ءادم وعيسىٰ
جآء فى كتاب ٱللّه ٱلقرءان ٱلقول ٱلعربىّ ٱلتالى:
"إنّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" 59 ءال عمرٰن.
هذا ٱلقول بٱلتماثل بين ءادم وعيسى دفعنى للتفكير وٱلسؤال: إذ كيف يكون مثل عيسىٰ كمثل ءادم وهما بعيدان فى ٱلزمان وٱلمكان وٱلتطور؟
وحتى يكون لى جواب على هذا ٱلسؤال أتوجّه للنظر فى قصّة ٱلبشر وتطوره إلىۤ إنسان كما تحدثت عنها نظرية ٱلتطور. ولن يكون جوابى فى هذه ٱلمسألة يستند على ما قاله علمآء ٱلأنتروبولوجى عن أصل ٱلإنسان من دون عقل لقولهم مع ما جآء فى كتاب ٱللّه ٱلقرءان. ولن يكون لجوابىۤ أىّ صلة بما قاله ويقوله ٱلكهنوت بجميع ألوانه وطوآئفه.
يقول علمآء ٱلحيوٰة ما كان تشارلز دارون قد قاله عن أصل ٱلبشر من أنّه يعود إلى ٱلرئيسات ٱلعليا كٱلسعادين بألوانها ٱلمختلفة. ولن أختلف مع قولهم فى مسألة ٱلأصل هذه. وكان دارون قد قال أنّ سبب ٱنتقال واحد من هذه ٱلرئيسات إلى مفكر ومتكلم مفقود وغير معلوم. ثمّ تابع من بعده علمآء ٱلحيوٰة هذه ٱلمسألة وقالوا فيها قولا ظنيًّا. وجميع علمآء نظرية ٱلتطور ينسبون ذلك ٱلطور ٱلعظيم فى حيوٰة ٱلبشر لما يسمّى "طفرة caper" فعلت بها "صدفة coincidence" (كما تستعمل ٱللّغة ٱلفصحى كلمة طفرة وكلمة صدفة).
وهو مآ أَختلفُ فيه معهم. إذ كيف لهذه ٱلصدفة أن تفعل وتختار واحدا من تلك ٱلرئيسات وتدفع به إلى مفكر ومتكلم من دون أن يكون لهاۤ إرادة ولا منهاج معلوم؟
وما هى وسيلة تلك ٱلصدفة ومن أين أتت بمنهاج عظيم كمنهاج ٱلتعليم وٱلكلام وٱلتفكير؟
ولماذا لم ولا يحدث مثل هذا ٱلأمر مع رئيسات أخرىۤ إلى ٱليوم؟
كنت فى مقال "مثل عن ٱلذين فى قلوبهم زيغ" قد عرضت لقول بعض علمآء ٱلحيوٰة عن علم ٱلمزارعين فى طور ما قبل ٱلتاريخ. وكنت قد فهمت من قولهم فى مقال "عودة إلى مستقبل محاصيل ٱلحبوب Back future of cereal" أنّ ٱلمزارعين ٱلأوآئل هم أكثر علمًا من علمآء ٱلبيولوجيا ٱليوم فى مسألة تأليف جينوم من سلالات عشبية لتخليق جينوم ٱلحبوب. وقلت أنّه لن يكون لأحد قول فى تلك ٱٰلمسألة من دون زيغ إلا بٱلعقل بين ما يكشفه ٱلنَّظر وبين بلاغ ٱللَّه ٱلعربىّ.
وأتوجّه هنا بذات ٱلمنهاج وأعقل ما يقولون فى مسألة أصل ٱلبشر وتطوره إلى متكلم ومفكر مع كتاب ٱللّه. وقد ظهر لىۤ أنّ قولهم عن أصله ٱلوحشى صواب. فهو فى كتاب ٱللّه كان "يسفك ٱلدمآء ويفسد فى ٱلأرض". أما قولهم عن صدفة جعلته يتكلم ويفكر فرأيت فيه لونا من ٱلتخريص وٱلظنّ بفعل نقص فى ٱلعلم وٱمتناع عن ٱلعقل مع بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ.
كما فهمت من كتاب ٱللّه أنّ فعل نفخ ٱلروح فى ٱلبشر كان قد قام به ٱلخالق ٱلصانع وبه جعله ٱلبشر يتكلم ويفكر (وهو أمر شبهت عليه بتنزيل ٱلويندوز فى كومبيوتر). وفى كتاب ٱللّه ما يبيّن أنّه بفعل نفخ ٱلروح جرى ٱصطفآء للبشر من طور ٱلوحش ٱلبهيم فتو49;لبهيم فتوقف نفوره ٱلوحشىّ وصار ٱلبشر ءادمىّ (كما تدل ٱلكلمة بلسان عامّة بلاد ٱلشام). وأنّ ذلك ٱلبشر جرى ٱصطفآؤه من بين ٱلوحوش وصار له ٱسم ءادم يفرقه عن طور ٱلوحش:
"إنَّ ٱللَّهَ ٱصطَفَىٰۤ ءَادَمَ" 33 ءال عمران.
