يوم الجندي الدرزي» لم يمرّ بسلام في إسرائيل
تزايد الحركات الاحتجاجيّة الرافضة للخدمة الإلزاميّة
قمع تظاهرة للمجالس المحلية الدرزية قرب مكتب بنيامن نتنياهو قبل اسبوعين (احمد غرابلي – ا ف ب)
http://www.al-akhbar.com/ar/node/146929
--------------------------------------------------------------------------------
قد يكون مفاجئاً أن يُعرف أن الجيش الإسرائيلي يحتفل بيوم الجندي الدرزي. لكن المفاجأة تصبح أقل وطأة إذا اكتمل المشهد. ففي مقاعد الدراسة يدرس الطالب كيمياء الدروز وفيزياء الدروز. وفي المجالس المحلية، تُفصَل القرى الدرزية عن العربية واليهودية. أما صاحب الفكرة، فهو واحد من أخطر الشخصيات الدرزية وأكثرها حماسة للانخراط الكامل للدروز في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. إنه أمل نصر الدين، الذي يكنّونه في الجليل بأبو الجندي الدرزي. اختلفت نكهة الاحتفال هذا العام، فالمناسبة التي تقام سنوياً في قرية حرفيش، بالقرب من مقام النبي سبلان الذي يؤمه الدروز للتبرك والنذور، قوبلت بتظاهرة احتجاجية هي الأولى من نوعها لدروز أيضاً
بسام القنطار
أشياء كثيرة تغيرت منذ اللقاء الشهير الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، بوفد درزي جاء من إسرائيل إلى الأردن في أيار عام 2001، ليناقش سبل تفعيل حركة رفض الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، المفروضة على الدروز في إسرائيل منذ عام 1956. منذئذ «جرت مياه كثيرة في نهر الأردن»، كما يقولون في فلسطين. فالأحداث السياسية التي عصفت بلبنان، والتحول الدراماتيكي في مواقف جنبلاط وتوجهاته أبعدته بالكامل عن متابعة هذا الملف، الذي كلف به في حينها النائب وائل أبو فاعور. تزامن هذا التحول، وخصوصاً بعد عدوان تموز 2006، مع استقالة المفكر العربي عزمي بشارة من عضوية الكنيست الإسرائيلي ورفضه العودة إلى إسرائيل. جاء هذا الأمر ليُلقي أعباءً حزبية وسياسية على عاتق المحامي سعيد نفاع، الذي تولى منذ خروج بشارة، عضوية البرلمان عن حزب التجمع، وأُعيد انتخابه في شباط الماضي.
ويعد نفاع، الذي سجن عام 1972 لرفضه الخدمة الإلزامية، من أبرز المؤسسين لأول حركة رفض تكونت من 73 شاباً درزياً تحت اسم «لجنة المبادرة الدرزية». وقد انبثقت سنة 1998 من «لجنة المبادرة الدرزية» ومن مؤسسيها وقيادييها وناشطيها أطر أخرى، منها «ميثاق المعروفيين الأحرار» و«حركة المبادرة العربية الدرزية المستقلة» وجمعية «جذور»، فأخذت المسيرة زخماً واندفاعاً في السنوات التي تلت، وخصوصاً مع اندلاع انتفاضة الأقصى.
ترافق تراجع «الزخم الجنبلاطي» الداعم لحركة رافضي الخدمة، مع تعرض مختلف الأطر المناهضة للتجنيد الإجباري لتحريض وضغوط غير مسبوقة من الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية، التي اتهمتها بالحض على التمرد والحصول على تمويل من «منظمات إرهابية ودول أجنبية». وجاء الاتهام المباشر الذي وجهته الشرطة الإسرائيلية إلى بشارة بالتعاون مع حزب الله ومده بالمعلومات خلال عدوان تموز، ليزيد الطين بلة.
في مقابل ذلك، برزت عام 2007 «حركة الحرية للحضارة العربية»، بقيادة الشاب الدرزي ابن قرية بيت جن، إحسان مراد، الذي أعلن انطلاق الحركة من أمام معتقل هداريم الذي كان يقبع فيه عميد الأسرى اللبنانيين سابقاً سمير القنطار. وأكد مراد في مناسبات عديدة أن أسباب تراجع حركة رفض التجنيد هي الضغوط غير العادية التي يواجهها الشباب الدروز الرافضين للخدمة وغياب أي دعم لهم. ويشير إلى أنه أراد لـ«حركة الحرية للحضارة العربية» أن تكون مستقلة عن كل الأطر الأخرى التي ارتبط اسمها وحركتها بحركة النائب وليد جنبلاط، الأمر الذي أفقدها زخمها بعد التحولات الاستراتيجية التي قام بها جنبلاط تجاه المقاومة. ويؤكد مراد البعد القومي العربي لحركته ويعبّر عن رفضها مقاربة ملف رفض التجنيد الإجباري من زاوية مذهبية، إضافة إلى رفضها الترشح لخوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ومقاطعتها الدائمة لهذه الانتخابات.
