(16 ) وعظ السلاطين : رفع الإصر عن شعب مصر

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٥ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

قال : مع أن ظهور البرادعى قلّل من احتمال التوريث فلا يزال هناك من يراهن على امكانية توريث جمال مبارك حكم مصر بعد أبيه مثلما حدث فى سوريا بنفس السيناريو بتأييد من قادة الجيش ، فقائد الجيش السورى (مصطفى طلاس أو م.ط )هو الذى قام بتأمين انتقال السلطة لبشار بعد أبيه حافظ الأسد ، ومن أجل هذا كان أطول من تولى وزارة الدفاع فى سوريا . ونفس الحال فى مصر ، فالمشير محمد طنطاوى ( م . ط أيضا ) هو أيضا أقدم وأطول وزير دفاع فى مصر ، وقد كان قائدا للحرس الجمهورى ، وعرف مبارك ولاءه له فجعله وزيرا للدفاع منذ عام 1991 ، على أمل أن يضمن تأمين انتقال السلطة لجمال كما حدث فى سوريا لبشار.

قلت :
التشبيه فى سوريا ليس فى محله ، إن بشار الأسد لا يمثل الجيش السورى وإنما يمثل الطائفة العلوية النصيرية التى تشكل حوالى 20% من الشعب السورى ، وهذه الفئة هى التى تتحكم فى سوريا سياسيا وإداريا وإقتصاديا ، ولذلك جرى توريث السلطة من عميد الطائفة العلوية الحاكمة ( حافظ الأسد ) إلى ابنه ( بشار) وكان ينافسه عمه (رفعت الأسد )، ليس مهما هنا أن سوريا جمهورية لا توارث فيها للسلطة ، لأن الأهم أنه حكم طائفة وأقلية مذهبية لشعب بأكمله تحت زعامة حزب يرفع لافتة القومية العربية. .
الى جانب حكم الطائفة الأقلية للأكثرية كما فى سوريا فهناك سلالات من الأسر الملكية الحاكمة ( السعودية ، الأردن ، المغرب) ثم هناك حكم عسكرى يقوم فيه الرئيس بالحكم باسم الجيش مثل مبارك فى مصر وزين العابدين فى تونس والقذافى فى ليبيا والبشير فى السودان وصالح فى اليمن. وعلى ذلك فإن الأمر الحاسم فى توريث مصر يقع فى يد الجيش المصرى الذى يحكم مصر ، والذى يجعل مبارك فى السلطة حتى الأن .

قال: ولكن الجيش تمثله قياداته العليا ، ومبارك هو القائد الأعلى لهم ، وبيده عزل وترقيته من يشاء منهم ، ووفقا لقانون جديد اصبح بيده ابقاء الموالين للتوريث فى الرتب العليا ، أى بامكانه توريث السلطة لابنه .
قلت :
هناك حقائق تاريخية واساسية فى فهم العقلية العسكرية حين تحكم .
هى نفس العقلية التى سادت فى الحكم المملوكى العسكرى والحكم العسكرى المصرى الذى استأثر بمصر منذ عام 1952 .
أساس هذه العقلية العسكرية ان كبار القادة يتفانون فى نفاق السلطان العسكرى الحاكم طالما ظل فى السلطة، وقد يوافقونه وينافقونه فى حياته اذا اراد توريث السلطة لابنه ولكن بعد موت السلطان يبادرون بعزل الابن ويتنكرون لعهودهم السابقه لأبيه لاعتقادهم فى أحقيتهم دون ابن السلطان لأنهم الورثة الحقيقيون للسلطة وليس ابن الرئيس . وحتى لو كان هذا الأبن ضابطا فى الجيش فلا يصلح لأنه اقل من الرتبة والخبرة من اولئك القادة.
لايمكن ان يتنازل قادة القوات المسلحه المصريه عن سلطانهم وقوتهم لابن مبارك ـ المدلل الهارب من التجنيد ـ بعد موت مبارك لأنهم ليسوا عبيدا لمبارك ، بل هم الذين يحمون مبارك و يمكنونه من البقاء بالسلطة ،ولأن مبارك يحكم باسمهم هم وليس باسم عائلة ملكية أو اسرته هاشمية عريقة . الأساس انهم يعتقدون أنهم أصحاب السلطة والقوة و البأس الشديد، ولا بد أن تعود اليهم ليضعوا فيها عسكريا آخر بعد موت هذا العسكرى القائم.
تلك هى عقلية العسكر حين يحكمون بلدا.
لقد تحول عبد الناصر من مجرد حاكم عسكرى الى زعيم عربى و قائد لدول عدم الانحياز وحاز شهرة لم يصل اليها حاكم عربى فى العصر الحديث، ومع ذلك لم يفكر فى توريث السلطة لابنه ، بل اختار نائبا له من العسكر لأنه كان يعلم أنه مهما بلغت شهرته وزعامته و كاريزميته وحب الشعب له فهو فى النهاية يحكم باسم الجيش ، وصل الى الحكم بدبابة ، وظل يحكم راكبا الدبابة ، وبدن انتخابات حقيقية أو حتى مزيفة. فاذا كان هذا حال عبد الناصر صاحب الثورة فكيف بمبارك ؟

