الشهر الكريم". منزل عم سعيد -الذي فقد قدمه اليمنى في حادث- لا يختلف كثيرا عن جيرانه إلا أن عدد القوارض ربما أكبر قليلا، ويقطن معه أولاده الثلاثة وابنتاه، وعن معاناته يقول: "كنت عاملا في هيئة الآثار قبل أن يستغنوا عني، فاشتغلت صبي تربي لأنفق على أهلي، ويساعدني أبنائي الثلاثة في عمليات الدفن، علاوة على عملهم كشيالين للبضائع في منطقة الإمام الشافعي، وبرغم ذلك لا نستطيع أن نوفر حد الكفاف وما زلنا في حاجة لمساعدات كثيرة لنحيا بشكل آدمي". روبابيكيا وعلى امتداد الطريق بين منطقة الإمام الشافعي والبساتين يسترعي نظرك ركام ضخم من "الكراكيب" على جانبي الطريق، ولو انحرفت ناحيته لفوجئت بشارع طويل يحيط بالمقابر عرضت فيه "الروبابيكيا" بجميع أنواعها، فضلا عن أكوام القمامة التي تعمي الأبصار، والأصوات الصاخبة التي تصم الآذان، فالناس في تلك المنطقة إما باعة جائلون أو شحاذون. ومن بين ركام القمامة تتحدث سماح قائلة: "المسئولون في مصر لا يكلفون خاطرهم ليعرفوا كيف نعيش، ماذا نأكل ونشرب أو نلبس، مما يزيد كراهيتنا لهم لأنهم يعاملوننا وكأننا درجة عاشرة، منبوذون لا يعبأ أحد بأمرنا، وحتى في شهر رمضان لا يقدم لنا الكثير نظراً لإحجام فاعلي الخير عن زيارتنا بعكس المناطق الحضرية التي تنال الكثير من الرعاية". أما محمد - أحد الباعة الجائلين - فيقول إنه يعمل مع أبيه في أحد "أحواش" الإمام الشافعي عندما يكون هناك زيارة وفي غير ذلك يعمل بائعا في منطقة البساتين ليساعد والده في تحمل مسئولية الإنفاق بعد أن تخلى الجميع عنهم حتى أن المساعدات التي تعلن عنها الجمعيات الخيرية طوال اليوم لا ينال سكان القبور منها شيئا، على حد قوله. ولا تقتصر المشاهد السابقة على سكان مقابر الإمام الشافعي فقط، فما يعانيه هؤلاء يتجرعه سواهم من مليون ونصف مليون مصري (وفق عدد من الدراسات) يسكنون المقابر، وخاصة مقابر الإمام الليثي، والدراسة، والبساتين. الحل على فيس بوك وعلى شبكة الفيس بوك كون بعض الشباب مجموعة لمساعدة سكان المقابر خلال شهر رمضان الكريم، بالتعاون مع جمعية (العالم بيتي) الخيرية التي تعمل على خدمة سكان القبور في منطقة الإمام الشافعي. وتهدف المجموعة إلى توفير 550 شنطة رمضان تضم كل منها (3 كيلوات أرز- 3 كيلوات سكر- 2 زجاجة زيت- علبة سمن وزن 1 كيلو- 1 كيلو مكرونة- صلصة- شعرية- عدس- تمر- شاي)، بالإضافة إلى مائدة رحمن تقدم 500 وجبة يومية لسكان منطقة الإمام الشافعي وما حولها. |