كمآ أفهم أنّ فعل ٱلاصطفآء election لا يحدث إلا بوجود عدد من ٱلمرشحين. ولو كان ءادم هو أول بشر كما يظنّ ويخرص به رجال ٱلكهنوت ومَن يتبعهم من ٱلناس لِما كان لحدوث فعل ٱلاصطفآء من حاجة. وحدوثه كما يُعرب ٱلبلاغ 33 ءال عمرٰن يبيّن أنّ عدد ٱلمرشحين كثير وأنّ ٱلمصطفى لم يكن فردا يسفك ٱلدمآء ويفسد فى ٱلأرض:
"وإذ قال رَبُّكَ لِلملَٰۤئِكَةِ إِنِّى جَاعِل فِى ٱلأرضِ خلِيفَةً قَالُوۤا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّىۤ أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ" 30 ٱلبَقَرَةُ.
فٱلذى يفسد فى ٱلأرض ويسفك ٱلدمآء ليس فردا. وٱلمصطفى هو من ٱلبشر ٱلوحش وهو قطيع من ٱلرئيسات ومنه ألوان عديدة. وبحدوث ٱلاصطفآء صار ٱلمصطفى من ٱلرئيسات ءادمًا.
لقد بيّن كتاب ٱللّه أنّ فعل ٱلاصطفآء جرى بنفخ ٱلروح فى ٱلبشر وفيه منهاج ٱلعلم بٱلأسمآء كلها:
"وعلّم ءَادَم ٱلأسمآءَ كلّها" 31 ٱلبقرة.
ثمّ بعد ذلك تلقى ٱلمصطفىۤ ءَادم من ربِّه منهاج تطوير لخبرته فى ٱلروح جعل قدرته على ٱكتساب ٱلتطور أوسع:
"فتلقَّىٰۤ ءَادم من ربِّه كلمٰتٍ فتاب عليه إِنَّه هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحيم" 37 ٱلبقرة.
وبهذه ٱلكلمات ٱلجديدة بدأ طور ٱلخبرة بٱلروح يقوم على ٱلخبرة بٱلفعل تاب ("ت" علامة. "ا" ثور. "ب" بيت). وفى ٱلفعل تاب دليل لفعل منهاجٍ تُثار به علامة ٱلشىء وبه يُفتح ويُبسط بيته وبه يجرى تمييزه. وبه جرى فعل ٱلتفكير وفعل ٱلاختبار وٱلعلم فى ٱلأشيآء. وبهذا ٱلمنهاج بدأ طور ٱلكلمات ٱلتى تدل على ٱلتمييز وٱلخبرة وٱلموقف. وفيه دليل مسآئل فكرية تنشأ فى ٱلقلب وتستند علىۤ أفعال ٱلذكر وأفعال ٱلفكر.
ويبيّن كتاب ٱللّه متابعة تنزيل كلماته وٱلخبرة فيها مع رسل ملٰئكة ثمّ مع ٱلبشر رسلا وأنبيآء. وحدث ذلك علىۤ أطوار جعلت ٱلبشر ءَادم يخبر بأفعال ٱلتوبة ٱلتى تزيد من قدرته على مواصلة ءادميَّته وٱلعلم بوقار خالقه:
"مَّا لكُم لا تَرجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) وقد خَلَقَكُم أطوارًا(14)" نوح.
وٱستمرّ فعل ٱلتنزيل حتى وصل ٱلتطور به إلى طور ٱلمثل على ٱلبشر ٱلإنسان عيسى ٱلمؤيّد من ٱلخالق بمنهاج ٱلروح ٱلقدس.
ءادم بشر خُلق من تراب (عناصر ٱلطبيعة فى ٱللّغة) وعيسى من تراب مثله. وهو ما يبينه كتاب ٱللّه ويقول به علمآء ٱلحيوٰة.
لقد بدأ أول طور للبشر ٱلمصطفى ءادم وكمل بأعلى طور له بٱلبشر ٱلإنسان عيسى ٱلمثل على ٱلخليفة ٱلمعلن عنه:
"إنّى جاعل فى ٱلأرض خليفة" 30 ٱلبقرة.
ثمّ جآء ٱلروح ٱلقدس من بعد عيسى فى رسالة للناس كاۤفّة أبلغها رسول ٱللّه محمّد لهم فى صحف منشورة. ولكلٍّ منهم حرية تنزيل منهاج ٱلروح ٱلقدس فى قلبه وٱلخبرة فيه. كما له حرية ٱلامتناع عنه.