قال :ربما يلجأ مبارك الى تعيين ابنه نائبا له ؛ وبذلك يكون من حقه دستوريا ان يصل الى السلطة :
قلت :
الحكم العسكرى لايحترم الدستورأوالقانون وانما يحترم القوة، وطالما انه يحتكر القوة فلن يتنازل عنها بسبب الدستور او القانون . ان مبارك كان نائبا للرئيس السادات ؛ ويشاع أن مبارك تآمر مع صديقه أبى غزاله فى قتل السادات ، ولكن المهم أنه بمصرع السادات اصبح من حق النائب مبارك تولى الرئاسة ؛ ولكن الجيش امعانا فى امساك السلطه بيده ؛ قام بتولية رئاسة الجمهورة مؤقتا لرئيس مجلس الشعب وقتها الدكتور صوفى ابو طالب ؛وظل رئيسا رسميا وشبه مسجون الى ان تم تعيين مبارك رئيسا فعلا بالاستفتاء المزور اياه ؛ وفى تلك الفترة كان الجيش ممثلا فى الفريق ابو غزاله هو الذى يشارك مبارك فى السلطة . وكان المنتظر ان يكون ابو غزاله هو النائب للرئيس والوارث للسلطة بعده كما حدث بعد عبد الناصر وبعد السادات ولكن تخلص منه مبارك بفضيحة خلقية ؛ وعزله ؛ وامتنع من تعيين نائب للرئيس من وقتها حتى الان ؛ حتى يضمن ألا يشاركه احد فى السلطة ؛ وألا يتآمر عليه احد .
ولكنه لن يستطيع ان يجعل ابنه نائبا للرئيس بحيث يسهل له الوصول للسلطه دستوريا من بعده ؛ والسبب غاية فى البساطه ؛ فليست لمبارك شعبية فى الداخل والخارج ؛ والجميع اعداؤه ؛ وهو فى امس الحاجه الى الجيش ؛ ولذلك لايمكنه اغضابهم بتعيين ابنه نائبا له فى حياته .
لو فعل ذلك فانه يعلنها حربا عليهم ؛ اذ انه يحكم باسمهم ؛ وسيكون بذلك قد اغتصب منهم السلطة واعطاها لأبنه وجعل اعناقهم بيد ابنه المدلل؛ ومستحيل ان يوافقوا علي ذلك .
ولذلك جعلها مبارك مشكلة غامضة بين التوريث و التمديد ليكسب الوقت وليظل متفردا بالسلطة طالما ظل حيا يسعى . ولن يقوم بتعيين نائب له إلا إذا تعرض لضغط شديد من قادة الجيش ، وتبين لهم أن الباقى من حياته قصير وفق تقديرات الأطباء ، بعد تلك العملية الجراحية الخطيرة التى أضطر لإجرائها فى أرذل العمر فى ألمانيا .ولذلك فإن الحالة الصحية لمبارك تعتبر من أسرار الدولة العليا ، لأنها الخريطة التى يمكن بها تحديد ساعة الصفر للمترقبين للوثوب على السلطة .

