مقدمة :
الأغلب أن أي إنسان يضع هدفاً لحياته. وحتى الذي يغفل عن وجود هدف لحياته فإنه في الحقيقة يضع لها هدفاً دون أن يدري ، هو اللهو واللعب والانغماس فى الشهوات والنزوات ، أى يمضى عمره بين الغفلة والعبث ، ويوم القيامة يفاجأ بقوله تعالى(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)(المؤمنون 115، 116).
ربما يختلف مصيره لو عرف أن له جسدا آخر ، جسدا أزليا ، مطلوب منه أن يعتنى به أكثر من عنايته بجسده المادى .
ونعطى بعض التفصيلات من كتاب لنا لم ينشر بعد عن وقائع يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث .
أولا :الجسد المادى المعروف لنا:
1 ـ ومن أنواع العبث أن تتركز أهداف الإنسان في حياته الدنيا على جسده المادى حين يدور الانسان حول الجسد مشغولا بما يحفظ جماله وما يأتي به من متعة. وعندما يتقدم العمر، يذبل الجسد وتنطفئ حيويته ويذوي جماله ،يقول تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) (يس 68ـ)، وينظر الانسان وهو فى أرذل العمر الى (ألبوم) صوره فى شبابه متحسرا، وهو يرى إرهاصات الموت تزحف الى جسده ، وقد تحول الجسد إلى مشروع خردة تنبض بحياة واهنة ، ثم يأتي الموت فيتحول الجسد المعتنى به إلى
سوأة.
2 ـ ومن إعجاز القرآن الكريم أن يصف أول جثة في التاريخ بأنها سوأة، جاء هذا في قصة إبني آدم، حين قتل أحدهما الآخر، وكان أبوهما آدم حياً لم يمت وبالتالي لم يدفن، لذلك فإن القاتل تحير عندما تحول أخوه إلى جثة لا يدري كيف يتصرف معها، فتعلم كيف يدفن جثة أخيه أو سوأة أخيه، يقول تعالى (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (المائدة:31 )، لم يقل أواري أخي ، لأن أخاه رحل وترك جسده أو سوأته. أخوه الحقيقى هو النفس التى رحلت وتركت جسدها الفانى للأرض التى أتى منها .
ثانيا : النفس :
1 ـ فالنفس هي حقيقة الإنسان، وهي كائن لا ينتمى الى هذا العالم المادى بل لمستوى أعلى من الوجود يسمى فى القرآن البرزخ ، وفيه تكمن الأنفس التى لم تدخل بعد تجربة الحياة الدنيا ، من أحفاد أحفادنا ، واليه أيضا تعود كل نفس بعد موتها ومفارقتها لهذه الحياة الدنيا . الفارق بين الأنفس الأولى لأحفاد أحفادنا التى لم تدخل اختبار الحياة بعد والأنفس الأخرى ـ لأجدادنا ـ التى دخلت ذلك الاختبار الدنيوى وخرجت منه أن الأنفس من النوع الأخير تعود للبرزخ وهى محملة بعملها فى الدنيا إن خيرا وإن شرا ، وبه ستواجه مصيرها أمام الله جل وعلا يوم الحساب ..
2 ـ ولكل نفس بشرية موعد زمنى محدد، تدخل فيه إختبار الحياة الدنيا متمتعة بحريتها المطلقة فى الهداية أو الضلال.هذا التحديد الزمنى لكل نفس يعنى أن لكل نفس أجلا زمنيا يبدأ بلحظة انتفاض الجنين فى بطن أمه معلنا بداية انسان جديد ، وينتهى الأجل لذلك الانسان بالموت فى الموعد المحدد للموت بلا تقديم ولا تأخير.
