تفسير سورة الحج

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ١٩ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

                                      سورة الحج  

 سميت بهذا الاسم لطلب إبراهيم (ص)الحج من الناس فيها بقوله :"وأذن فى الناس بالحج "

"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس إن زلزلة الساعة شىء عظيم "المعنى بحكم الرب النافع المفيد يا أيها الخلق إن هزة القيامة أمر هائل ،يخاطب الله الناس وهم الخلق مبينا لهم أن باسم الله الرحمن الرحيم أى أن حكم الرب النافع المفيد هو أن زلزلة الساعة شىء عظيم أى رجفة القيامة وهى رجفة الأرض والسماء التابعة لها شىء عظيم أى أمر كبير مصداق لقوله بسورة الزلزلة "إذا زلزلت الأرض زلزالها "وقوله بسورة النازعات "يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة " والخطاب وما بعده للناس.

"يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد "المعنى يوم تشهدونها تنشغل كل نفس عما عملت وتلقى صاحبة كل ثقل ثقلها وتشهد الخلق مخدرين وما هم بمخدرين ولكن عقاب الله عظيم ،يبين الله للناس أنهم فى يوم يرون أى يشهدون الزلزلة يحدث التالى :تذهل كل مرضعة عما أرضعت أى تنشغل كل نفس كافرة عما صنعت والمراد أنها تنكر الذى عملت فى الدنيا فتقسم على أنها"ما كنا نعمل من سوء"كما قال بسورة النحل،وتضع كل ذات حمل حملها والمراد وتتحمل كل صاحبة عمل جزاء عملها ،وترى الناس سكارى وما هم بسكارى والمراد وتشاهد الخلق مخدرين وما هم بمخدرين والمراد أن من يشاهد الكفار فى يوم القيامة يظن أنهم مخمورين من حيرتهم ومع ذلك ليسوا بشاربى خمر ولكن الذى جعل حالهم هكذا هو أن عذاب الله شديد أى أن عقاب الله أليم مصداق لقوله بسورة الحجر"وإن عذابى هو العذاب الأليم ".

"ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد "المعنى ومن الخلق من يحاجج فى الرب بدون وحى ويطيع كل هوى منحرف ،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس وهم الخلق من يجادل فى الله والمراد من يخاصم فى دين الله بغير علم أى هدى أى كتاب منير أى وحى من الله مصداق لقوله بسورة الحج"ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير"وهذا المجادل يتبع كل شيطان مريد أى يطيع كل هوى ضال والمراد يطيع هوى نفسه الذى يعتبره إلهه مصداق لقوله بسورة الجاثية "أفرأيت من أتخذ إلهه هواه "والخطاب وما بعده للنبى(ص)

"وكتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير "المعنى وحكم عليه أنه من أطاعه فإنه يهلكه أى يدخله فى عقاب النار ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله كتب على الشيطان والمراد أن الله حكم على الهوى الضال بالتالى أن من تولاه أى أطاع حكم الهوى فإن الهوى يضله أى يهلكه وفسر هذا بأنه يهديه إلى عذاب السعير والمراد أنه يدخله فى نار جهنم .   

"يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر فى الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا لا يعلم بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج"المعنى يا أيها الخلق إن كنتم فى تكذيب للقيام فإنا أنشأناكم من طين ثم من منى ثم من مرفوعة ثم من لحم محول وغير محول لنظهر لكم ونضع فى البطون الذى نريد إلى موعد محدد ثم نجعلكم وليدا ثم لتصلوا قوتكم ومنكم من يموت ومنكم من يعود إلى أسوأ الحياة لكيلا يعرف من بعد معرفة شيئا وتشاهد الأرض مجدبة فإذا أسقطنا عليها المطر تحركت ونمت وأخرجت من كل فرد كريم ،يخاطب الله الناس وهم الخلق مبينا لهم إنهم إن كانوا فى ريب من البعث والمراد إن كانوا فى تكذيب للقيام بعد الموت فإنه قد خلقهم من تراب والمراد أنشأهم من طين مصداق لقوله بسورة الأنعام"خلقكم من طين "والتراب هو الصعيد الذى تحول إلى طعام أكله الناس فتحول إلى نطفة أى جزء من المنى فى أجسامهم ولما استقر منى الرجل مع منى المرأة فى رحمها تحولا إلى علقة أى قطعة من المنى الملتف حول نفسه مرفوعة فى وسط الرحم وبعد ذلك تحولت القطعة المرفوعة إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة والمراد إلى لحم متغير وغير متغير فاللحم المتغير هو الذى يتحول بعد إلى ذلك لعظام يغطيها اللحم غير المتغير مصداق لقوله بسورة المؤمنون"فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما "وهذه الحقائق ليبين أى ليظهر الله للناس قدرته على البعث ،وبعد ذلك يقر الله فى الأرحام ما يشاء إلى أجل مسمى والمراد يخلق الله فى البطون الذى يريد سواء ذكر أو أنثى إلى موعد معلوم له وحده ،ويبين الله للناس أنه من بعد مراحل الخلق السابقة يخرجهم طفلا والمراد يخلقهم وليدا والمراد يخلق كل واحد منهم مولودا يعيش ليبلغوا أشدهم أى ليصلوا قوتهم والمراد ليصلوا لسن الشباب ومنهم من يتوفى أى يموت قبل وصوله لسن القوة ومنهم من يرد إلى أرذل العمر أى ومنهم من يعود إلى أسوأ الحياة وهذا يعنى أن منهم من يصل لأسوأ مراحل الشيخوخة وفيها لا يعلم من بعد علم شيئا أى وفيها لا يعرف من بعد معرفة أمرا وهذا يعنى أنه يصاب بالنسيان التام لكل شىء ،ويبين الله لنبيه(ص)أنه يرى الأرض هامدة والمراد أنه يشاهد الأرض ميتة مصداق لقوله بسورة يس"وآية لهم الأرض الميتة "فإذا أنزلنا عليها الماء والمراد فإذا أسقطنا على الأرض المجدبة الماء وهو المطر اهتزت أى تحركت حبيبات الأرض وربت أى ونمت والمراد وانتفخت حبيبات الأرض بالماء وأنبتت من كل زوج بهيج أى وأخرجت من كل فرد كريم مصداق لقوله بسورة لقمان "فأنبتنا فيها من كل زوج كريم "والخطاب للنبى(ص)

"ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وإنه على كل شىء قدير "المعنى ذلك بأن الرب هو العدل وأنه يبعث الهلكى وأنه لكل أمر فاعل ،يبين الله لنبيه (ص)أن ذلك وهو إحياء الأرض بعد موتها يحدث التالى أن الله هو الحق أى العدل وأنه يحيى الموتى والمراد وأنه يبعث من فى القبور مصداق لقوله بسورة الحج"وأن الله يبعث من فى القبور"ويبين له أنه على كل شىء قدير والمراد أنه لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور"المعنى وإن القيامة حادثة لا ظلم فيها وأن الله يحيى من فى المدافن،يبين الله لنبيه (ص)أن الساعة آتية لا ريب فيها والمراد أن القيامة قائمة أى متحققة لا ظلم فيها مصداق لقوله بسورة غافر"لا ظلم اليوم"وأن الله يبعث من فى القبور والمراد وأن الرب يحيى من فى المدافن وهم الموتى مصداق لقوله بنفس السورة "وأنه يحيى الموتى ".

"ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله له فى الدنيا خزى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد"المعنى ومن الخلق من يحاجج فى الله بغير وحى ولا رشاد ولا حكم مضىء ،معد نفسه ليرد عن دين الله له فى الأولى ذل وندخله يوم البعث عقاب النار ذلك بما عملت نفسك وأن الله ليس بمنقص للخلق،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس وهم الخلق من يجادل فى الله والمراد من يحاجج فى دين الله بغير علم وفسر العلم بأنه الهدى وفسره بأنه الكتاب المنير وهو الحكم الواضح وهذا يعنى أنه يحاجج بالباطل مصداق لقوله بسورة الكهف"ويجادل الذين كفروا بالباطل "والمجادل ثانى عطفه أى معد نفسه ليضل عن سبيل الله والمراد ليبعد عن دين الرب نفسه وغيره وهو له فى الدنيا وهى المعيشة الأولى خزى أى ذل مصداق لقوله بسورة الأعراف"وذلة فى الحياة الدنيا "ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق والمراد وندخله يوم البعث عقاب النار والسبب ما قدمت يداه أى عملت نفسه مصداق لقوله بسورة المائدة"ما قدمت لهم أنفسهم "وأن الله ليس بظلام للعبيد أى ليس بمنقص حق الخلق وهذا يعنى أنه لا يضيع أجر أحد  والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والأخرة ذلك هو الخسران المبين "المعنى ومن الخلق من يطيع الله على شرط فإن مسه نفع سكن له وإن مسه ضرر ارتد إلى كفره أضاع الأولى والقيامة ذلك هو الضياع العظيم ،يبين الله لنبيه(ص)أن من الناس وهم البشر من يعبد الله على حرف أى من يطيع دين الله على شرط فإن أصابه خير أى فإن أعطاه الله نفع والمراد أنه يتبع دين الله إذا أعطاه الله النفع وإن أصابته فتنة أى وإن أتاه أذى انقلب على وجهه أى ارتد إلى كفره والمراد إذا حدث له ضرر عمل ضد مصلحته نفسه فكفر بدين الله وبهذا العمل يكون قد خسر أى أضاع الدنيا والأخرة والمراد ثواب الأولى وثواب القيامة وهذا هو الخسران المبين أى الضياع العظيم .

"يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه  ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير "المعنى يعبد من غير الله الذى لا يؤذيه والذى لا يفيده ذلك هو الكفر العظيم يعبد من أذاه أدنى من خيره فقبح الناصر أى قبح الصاحب ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكافر يدعو من دون الله أى يعبد من سوى الله ما لا يضره أى ما لا يؤذيه وما لا ينفعه أى وما لا يفيده مصداق لقوله بسورة الفرقان "ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم"وهذا يعنى أن معبودهم لا يقدر على إيذاء الكافر ولا يقدر على نفعه ويبين له أن ذلك وهو عبادة غير الله هو الضلال البعيد أى الكفر العظيم ،والكافر يدعو لمن ضره أقرب من نفعه والمراد يتبع من أذاه أوقع من فائدته والمراد أن المعبود أذى عبادته هو الحادث وليس نفع عبادته ،ويبين له أن المعبود من دون الله هو بئس المولى أى ساء أى قبح العشير وهو الناصر أى الصاحب والمراد أنه لا ينصر عابده كما ينصر الولى أى العشير صاحبه .

"إن الله يدخل الذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد "المعنى إن الرب يسكن الذين صدقوا وفعلوا الحسنات حدائق تسير من أسفلها العيون إن الله يصنع ما يشاء ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يدخل الذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات والمراد يسكن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات فى رحمته مصداق لقوله بسورة الجاثية "فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم فى رحمته "والجنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد تسير من أسفل أرضها العيون  ذات الأشربة اللذيذة ،ويبين له إن الله يفعل ما يريد والمراد يحكم ما يشاء مصداق لقوله بسورة المائدة "إن الله يحكم ما يريد"وقوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يشاء".

"من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والأخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله لا يهدى من يريد "المعنى من كان يعتقد أن لن يؤيده الله فى الأولى والقيامة فليصنع حبل للسماء ثم ليبتر هل يزيلن مكره ما يثير وهكذا أوحيناه علامات ظاهرات وأن الله يرشد من يشاء ،يطلب الله من كل إنسان يظن أى يعتقد الإعتقاد التالى :أن لن ينصره الله فى الدنيا والأخرة والمراد أن لن يرحمه الرب فى الأولى والقيامة أى أن لن يؤيده الرب فى الأولى والقيامة بثوابه الطلب التالى :أن يمد سبب إلى السماء أى أن يصنع سلم إلى الأعلى والمراد أن يدبر مكيدة ويعملها فى دين الله ثم ليقطع هل يذهبن كيده ما يغيظ والمراد ثم لينظر هل يزيلن تدبيره ما يغضب وبالطبع النتيجة هى أن المنتظر هو الهالك والله هو الباقى ،ويبين أن كذلك أى بتلك الطريقة أنزل الله الوحى آيات بينات والمراد أوحى الله القرآن أحكام عربيات مصداق لقوله بسورة الشورى "وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا "،ويبين له أن الله يهدى من يريد أى أن الله يقرب من يحب والمراد أن الله يثيب من يشاء وهم الذين ينيبون لله مصداق لقوله بسورة الشورى "ويهدى إليه من ينيب" .

"إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد "المعنى إن الذين صدقوا واليهود والخارجين والنصارى والمجوس والكافرين إن الله يحكم بينهم يوم البعث إن الله على كل  أمر رقيب ،يبين الله أن الله يفصل أى يقضى  يوم القيامة أى البعث مصداق لقوله بسورة الجاثية "يقضى بينهم يوم القيامة " بين كل من الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله والذين هادوا أى اليهود والصابئين وهم المنحرفين عن أديان أقوامهم  والنصارى وهم أنصار المسيح(ص)والمجوس وهم عبدة النار عند بعض الناس  والذين أشركوا أى كفروا وهم كل فريق اتخذ مع الله آلهة مزعومة يستوى فى ذلك الأصنام والدساتير الوضعية والمخلوقات وغيرها،ويبين أن الله على كل شىء شهيد والمراد أن الله بكل أمر عليم أى على كل مخلوق رقيب مصداق لقوله بسورة الأحزاب"وكان الله على كل شىء رقيبا "والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"ألم تر إلى الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير من الناس حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء "المعنى ألم تعلم أن الله يطيعه من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والكواكب والرواسى والشجر والدواب وعديد من الخلق وعديد من الخلق وجب له العقاب ومن يذل الله فما له من معز ،إن الرب يصنع ما يريد،يسأل الله نبيه (ص)ألم تر أى هل لم تعلم أن الله يسجد أى يسبح له مصداق لقوله بسورة التغابن"يسبح ما فى السموات وما فى الأرض" والمراد من يطيع حكم الله من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم وهى الكواكب والجبال وهى الرواسى والشجر وهو النبات والدواب وهى الحيوانات المتحركة وكثير من الناس والمراد وعديد من الخلق ،وهذا يعنى أن كل خلق الله يتبع حكمه ما عدا كثير من الناس أى عديد من الخلق حق عليه العذاب أى وجب له العقاب وهم الكفار مصداق لقوله بسورة الزمر"ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين "ويبين له أن من يهن الله فما له من مكرم أى من يضلل فما له من ولى مصداق لقوله بسورة الشورى "ومن يضلل الله فما له من ولى من بعده"والمراد من يذل الرب فما له من معز ،ويبين له أن الله يفعل ما يشاء والمراد أن الرب يصنع ما يريد مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يريد"والخطاب وما قبله للنبى(ص).

"هذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤسهم الحميم يصهر به ما فى بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق "المعنى هذان عدوان تشاجروا فى إلههم فالذين كذبوا فصلت لهم ملابس من لهب ينزل من فوق أدمغتهم الكريه يحرق به الذى فى بطونهم والجلود ولهم سلاسل من حديد كلما أحبوا أن يهربوا منها من غم ارجعوا فيها وادخلوا عقاب النار ، يبين الله للنبى(ص) أن الناس خصمان أى عدوان والمراد فريقان كل منهم اختصم فى الرب أى تجادل فى الله والمراد اختلف مع الأخر فى دين الله ،ويبين لنا أن الذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار والمراد فصلت لهم سرابيل من قطران مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وسرابيلهم من قطران "وهذا يعنى أن ملابسهم مفصلة من نحاس ملتهب وهم يصب من فوق رؤسهم الحميم والمراد ينزل من أعلى أدمغتهم سائل الغساق وهو سائل كريه محرق يصهر به ما فى بطونهم والمراد يحرق به الذى فى أمعاءهم والجلود وهى اللحم الخارجى الذى يغطى أعضاء الجسم ،ولهم مقامع من حديد والمراد ولهم أصفاد أى سلاسل من الحديد مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد "والكفار كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم والمراد كلما شاءوا أن يهربوا منها من عذاب أعيدوا فيها والمراد ارجعوا فيها وذوقوا عذاب الحريق والمراد وعلموا ألم النار وهو عذاب الخلد مصداق لقوله بسورة السجدة "وذوقوا عذاب الخلد".

"إن الله يدخل الذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حريرا وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد"المعنى إن الله يسكن الذين صدقوا وحى الله وفعلوا الحسنات حدائق تسير من أسفلها العيون يرتدون فيها من حلى من ذهب ولؤلؤا وثيابهم فيها حرير ورشدوا إلى الحسن من الحكم أى رشدوا إلى دين الشاكر ،يبين الله أنه يدخل أى يسكن فى الجنات وهى رحمته مصداق لقوله بسورة الجاثية "فيدخلهم ربهم فى رحمة منه"وهم الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات وهذه الجنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد تسير فى أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا والمراد ويرتدون فيها حلى من الذهب واللؤلؤ ولباسهم وهو ثيابهم من حرير أى سندس وإستبرق مصداق لقوله بسورة الكهف"ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق "وقد هدوا أى رشدوا إلى الطيب من القول وهو الحسن من الحكم مصداق لقوله بسورة الأنعام "ومن أحسن من الله حكما "وفسر هذا بأنهم هدوا إلى صراط الحميد أى رشدوا إلى حكم الشاكر وهو الله المثيب لمن يطيعه والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "المعنى إن الذين كذبوا ويردون عن دين الرب والمصلى الأمن الذى وضعناه للبشر سيان القائم فيه والزائر ومن يفعل فيه كفر أى فسق نعطيه من عقاب شديد ،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى الذين كذبوا حكم الله وفسرهم بأنهم يصدون عن سبيل الله والمراد ويردون عن دين الله والمسجد الحرام والمراد والمصلى الأمن الذى جعلناه للناس والمراد الذى وضعناه للبشر أمان من الضرر والمراد بالبشر هنا العاكف فيه أى المقيم فى مكة والباد وهو الزائر لمكة من أجل الحج والعمرة ويبين لنا أن من يرد فيه بإلحاد أى من يفعل فى مكة وهى البيت الحرام ظلم أى فساد يذقه من عذاب أليم أى يدخله فى العقاب الكبير مصداق لقوله بسورةالفرقان "نذقه من عذاب كبير".

"وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود"المعنى وقد أظهرنا لإبراهيم (ص)قواعد البيت أن لا تعبد معى أحدا وأقم كعبتى للدائرين والواقفين أى الركع السجود ،يبين الله لنا أنه بوأ أى أظهر لإبراهيم (ص) مكان البيت أى قواعد أى أسس الكعبة وقال له أن لا تشرك بى شيئا أى أن لا تعبد معى أحدا وطهر بيتى أى وابن مسجدى للطائفين وهم الزائرين للكعبة بمكة والقائمين وهم المقيمين  بمكة والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).

"وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق "المعنى وناد فى الخلق بالزيارة يجيئوك مشاة وعلى كل مركوب يجيئون من كل مكان بعيد،يبين الله أنه قال لإبراهيم (ص):وأذن فى الناس بالحج أى وناد فى البشر بالزيارة والمراد وأبلغ البشر حكم الله بزيارة البيت الحرام ،ثم بين له نتيجة الأذان وهو الإبلاغ وهى أن يأتيه الناس أى أن يجىء له البشر رجالا أى مشاة على أرجلهم وعلى كل ضامر أى وعلى كل مركوب يأتين من كل فج عميق أى يحضرون من كل مكان بعيد ومن هنا نعلم أن الحجاج إما مشاة على أرجلهم وهم الرجال وإما راكبين على الضامر وهو أى شىء يركب سواء حيوان أو آلة كما نعلم أنهم يأتون من كل بلد وليس من بلد واحد.

"ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "المعنى ليحضروا فوائد لهم ويطيعوا حكم الله فى أيام معروفات على ما أعطاهم من ذبيحة الأنعام فاطعموا منها وأعطوا المحتاج العاجز ثم ليتموا عهدهم أى ليتموا ميثاقهم وليزوروا فى  المسجد الحرام ،يبين الله أنه قال لإبراهيم (ص)أن الزوار يأتوا ليشهدوا منافع لهم والمراد ليحضروا فوائد لهم أى ليأخذوا من رزق الله وهو اللحم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والمراد ويطيعوا حكم الله وهو الوحى فى أيام محددات فى ما أعطاهم من ذبيحة الأنعام وحكم الله فى بهيمة الأنعام هو أن الله قال للحجاج فكلوا منها واطعموا البائس الفقير والمراد اطعموا منها أى أن يأكلوا جزء من ذبيحة الأنعام والجزء الأخر يعطوه للإنسان المحتاج العاجز عن الكسب،وبين له بقية أسباب الحج وهى أن يقضوا تفثهم أى يوفوا نذورهم والمراد ليكملوا مواثيقهم وبألفاظ أخرى ليعملوا بقية أعمال الحج كالسعى بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ،وليطوفوا بالبيت العتيق أى وليتواجدوا فى كل مكان فى المسجد الحرام والقول يبدو مكون من آيتين الأولى تتحدث بصيغة المضارع ليشهدوا وليوفوا والثانية تتحدث بصيغة الأمر فكلوا وأعطوا وكل منهما محذوف بعضه.

"ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"المعنى ذلك ومن يكبر شعائر الرب فهو أفضل له لدى خالقه وأبيحت لكم الأنعام إلا ما يقرأ عليكم فابتعدوا عن الأذى من الأصنام أى ابتعدوا عن قول الباطل ،يبين الله لنا أن من يعظم حرمات الله والمراد من يجل شعائر الرب مصداق لقوله بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله "أى ومن يفعل أحكام الرب فى الحج فهو خير له عند ربه والمراد فهو أحسن له لدى إلهه،ويبين لنا أنه أحلت أى أبيح لنا أكل لحم الأنعام إلا ما يتلى علينا والمراد إلا ما يبلغ لنا فى الوحى من المحرمات و ما ورد فى سور المائدة والبقرة والأنعام وغيرها ،ويطلب منا أن نجتنب الرجس من الأوثان والمراد أن نبتعد عن الضرر الأتى منه عبادة الأصنام وفسر هذا بأن يجتنبوا قول الزور والمراد أن يتركوا طاعة حديث الباطل وهو الطاغوت مصداق لقوله بسورة النحل"واجتنبوا الطاغوت" والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق"المعنى مسلمين لحكم الله غير عاصين له ومن يعصى حكم الله فكأنما وقع من الجو فتأكله الطيور أو يرمى به الهواء فى مكان بعيد ،يطلب الله منا أن نجتنب الزور وفسر هذا بأن نكون حنفاء لله أى مخلصين الدين له مصداق لقوله بسورة غافر "مخلصين له الدين "والمراد أن نكون مسلمين أنفسنا لطاعة حكم الله وفسر هذا بأن نكون غير مشركين به أى غير عاصين لحكم الله ويبين لنا أن من يشرك بالله أى من يكفر بآيات الله مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يكفر بآيات الله"والمراد من يعصى حكم الله فكأنما خر من السماء أى وقع من الجو العالى فكانت نتيجة سقوطه هى أحد أمرين :

-تخطف الطير له والمراد أكل الطيور لجثته بعد تحطمه وموته .

-أن تهوى به الريح فى مكان سحيق والمراد أن يقذف به الهواء المتحرك فى موضع بعيد يهلك فيه وبهذا يرينا الله أن مصير المشرك هو الهلاك فى كل الأحوال .

"ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق "المعنى ذلك ومن يذبح ذبائح لله فإنها من طاعة النفوس لكم فيها فوائد إلى موعد محدد ثم مصيرها للبيت الحرام ،يبين الله لنا أن ذلك وهو الهلاك جزاء المشرك ،ثم يبين أن من يعظم شعائر الله والمراد أن من يذبح أنعام الله فإنها من تقوى القلوب أى فإن عمل الذبح فهذا من طاعة النفوس لحكم الله والمراد فإن فعله فإنه خضوع لحكم الله ،ويبين لنا أن الشعائر وهى الأنعام لنا فيها منافع إلى أجل مسمى والمراد لنا فيها فوائد إلى موعد محدد وهذه الفوائد هى الأكل منها لمدة يومين أو ثلاثة ويبين لنا أن محل الأنعام إلى البيت العتيق أى أن مصير الأنعام هو المسجد القديم والمراد أن موضع ذبح الأنعام هو فى البيت الحرام  والخطاب وما قبله للمؤمنين.

"ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين "المعنى ولكل جماعة عينا مذبحا ليطيعوا حكم الرب فى الذى أعطاهم من ذبيحة الأنعام فربكم رب واحد فله أطيعوا وأفرح المطيعين ،يبين الله لنا أنه جعل لكل أمة منسك أى أنه عين لكل فرقة من الفرق مذبح عبر العصور والمراد مكان لذبح الأنعام هو فى مكة والسبب ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والمراد ليتبعوا حكم الرب فيما أعطاهم  من ذبيحة الأنعام وهذا يعنى أن سبب تحديد المذبح هو طاعة حكم الله بذبح الأنعام المعطاة لهم من الله ،ويبين لنا أن إلهنا إله واحد والمراد أن ربنا رب واحد ومن ثم فالطاعة هى لحكمه وحده ويطلب منا أن نسلم له أى نطيع حكم الله ويطلب من نبيه(ص)أن يبشر المخبتين والمراد يخبر المؤمنين أن لهم أجر حسن من الله هو الجنة مصداق لقوله بسورة الكهف"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا "والخطاب فى أوله للناس ثم فى أخره وبشر للنبى(ص).

"الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "المعنى الذين إذا أطيع الله اطمأنت نفوسهم أى المطيعين برغم ما مسهم أى المتبعى الدين أى من الذى أوحينا لهم يعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن المخبتين هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والمراد الذين إذا اتبعوا حكم الله اطمأنت نفوسهم مصداق لقوله بسورة الرعد"ألا بذكر الله تطمئن القلوب "وفسرهم بأنهم الصابرين على ما أصابهم أى المطيعين حكم الله برغم ما نزل بهم من الضر أى البأس وهو النفع مصداق لقوله بسورة البقرة "والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس "وقوله بسورة الإنسان"واصبر لحكم ربك "فهم فى كل الأحوال يطيعون حكم الله وفسرهم بأنهم المقيمى الصلاة أى المطيعين للدين وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الصلاة "وفسرهم بأنهم مما رزقناهم ينفقون أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى يطيعون.

"والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون "المعنى والإبل خلقناها لكم من ذبائح الله لكم فيها نفع فأطيعوا حكم الله فيها صفوف فإذا رقدت جنوبها فاطعموا منها وأعطوا المحتاج أى العاجز هكذا خلقناها لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله لنا أن البدن وهى الإبل جعلها أى خلقها الله لنا من شعائر وهى ذبائح الله التى أباح ذبحها ولنا فيها خير أى نفع ،ويطلب الله منا أن نذكر اسم الله عليها صواف والمراد أن نطيع حكم الله بذبحها فى صفوف وهذا يعنى أن ذبح البدن يتم بطريقة منظمة حيث توقف فى صفوف ويتم ذبحها فى وقت معلوم فإذا وجبت جنوبها أى فإذا سقطت أجسامها والمراد فإذا توقفت أجسادها عن الحركة فيجب علينا أن نأكل أى نطعم منها ونطعم أى ونعطى اللحم منها القانع وهو المعتر وهو المحتاج العاجز أى البائس الفقير مصداق لقوله بنفس السورة "وأطعموا البائس الفقير"ويبين لنا أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهى الذبح سخرها لنا أى نفعنا بها والسبب لعلنا نشكره أى نطيع حكمه والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين "المعنى لن يأخذ الرب لحومها ولا دماؤها ولكن تصيبه الطاعة منكم هكذا خلقها لكم لتتبعوا الرب فيما أوحى لكم وأخبر المصلحين ،يبين الله لنا أنه لن ينال أى يأخذ والمراد لن يستفيد بلحوم الأنعام فى أكل ولا بدماءها فى شرب أو غيره وإنما يناله التقوى منكم أى تصيبه الطاعة منكم والمراد أن الله تصل لعلمه طاعتنا لحكمه فى الأنعام ويبين لنا أن كذلك سخرها لنا والمراد أن بالذبح نفعنا الله بالأنعام والسبب أن نكبر الله على ما هدانا والمراد أن نتبع الرب فيما أوحى لنا وهو هنا حكم ذبح الأنعام ويطلب الله من نبيه(ص)أن يبشر المحسنين والمراد أن يخبر المخبتين بأن لهم الجنة مصداق لقوله بنفس السورة "وبشر المخبتين "والخطاب فى معظمه للمؤمنين وفى آخره للنبى(ص)وبشر وما بعده له

