دول دينية أم علمانية

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٨ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
مارأيك فى الآتى : حين استولى الأمويون على السلطة في 655 ميلادية، اعتمد حكمهم على الروابط العرقية ولم يدعوا القداسة التي مثلها النبي في حياته، فالسنة حينئذ نظروا إلى منصب "أمير المؤمنين" على أنه خلافة للرسول وليس إمامة، أما الشيعة فقد قامت نظريتهم على أساس خلافة آل البيت واضطروا بعد مقتل الحسن والحسين إلى حل الإشكال النظري الناتج عن عدم وجود مادي للخليفة عن طريق فكرة الإمام الغائب وهو من أهل البيت وبه صفة القداسة. العباسيون جعلوا الخلافة هي خلافة لله مباشرة (ظل الله على الأرض؟) وليس لمحمد الرسول، وكانت أسماؤهم تومئ إلى ذلك (الواثق؛ المتوكل..الخ). الفاطميون طبعا كانوا يمثلون الشيعة. تعرض الدولة العباسية للغزوات وانقسامها إلى دويلات متناحرة أدى إلى ظهور فكرة إعطاء السلطان التركي أو الفارسي السلطة الدنيوية وهو ما نظر له الوزير السلجوقي نظام الملك ، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح نقوذ السلطان يفوق سلطة الخليفة طالما أن السلطان يحمي الديار الإسلامية. وترسخ ذلك تماما في عهد الأيوبيين الذين تصدوا للحروب الصليبية ثم المماليك الذين تمكنوا من صد المغول 1260، فصارت الطاعة واجبة تماما للسلطان الذي تنحصر مسؤولياته في الحفاظ على الأراضي الإسلامية من الغزو، حيث قال بن تيمية "ليلة واحدة تحت حكم سلطان كافر أسوأ من 60 عاما تحت حكم سلطان مسلم جائر". وأصبح دور رجال الدين هو الترويج لهذه النظرية، وهو ما ورثه العثمانيون، ولذا انحصر مفهوم الدين والتدين في ظل هذه الاِنظمة المتخلفة للحكم في الدروشة والطقوس، حيث كثر في عهد المماليك بناء الجوامع والخاقانات، وتم التأمين على ما روج له الغزالي من قفل باب الاجتهاد، وجاء الوهابيون لمواصلة إحياء هذه الرسالة الظلامية التي لا تزال الشعوب المسلمة تعيش داخل تصوراتها حتى الآن. يستنتج من ذلك أن اعتقاد عامة المسلمين حاليا بأن الدول الأموية والعباسية والفاطيمة كانت دولا دينية لا علمانية، وأنهم يودون استرجاع الخلافة على هذا الأساس، هو اعتقاد خاطئ علميا .. هل هذا صحيح ؟
آحمد صبحي منصور
ـ بالنسبة لما تسأل عنه أقول الاتى كحقائق تاريخية :
* الدولةالاسلامية الحقيقية أقامها النبى محمد فىالمدينة و كانت دولة علمانية بلا كهنوت دينى وبديمقراطية مباشرة
* بعد موته عليه السلام بدأ الانحراف شيئا فشيئا ، أولا فى تولية حاكم فرد أسموه خليفة ، ثم جمع كل السلطات فى يده ، ثم بما يسمى بالفتوحات التى خالفت شريعة القرآن ، ثم ما نتج عنها من خلافات حول الثروة ، أدت الى الحروب الأهلية ، والتى بدورها أدت الى إقامة الدولة الأموية .
* الدولة الاموية كانت دولة عسكرية عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان أساس سياستها التعصب ، تعصبت للعرب ضد غيرالعرب ، وتعصبت لهذه القبيلة ضد الاخرى و استخدمت هذا التعصب القبلى فى إحكام سيطرتها على العرب جميعا وقد كانوا القوةالعسكرية ،وفى النهاية بضعف الخلفاء و مجونهم انقلب التعصب ضدهم فتحكمت فيهم القبائل فسقطت سريعا الدولة الأموية .
* الدولةالعباسية هى التى أقامت الدولة الدينية لأول مرة فى تاريخ المسلمين بسبب عوامل شتى منها قرابتهم للنبى محمد ، وتأثرهم بالحضارات الفارسية واليونانية ، و دخول المسلمين الى مرحلة التدوين و الكتابة و البحث و التفاعل مع العالم ثقافيا ، وكانت تلك الثقافة الثيوقراطية هى السائدة فأخذت بها الدولةالعباسية التى كانت أعظم دولة فى العالم وقتها ـ فى العصر العباسى الأول. وكلما إزداد ضعف الخلفاء العباسيين إزدادت الدولة إيغالا فى الكهنوت السياسى ، و استفادت بذلك الدول التى قامت باستقلال ذاتى داخل الدولةالعباسية ، حيث أصبح الخليفة العباسى يمثل السلطة الروحية للدول تلك كالأغالبة فى شمال افريقيا و الأيوبييين فىمصر و الشام ، وحتى بعد سقوط الدولة العباسية على يد المغول جىء بأحد أفراد البيت العباسى ليكون خليفة فى القاهرة ليعطى الشرعية للحكم المملوكى .
تلك الدول التى قامت مستقلة او شبه مستقلة فى إطار الخلافةالعباسية تمتع أصحابها بلقب ملك أو سلطان ، وكان لقب السلطان أكبر من الملك ،كما كان فى الدولة الأيوبية و المملوكية . وكل تلك الدول كانت عسكرية تعتمد على عصبيات عسكرية إثنية من الفرس والأفغان والأتراك والأكراد والمغاربة والزنوج بالاضافة الى شراء المماليك ، وفى النهاية حكم المماليك بأنفسهم.
* الدولة الفاطمية أكثر إيغالا فى الدولة الدينية من الدولة العباسية لأن العقيدة الفاطمية تؤله الامام الفاطمى وتعطيه صلاحيات دينية ودنيوية و سياسية ، وتجعله أحد عناصر الايمان ، و بالتشيع ظهر تاليه الخليفة ضمنا كما حدث لسائر الخلفاءالفاطميين فى مصر بدءا من المعز لدين الله الفاطمى ، أو حدث إعلان الالوهية رسميا وعلنا كما فعل الخليفة الحاكم بامر الله الفاطمى .
* من الخطأ أن تحكم على عصر سابق بمفاهيم عصرنا .نحن الان نتجادل فى الدولة المدنية والعلمانية ، وتلك أفكار لم تكن مألوفة فى العصورالوسطى التى تشبعت بثقافة الاستبداد الدينى و السياسى و الحق الملكى المقدس فى اوربا و الخليفة الذى يملك الأرض ومن عليها فى الشرق . ولذا كانت الدولة الاسلامية الحقيقية المدنية الديمقراطية فى عهد النبى محمد جملة إعتراضية فى ذلك العصر تخالف ثقافته تماما ، فتم القضاء عليها سريعا ..
أرجو أن تقرا مقال ( المسكوت عنه من تاريخ عمر فى الفكر السنى ) وهو منشور فى موقعنا .
خالص الشكر
اجمالي القراءات 13468