بسم الله الرحمن الرحيم
بل في صدرنا حــرج
(( ألمص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمومنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون )) (1+2+3 الأعراف).
لعل ما يمكن إدراجه في معنى اتباع واحترام محمد رسول ا&aacutرسول الله وفي معنى اعتبار المهمة الثقيلة التي حُمّلها فَحَملها بكل شجاعة وعلى أحسن وجه ، والثناء عليه ، لعلّ كل ما يشير إلى ذلك يجب أن تعبّر عنه مواقفنا نحن ، وفي أن نجتهد ونحمل صدورنا حملا ونروضها – بدورنا – على أن لا يكون فيها أي حرج ، وفي أن نلفظ بعيدا أي شك ونتخلّى عنه ونتحرر منه ، ولنطمئن أن محمدا الرسول ( عليه الصلاة والتسليم ) كان فعلا قويا في تحمل الرسالة وفي تبليغها، وأنه فعلا تغلب وسيطر على أي حرج في تبليغ الحديث الذي أنزل بواسطته، وبالتالي فهو يستحق الثناء كل الثناء وفي كل وقت .
وأما في حالة ما إذا كنا نعي معنى الآية رقم -3- في سورة الأعراف وهي (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون)) إذا كنا مع ذلك لا نشعر بأي حرج في صدرنا عندما نحوّل ذلك الحديث الإلهي إلى ظاهرة صوتية فقط ، أو إلى ( مكاء وتصدية – إن صحّ التعبير) ، وإذا كنا لا نشعر بأدنى وخز أو أدنى ذنب ونحن نتهم رسول الله بأنه ذو صدر ضيق مما أنزل إليه من ربه .
إذا كنا في مثل تلك المواقف والتصرفات والتصريح ، فلا يمكن أن نتصف بمن يتبع ما أنزل إلينا وأن كل ما نكون صرحنا به أو أعلناه من اتباعنا لرسول الله واحترامه والثناء عليه فكل ذلك يبقى مجرد كلام نحن قائلوه ومجرد تشدّق.
وأما إذا كنا في حاجة إلى مزيد من التأكد والإطمئنان بأن كل ما أشير إليه أعلاه شئ واقع، فما علينا إلا أن نلتفت يمينا وشمالا ونلقي نظرات عميقة أو حتى خاطفة على أمهات الكتب وما ولدت .
والظاهر أن هناك قاعدة متفق عليها من طرف الأصوليين أو أرباب الحديث المنسوب إلى رسول الله ،وهي اعتبارالجرح على التعديل ، أي من قدح فيه ولو مرة واحدة يتيمة لا يعتبر بالمرة ولو جاء بالمقابل تعديله . وعليه ، فلماذا لا نقرر قاعدة مماثلة أو على وزنها تكون بالنسبة لحديث الخالق والحديث المنسوب إلى المخلوق محمد الرسول عليه الصلاة والتسليم ؟
فأي حديث أو تصرف أوموقف نسب إلى رسول الله المخلوق يعرض على حديث الله العلي العظيم ، فأي تعارض وأدنى صطدام يبعده بالمرة .
ولنفرض أن محمدا رسول الله رجع أو لنفرض أنه قائم بيننا في هذا الخضم من الفرق والنحل والملل والمذاهب ، ألا يكون رد فعله في قوله وتصريحه بأنه ليس منا في شئ؟ وهو يلمّح إلى الآيات (159 إلى 161 – الأنعام-) حيث يخبره الله عزّ وجلّ قائــــلا : (( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين.))
ومن الراجح أن التأمل في بعض الآيات القرءانية وأخذها مأخذ جد ، ثم التأمل كذلك في بعض أقوال الكتاب والفقهاء المرشدين وأخذها مأخذ جد ، كل ذلك يصنع السبب الرئيس في الخوض في هذا الموضوع وإثارة هذه التساؤلات والوقوع في هذا الإرتباك وهذه الحيرة ، ومنها على سبيل المثال فقط :
يقول الله تعالى (( يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )) – المائدة67- ونحن عندما نصدق بثقة عمياء كل ما قيل ونسب إلى الرسول ، نعم ، عندما نفعل ذلك بلا ترو ولا تحر غير مكترثين بحديث خالق الرسول ، سنكون حتما مصرحين ومقرين بأن الله لم يعصم عبده ورسوله من الناس .