قال : قد يوليه رئاسة الوزاره .. ليمهد له ..
قلت :
إن فعل ذلك فقد حرقه سياسيا . ان الدكتور نظيف هو الذى يتلقى اللعنات
بالنيابة عن جمال مبارك ؛ ينفذ تعليمات جمال مبارك ويتحمل عنه المسئولية ، والاحوال تزداد سوءا كل يوم ؛ ولابد من كبش فداء كل حين ؛ بتغيير الوزارة او بعض الوزراء كل الوقت ؛ وتغيير الوزارة يعنى حرق رئيسها و أعضائها ليكونوا كبش الفداء لمبارك الأب والابن . وليس معقولا ان يكون كبش الفداء هو جمال مبارك .
قال : قد يتنازل مبارك لابنه عن الحكم وهو حى ؛ ويضمن ولاء الجيش له .

قلت :
بمجرد تنازل مبارك عن الرئاسة سيفقد سلطاته وسلطانه ، ويصبح مصيره ومصير عائلته فى يد قادة الجيش . وحتى لو افترضنا عقد صفقة ما تتيح توريث الابن فى حياة أبيه فلن يستمر جمال فى الرئاسة بعد ابيه ..
مشكلة مبارك الأب أوالابن أنه ليس مقبولا شعبيا ؛ وليس هناك من يحميه من غضب الشعب سوى الجيش ؛ ولذا فعليه ارضاء الجيش بكل ما يستطيع ليظل باقيا فى السلطة .

قال :. ولكنه يظل مبارك هو الذى يمسك بيده مفاتيح عزل كبار القاده وترقية بعضهم بحسب ولائهم له .ان الامر هنا يختلف عن الجيش التركى الذى يحكم تركيا من وراء ستار ؛ حيث لايتدخل الرئيس التركى او رئيس الوزراء فى تعيينات الجيش وكبار القادة ؛ اما فى مصر فان مبارك هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وهى تأخذ منه الامر المباشر .. وقد استغل هذه السلطة فى عزل القيادات العليا من الجيش من العناصر المستقلة وغير المواليه له ؛وابقى على اكثرها ولاء له خصوصا طنطاوى القائد العام للقوات المسلحه ووزير الحربيه .

قلت :
اولا : . الذين يظهرون لمبارك الولاء ويتفانون فى خدمة ابنه جمال هم اول من سيتحرك ضد جمال مبارك بمجرد موت ابيه إن لم يسارع بالهرب من مصر. وهم اول من سيتحرك ضد مبارك اذا قام بخطوة اساسيه تدعم من وصول جمال مبارك للرئاسة .
ثانيا : مبارك يدرك تماما حدود سلطته فى الجيش ؛ ومبارك بطبيعته أبعد ما يكون عن اتخاذ قرارت مصيرية ، وهو يؤجل أختيارها طالما يتيح له الزمن ذلك ، وحين تجبره الظروف على اتخاذ موقف ما فإنه يختار دائما أن يمسك العصا من منتصفها ليكون فى الوضع الآمن فى تصوره ، وهذا يفسر حيرته بين التمديد والتوريث .
يضاف الى ذلك خوفه من المحيطين به القائمين على تأمين عرشه من قادة الجيش ، وهم الطامعون فى وراثته حيا أو ميتا ، لذا يتحرك بحذر شديد فى قرارت الترقيه والعزل ؛ وبنفس الحذر يقدم رجلآ ويؤخر اخرى فى موضوع التوريث .
بل بنفس الحذر يمنع من تلميع قادة الجيش اعلاميا وجماهيريأ .
الوحيد الذى سمح بتلميعه هو رئيس المخابرات العامة عمر سليمان ؛ وذلك بسبب ولائه لمبارك من ناحية ، ولأن موقعه فى المخابرات العامه لايجعل له سلطه على اى قوة مسلحة ؛ ثم انه يعهد اليه باكبر مهمه بغيضة شعبيا ؛ وهى التعامل مع اسرائيل ؛ وكل هذه مميزات تقلل من خطورة عمر سليمان فى الوثوب على مقعد مبارك فى حياة مبارك، بل وتجهض من احلام عمر سليمان فى رئاسة مصر لمدة طويلة لو جعله مبارك نائبا له .
ثم ان اختيار عمر سليمان لهذه المهمة وتلميعه يصادف رضى للجيش لأنه فى النهاية رجل عسكرى ؛ وهو بتدخله فى الامور الخارجية يعطى للقوات المسلحة سيطرة على جزء هام من ميادين العمل (المدنى) ، وفى نفس الوقت فان عمر سليمان لايمكن ان يكون منافسا لكبار القادة فى الصراع على السلطة بعد مبارك لأنه ليست له قوة عسكرية تأتمر بامره ..
قال :. اذ انت ترى ان كبار القادة يتصارعون على السلطة الآن ؟
قلت :
ليس الآن ، لأنهم فى ترقب وانتظار .

