خسروا الدنيا والآخرة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٥ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
السؤال الغريب ان كل الدول التى ترفع راية الاسلام لا توجد فيها عدالة إجتماعية ، ولكن فيها تفاوت كبير جدا بين الأغنياء والفقراء ، ويتحول الأغنياء الى بليونيرات ويتحول الفقراء الى أفقر الفقراء ، والطبقة الوسطى تتضاءل وتنكمش ، منهم من يبيع شرفه ليلحق خادما للبليونيرات المترفين ، والاغلبية منهم يقهرها الغلاء والدخل الذى لا يجاريه فيصبح من الفقراء . فى الغرب لا يوجد هذا . يكفى وجود الطبقة المتوسطة بثقلها ودورها . أرجو توضيح الآتى : لماذا إنفردت الدول الاسلامية بهذا ؟ ولماذا لا يوجد هذا فى الغرب ؟ وما الذى نفعله لاصلاح الوضع ؟
آحمد صبحي منصور

الاجابة :

مقدمة  :

دعنى أهمس فى أُذنك بصوت جهورى : إنك أيضا محتاج للإصلاح ، فأنت تخلط بين الاسلام والمسلمين . تنسى الفارق بين المبدأ والتطبيق . حتى فى النظريات البشرية كالشيوعية يوجد فرق بين النظرية وتطبيقاتها العملية والتى تتأثر بالهوى وثقافة المكان وظروفه وثوابته الاجتماعية والدينية . يصل الأمر للتناقض بين مبادىء الاسلام وقيمه وتشريعاته ، وبين الأديان الأرضية للمحمديين الذين يرفعون راية الاسلام ويتناقضون معه فى ( لا إله إلا الله ) وفى بقية التفصيلات . على أى حال فإن توجهك لنا بالسؤال دليل على أنك سمعت بنا وجئتنا محملا بأوزار المحمديين تتساءل . ونحن نرحب بك ، وندعوك لأن تقرأ لنا كثيرا ، فمعظم ما نكتبه فى تفصيلات الاجابة على أسئلتك . وإكراما لك سنقول بإيجاز : 

أولا :    

  • عناية القرآن بحق الفقير أفردت له نصيبا مفروضا في الزكاة والصدقة والغنائم والفيء . بل إن إيراد الفيء كان مقصورا على الفقراء بأصنافهم ، والفيء هو الغنائم التي تأتي للمسلمين بدون حرب . يقول الله سبحانه وتعالى : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر )    

  • إن الهدف من تقسيم الفيء على الفقراء دون الأغنياء هو عدم تركيز الثروة وتكديسها في أيدي طبقة الأغنياء كي لا يكون دولة بين الأغنياء يزدادون به غنى ويتحولون الى مترفين .

  • وفي ذلك العصر كان معظم الأغنياء في المدينة من المنافقين – وقد نهى الله النبى محمدا  عن أن يعجب بأموالهم وأولادهم : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)( وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة ). وكانوا ـ مع ثرائهم وبخلهم ـ يطمعون في أن يعطيهم النبي من الفيء والغنائم والصدقات ، بل كانوا يلمزون النبي إذا  حرمهم من هذه الأموال ، لذا يقول تعالى عنهم : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ) .

  • وحتى لا يعترض أولئك الأغنياء من حرمانهم من الفيء فإن الله جل وعلا يقول لهم : ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) . أي عليكم أن ترضوا بما يعطيه لكم الرسول من الفيء إذا كنتم من المستحقين له ، وعليكم أن تنتهوا عن طمعكم فيما ليس حقا لكم . ثم توضح الآيتان التاليتان مستحقي الفيء من الفقراء من المهاجرين والأنصار فتقول: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ( 9 ) الحشر) . المهاجرون تركوا أرضهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ، والأنصار الفقراء آثروا إخوانهم المهاجرين مع ما بهم من خصاصة وفقر وحاجة ، أما الأغنياء المنافقون فقد بخلوا بأموالهم وطمعوا فيما ليس حقا لهم ..

  • لقد انتصر الإسلام للمستضعفين فكانوا في مقدمة أتباعه بينما وقف المترفون في مكة وفي المدينة يكفرون بالقرآن الكريم حرصا منهم على امتيازاتهم الطبقية والاجتماعية ، فقال لهم رب العزة جل وعلا  : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ).

  • وقد ألجأوا النبى والمؤمنين للهجرة ، وكانوا قد جهزوا جواسيس من أقاربه وأصدقائه هاجروا ضمن المؤمنين الصادقين ، وأحاطوا بالنبى واصهر بعضهم اليه ، وقد كتموا نفاقهم ، وفى أواخر ما نزل قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)  التوبة ). لم يكن يعرفهم النبى محمد ومات وهو لا يعرفهم ، وأنبأ الله جل وعلا بأنه سيعذبهم مرتين فى الدنيا قبل العذاب الغظيم فى الآخرة . ومعنى هذا عدم توبتهم . وأنهم سيستأنفون مسيرة قريش فى الكفر السلوكى بالاعتداء والكفر العقيدى فى التكذيب ( العملى ) بالقرآن الكريم . وتجلى هذا فى حربهم الأعراب بحجة الردة ، ثم بالفتوحات الكافرة ، والتى إستغلوا فيها الأعراب أنفسهم ليكونوا عصب قوتهم العسكرية . وإستأثروا دونهم بالأموال فكانت حركات الخوارج والفتنة الكبرى .

