(3)
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
المهدي المنتظر وأسطورة نهاية العالم!
ذكر هيغل في مقدمة كتابه الموجز "موسوعة العلوم الفلسفية" أن التفلسف هو أن نتساءل عما هو خارج النظام... وهذا لا يقتصر على ما نسأل عنه، وإنما هو أيضا التساؤل نفسه. ولكننا لن نجد التساؤل على قارعة الطريق بحيث نستطيع ذات يوم أن نقع عليه صدفة أو سهوا بل يوجد التساءول بالبحث في خارج النظام حيث أن التساؤل نفسه خارج على النظام. وفي الحقيقة أنه حتى القرآن الكريم دعانا إلى التفكر وإعمال العقل و التدبر والتساؤل في كل شيء من خلق السموات والأرض وخلق كل ما هو حولنا وحتى خلق أنفسنا.. (وفي الأرض أيآت للموقنين * وفي أنفسكم افلا تبصرون ) (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا)
فكان لي بالتالي الحق في التساؤل..
كيف بدأ الله الخلق؟؟ وكيف سينتهي بالخلق المآل؟
إن الإجابة على الشطر الأول من السؤال لايعد بالنسبة لي مصدر تشويق فقد قضى الله أمرا كان مقضيا وما وجدناه في كتاب ربنا المقدس آمنا به وكفى..
ولكن نهاية العالم أو أحداث الساعة ذكرها المولى عز وجل في أكثر من موضع بكتابه الكريم والتصديق بذلك واجب لا محالة لأن المخبر وبكل بساطة هو (الله سبحانه).
غير أن بنو البشر قاموا بإضافة أحداث إدعوا حدوثها قبل قيام الساعة وأسموها بعلامات أو أشراط الساعة..
وقسموها بالتالي الى صغرى وأخرى كبرى!! وكلاهما لم أجد إشارة واضحة لها في كتاب الله ..
في الواقع.. لقد أرخ في ذلك الكثير من عرابي التراث الإسلامي ورسم سيناريوهاتها سلفنا الصالح فكان مما كان خوارق وأساطير لا يمكن لعاقل التصديق بها..
وحتى تجد لها طريقا الى قلوب المسلمين قاموا بتقديمها في صبغة دينية وطابع نبوي فدونها مباشرة مخرجي الأحاديث على أنها روايات مقدسة عن رسول الله محمد!! وبالتالي تصدرت هذه الأحاديث النبوية المزعومة أبواب الفتن والملاحم بآخر الزمان في مؤلفات عدة كالفقهية والتاريخية والسياسية.. فصدقوها وكذبوا الرسول نفسه الذي قال في كتاب ربه الكريم (قل ماكنت بدعا من الرسل وما أدري مايفعل بي ولا بكم)!! وقوله تعالى (قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ان انا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون)، ولكن ثقافة العرب أبت إلا أن يكون لها نظريتها الخاصة والتي تعرض نهاية العالم بمعطيات مستحيلة على طريقة أفلام الأكشن بهوليوود وروايات دان براون الشهيرة.
تعرض هذه النهاية حسب أدبيات الفكر الإسلامي والتي تناولت الأحداث الرئيسة على شكل علامات الساعة الكبرى والتي لم يشر إليها القرآن مطلقا كما أسلفنا بل هي فنتازيا روائية حبكها أشخاص قبل ألف سنة وتم تقديمها على مبدأ أنها غيبيات تعزز قوة إيمان المسلم وقدرة الدين على قراءة المستقبل رغم النهاية الوحشية التي اعتمدت في احداثها الظلامية والسوداوية بإسلوب رجعي وغير منطقي وخرافي.
الشخصيات الأساسية في الرواية هم (المهدي المنتظر أو المنقذ) والشخصية الأهم في قوى الخير.. وإلى جانبه السيد المسيح الذي يتحالف معه..
وفي الاتجاه الأخر بطل السلاسل صاحب الخوارق الأعور (المسيخ الدجال) أو ما يسمى في الديانة المسيحية بـ (Antichrist) وهو زعيم قوى الشر وكل هؤلاء لهم قدرات خارقة ومستحيلة .
السوبر مان الإسلامي"المهدي المنتظر" سواء خرج من "سردابه الشيعي" بعد الآف السنين أو ظهر فجأة قرب الكعبة كما في الرواية السنية فهو سيكون زعيم أسطوري ولا أدري على أي مذهب سيأتي بعد أن فرقت الأحاديث المكذوبة أمتنا الإسلاميه إلى بضع وسبعين شعبة كلها في النار!! إلا واحدة!!
على كل حال تقول الأدبيات أنه سيحرر بيت المقدس ويقتل المبتدعين وقوى الشر في العالم أجمع.. وفي وسط هذه الأحداث ينزل السيد اليسوع (عيسى ابن مريم) على مركبة سماوية "على جناحي ملك" ليساهم في دعم المهدي!! ويكسر الصليب ويصلي خلف الأمام المهدي!! كتعبير عن تنازل المسيح عن دعوته السابقة ليعلن أنه يعمل لحساب المهدي الإسلامي!! وبالمناسبة أن ناسج هذه الرواية أو ناسجوها يعلمون جيدا أن النصارى يؤمنون بعوده المسيح وبالتالي تم ربط الأسطورتين سوية لتتسع القاعدة الجماهيرية لهذه الرواية!!