قال : انتظار لماذا ؟ هل هو انتظار لتدخل امريكى ؟.
قلت :
كلا ثم كلا .
أمريكا الأن فى مأزق افغانستان والعراق ومأزق التعامل مع ايران وتحتاج لمبارك. لذا فهى ورطة ورثها الرئيس أوباما وجعلته لا ينفذ وعوده التى أعلنها فى القاهرة ، بل نفهم من تصريحات وزيرة الخارجية تأييدا لاستبداد مبارك ، فهل ينتظر من اوباما أن يفتح جبهه اخرى فى مصر ؟
ثم ان التدخل الامريكى له حدود ,
وفى بلد مثل مصر لايمكن للتدخل الامريكى الا ان يتعامل مع القوة المؤثرة أو الحاكمة . اى ليس له دور فى التغيير ولكن فى التعامل مع الطرف القوى القادر على إحداث التغيير؛ والاستفادة منه بما يخدم المصالح الامريكية . ولذلك يعاب على السياسة الامريكية فى الشرق الاوسط انها تتعامل مع الديكتاتوريات بما يخالف مبادئها فى الديموقراطية.
أمريكا الآن لاتستطيع خلق (وضع جديد) بل فقط هى تتعامل مع الوضع القائم محليا واقليميا .وحينما بادرت بالتدخل لتغيير وضع قائم وجدت نفسها فى مستنقع لبنان ؛ ثم مستنقع افغانستان ثم فى مستنقع العراق . وليست مستعدة لمستنقعات جديدة فى الشرق الأوسط .
قال : . اذا أعيد نفس السؤال : كبار القادة فى القوات المسلحة المصرية يترقبون وينتظرون ماذا قبل صراعهم على السلطة ؟.
قلت :
هم يلعبون مع مبارك لعبة شطرنج قاسية اساسها الانتظار ؛ حيث يحول ضعف مبارك امامهم من ان يتخذ قرارا حاسما بالتوريث ؛ وهم فى نفس الوقت يلجاون للانتظار الى ان يموت مبارك وينقضى الامر ببساطة وهدوء . لقد اختارهم مبارك ليكونوا رفاقا متشاكسين ولا يوجد منهم شخصيه كارزميه او قيادية يدين لها الاخرون بالولاء ، فقد تخلص مبارك من كل شخصية قيادية فاعلة .
وبالتالى فهم معا مع مبارك وضده فى نفس الوقت ؛ معه يتفانون مظهريا فى نفاقه وتاييده ؛ وهم معا ضده اذا اتخذ قرارا بالتوريث .
لايمكن لأحدهم ان يتحرك ضد مبارك منفردا خوف ان ينقلب عليه الاخرون وينفرد به مبارك فيجعله عبره للآخرين . أى ان الحل هو الانتظار . انتظار عزرائيل..
وربما يتولى بعضهم نصح مبارك بتعيين نائب له من بين العسكر يكون مكسور الجناح حتى يصبح مجرد فترة انتقالية فى الرئاسة الى أن يظهر قائد قوى يسيطر على مقاليد الأمور.
قال :. فماذا اذا جاء عزرائيل –اخيرا- ورحل مبارك ؟
قلت :.
دستوريا يتولى رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية الى ان يتم اختيار رئيس جديد للجمهورية .