يأتى أوان دخول النفس إختبارا لها فى الدنيا بأن تحتل جسد الجنين الخاص بها فينبض بحياة مختلفة عن نوعية الحياة التى كانت له من قبل ، ثم يخرج المولود جسدا غضا
مزودا بالنفس التي تحتل ذلك الجسد وترتديه ثوبا تحيا من خلاله في الدنيا، ثم بمرور الزمن المعطى له للحياة هنا يتخطى مرحلة الضعف الى قوة الشباب ، ثم يعود الى الضعف والشيبة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)(الروم 54 )، ثم يموت الجسد أويذوب ذلك الثوب عائدا الى الرماد الذى أتى منه.
ثالثا : الجسد السوأة :
1 ـ وبعودة النفس إلى البرزخ الذي أتت منه فإن ذلك الجسد الميت يصبح كارثة، لا يلبث أن يتحلل ويتعفن ولا يطيق أحد أن ينظر إليه أو يشم رائحته، فيكون من الأكرم لصاحب الثوب ـ أو صاحب الجسد الذي تركه ومضى ـ أن نواري ثوبه أو جسده تحت التراب، ليعود الجسد إلى أصله الترابي.
2 ـ أي كان ذلك الجسد الذي افتتن به الإنسان مجرد خدعه وغرور، بكل ما فيه من جمال العيون والقوام والأعطاف والأرداف. كل ذلك يتحول بالموت إلى عجينة عفنة يتقيأ الإنسان الحي إذا رآها أو إذا تخيلها.ومهما بلغ حب الرجل لحبيبته الحسناء ، ومهما بلغ هيام المرأة بحبيبها الوسيم فإنه بعد الموت لا يتحمل أن يأخذ ما تبقى من الحبيب بين أحضانه. لأن ما تبقى منه مجرد نفايات عضوية، لا تختلف كثيراً عن النفايات التي تخرج من الإنسان في حياته ، بل أسوأ.
3 ـ هذا الجسد هو سوأة حقيقية حتى وهو حىّ يسعى . فهو محتاج دوما للتنظيف والحماية والتجميل والعناية ، وإلا تحول الى مستودع للجراثيم والحشرات والقاذورات والنفايات . أما هذا الجمال الذى يتحلى به ذلك الجسد فهو مرحلى مرتبط بفترة النضج والشباب . هذا الجمال السطحى هو مجرد غطاء جلدى مظهرى خارجى يستر ويغطى أعضاء حيوية تشبه أعضاء الحيوانات الثديية ، من قلب وأمعاء وكبد ..أنسجة ودماء وإفرازات ، قد تم (تقفيلها) أوتغطيتها أو تعبئتها فى جلد ناعم ذى مظهر جميل أخّاذ،هو الذى نراه ونتعامل معه ونحبه . لو نفذت رؤيتنا لمحتويات هذا الجسد الفاتن لإمرأة رائعة القوام ساحرة الملامح فستتقيأ مما ترى فى داخل جسدها ، فكيف بها فى أرذل العمر ؟
وكيف بجسدها بعد الموت والتحلل ؟
رابعا " الجسد الأزلى يتكون من خلال العمل الصالح أو السيىء
1 ـ من هنا يصبح فعلاً من العبث أن يضيع الإنسان نفسه بالمراهنة على ذلك الجسد المرحلي الفانى ، بل الأفضل له أن يضع كل رصيده فى الايمان بالله جل وعلا واليوم الآخر وبالعمل الصالح ، وبذلك يتكون له جسد آخر أزلى يصلح به لدخول الجنة. وهذا هو الجسد الأزلي الصالح الذي يصلح به الإنسان لدخول الجنة. والإيمان والعمل الصالح لا يعني الزهد ولكن التمتع بالحلال الطيب بدون إسراف، مع الحمد والشكر لله تعالى على كل النعم، والقيام بحقه جل وعلا. والعمل الصالح يشمل مع العبادات حسن الخلق فى التعامل مع الناس وإخلاص العقيدة لرب الناس جل وعلا.
