آحمد صبحي منصور
في
الثلاثاء ٠١ - أكتوبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
الاجابة :
أولا :
قوله جل وعلا ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) جاء أيضا فى : الأنفال 3، القصص 54 ، ، السجدة 16 ، الشورى 38 ) وبنفس المعنى فى آيات كريمة أخرى يكفى منها قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) فاطر) .
ثانيا :
1 ـ أذكر أنه في أوائل الثمانينيات حدثني أحد كبار التجار من ذوي اللحي والمسواك عن طريقته في إدارة تجارته، وقد سألته عن حق الله في زكاة أمواله، وفوجئت به يفتخر بأن له عشر سنوات ما أخرج الزكاة .!. وقبل أن ابتلع دهشتي قال : كما تعلم فإن الزكاة لا تجب إلا كل حول ( أي بعد مرور عام ) وأنا قبل أن يكتمل الحول أجعل أرباح العام تدخل في رأس المال . حتى إذا حال الحول كان مكسبي صفرا فلا ادفع زكاة المال . وهكذا طيلة السنوات العشر الماضية . ودخلت معه في جدل ولكنه تمسك بأحاديث يحفظها ، وبأن دورة رأس المال ينتج عنها في النهابة رخاء المجتمع فيستفيد منه مستحقو الصدقة . وانصرفنا وقد قرر كل منا أن يقطع علاقته بالآخر .وأحسبه الآن قد أصبح في عشرات الملايين ، وهو يحرص كل عام على أن تكون أرباحه صفرا حين تدخل في رأسماله وينجو من دفع الصدقة والزكاة بينما يتضور الفقراء حوله جوعا ولازلت أتذكر فحوى الحوار الذي دار بيننا .
2 ـ هذا التاجر متفق مع دينه السُنّى . هناك حديث أبي داود ." وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول .." وهناك قول منسوب لابن عمر " من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول .." وهناك رواية مالك في الموطا " لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول " .
3 ـ ولكن هذا يخالف الاسلام العظيم .
3 / 1 : فى الاسلام صدقات رسمية يجمعها الحاكم ، ولها مستحقوها المنصوص عليهم فى قوله جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة )، ثم الصدقات الفردية . وفى الحالتين ( الرسمية والفردية ) فالمؤمن هو الذى يحدد مقدار الزكاة فى تعامل خاص بينه وبين ربه جل وعلا ، حيث لا رقيب عليه إلا الذى يعلم السّرّ وأخفى ، هو الذى يحدد صافى الربح ويحدد نسبة الزكاة فيه ، 10% ن أكثر أو أقل . ولكن عليه فى الحالتين أن يُخرج الزكاة عن أى مال يحصل عليه .
3 / 2 :الصدقات الفردية أبوابها مفتوحة كل يوم ، لتشمل أفرادا يعرفهم المسلم الذي يتصدق بماله، وهو أعرف بالمستحقين ، وأولهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل .. وهى في كل يوم وفي كل الظروف .. إذا مرض الوالدان هل تقول لهما : سوف أعالجكما حين يحول الحول ؟
4 : ويقول جل وعلا عن الصدقة الفردية التطوعية :
4 / 1 :( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ): البقرة 274 " إذن هو إنفاق مستمر ليل نهار ولا ينتظر حتى يحول الحول .. ولأنه مستمر ليلا ونهارا فلا يهتم صاحبه إذا كان ذلك سرا أو علانية المهم أن يرضي ربه ، لذا فلا خوف عليه ولا يحزن ..
4 / 2 : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ : آل عمران 134 " إذن هو إنفاق في الغنى والفقر ، في العسر واليسر ، في الربح والخسارة في السراء والضراء ، وليس مثل صاحب اللحية والمسواك والجلباب والملايين يكتنز الأموال عاما بعد عام وهو يخدع الناس بمعسول الكلام والحوقلة والبسملة ، وكأنه لم يقرأ قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ): التوبة 34 .
5 / 1 : ـ إن السائل – أو المحتاج الذي يسأل المعونة – له حق ، وللمحروم حق ، قال جل وعلا : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ) ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج ) وحين يأتي الإيراد شهريا أو يوميا فلابد من إخراج ذلك الحق طاعة لقوله جل وعلا : ( َوآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ): الأنعام 141 ". والمسكين الجائع يحتاج ثلاث وجبات يوميا ، وابن السبيل قد يأتي في أي يوم .
5 / 2 : ثم هناك حق الأقارب ، وقد يحتاجون في أي وقت ، ولابد لكل منهم أن يحصل على حقه طاعة لقوله جل وعلا : ( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ: الإسراء 26 )، ( فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الروم 38 ).
6 ـ والمؤمن المتصدق يكفر بقولهم : ( حتى يحول الحول ).!
أخيرا :
بالمناسبة : لنا كتاب عن الزكاة منشور حلقاته هنا ، وفيه التفصيلات . أرجو أن ترجع له .