قال :. وهنا هل يمكن ترشيح جمال مبارك باسم الحزب الوطنى ؛ ويتولى الرئاسة ؟
فقلت :.
مستحيل أن يرضى قادة الجيش ـ وهم اصحاب السلطة ـ أن يتنازلوا عن السلطة لهذا الفتى المدلل ليتحكم فيهم ويصبح قائدهم الأعلى حسب الدستور .
ولذلك فلابد ان يتصرفوا فى حل لهذ الاشكال فى حضور او غيبة مجلس الشعب بحيث يتمكن احد القادة من ترشيح نفسه للرئاسة . وكل ذلك فى فترة الرئاسة الصورية لرئيس مجلس الشعب ..وغالبا سيختارون عسكريا أو مدنيا مكسور الجناح حتى يصبح مجرد فترة انتقالية فى الرئاسة الى أن يظهر القائد العسكرى القوى الذى يسيطر على مقاليد الأمور.

قال :. ولكن كيف سيختارون واحدا منهم .؟
قلت :. هذا هو الصراع المؤجل الذى تحدثت عنه .
وهوصراع مؤجل ومؤدلج ، ستدور رحاه داخل الجيش وعلى مستوى القادة الكبار..وربما تتحول لحرب أهلية يشارك فيها الاخوان المسلمون بتنظيماتهم العلنية وميليشياتهم السرية .

قال : كيف ؟
قلت :
الاختراق هو الكلمة الذهبية هنا .
وهذا يستلزم شرحا :
مبارك استخدم الدين السنى الوهابى وجعله مرجعيته الدينية والممثل للاسلام ليؤكد استبداده، ومع أنه عدو للأخوان كتنظيم سياسى إلا إنه يحتاجهم كمبرر لبقائه فى السلطة ، لذا اضطهد ويضطهد القرآنيين الذين يثبتون تناقض الوهابية السنية مع الاسلام .
يدافع مبارك عن الايدلوجية الدينية للاخوان بل يفرضها على المصريين فى المساجد و التعليم والثقافة والاعلام ، ويسمح بوجود مقراتهم و تشكيلهم القيادى وتحركهم وتغلغلهم فى النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن فى إطار محدود ومرصود ، لو تعدوه أطلق عليهم أمن الدولة ونيابة أمن الدولة تعتقل و تتهم بالانتماء الى جماعة محظورة .!! فإذا كانت محظورة فلماذا السماح العلنى بوجودها ؟ ولماذا يفرض ايدلوجيتها على المصريين . ولماذا يضطهد من أجلهم الأقباط والشيعة و البهائيين و القرآنيين والمفكرين والمبدعين ؟
وفى إطار المتابعة الأمنية للاخوان وتنظيماتهم العلنية و السرية تقوم أجهزة مبارك الأمنية باختراق الاخوان وتنظيماتهم ،ويصل الاختراق الأمنى الى درجة إنشاء تنظيمات وتجهيز زعامات وقيادات زرعها النظام نفسه .
ولكن الاختراق عملة ذات وجهين ، فالاخوان أيضا يخترقون أجهزة مبارك السرية و العلنية ، بل و الجيش وقياداته العليا . ولأن لعبة الاختراق هنا تقوم على الايدبلوجية الدينية التى ترفع اسم الاسلام وتدافع عن السنة فالذى يكسب فى النهاية ليس النظام العسكرى مهما زايد على الجميع باسلامه وتدينه ، ولكن الفائز سيكون هو الأصل ، وهم الاخوان .
أضف الى ذلك سوء سمعة مبارك فى الفساد و التعذيب وتردى الأحوال ، وكراهية المصريين له .
مع ملاحظة أساسية وفارقة هنا وهى أننا نتحدث عن الاخوان ليس كتنظيم وأشخاص ولكن كثقافة ومرجعية دينية . وتلك المرجعية هى التى اخترقت أجهزة مبارك . كلها على اختلاف فى الدرجة مؤمنة بالايدلوجية السنية الحنبلية الوهابية الاخوانية ، شأنهم فى ذلك شأن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى ، والدليل هو انتشار الحجاب و الخمار وسائر ملامح التدين السنى فى عائلات و أسر الضباط فى الأمن و الجيش ، بل ربما تكون مشاركة بعضهم فى حماية مبارك واستبداده وفساده ، وفى التعذيب وقهر الشعب عاملا يدفعهم للتكفير عن هذا بالتمسك أكثر بالدين السّنى و ثقافة الاخوان الدينية .
والمحصلة النهائية أن التمسك بثقافة الاخوان الدينية السنية ستكون من مؤهلات الرئيس القادم ، حتى لو لم يتولى الحكم أحد كهنة الأخوان أنفسهم ، ولو سارت الأمور بنفس رتابتها سينجح الأخوان ، وسيحصلون على ما يعتبرونه حقا لهم فى مصر. فقد أعانوا العسكر فى انقلابهم عام 1952 وحولوا الانقلاب العسكرى الى ثورة شعبية ، ولما طالبوا بحقهم فى الغنيمة أطاح بهم عبد الناصر.وعانوا الكثير ـ خصوصا فى عهد مبارك الطويل البغيض ، واعتنق معظم المصريين ايدلوجيتهم ،أى فالعصر القادم هو لهم . وسيفوزون بالأصالة أوبالوكالة ( عبر قائد عسكرى سنى وهابى ) .
وحين يفوزون ستخسر مصر وسنخسر مصر.