وبالصالحات يكون إبن آدم فى الآخرة "صالحاً" لدخول الجنة،وهذا معنى قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ )(العنكبوت:9 )، أى الذين عملوا الصالحات فى حياتهم الدنيا سيصلحون بها الى دخول الجنة ، فعملهم الصالح هو ذلك الجسد الأزلى النورانى الصالح للقبول فى الجنة و التمتع بما فيها . والنفس المطمئنة يوم القيامة ترتدي عملها الصالح لتصلح به لدخول الجنة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) ( الفجر27 :30 )، أى تستحق الجنة بعملها الصالح :(تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأعراف :43).
2 ـ أما الانسان الخاسر الذي أضاع حياته عبثاً فيقول يوم القيامة (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (الفجر: 24 ) ، أي لم يقدم عملاً صالحاً لحياته الحقيقية الخالدة فى الآخرة ، أى أضاع رحلة حياته الدنيوية القصيرة غافلا عن تزكية نفسه وتطهيرها بالانغماس فى الصالحات وتنقيتها من السيئات، أى أمضى حياته الدنيا فى الطواف حول جسد مادى هالك يستجيب لغرائزه عاصيا الخالق جل وعلا، ثم يخرج من حياته الدنيا بعمل سيء يتعذب به في النار، حيث تتجسد سيئاته وتتحول الى جسد أزلى تتم به آلية تعذيبه الأبدى فى الجحيم ، أى سيئاته فى الدنيا تتحول الى نيران ملتهبة يتعذب بها صاحبها فى الجحيم :(فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ) (النحل:34 )(يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ
وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(العنكبوت 55 )
3ـ يوم القيامة لو كنت فى الجنة ستتنعم بعملك الصالح الذى يتحول الى نور تدخل به الجنة وتخلد به فى الجنة . أما لو كنت من أصحاب الجحيم فإنه عملك السيىء الذى سيتحول الى ظلمات وعذاب ونيران تدخل به النار و تتطوق به خالدا معذبا فى النار.
4 ـ أى إن هناك جسدان لكل نفس بشرية :
- سوأة ،أى جسد مادى عضوى مرحلى خلقه الله جل وعلا من الأرض يرتديه كل انسان مذ كان علقة فى بطن الأم ، ويظل يرتديه الى أن يبلى ويموت .
- ثم هناك جسد خالد غير مرئى يصنعه إبن آدم نفسه بكامل حريته وإرادته. إنه عمله فى هذه الدنيا.وهذا العمل هو الذى يملأ به وعاء الزمن المقدر له أن يحياه فى هذا الكوكب الأرضى فى هذه الحياة الدنيا . وعلى أساسه يدخل الجنة أو يدخل النار.
خامسا : الجسد الأزلى ووعاء الزمن
1 ـ والزمن هو الضلع الرابع للمادة كما يقال فى نظرية النسبية. بالنسبة لنا فالزمن هو ضلع غير مرئى مع أنه الضلع الذى يحيط بنا والذى نتحرك فيه والذى يكتنفنا ولا نستطيع الخروج من إطاره إلا بالموت أوالنوم . الزمن فى دنيانا هذه هو القطار المتحرك بسرعة واحدة ومستمرة فى اتجاه واحد فى هذه الدنيا حتى نهايتها، لا يتوقف ولا يتأخر الى أن تنتهى هذه الدنيا وينتهى (هذا اليوم الدنيوى ) ويتدمر العالم ويأتى يوم القيامة أو ( اليوم الآخر ) بعد انتهاء اليوم الدنيوى الراهن . نسافر فى قطار الزمن هذا لا نستطيع إرجاع دقيقة مضت ، فكل دقيقة تمر لا تعود أبدا ( قل لى اين ذهب الاسبوع الماضى أو الشهر الماى أو يوم أمس ) .
2 ـ كل منا يركب قطار الزمن فى هذه الدنيا فى محطة مقررة له سلفا حين يولد ، وينزل من هذا القطار فى محطة الموت. ويتوالى مجىء كل نفس من البرزخ لتركب هذا القطار
حين تدخل فى الجنين ، ثم تغادره عند لحظة الموت ، يسرى هذا على الجميع ، من نفس آدم الى آخر نفس لإنسان من أبناء آدم ، كل نفس تدخله ذلك القطارمرتدية ذلك الجسد البشرى ، ثم تتخلص منه نهائيا عند محطة نزولها عند الموت.