"إن الله يدافع عن الذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور "المعنى إن الرب ينافح عن الذين صدقوا إن الرب لا يرحم كل خداع كذوب،يبين الله لنا أنه يدافع عن الذين أمنوا والمراد ينصر الذين صدقوا حكمه مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا"ويبين لنا أنه لا يحب كل خوان كفور أى لا يهدى أى لا يرحم كل مخادع مكذب بحكمه مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "

"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "المعنى سمح للذين يجاهدون بأنهم بخسوا وإن الرب على تأييدهم لفاعل، يبين الله أنه أذن أى سمح أى أباح القتال للذين يقاتلون وهم من يحاربون والسبب أنهم ظلموا أى بخسوا حقوقهم من الذين يقاتلونهم ،ويبين لنا أنه على نصرهم لقدير والمراد أنه لتأييدهم فى القتال فاعل وهذا يعنى أنه يجعلهم يغلبون عدوهم .والخطاب للنبى(ص)وما بعده

"الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز "المعنى الذين طردوا من بلادهم بغير جرم إلا أن يقولوا إلهنا الرب ولولا مقاومة الرب الخلق بعضهم ببعض لدكت صوامع أى بيع أى صلوات أى مساجد يطاع فيها وحى الله دوما وليساعدن الله من يطيعه إن الله لمتين غالب ،يبين الله لنا أن المظلومين المسموح لهم بالقتال هم الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق والمراد طردوا من بلادهم بدون جريمة يستحقون عليها الطرد إلا أن يقولوا ربنا الله والمراد دين إلهنا الرب هو العدل ،ويبين الله لنا أن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض والمراد لولا مقاومة أى صد الله الخلق بعضهم ببعض لحدث التالى :هدمت أى فسدت أى بطلت صوامع أى بيع أى صلوات أى مساجد أى بلاد أى أراضى مصداق لقوله بسورة البقرة "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"فالأرض التى يذكر فيها اسم الله كثيرا تفسد والمراد أن بلاد الإسلام التى يتبع فيها حكم الله دوما تعصى حكم الله بسبب عدم الدفع وهو مقاومة الباطل ،ويبين الله لنا أنه ينصر من ينصره أى يعين من يطيع حكمه والمراد يدافع عن من يتبع حكمه ،والله هو القوى أى المتين أى المعز العزيز أى الغالب على أمره .

"الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " المعنى الذين إن حكمناهم فى البلاد أطاعوا الدين أى اتبعوا الحق أى عملوا بالحق أى بعدوا عن الباطل ولله حكم الأشياء،يبين الله أن المنصورين هم الذين إن مكنهم الله فى الأرض والمراد الذين إن حكمهم الرب فى البلاد أى الذين إن استخلفهم فى البلاد أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وهو الإسلام وفسرهم بأنهم أتوا الزكاة أى اتبعوا الحق وفسرهم بأنهم أمروا بالمعروف أى عملوا بالقسط وهو العدل مصداق لقوله بسورة آل عمران "ويأمرون بالقسط"وفسرهم بأنهم نهوا عن المنكر أى ابتعدوا عن الفساد وهو كل حكم سوى حكم الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"وينهون عن الفساد "ويبين أن لله عاقبة الأمور والمراد له الحكم وهو الأمر فى المخلوقات مصداق لقوله بسورة الروم "لله الأمر من قبل ومن بعد " والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير "المعنى وإن يكفروا برسالتك فقد كفر قبلهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وشعب إبراهيم (ص)وشعب لوط(ص)وأهل مدين وكفر بموسى (ص)فاستدرجت المكذبين ثم أهلكتهم فكيف كان عقاب ؟،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس إن يكذبوه أى يكفروا بآيات الله المنزلة عليه فقد كذبت أى كفرت بآيات الله قبلهم قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وقوم أى شعب إبراهيم (ص)وقوم أى شعب لوط(ص)وأهل مدين وكذب أى كفر قوم فرعون بموسى (ص)مصداق لقوله بسورة الأنفال "كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله " فكانت النتيجة أن أملى الله للكافرين أى أعطى الله المكذبين الخير فى الدنيا ليزدادوا كفرا مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما "وبعد ذلك أخذهم أى أهلكهم ويسأل الله فكيف كان نكير أى عقاب مصداق لقوله بسورة غافر "فكيف كان عقاب"والغرض من السؤال وما قبله هو إخبار الرسول (ص)أن تكذيب الناس له أمر عادى حدث مع كل الرسل ومن ثم فعليه ألا يحزن بسبب ذلك .

"فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد "المعنى فكم من أهل بلد دمرناها وهى كافرة فهى خالية من ساكنيها ونهر مطموس وبيت مبنى ،يسأل الله :فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة والمراد فكم من أصحاب بلدة قصمناها وهى مذنبة مصداق لقوله بسورة الأنعام "فأهلكناهم بذنوبهم "والغرض من السؤال إخبار الكل أن الله دمر الكثير من الأقوام بسبب  ظلمهم فهذه القرى خاوية على عروشها والمراد خالية من ساكنيها لموتهم وفيها بئر معطلة أى نهر والمراد مصدر للمياه جاف وفيها قصر مشيد أى بيت مبنى والمراد بيوت مبنية ليس بها ساكنيها والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور "المعنى أفلم يسافروا فى البلاد فتصبح لهم عقول يفهمون بها أى بصائر يعقلون بها فإنها لا تؤذى العيون ولكن تؤذى البصائر التى فى النفوس ،يسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض والمراد هل لم ينتقلوا فى البلاد فتكون لهم قلوب يعقلون بها أى أذان يسمعون بها والمراد عقول يفهمون بها ما حدث لمن سبقوهم ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الناس علموا ما حدث لمن سبقوهم ومع ذلك لم يتعظوا ،ويبين الله أن الدنيا لا تعمى الأبصار والمراد لا تخدع العيون التى تتم المشاهدة بها ولكن الدنيا تعمى القلوب التى فى الصدور أى تضل العقول التى فى النفوس والمراد أن متاع الدنيا يلغى البصائر من النفوس فتقود الشهوات النفس بدلا من العقل مصداق لقوله بسورة القيامة "بل الإنسان على نفسه بصيرة "أى عقل .

"ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون "المعنى ويطالبونك بالعقاب ولن ينقض الرب قوله وإن يوما لدى إلهك كألف عام مما تحسبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار يستعجلونه بالعذاب والمراد يطالبونه بسرعة مجىء العقاب وهو السيئة مصداق لقوله بسورة الرعد"ويستعجلونك بالسيئة "ويبين له أنه لن يخلف وعده والمراد لن ينقض قوله بنزول العذاب عليهم ،ويبين له أن قدر اليوم عنده أى فى أم الكتاب هو ألف سنة مما يعدون أى ألف عام مما يحصى الناس .          

"وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير "المعنى وكم من أهل بلدة أعطيت لها وهى كافرة ثم أهلكتها وإلى المرجع،يسأل الله نبيه(ص)وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة والمراد وكم من أهل بلدة أعطيت لها الرزق كثيرا ثم دمرتها وهى مذنبة مصداق لقوله بسورة الأنعام"فأهلكناهم بذنوبهم "وإلى المصير أى المرجع مصداق لقوله بسورة الحديد "وإلى الله ترجع الأمور"والغرض من السؤال هو إخباره بكثرة ما أهلك الله من الأقوام الكافرة نتيجة ظلمهم والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"قل يا أيها الناس إنما أنا نذير مبين فالذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم"المعنى قل يا أيها الخلق إنما أنا مبلغ أمين فالذين صدقوا الوحى وفعلوا الحسنات لهم رحمة أى نفع عظيم والذين ساروا لأحكامنا معاندين أولئك أهل النار ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس وهم الخلق :يا أيها الناس أى الخلق إنما أنا نذير مبين أى رسول أمين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إنى لكم رسول أمين"أى مبلغ مخلص فالذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم مغفرة أى رحمة أى رزق كريم أى أجر كبير مصداق لقوله بسورة فاطر"لهم مغفرة وأجر كبير" والذين سعوا فى آياتنا معاجزين والمراد والذين عاشوا بأحكامنا كافرين أولئك أصحاب الجحيم أى أهل النار مصداق لقوله بسورة البقرة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار ".

"وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم "المعنى وما بعثنا من قبلك من مبعوث أى رسول إلا إذا أبلغ حرف الكافر فى قوله فيمحو الرب ما يقول الكافر ثم يثبت الرب أحكامه والرب خبير قاض،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما أرسل من قبله من رسول أى نبى والمراد ما بعث من قبل وجوده من مبعوث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته والمراد إلا إذا أبلغ الوحى غير الكافر فى كلامه وهذا يعنى أن كل الرسالات حرفت بعد أن أبلغها الرسل للناس ،وبعد التحريف كان الله ينسخ ما يلقى الشيطان أى يمحو الرب ما يقول الكافر من الباطل مصداق لقوله بسورة الشورى "ويمح الله الباطل"ثم يحكم آياته والمراد ويثبت أحكامه والمراد ويعيد أحكامه  لسابق صحتها أى يحفظها من التحريف والله عليم حكيم أى خبير قاضى بالعدل والخطاب للنبى(ص) .

" ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد "المعنى ليكون الذى يقول الكافر سقطة للذين فى نفوسهم كفر والكافرة نفوسهم وإن الكافرين لفى الضلال الكبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يجعل ما يلقى الشيطان والمراد يجعل الذى يقول الكافر وهو المحرف للوحى فتنة أى سقطة  للذين فى قلوبهم مرض وهم الذين فى نفوسهم كفر وفسرهم الله بأنهم القاسية قلوبهم أى الكافرة نفوسهم وهذا يعنى أنهم يصغون لهم ويقبلوه مصداق لقوله بسورة الأنعام "ولتصغى له أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون"ويبين لنا أن الظالمين وهم الكافرين فى شقاق بعيد أى فى ضلال كبير والمراد عذاب مستمر مصداق لقوله بسورة سبأ"فى العذاب والضلال البعيد"والخطاب للنبى(ص).

"وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين أمنوا إلى صراط مستقيم "المعنى وليعرف الذين أعطوا الوحى أنه العدل من خالقهم فيصدقوا به فتعمل به نفوسهم وإن الله لمدخل الذين صدقوا إلى طريق عظيم ،يبين الله لنبيه (ص) أن الله ينسخ قول الكافر ويثبت قوله ليعلم أى ليعرف الذين أوتوا العلم وهم الذين علموا الوحى أن الوحى هو الحق من ربهم والمراد العدل من عند خالقهم فيؤمنوا به أى فيصدقوا به فتخبت له قلوبهم والمراد فتعمل به نفوسهم ويبين له أن الله هاد الذين أمنوا إلى صراط مستقيم والمراد أن الله مدخل الذين صدقوا إلى مكان عادل هو الجنة والخطاب للنبى(ص).

"ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين أمنوا وعملوا الصالحات فى جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين "المعنى ويستمر الذين كذبوا فى كفر به حتى تحضرهم القيامة أى عقاب يوم عاقر الحكم يومذاك لله يفصل بينهم فالذين صدقوا بالوحى وفعلوا الحسنات فى حدائق المتاع والذين جحدوا أى خالفوا أحكامنا فأولئك لهم عقاب شديد،يبين الله لنبيه (ص) أن لا يزال الذين كفروا فى مرية منه والمراد أن يستمر الذين كذبوا بحكم الله فى كفر بحكم الله أى يظل الذين اختلفوا فى الإسلام فى شك منه مصداق لقوله بسورة النساء"وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه " حتى تأتيهم الساعة أى حتى تجيئهم القيامة وفسرها بأنها عذاب يوم عقيم أى عقاب يوم عاقر والمراد لا يلد أى لا يجىء يوم بعده وهو يوم يكون الحكم وهو الأمر فيه لله مصداق لقوله بسورة الإنفطار "والأمر يومئذ لله"حيث يحكم أى يفصل بينهم فى المختلف فيه بينهم مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله يفصل بينهم يوم القيامة " فيقضى الله بأن الذين أمنوا أى صدقوا حكمه وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات فى جنات النعيم والمراد حدائق المتاع الدائم وأما الذين كفروا أى كذبوا بآيات الله والمراد الذين خالفوا أحكام الله لهم عذاب مهين أى عقاب مذل والمراد عقاب عظيم مصداق لقوله بسورة الجاثية "ولهم عذاب عظيم " والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم "المعنى والذين انتقلوا فى دين الله ثم استشهدوا أو توفوا ليعطينهم الله عطاء كبيرا وإن الرب لهو أفضل العاطين أى ليسكنهم مسكنا يقبلونه وإن الرب لخبير رحيم ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين هاجروا فى سبيل الله والمراد الذين انتقلوا من بلدهم لبلد الإسلام لنصر دين الله ثم قتلوا أى استشهدوا فى الحرب أو ماتوا أى توفوا الوفاة العادية يرزقهم الله رزقا حسنا وفسر هذا بأنه يدخلهم مدخلا يرضونه والمراد يسكنهم الرب رحمة كبيرة مصداق لقوله بسورة الجاثية "فيدخلهم ربهم فى رحمته" أى يسكنهم مسكنا يحبونه أى يقبلون به هو الجنة مصداق لقوله بسورة المجادلة "ويدخلهم جنات "ويبين الله له أنه خير الرازقين أى أفضل المعطين أى أحسن الواهبين وهو العليم الحليم أى الخبير الرحيم.