  • في الفتنة الكبرى نري من أعلامها من الصحابة : عبدالله بن الزبير وطلحة بن عبدالله وعمرو بن العاص .. ومن خلال كتب التراث نتعرف على ثرواتهم التي تفوق الخيال بمقياس عصرنا . يذكر ابن سعد في الطبقات عن الزبير بن العوام ترك عند وفاته ما قيمته (52 مليون دينارا) بالإضافة إلى سيولة مالية قدرها(35) مليون دينار و(200 ألف دينار) وأنه ترك خططا – أي عمائر – بمصر والإسكندرية والكوفة والبصرة وإحدى عشر دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة . أما طلحة بن عبيد الله – الذي كان يتحلى بخاتم من ذهب فيه ياقوتة حمراء – فقد ترك سيولة مالية قدرها(2ر2 مليون درهم) وقيمة ما تركه (30 مليون درهم) ومائة ( بهار) وفي كل بهار ( ثلاث قناطير من ذهب ) و ( البهار) مكيال يساوي أردبين أي (200أردب) من الذهب .!! ( طبقات ابن سعد 3، 1 ، 77، 157: 158) وعمرو بن العاص ـ الذي افتتح مصر وأكل خيرها ـ ترك عند وفاته سبعين بهارا من الدنانير ،أي (140 أردبا) من الذهب .. !! خطط المقريزي( 1- 564 ) .                                     

  • نسي أولئك أن للفقراء حقا ، ولو أعطوهم حقهم لما بقيت لديهم تلك الملايين المكنوزة والتي تركوها خلفهم . ونسوا أنهم لو أعطوا الفقراء حقهم كما أوجب رب العزة جل وعلا    ما أصبح المال دولة ببين الأغنياء، أو بتعبير عصرنا ما تكونت طبقة من الأثرياء المترفين التي تسيطر على معظم الثروة بينما تقاسي الأغلبية من الحرمان . ووجود المترفين فى أى مجتمع إرهاص بتدميرها .

  •  لقد جاء الإسلام لينقذ الفقراء من ظلم الأغنياء ، ولكن الذي حدث أن الخلفاء الفاسقين ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ..الخ ) ورثوا كنوز الأكاسرة والقياصرة ولم يلتفتوا لإصلاح حال الشعوب ، بل عوملت الشعوب المفتوحة في عصرهم وعصر الأمويين بالتعسف والظلم حتي من أسلم منهم كان يدفع الجزية ..!!.

  • لم يذكر التاريخ أولئك الصحابة النبلاء من المهاجرين والأنصار المشار اليهم فى سورة الحشر وفى غيرها : ( الأحزاب 22 : 23 ) ( التوبة 88 :89 ، 91 : 92 ، 99 : 100 ). ذكر التاريخ أكابر المجرمين لأنه ـ التاريخ ـ ينام فى أحضان الطُّغاة .  

  • إن صمام الأمن في أي مجتمع هو إعطاء الفقراء حقهم .. وإذا أكل الأغنياء حقوق الفقراء فإنما يحفرون قبورهم بأيديهم .. ! ولقد قتل ( عمر ) ( أبا بكر ) ومات مقتولا عمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة .. كل منهم ( مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) المسد ) .

ثانيا :

1 ـ الجريمة الكبرى للخلفاء الفاسقين إنهم جعلوا عدوانهم على من لم يعتد عليهم دينا ، وجعلوا دينا توابع الاعتداء من سلب ونهب وسبى وإسترقاق وفرض للجزية . ولأنه صار دينا فقد تأسست عليه أديان شيطانية لا يزال منها : السُّنّة والتشيع والتصوف . يختلفون فى كل شىء ويتفقون فى أن الجهاد بمفهوم الخلفاء الفاسقين فرض شرعى . لا فارق هنا بين أبى بكر ( الزنديق ) وأبى بكر البغدادى الداعشى . تسبب هتلر فى قتل عشرات الملايين . ولكنه ظلم البشر فقط . إذ لم يزعم أن قتاله فى سبيل الله جل وعلا ، ولذا أصبحت النازية ملعونة بعده ، ولا تزال اللعنات تلاحق هتلر ، أما الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر / عمر / عثمان / على ) فقد أصبحوا آلهة ، ومعهم صحابة الفتوحات ، وأن تنتقدهم فهو كُفر .  

2 ـ لأن فتوحات الخلفاء الفاسقين أقامت إمبراطوريات ذات صبغة دينية فقد أصبح من ثوابت ( المحمديين ) وجود مستبد يستخدم كهنوتا دينيا أو يكون هو الكهنوت الدينى.

3 ـ ناضلت أوربا حتى تخلصت من سيطرة الكنيسة ، وقد حظرت تجولها فى دنيا السياسة ، وإقتصرت على الأعمال الخيرية . بينما لا يزال المحمديون أسرى للطغيان السياسى والدينى 4 ـ يكسب الغرب الدنيا بينما يخسر المحمديون الدنيا والآخرة . 

اجمالي القراءات 1359