وبعد أن تدخل كل الأنفس إختبار الحياة الدنيا وتموت وترجع للبرزخ الذى أتت منه يتم تدمير هذا العالم بأرضه وكواكبه وشموسه ونجومه ومجراته ، ويخلق الله عالما جديدا يتم فيه البعث ولقاء الله جل وعلا ، وينتهى الزمن المتحرك الذى كان فى الدنيا ليحل محله زمن خالد فى اليوم الآخر ، حيث الخلود فى الجنة أو النار طبقا للعمل الصالح أو السىء أى طبقا لطبيعة الجسد الأزلى الذى قامت بتكوينه كل نفس بشرية أثناء حياتها الدنيا وركوبها قطار زمنها المتحرك ذى الاتجاه الواحد .
3 ـ جسدنا المادى له ثلاثة أضلاع ، والزمن هو ضلعه الرابع كما قلنا ، إنه الزمن الذى نحياه فى هذه الدنيا ، وهو الضلع الأهم بالنسبة لنا لأنه : الجسد الآخر لنا أو الوعاء الآخر غير المرئى فى هذا العالم لكل نفس بشرية ، إنه الوعاء الزمنى الذى يحمل عملنا وسعينا فى هذه الدنيا ، وهو الذى يكمل جسدنا المادى ، والذى يكتنف جسدنا المادى . ولأنه سيكون جسدنا الأزلى الذى نخرج به من الدنيا بالموت وفناء الجسد المادى .
سادسا : دور الملائكة فى ملء وعاء الزمن و( حفظ ) و( كتابة )أعمال الانسان
1 ـ قلنا إن كل نفس تأتى من البرزخ الى هذا العالم ومعها وعاءان،أحدهما الجسد المادى أو الوعاء المادى الذى ترتديه مؤقتا فى هذه الدنيا ، وهى تظل محبوسة فى هذا الجسد المادى ، تستريح منه مؤقتا بالنوم ، وتستريح منه نهائيا بالموت .والآخر هو وعاء غير مرئى وهو الزمن المقدر لها سلفا أن تحياه فى هذه الدنيا ، من لحظة دخولها الجنين الى لحظة مفارقتها الجسد بالموت. وبالموت يتم ( تقفيل ) و ( حفظ ) و ( توثيق ) الجسد الأزلى ، الذى ترتديه النفس يوم القيامة .
فى كل حياتها الدنيوية تحمل النفس هذين الوعائين ، أحدهما وهو وعاء الجسد المادى المرئى ، والآخر هو وعاء الزمن الذى تكتب وتسجل فيه ملائكة الأعمال كل ما يصدر عن
الانسان من عمل وما يضمره من أفكار وعقائد ونيات ، خيرا أو شرا .
2 ـ ويقوم بذلك ملائكة الحفظ الموكلة بالبشر ،. (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) ( الانفطار 10 : 12 ) لكل فرد من البشر إثنان من الملائكة .ولأنهم (يكتبون) العمل فإن لقبهم الكرام الكاتبون .ولأنهم يكتبون العمل أولا بأول مثلما تسارع بالتعقيب على عمل ما فإن لهم لقبا آخر هو(المعقّب ) الذى يقوم بحفظ وتسجيل الأحداث أولا بأول ، أى سواء صرخت بالقول أو قلته همسا ، وسواء كنت مستخفيا باليل أو متسللا بالنهار فهناك معقبات من الملائكة تسجل صوتك وحركتك طبقا لأوامر رب العزة ، وبهذا تحفظ سجلا لحياتك موثقا بالصوت والصورة ، يقول جل وعلا يصف تلك الملائكة بالمعقبات التى تحفظ سجل أعمالك فى جسدك الآخر الأزلى أو كتاب أعمالك :(سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ )(الرعد10:11).