(( قل لا أجد في ما أوحي إلـيّ محرّما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أولحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به )) ( الأنعام 145) ثم جاءت السنة فحرمت أشياء لم يحرّمها الله في هذه الآية كقول نسب إلي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) شياء لم تذكر في هذه الآية كقوله
كلّ ذي ناب مـــــن السباع ،وكل ذي مخلب من الطير حرام . وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك كقوله (ص) يوم خيبر: إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمُر الإنسية، فإنها رجس – أخرجه الشيخان.
قوله تعالى : (( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )) الأعراف 32. فبيّنت السنة أيضا أن من الزينة ما هو محرّم، فقد قيل إنه ثبت عن النبي (ص) أنه خرج يوما على أصحابه وفي إحدى يديه حريرٌ ، وفي الأخرى ذهبٌ فقال : هذان حرام على ذكور أمّتي، حلٌّ لإناثها – أخرجه الحاكم وصححه
ثم يقول أرباب السنة التي تؤثر على القرءان العظيم – حسب اعتقادهم – وتفعل فيه أفاعليها ، وتجمّد ما تجمد ، وتلغي ما تلغي ، وجتى فعل نسخ ، فقد استعارته وفرضت عليه وظيفة المحوعلى الرغم منه ، يقولون : ألا إن ما حرّم رسول الله مثل ما حرم الله .
ثم ترفع آيات قرآنية رأسها وهي الآية رقم 80 بسورة النساء: (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) والآية 65- النساء : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) – والآية رقم 7 – سورة الحشر (( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) .
أما عن الآيات التي يمكن أن تكون هي القاصمة أو المثيرة فهي تلك التي جاءت في سورة الحاقة : (( تنزيل من رب العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم )) . مـــن43 إلى 52) .
ومن بين التساؤلات التي يثيرها حديث الرحمن الرحيم - وهذه الآيات المذكورة- تعتبر عينة فقط ، وغيرها كثير من الحديث المنسوب إلى رسول الله عليه الصلاة والتسليم فهي تساؤلات يمكن أن تنهل نهلا مثل ما يلي :
01) ماذا يكون يا تري فهمه رسول الله عندما أمره الخالق بأن يبلغ ما أنزل إليه ثم يحذره بأنه سيعتبر غير مبلغ إن لم يفعل ؟
02) متى يمكننا أن نعرف ونطمئن بأن أمر الله الواضح في حديثه المنزل يجوز لرسول الله أن يتصرف فيه ويحوّله إلى صدقة ويأمرنا بأن نتجاهل أمر الله ، ونعمل بغير ما يشير إليه ؟
03) إذا كان فعل قــل موجها من عند الخالق نفسه إلى رسوله فكيف يمكن لنا أن نصدق أن الرسول يقول فعلا ما أمره الله أن يقوله ، ثم مع ذلك وبعد ذلك يحيد عنه ، بل ويأمرنا بأن نفعل غيره ؟
04) قال الكاتب الذي يعتقد جازما في أهمية السنة في التشريع الإسلامي ما يلي : علينا أن نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً صحيحا إلامقرونا بالسنة .
وهنا تبادر هذا التساؤلان الإثنان :
- إما لا سبيل إلى فهم القرءان إلا بهذه السنة التي تنسب إلى الرسول.
- وإما لا سبيل إلى التخلي عن القرءان إلا بما نسب إلى الرسول .
05) عندما يقول أنصار السنة : ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله .
كيف يمكن للعقل أن يعي هذه المقولة ويفهمها ويهضمها عندما يكون في الأمرتناقض واصطدام ؟