جهود عديدة بذلها مراد لتوسيع أطر عمله، أبرزها إطلاق هيئة محلية لرفض الخدمة الإلزامية ضمت إلى «حركة الحرية» عدداً من الشخصيات السياسية المسيحية والإسلامية، كالشيخ رائد صلاح والمطران عطا الله حنا وممثلين عن اللجنة العليا للأحزاب العربية في إسرائيل، وانضم اليها أخيراً ممثلون عن لجنة المبادرة الدرزية.
في المقابل، أُطلقت في بيروت «الهيئة العربية لدعم رافضي الخدمة». وتهدف هذه الهيئة إلى إنشاء إطار تنظيمي للتنسيق والعمل المشترك بين جميع العاملين على دعم الشباب العربي الفلسطيني الرافض للخدمة في الجيش الإسرائيلي. ومواجهة الإشكاليات والمعوقات السياسية والاجتماعية والقانونية والمالية التي تواجه الشباب الرافض للخدمة. اختارت هذه الحركة الناشئة التي تضم وجوهاً شابة ومتحمسة، أن تعبّر عن نفسها في التوقيت والمكان المناسبين. فللمرة الأولى تنجح في تنظيم تظاهرة احتجاجاً على الاحتفال الذي يقيمه الجيش الإسرائيلي سنوياً في قرية حرفيش تحت شعار «يوم الجندي الدرزي». ويتولى تنظيم هذا اليوم، الذي يحضره عادة وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان وكبار الضباط، الفرع الدرزي في «المنظمة من أجل الجندي» الإسرائيلية، وذلك بهدف أسرلة الشباب الدروز وترسيخ القيم العسكرية لدى الأطفال منهم.
وفي الوقت الذي كان المجندون الدروز وعائلاتهم يتدفقون إلى مكان الاحتفال، وقف نحو خمسين شخصاً، عند مفترق طريق حوسن ـــــ حرفيش على الشارع الرئيسي أمام منتجع مونفورط، على الطريق المؤدية للقرية. وهناك رفعوا العلم الدرزي ذا الألوان الخمسة وهتفوا بأعلى أصواتهم: «ما بدنا نخدم بالجيش، مثل البشر بدنا نعيش»، «الخدمة في الجيش الإجباري مثلها مثل السم الهاري»، و«أكبر حكم إجرامي هو التجنيد الإلزامي».
اعتراض هؤلاء لم يكن فقط ضد الاحتفال والهدف منه، بل ضد استغلال الجيش الإسرائيلي لباحة مقام النبي سبلان لإقامة الحفل. ويحتل المقام حيزاً كبيراً لدى الدروز في فلسطين، حيث يقصده الزوار والمصلون والمواطنون العاديون خلال أيام السنة، للزيارة والصلاة. ويمثّل الاحتفال بيوم الجندي الدرزي داخل المقام «انتهاكاً فاضحاً لحرمته»، على ما يقول مراد، الذي ينتظر من القيادة الروحية الدرزية في لبنان وسوريا «إصدار موقف ديني يحرّم هذه الممارسات».
--------------------------------------------------------------------------------
اعتراض المجالس المحلية يتصاعد
مثّلت مشاهد القمع التي مارستها قوى مكافحة الشغب بحقّ الدروز الذين تجمهروا بالقرب من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع، أمراً مفاجئاً للكثير من المتابعين لمجريات الوضع الداخلي الدرزي في إسرائيل.
وحقيقة الأمر، أن منتدى السلطات المحلية الدرزية والشركسية، التي مثّل فصلها إدارياً عن بقية المجالس المحلية العربية جزءاً من المؤامرة الكبرى لأسرلة الدروز وعزلهم، يمارس إضراباً مفتوحاً في سبيل حصولها على المساواة مع السلطات المحلية اليهودية.
وظهّرت هذه المجالس حركتها الاعتراضية عبر الدعوة إلى مقاطعة يوم الجندي الدرزي، حيث نُظمت مسيرة سيارات مع أعلام سوداء قبل خمسة أيام من موعد الاحتفال انطلقت من مدينة عكا إلى الشمال. وعلى الرغم من أن شركة المياه أعادت قبل ساعة من بدء الاحتفال ضخ المياه إلى القرى الدرزية، فإن هذه الخطوة لم تثن أعضاء المجالس المحلية عن المقاطعة.