سابعا : العلاقة بين الجسدين المادى و الأزلى :
1ـ والعلاقة بين الجسدين عكسية ، فبمرور الزمن يتناقص عمر الجسد المادى وبنفس القدريزداد ما يتم تسجيله من أعمال صاحب ذلك الجسد ، أو يزداد امتلاء وعاء الزمن بنفس القدر الذى يتناقص فيه عمر الجسد المادى الى ان يأتى الموت بفناء الجسد المادى وقيام الجسد الأزلى بدلا منه ومعبرا عنه .
2 ـ ونشرح ذلك كالآتى : نفترض أن النفس ( س ) هبطت من البرزخ لتلتحم بالجنين الخاص بها. هنا يكون الجنين بداية جسدها المادى ، وعند التحامها به يحيط بها وبه وعاء الزمن المقدر سلفا أن تعيشه فى هذا الكوكب الأرضى وهذه الحياة الدنيا .
ولنفترض أن العمر المقدر لها أن تعيشه هو سبعون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان ، يبدأ العد التنازلى لحياة هذا لانسان بمجرد
التحام النفس بالجنين ، فإذا مرت ساعة زمنية يتبقى له من عمره المحدد سبعون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وست ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان . وكل ذلك مكتوب ومحدد ليس بالثانية بل بالفمتو ثانية وما هو أقل منها مما لم نصل الى علمه بعد . يقول جل وعلا عن عمرنا الذى يتناقص مع كل ثانية تمر بنا ونحن نركب قطار الزمن(وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ)( فاطر11) ).
3 ـ ان هذا العمر الذى نحياه فى هذه الدنيا والذى يتناقص مع مرور كل ثانية وكل ساعة هو نفسه وعاء الزمن المعطى لنا . وكما تنزل النفس مرتدية زى جسد المولود وبصحبة المولود المشيمة فهناك وعاء آخر غير المشيمة يهبط مع المولود ، هو وعاء الزمن . يهبط مع المولود وقد تم فيه سلفا حفظ حركات الجنين أثناء المراحل الزمنية التى قضاها فى الرحم ، ثم يستمر التسجيل لكل حركاته وسكناته وافعاله واصواته و نياته ومشاعره طفلا وصبيا وشابا وكهلا و شيخا ، تسجيلا مستمرا مع مرور كل ثانية وكل دقيقة وكل ساعة بنفس سرعة الزمن الأرضى الى أن يموت الجسدالمادى الأرضى وينهض بدلا منه ذلك الوعاء المسجل فيه حياة صاحب الجسد بكل تفصيلاتها . وتعود النفس للبرزخ تحمل هذا الجسد الأزلى أو الوعاء الزمنى تنتظر قيام الساعة ، ويوم الحساب تأتى للقاء الله جل وعلا تحمل ذلك الجسد لتلقى به مصيرها حسب عملها أو حسب نوعية جسدها هل هو صالح للجنة والنعيم أم محجوب عنهما فيلقى فى النار و الجحيم .
4 ـ ونرجع للعلاقة العكسية والتبادلية بين الجسدين المادى و الأزلى وعاء الزمن . ونستعيد ما يجرى للنفس ( س ) وعمرها المحدد (سبعون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان ).نتخيل هنا الوعائين الجسدى المادى والزمنى الأزلى ، وهناك نفق يصل بينهما ، فكل دقيقة زمنية تحياها النفس فى هذه الدنيا لا يمكن استعادتها أو استرجاعها لأنه تم بالفعل تسجيلها وحفظها فى وعاء الزمن أو الجسد الأزلى . أى كلما تناقص عمر الجسد المادى فإنه يتم حفظه وتسجيله وكتابته فى وعاء الزمن ، وبه يزداد نمو الجسد الأزلى بكل ساعة تمر وتنقضى وتنقص من حياة وعمر الجسد المادى . أى يتم تفريغ الجسد المادى ثانية بثانية ودقيقة بدقيقة ويوما بيوم وعاما بعام داخل وعاء الزمن الخاص به ، ليكبر الجسد الأزلى بينما يتناقص بنفس القدر
ما تبقى من عمر الجسد المادى .