"ذلك ومن عوقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور "المعنى ذلك ومن اعتدى بشبه ما اعتدى عليه ثم اعتدى عليه مرة أخرى ليؤيدنه الله إن الرب لغفور تواب ،يبين الله لنبيه(ص)أن ذلك وهو إشارة أن ما سبق ذكره فى الآيات هو حق ويبين لنا أن من عاقب بمثل من عوقب به والمراد من جازى بشبه ما جوزى به والمراد من انتصر على ظالمه بنفس ما عمله الظالم فيه ليس عليه سبيل أى عقاب مصداق لقوله بسورة الشورى "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"فإذا بغى عليه أى عاد الظالم إلى إيذاء المظلوم فحق على الله أن ينصره أى يؤيده والمراد يعطيه الحق فى أن يقوم المسلمون معه يدا واحدا على الباغى مصداق لقوله بسورة الحجرات"فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء لأمر الله"ويبين لنا أن الله عفو أى غفور والمراد رحيم بمن يرجع عن ظلمه وهو التائب من ذنبه .

"ذلك بأن الله يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وأن الله سميع بصير "المعنى ذلك بأن الرب يسلخ الليل من النهار ويسلخ النهار من الليل وأن الله خبير عليم ،يبين الله للنبى(ص) أن ذلك وهو نصره وعفوه وغفرانه بأن الله يفعل التالى يولج الليل فى النهار أى يكور الليل على النهار أى يسلخ الليل من النهار ويولج أى يكور النهار على الليل أى يسلخ النهار من الليل مصداق لقوله بسورة الزمر"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل "والمراد يذهب الليل بالتدريج فكل مكان يذهب منه يصبح نهار والنهار يذهب بالتدريج فكل مكان يذهب عنه النهار يحل محله الليل والله سميع بصير أى "إن الله كان عليما خبيرا"والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلى الكبير "المعنى ذلك بأن الرب هو الإله وأن ما يعبدون من غيره هم الكذب وأن الرب هو الكبير العظيم،يبين الله للنبى(ص) أن ذلك وهو قدرته على تغيير الليل والنهار وعلمه بأن الله وهو الرب هو الحق أى الإله الموجود وحده وأما ما يدعون من دونه فهو الباطل والمراد أن ما يطيعون من سواه فهو الكذب فليس هناك آلهة سوى الله والله هو العلى الكبير أى الكبير العظيم مصداق لقوله بسورة البقرة "وهو العلى العظيم ".

"ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير"المعنى ألم تعرف أن الرب أسقط من السحاب مطر فتكون الأرض منبتة إن الرب عليم عارف ،يسأل الله نبيه(ص)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة والمراد هل لم تعرف أن الرب يسقط من السحاب مطرا فيجعل الأرض حية مصداق لقوله بسورة النحل"والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها"والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)أن الله يحيى الأرض الميتة بواسطة الماء ومن ثم فهو قادر على إحياء الموتى والله هو اللطيف الخبير أى العليم المحيط بكل شىء مصداق لقوله بسورة النساء"إن الله كان عليما خبيرا".

"له ما فى السموات وما فى الأرض وإن الله لهو الغنى الحميد"المعنى لله الذى فى السموات والذى فى الأرض وإن الرب لهو الواسع الشاكر،يبين الله لنبيه(ص)أن له والمراد أن ملكه ما أى الذى فى السموات وما أى الذى فى الأرض مصداق لقوله بسورة المائدة "ولله ملك السموات والأرض وما فيهن "والله وهو الرب هو الغنى أى الواسع الملك الحميد أى الشاكر أى المثيب من أطاع حكمه والخطاب للنبى(ص).

"ألم تر أن الله سخر لكم ما فى الأرض والفلك التى تجرى فى البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم "المعنى ألم تعلم أن الله خلق الذى فى الأرض والسفن التى تتحرك فى الماء بحكمه ويمنع السماء أن تسقط على الأرض بحكمه إن الرب بالخلق لنافع مفيد،يسأل الله نبيه(ص)ألم تر أن الله سخر لكم ما فى الأرض والمراد هل لم تدرى أن الله خلق لكم الذى فى الأرض وهذا يعنى أنه خلق ما فى الأرض لنفع الناس ،والفلك التى تجرى فى البحر بأمره والمراد والسفن التى تسير فى الماء بأمره أى بنعمة الله وهى ما خلقه من ريح وخلافه مصداق لقوله بسورة لقمان"ألم تر أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله"وهذا يعنى أنه يسير السفن فى البحر بالريح أو بما اخترع الإنسان أو بأيدى الإنسان ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه والمراد ويمنع السماء أن تسقط على الأرض إلا بحكمه وهذا يعنى أنه رفع السماء بعمد غير مرئية حتى أنها لا تسقط إلا بحكم من الله فى القيامة ؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)بقدرة الله على خلق الأرض للناس وتسيير الفلك ومنع سقوط السماء على الأرض ،والله بالناس رءوف رحيم والمراد والرب للخلق نافع مفيد والخطاب للنبى(ص).

"وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور"المعنى وهو الذى بعثكم ثم يتوفاكم ثم يبعثكم إن الإنسان لظلوم ،يبين الله للناس أنه هو الذى أحيانا أى خلقنا أول مرة ثم يميتنا أى يتوفانا ثم يحيينا أى يبعثنا مرة ثانية أحياء مصداق لقوله بسورة الروم"الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم "ويبين لنا أن الإنسان كفور ظلوم مصداق لقوله بسورة إبراهيم "إن الإنسان  لظلوم"أى مكذب بحكم الله .

"لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك فى الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم "المعنى لكل جماعة عينا منهجا هم متبعوه فلا يخالفنك فى الحكم وناد إلى إلهك إنك على دين عادل ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله جعل لكل أمة منسكا هم ناسكوه والمراد أن الله حدد لكل جماعة شرعة أى منهاج أى دين هم متبعوه مصداق لقوله بسورة المائدة "ولكل أمة جعلنا شرعة ومنهاجا"ويطلب منه ألا ينازعه أحد فى الأمر والمراد ألا يخالفه مسلم فى حكم الله وأن يدعو إلى ربه والمراد أن ينادى الناس لإتباع دين الله ويبين له أنه على هدى مستقيم أى خلق عظيم مصداق لقوله بسورة القلم "وإنك لعلى خلق عظيم "أى على صراط مستقيم مصداق لقوله بسورة الزخرف"إنك على صراط مستقيم"أى دين عادل والخطاب وما بعده للنبى(ص) .

"وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون "المعنى وإن حاجوك فقل الرب أدرى بما تصنعون الرب يفصل بينكم يوم البعث فيما كنتم به تكذبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس إن جادلوه أى حاجوه والمراد كذبوا الوحى فعليه أن يقول لهم :الله أعلم بما تعملون والمراد الرب أعرف بالذى تفعلون مصداق لقوله بسورة الزمر"وهو أعلم بما يفعلون"يحكم أى "يفصل بينكم يوم القيامة "كما قال بنفس السورة وهو يوم البعث فيما كنتم فيه تختلفون والمراد فى الذى كنتم به تكفرون وهذا يعنى أن الله يقضى بينهم بالعدل فى الدين الحق والدين الباطل .

"ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السماء والأرض إن ذلك فى كتاب إن ذلك على الله يسير "المعنى هل لم تدرى أن الرب يدرى الذى فى السموات والأرض إن ذلك فى سجل إن ذلك على الرب هين ،يسأل الله نبيه(ص)ألم تعلم أن الله يعلم والمراد ألم تعرف أن الرب يعرف ما أى الذى فى السموات والأرض إن ذلك فى كتاب أى سجل إن ذلك وهو العلم عند الله وهو الرب يسير أى سهل أى هين والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)  أن الله عالم بكل ما فى الكون حيث أنه مسجل فى كتاب وهذا العلم هو أمر يسير أى هين مصداق لقوله بسورة مريم "هو على هين "والخطاب للنبى(ص).

"ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير "المعنى ويطيعون من سوى الرب الذى لم يوحى به وحيا أى الذى ليس فيه وحى وما للكافرين من منقذ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس يعبدون من دون الله والمراد يطيعون من سوى دين الله ما لم ينزل به سلطانا والمراد الذى لم يوحى بإباحة طاعته وحيا وفسر هذا بأن ليس لهم به علم والمراد الذى ليس لهم فيه وحى يثبتونه به ،ويبين لنا أن الظالمين وهم الكافرون ليس لهم نصير أى ولى ينقذهم من العذاب مصداق لقوله بسورة الشورى "والظالمون ما لهم من ولى "والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير "المعنى وإذا تبلغ لهم أحكامنا واضحات تعلم فى نفوس الذين كذبوا الشر يهمون يبطشون بالذين يبلغون لهم أحكامنا قل هل أخبركم بأسوأ من ذلكم الجحيم أخبر بها الرب الذين كذبوا وقبح المرجع،يبين الله لنبيه(ص)أن إذا تتلى عليهم آيات الله والمراد أن إذا تقرأ للناس أحكام الله يعرف فى وجوه الذين كفروا المنكر والمراد يعلم  أن فى نفوس الذين كذبوا الحكم الإلهى الشر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا والمراد يريدون يبطشون بالذين يقرئون لهم أحكامنا وهذا يعنى أنهم يريدون ضربهم ،ويطلب منه أن يسألهم أفأنبئكم بشر من ذلكم والمراد هل أخبركم بأسوأ من أذى الدنيا؟ويطلب منه أن يجيب :النار وهى جهنم وعدها الله الذين كفروا أى أخبر بها الرب الذين كذبوا أحكامه وبئس المصير أى وقبح المهاد مصداق لقوله بسورة آل عمران"وبئس المهاد".

"يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "المعنى يا أيها الخلق قيل قول فإفهموه إن الذين تعبدون من غير الرب لن ينشئوا ذبابا ولو اتفقوا وإن يأخذ منهم الذباب بعضا لا يسترجعونه منه صغر المريد والمراد،يخاطب الله الناس وهم الخلق ويطلب منهم أن يستمعوا للمثل الذى ضربه أى أن ينصتوا للقول الذى قاله والمراد أن يفهموا الحديث الذى تحدث به وهو إن الذين يدعون أى يعبدون من دون أى غير الله مصداق لقوله بسورة العنكبوت"إن الذين تعبدون من دون الله"لن يخلقوا ذبابا أى لن يبدعوا ذبابا والمراد لن يقدروا على أن ينشئوا حشرة الذباب حتى ولو اجتمعوا له أى حتى ولو اتفقوا على خلق الذباب ويبين لهم أن الذباب إن يسلبهم شيئا أى إن يأخذ منهم جزء والمراد إن يأخذ من الآلهة المزعومة جزء فإنهم لا يستنقذوه أى لا يستعيدونه من الذباب مهما فعلوا ويبين لهم أن الطالب وهو الراغب أى إلاله المزعوم والمطلوب وهو المرغوب وهو الجزء المراد استعادته ضعيف أى هين والخطاب للناس .

"وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز"المعنى وما اتقوا الرب واجب تقواه إن الرب لمتين غالب، يبين الله لنبيه(ص)أن الناس ما قدروا الله حق قدره والمراد ما اتقوا الرب واجب تقاته مصداق لقوله بسورة آل عمران"واتقوا الله حق تقاته"أى ما أطاعوا حكم الرب كما يجب أن يطاع وهو القوى العزيز أى المتين الغالب على أمره.

"الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور"المعنى الرب يختار من الملائكة مبعوثين ومن الخلق إن الرب خبير عليم يعرف الذى أمامهم والذى وراءهم وإلى الرب تصير الأشياء ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله يصطفى من الملائكة والناس رسلا والمراد أن الله يختار من الملائكة ومن البشر مبعوثين لأداء ما يريد منهم وهو سميع بصير أى عليم خبير مصداق لقوله بسورة النساء"إن الله كان عليما خبيرا" وهو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والمراد وهو يعرف الذى أمامهم وهو ما أعلنه الرسل (ص) وما وراءهم وهو ما أخفوه وإلى الله ترجع الأمور والمراد وإلى جزاء الرب تصير المخلوقات مصداق لقوله بسورة الشورى "ألا إلى الله تصير الأمور"والخطاب وما قبله للنبى(ص).

"يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى أطيعوا أى اتبعوا أى أطيعوا إلهكم أى اصنعوا النفع لعلكم ترحمون ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكمه فيطلب منهم فيقول اركعوا أى اسجدوا أى اعبدوا ربكم والمراد أطيعوا حكم خالقكم وفسره بأنه افعلوا الخير أى اعملوا الصالح لعلكم تفلحون أى تفوزون برحمة الله مصداق لقوله بسورة آل عمران"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون "والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير "المعنى وأطيعوا الرب واجب طاعته هو اختاركم وما فرض عليكم فى الإسلام من أذى ،دين والدكم إبراهيم(ص)هو دعاكم المطيعين من قبل وفى القرآن ليصبح النبى (ص)عليكم مقرا وتصبحوا مقرين على الخلق فأطيعوا الدين أى اتبعوا الحق أى استمسكوا بحكم الله هو ناصركم فحسن الناصر أى حسن المؤيد،يطلب الله من المؤمنين أن يجاهدوا فى الله حق جهاده والمراد أن يطيعوا الرب واجب طاعته والمراد أن يتقوا الله حق تقاته مصداق لقوله بسورة آل عمران"واتقوا الله حق تقاته"ويبين لهم أنه ما جعل عليهم فى الدين من حرج والمراد ما فرض عليهم فى الإسلام من أذى وهذا يعنى خلو الإسلام من الأحكام الضارة بالمسلمين والإسلام هو ملة أبينا أى دين والدنا هو سمانا المسلمين من قبل والمراد هو دعانا المطيعين لله من قبل وفى هذا وهو القرآن سمانا الله المسلمين والسبب هو أن يكون الرسول(ص)علينا شهيدا والمراد أن يصبح محمد(ص)مقرا علينا بما عملنا ونكون شهداء على الناس والمراد ونصبح مقرين على الخلق بما عملوا يوم القيامة ويطلب الله منا أن نقيم الصلاة أى نطيع الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسر هذا بأن نؤتى الزكاة أى نعمل الحق وفسر هذا بأن نعتصم بالله والمراد أن نحتمى بطاعة حكم الله وهو وحيه لأنه مولانا أى ناصرنا وهو نعم المولى أى النصير والمراد المؤيد لنا فى الدنيا والأخرة .       

اجمالي القراءات 23281