بهذا ٱلفهم لا يكون للقول بسبب مفقود وغير معلوم ولا بٱلصدفة من مكان فىۤ أىّ حديث علمىّ. فٱلانتقال من طور وحش بهيم إلى طور متكلم ومفكر وخبير يحتاج إلى تنزيل مناهج تفعل ذلك. وتنزيل ٱلمناهج يحتاج لخالق صانع عليم خبير. وهذا ما يبينه كتاب ٱللّه ٱلقرءان ويغفل عنه علمآء ٱلحيوٰة وبه يخرصون على ٱلرغم مما ٱكتسبوه بسيرهم فى ٱلأرض وبنظرهم وعلمهم كيف بدأ ٱلخلق. وهم يغفلون عنه وبين أيديهم خلق للإنسان يشبه بأفعاله أفعال ٱللّه فى ٱلنفخ وٱلتنزيل وٱلتطوير (ٱلكومبيوتر ومناهجه).
وأقول مجيبا على مآ أثرته من أسئلة عن ٱلتماثل بين ءادم وعيسى. فإنّ كلا منهما طور يسمو بٱلبشر. طور ءادم جعل ٱلبشر ٱلوحش ٱلبهيم ءادمىّ يتكلم ويفكر ويتلقّى كلمات من ربِّه فيخبر بها ويرقى. وطور عيسى ضرب ٱلمثل للبشر ٱلأدمىّ كيف يكون إنسانًا يملك منهاجا يجعله يخلف فى جميع أسمآء ٱللّه ٱلحسنى. وكلّ من ٱلطورين حدث بفعل ٱلخالق ٱلصانع.
هذا ما حمله ٱلبلاغ ٱلعربىّ 59 ءال عمرٰن عن ٱلمثل عيسى. فهو ءادمىّ صار بٱلروح ٱلقدس إنسانا خليفة يفعل ما يريد. ومثلُه فيما صار إليه كمثل ءادم ٱلذى جعله نفخ ٱلروح يرتقى من طور وحش بهيم إلى طور ءادمىّ يتكلم ويفكر.
ءادم هو ٱلمثل ٱلأول للإرتقآء بنفخ ٱلروح. وهو مصطفى من لون ٱلبشر ٱلوحش يحتفظ بـ ءادميَّتِه وتنتقل فى ذريته.
أما ٱلمثل عيسى فيفرق فى هذه ٱلمسألة مع ءادم وهو غير مصطفى ليكون من بعده ذريّة تحمل ٱسم عيسى. وضربُ مثلِ عيسى كان من أفعال ٱللّه ومقطوعًا عليه. وهو ٱلذى أيّده بٱلروح ٱلقدس:
"وءَاتَينا عِيسَى ٱبنَ مريمَ ٱلبيِّنٰتِ وأيدنٰه بروحِ ٱلقُدسِ" 87 ٱلبقرة.
ليكون على ٱلناس من بعده مسئولية مثله. ومسئوليتهم فى قيام كلّ منهم بتنزيل منهاج ٱلروح ٱلقدس بنفسه من دون حاجة للتأييد من ٱلخالق ٱلصانع. وهو ماۤ أفهمه من ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"يَٰۤأيُّها ٱلَّذين ءَامنوا لا تَسئَلُوا عَن أشيآء إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم وإن تَسئَلُوا عنها حِينَ يُنَزَّلُ ٱلقرءانُ تُبدَ لَكُم" 101 ٱلمآئدة.
فهو عن تنزيل ٱلقرءان وفيه ٱلروح ٱلقدس فى قلوب ٱلذين ءامنوا من بنى ءادم وتثبيت أفئدتهم به. وبتنزيله يصيرون كٱلمثل عيسى ويلبسون لباسه:
"يـٰبنِى ءَادم قد أنزلنا عليكم لباسًا يوٰرِى سوءٰتكم" 26 ٱلأعراف.
وبه كان كمال تنزيل ٱلروح ٱلقدس. وهو يشبه أخر ويندوز يصنعه خالقه ويرسله. وبإرسال ٱلويندوز ٱلأخير يتوقَّف إرسال ٱلخالق ٱلصانع بكمال صناعته:
"ٱليوم أكملت لكم دينكم" 3 ٱلمآئدة.
ٱلبشر ٱلأدمىّ هو ٱلذى ينزِّل منهاج ٱلقرءان فى قلبه بنفسه إن أراد لنفسه قوّة منهاج ٱلروح ٱلقدس. وبه يثبت فؤاده. ثم يبدأ يتلوه ويدرسه ويخبر فيه ويقرأه ويعقل ما خرج به نظره معه حتى يُقضىٰۤ إليه وحيه. فيعلم بتماثل ٱلمثلين ءادم وعيسى. ولا يسمح للقول بٱلصدفة أن يتسلل إلى قوله عن ٱلحقِّ. ولا لقول كهنوت يظّن ويخرص عن ٱصطفآء فرد لا مرشح أخر غيره. ولا لقولهم عن أصله غير ٱلبشرىّ. فكتاب ٱللّه بيّن أنّ ءادم وعيسى من تراب. وأن كلاهما مثل عن طور أساس فى حيوٰة ٱلبشر ٱلمرشح إلى رتبة إنسان خليفة للّه فى جميع أسمآئه ٱلحسنى.