ولنسترجع العمر المحدد للنفس (سين ) وهو ( سبعون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان ) ولنتخيل أنه مضى من عمره عشر سنوات بالتمام والكمال ، هنا يكون المحفوظ له فى وعاء الزمن هو نفس العشر سنوات، التى تناقصت من عمر الجسد المادى . ويتبقى له فى الحياة ( ستون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان ). هذه المدة ( ستون عاما وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات وسبع دقائق وسبع ثوان )لا تلبث أن تتناقص من عمر الجسد المادى وتضاف فى نفس اللحظة الى وعاء الزمن مسجلة لسعى النفس ( سين ) فى هذه الحياة الدنيا . ولنفترض أن النفس (سين ) وصل عمرها سبعين عاما وسبعة اشهر وسبعة ايام وسبع ساعات وسبع دقائق ) بالكمال والتمام ، إذن يتبقى لها من العمر سبع ثوان. ويكون قد تم تسجيل كل ذلك فى وعاء الزمن لتلك النفس ، وينتظر وعاء الزمن ليضيف اليه ما تبقى من الثوانى السبع ، وعندما تمر يأتى وقت الموت ويتم تقفيل وعاء الزمن ، فقد تم حفظ وأرشفة حياة النفس ( سين ) بالكامل ، وصحيح أنها فقدت بالموت ذلك الجسد المادى السوأة ، ولكنها كسبت بدلا منه ذلك الجسد الأزلى الذى سترتديه خالدة مخلدة فى الجنة أو فى النار.
ثامنا :عتبة الموت واللحظة الفارقة بين الجسدين المادى والأزلى
1 ـ عند الموت ينتهى الجسد المادى ليبقى ( الجسد الأزلى ، جسدعملك ) الذى تم حفظه فى وعاء الزمن ، أى بالموت ينتهى جسدك المادى ويقفل وعاء زمنك فلا يمكن أن يضاف له عمل بعد موت صاحبه . وأرجو أن تلقى فى الزبالة ذلك الحديث الكاذب ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ..)
وبالنيابة عن ذلك الجسد الأرضى الفانى السوأة يقوم بديلا عنه الجسد الأزلى ، بتسجيل وكتابة كل ما فعله وما نطق به وما أحسّ به ذلك الجسد الفانى الزائل . أى إنك أيها الانسان فى هذه الدنيا تخرج منها ميتا وقد تم ( حفظك ) أو (أرشفتك ) فى كتاب عملك ،
أو تم تسجيل وحفظ وكتابة كل دقيقة فى أرشيف حياتك .
2 ـ وقت الاحتضار عند عتبة الموت تكون اللحظة الفارقة . نحن نعبر هنا باللحظة مع أن اللحظة تعنى جزءا من الزمن بينما وقت الاحتضار والوصول الى عتبة الموت ينتهى الزمن الأرضى للمحتضر الواقف على عتبة الموت ، ينعدم الزمن ويكون اللازمن ، فقد تم تعبئة الزمن فى الجسد الأزلى بعد موت الجسد الارضى المرتبط بالزمن والذى كان الزمن ضلعه الرابع . ونضطر لاستعمال كلمة اللحظة لعجز اللغة الانسانية عن نحت لفظ خارج الادراك الحسى للبشر.
3 ـ من خلال التدبر القرآنى فى الآيات التالية (الواقعة 83 ـ ، النحل 28 ـ ، الأنعام 93 ـ ، المؤمنون 99 ـ ، المنافقون 11 ـ ،الأنفال 50 ، محمد 27 ) نستطيع تخيل ما يحدث هذه ( اللحظة ) الفارقة على النحو التالى :
- يحس المحتضر بانفصاله عن جسده المادى ودخوله بوابة عالم البرزخ مرتديا جسده الأزلى فقط .