بقي المشهد الأخير بطل الرواية من جانب قوى الشر.. (المسيخ الدجال).. وركزوا معي أنه أعور كأسطورة قراصنة الكاريبي!! وقبيح المنظر!! وفوق جبينه حروف مقطعه "ك ف ر" تشير إلى كفره وبالتالي لن تجد صعوبة في فك هذه الشيفرة!!! وهذا الشرير يدمر الكون ويسعى في الأرض الفساد ويستعبد العباد ويعذب المؤمنين ليردهم عن إيمانهم بقدراته الكونية القاهرة (والتي سخرها الله له)!!!! فيأمر السماء فتمطر؟!؟!؟ والأرض فتزهر؟!؟! وتحصل معارك دامية اتفقت عليها الروايات الاسلامية مع أختها "التوراتية" في موقعة أسموها "هرمجيدون" يقف فيها أهل الشر مع المسيخ الأعور وأهل الخير مع "السوبر مان" المهدي المنتظر والعجيب أن الإشتباك هنا سيكون بوسائل بدائية من سيوف وحراب ومنجنيق وخيول وسهام!!!
فتنتصر قوى الخير في أخر المطاف وتسقط قوى الشر على اعتبار ان كل الأديان والأفكار التي تختلف مع الإسلام هي ايضا قوى شريرة سيكون مصيرها هو مصير المسيخ الدجال فتمطر السماء وتخضر الأرض ويسود السلام في كل مكان وتبقى كذلك حتى تقوم الساعة!!!
يظهر للقارئ الكثير من الإشكاليات التي ترفض هذه الرواية "اليقينية" عند معظم المسلمين..
منها أن الأشخاص الذين كتبوا هذه النهاية للعالم كتبوها بمخيلة العصور الوسطى قبل ألف سنة وإحداثياتها لم تعد مفترضة الآن، فالوسائل المستخدمة في المعارك الحربية بدائية جدا دون إشارة إلى حضارة الكهرباء أو الطاقة البديلة التي لم يعمل لها حساب لأنهم لم يتوقعوها فأين وكيف ستذهب هذه الحضارة العلمية الجبارة على أساس هذه الفرضية؟؟ وكيف سنواجه العالم بهذه القراءة الساذجة عن المستقبل؟؟
كذلك المسميات المكانية للمناطق قديمة لم تعد سائدة اليوم و قبائل السفياني وبني قيس لم يعد لهم تاريخ وكأنهم شخصيات خرافية .. إذ أن الرواية لم تراع التطور المجتمعي والعلمي في المستقبل وظهور الدول والنظريات السياسية المتقدمة.
إن تحرير بيت المقدس والحروب الدينية وتعاون الشجر والحجر مع المسلمين (يا مسلم بجانبي يهودي فاقتله) كل هذه مسرحيات هزلية تشترك في خدمة الشيطان وحروب الإبادة الدينية والعرقية وهلاك الجنس البشري وقع ضحيتها المسلمون وقبلهم اليهود والنصارى وما هي إلا تراكمات نفسية بسبب العلاقات التاريخية العدائية السابقة وهي تفسر النزعة الإنتقامية بين الملل السماوية، كما أنها نوع من المواساة الزائفة التي تعوضنا بشكل خيالي عن الهزيمة الداخلية التي نعاني منها بسبب الوضع الراهن وتدعونا الى إتكالية حمقاء و وهم أسطوري ننتظر فيها العدالة والإنصاف بواسطة السوبر مان عليه السلام وعجل الله وصوله وفك أسره إذا كان شيعيا!!
في الأخير إذا كان هناك تشابه في الفكرة الروائي بين الديانات اليهودية والمسيحية فتلك الأخيرتين رفضتا ذلك منذ زمن طويل ولم يتبق منها إلا روايات أسطورية تعرض على هيئة سلسلة أفلام "سيد الخواتم Lord of the rings".. ولكن الفرق بيننا وينهم أنهم لا يحرمون رفض هذه الرويات ويعتبرون من لا يؤمن بها زنديقا ملحدا!! وأي تشكيك بهذه الروايات هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه!!
فمتى سنحرر عقولنا من هذه الترهات؟؟
والى متى نضل تحت وطئة الذل والهوان منتظرين تقاعسا وكسلا واتكالا لشخصيات خرافية لم يشر إليها كتاب الله!!
دعوة الى إعمال العقل وتحريره من فكر "ما ألفينا عليه أبائنا" وسياط كل سلطوي ملتحي أتخذ الدين أداة لقمع وإرهاب الخصوم وسبيلا لأدلجة عقول السفهاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