قال :. وما هو الحل ؟.
قلت :.فى يد الشعب المصرى الذى يتصارع على ركوبه العسكر والاخوان .
هنا اتوجه بالوعظ للشعب المصرى لينهض ويأخذ حقه بيده بحيث لا يظل مركوبا من العسكر ثم من الاخوان .
واتوجه بالوعظ للقوى المدنية الحية التى تحمل طموحات الشعب المصرى فى الحرية و العدالة وحقوق الانسان . أرجوها الصمود و التصدى والتضحية . .
لو وقف الشعب العراقى منذ ربع قرن ضد صدام حسين وتحمل التظاهر المستمر اسبوعا كاملا فانه كان سيفقد بضع ألوف من الافراد ؛ ولكن كان الجيش فى النهاية سيشعر بالخجل ؛ ويسقط الطاغية بسهولة .. ولان الشعب العراقى اضاع تلك الفرصة الذهبية فقد قتل منه صدام الملايين ؛ وهو الان يفقد المئات كل شهر .
ونفس الحال فى مصر .
هى فرصة امامهم الان للتغيير ؛ وعليهم ان يقوموا بمظاهرات عارمة ومستمرة فى كل أنحاء مصر، تطالب بعزل مبارك وعودة الجيش الى ثكناته كما هو الحال فى أى نظام ديمقراطى وإقامة حكم مدنى ديمقراطى حقوقى .
وكالعادة سيستخدم مبارك الشرطه والجيش ، فعلى الشعب ان يتحمل سقوط بضعة الاف من الشهداء مقابل الحريه .
الحرية لاتمنح ولكن تؤخذ عنوة بالدم والحديد . وكلها معاناه بضعة ايام بعدها يكف الامن المركزى عن ضرب الناس ؛ ويكف الجيش عن قتل المصريين الغلابة المقهورين . وسيسال كل جندى وكل ضابط نفسه لماذا افعل ذلك ؟ هل بسبب مبارك وابنه ؟ وماذا فعل لى مبارك وابنه سوى الاستعباد والمعاناة ؟ واحتقار الناس وكراهيتهم ؟
سيكف الجيش ويرجع الى ثكناته وسيهرب مبارك من مطار شرم الشيخ راسا الى الخارج ومعه (تحويشة العمر)..
ان لم يتحرك الشعب المصرى الان .. فسيظل تحت العسكر وصراعهم الداخلى والخارجى بضعة عقود اخرى ؛ و تتحول مصر الى ساحة حرب أهلية تقضى على الأخضر و اليابس .
لابد من عملية جراحيه لازالة السرطان من جسد مصر لانقاذ مصر ..
قال :. هل تعنى ان مبارك هو السرطان الذى يدمر الجسد المصرى ؟
قلت : أنت الذى قلت هذا ..
قال : هى فعلا فاجعة العصر فى احوال مصر ..ٍ ٍ

قلت : بل هو أمل فى رفع الإصر عن شعب مصر..

اجمالي القراءات 13601