- يرى أهله محيطين بجسده لا يستطيعون إنقاذه ، ويرى فى نفس الوقت لأول مرة ملائكة الموت ، ويتخاطب معهم ويتخاطبون معه ، بعد ان زال عنه الغطاء ، وهو الجسد المادى ، بينما لا يشعر أهل الميت المحيطون بجسده ما يدور من حوار بين نفس المتوفى وملائكة الموت.
- المتوفى الخاسر يدرك أنه فقد حريته وارادته الحرة وأصبح أسير قوة أكبر منه . كان لا يأبه بها فى غروره الدنيوى .
- لا يبقى له سوى الندم والاسترحام ـ دون جدوى ـ بأن يأخذ فرصة أخرى ليعمل صالحا .
- تقوم الملائكة بتبشير الميت الناجح فى اختبار الدنيا بينما تقوم بتأنيب بل وأحيانا ضرب المتوفى الخاسر .
- بعد هذه العتبة تدخل النفس بجسدها الأزلى الى غيب البرزخ ، ولا تستيقظ منه إلا عند القيام للبعث ،أو يوم القيامة .
- هذا لا يسرى على النفس التى مات صاحبها قتلا فى سبيل الله جل وعلا ، لأنه سيحيا فى البرزخ منعما برزق الله جل وعلا ، لذا جاء النهى عن وصفه بالميت لأنه حى انتقل من حياة دنيوية الى حياة برزخية يحس فيها بأهله وأهل الدنيا ، ولكن لا نحس نحن به ( البقرة 154) ( آل عمران 169 ـ ) ( يس ـ 27 ـ ). نتكلم هنا عن المحتضر العادى .
تاسعا : النفس وجسدها الأزلى يوم القيامة :
نعود للنفس وقد ارتدت فى الآخرة وعاء عملها أو وعاء الزمن الذى امتلأ بتوثيق حىّ لتاريخ الانسان وحركة جسده الفانى على الأرض. فقد فنى الجسد ـ أو الوعاء الجسدى المادى ـ وتحلل فى التراب ولكن بقيت سيرته خالدة موثقة مكتوبة فى الوعاء الآخر؛ وعاء الزمن . تاتى يوم القيامة كل نفس بوعاء عملها المكتوب فيه بالصوت والصورة والألوان الطبيعية تاريخ حياة جسدها الأرضى الفانى حين كان يسعى فى الأرض بالخير أو الشر. أى بعد أن يمتلىء وعاء الزمن الخاص بك بعملك وينتهى زمنك المقرر لك فى هذه الحياة عندها يكتمل ويمتلىء وعاء زمنك بجسد آخر تحمله نفسك على كاهلها وتدخل به الى الخلود فى الجنة أو الخلود فى النار وفق النتيجة التى ستعرفها وسيعرفها الجميع يوم العرض على الله جل وعلا ، يوم لقاء الله جل وعلا ، يوم الحساب . ومن أسف أن يختارمعظم الناس تضييع مستقبلهم فى الآخرة لأنهم انشغلوا بالجسد الفانى السوأة ، ومن أجله أهملوا الايمان الحق والعمل الصالح ، فيحملون أوزارهم على ظهورهم جسدا آخر يؤهلهم للخلود فى الجحيم ، وبه يتم تعذيبهم فى الجحيم .
عاشرا : معنى علمانية الاسلام هنا :
1 ـ فى الآخرة يتحول جسدك الأزلى الى كتاب أعمال لك تحمله فى عنقك يوم القيامة ، يحوى كل ما كان (يطير) عنك من عمل : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ( الاسراء 13 :
15 ).
2ـ واضح هنا المسئولية الشخصية لكل نفس وحريتها المطلقة فى ملء وعاء زمنها بما تريد من عمل وعقائد ، ثم مسئوليتها الشخصية على ما ملأت به وعاء زمنها . هنا تتجلى علمانية الاسلام ، حيث المسئولية الشخصية فى العقائد والعبادات ، وحيث لا تدخل لفرد او مؤسسة فى العلاقة بين الخالق والمخلوق ، وحيث لا يوجد فى الاسلام كهنوت ولا أزهر ولا (قم ) ولا ( إجلس ) ولا شيخ الأزهر ولا روح الله ولا دار الافتاء ولا مجمع البحوث ولا مجمع البلاليص . كل ذلك إفتراء على الله جل وعلا .
3 ـ ولقطع الطريق على الكهنوت الذى يغتصب سلطة الله جل وعلا و يبيع صكوك الغفران و أساطير الشفاعات البشرية فليس فى الاسلام على الاطلاق ان يشفع بشر لبشر.
إنه كتاب أعمالك ، إن كان يدل على نجاح صاحبه فهو الذى يشفع له يوم القيامة وهو الذى يشهد له بالجنة . والعكس صحيح فى حال الخاسرين الذين تشهد ( عليهم ) (ايديهم وأرجلهم وألسنتهم وجلودهم ) بما كانوا يعملون . فكتاب الأعمال قد سجل تسجيلا وثائقيا كل ثانية وكل دقيقة من حياة جسدك الأرضى الذى فنى وتم تسجيله فى وعاء الزمن أو كتاب الأعمال .
كل فرد يؤتى به مقبوضا عليه بصحبة ملكين كانا يلازمانه فى الدنيا يسجلان كل ما يصدر عنه فى كتاب الأعمال ، أو وعاء زمنه ، ويوم الحساب سيأتيان به أى بنفسه وقد ارتدت كتاب الأعمال أو لبست وعاء زمنها الممتلىء بعملها فى الدنيا . تأتى النفس مقبوضا عليها بنفس الملكين ولكن مع تغيير الاسم والوظيفة . فى الدنيا كان اسمهما ( رقيب وعتيد ) ،أى أحدهما يراقب والآخر حاضر وشاهد . ويتحولان فى الآخرة الى ( سائق وشهيد )، أى أحدهما يسوق المقبوض عليه والآخر يشهد عليه ، اى يكون شاهدا على تقديم كتاب أعماله .
وهناك فارق آخر، ففى الدنيا وأنت تحمل جسدك المادى السوأة لا يمكن أن ترى هذين
الملكين المرتبطين بك ، أما فى الآخرة وبعد أن تتحرر من جسدك المادى ينكشف عنك الغطاء فترى هذين الملكين . تدبر قوله جلّ وعلا:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(النجم16 : 22)
ختاما عزيزى القارىء
1 ـ لك جسدان . الظاهر منهما زائل وفان وقد يتسبب فى خلودك فى جهنم ، والأزلى منهما هو عملك فى حياتك الدنيا الناتج عن إرادتك الحرة .
2 ـ أى سيكون مصيرك يوم القيامة مؤسسا على نوعية هذا الجسد الذى تصنعه بعملك وعقيدتك فى هذه الدنيا ، فأنت حيث تريد أن تضع نفسك فى الجنة أو النار، وأنت الذى تكتب بتصرفاك كتاب أعمالك ، وأنت الذى تعبىء وعاء أعمالك الذى ستأتى به تحمله يوم الحساب يوم لقاء الله عزّ وجلّ، وأنت الذى تقرر دخول الجنة أو النار حسب عملك ، وستكون رهينا وأسيرا بعملك أو بمحتويات هذا الجسد الخفى الأزلى الخالد فى الجنة أو فى النار: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور21 )(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)(المدثر38).
3 ـ من أجل هذا تأتى مئات الآيات القرآنية تصف نعيم الجنة وعذاب النار وتنذر وتحذّر وتنصح وتعظ قبل فوات الأوان ، وحتى تسارع ببناء جسد يشع نورا يوم القيامة ، وحتى لا تقع فى عبادة هذا الجسد الأرضى السوأة وتنسى وتضيع مستقبلك يوم القيامة .
4 ـ يقول جل وعلا عن يوم العرض على الله جل وعلا :(وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا)، وتقول الآية التالية عن كتاب الأعمال : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَدًا )( الكهف 48 : 49 ).
ودائما .. صدق الله العظيم .!