شريعة قتل الأولاد

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٩ - نوفمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
مرحبا دكتور صبحي منصور، منذ متى يزعجني أن الناس في الماضي كانوا يضحون بأولادهم لله أو للآلهة أو للأصنام؟ لماذا لم يضحي هؤلاء الناس بأنفسهم إذا كانوا يؤمنون بالتضحية البشرية؟ لماذا يجب على الإنسان أن يضحي بطفله؟ صحيح أنه لو لم يكن هناك آباء وأب لأم أو أم لأم أو أب لأب أو أم لأم لما كنا موجودين ونحن مدينون بوجودنا لهم، ولكن عنوانك هو أنه إذا كان الآباء والأب لأم أو أم للأم لم نكن موجودين من دون أم أو أب لأب أو أم لأم، ونحن مدينون لهم بوجودنا . ولكنها هؤلاء لیسوا ملکنا ليس لمن يريد أن يكفر عن خطيئته بذبح طفل.. ما هو الغرض من الأشخاص الذين شجعوا الناس على التضحية بأطفالهم يقول معارضو الأديان الإبراهيمية أن الله أمر أيضًا بإبراهيم للتضحية بالطفل وسؤال واحد لمنتقدي الأديان هو لماذا يريد الله التضحية من أجل مغفرة الخطايا البشرية؟ وهو غنی وهو غفور وهو رئوف وهو ارحم الراحمین وأنا لا أفهم حقًا، إذا كان هؤلاء الناس يعتقدون أنهم يجب أن يقدموا ذبائح بشرية لله أو للآلهة أو للأوثان، فلماذا لم يضحوا بأنفسهم؟ وهل ضحوا بأبنائهم؟ أليست جينات الأشخاص الذين كانوا يفعلون ذلك موروثة من بعض الأشخاص الذين يبحثون فقط عن الربح المادي من أبنائهم، فماذا يجب عليهم أن يفعلوا بهذه الوراثة؟ وما هو الرد على منتقدي الديانات الإبراهيمية الذين يقولون إنكم أنتم الديانات الإبراهيمية بحق تنتقدون قتل الأطفال، لكنكم أنتم تقولون إن الله أمر إبراهيم بقتل الأطفال، ما هو الجواب المنطقي؟ بشكل عام، إنها قضية ثقيلة جدًا، وقضية التضحية بالأطفال برمتها هي قضية ثقيلة الفهم
آحمد صبحي منصور

الإجابة :

أولا : فى التشريع حيث الأوامر والنواهى  :

حُرمة قتل النفس البشرية ، وخصوصا الأولاد :

1 ـ حُرمة الانتحار لأن الانسان لا يملك نفسه أو حياته . قال جل وعلا : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) النساء )

2 ـ حُرمة قتل الأولاد ، وإعتباره دينا شيطانيا : قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الأنعام )

2 / 2 : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) الانعام )

2 / 3 : فى الوصايا العشر : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) (151)  الانعام )

 2 / 4 : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) الاسراء )

3 ـ حُرمة قتل النفس البريئة عموما . قال جل وعلا :

3 / 1 : فى الوصايا العشر : (  وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)  الانعام )

3 / 2 : (  وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ  )(33)  الاسراء ).

3 / 3 : من صفات عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)  الفرقان ).

ثانيا : فى القصص القرآنى الذى لا يؤخذ منه التشريع :

كان شائعا ذبح الأطفال شعيرة دينية .

1 ـ تعرض ابراهيم عليه السلام لاختبارات وإبتلاءات شتى ، منها أنه رأى فى المنام أنه يذبح إبنه إسماعيل  ( الغلام الحليم ) وهووقتئذ إبنه الوحيد ، فصدّق الرؤيا وإعتبرها توجيها إلاهيا فأوشك أن يذبح إبنه واستسلم الابن ، لولا إن الله جل وعلا إفتداه ، وبنجاح ابراهيم فى هذا الابتلاء وهب له ربه جل وعلا إبنا ثانيا هو إسحاق  . قال جل وعلا : (  فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112)الصافات ). نلاحظ إنه لم يأت وحى صريح مباشر ، بل مجرد رؤيا ، وصدقها ابراهيم .

2 ـ فى قصة موسى ووقوع قومه فى عبادة العجل قال لهم موسى أن يكفروا عن هذا بقتل أنفسهم . لم يقل لهم إن الله يأمركم أن تقتلوا أنفسكم بمثل ما قال لهم ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) (67) البقرة ). قال لهم من عنده هذا بسبب غضبه من الكفر الهائل الذى وقعوا فيه ، ولكن الله جل وعلا تاب عليهم . قال جل وعلا : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) البقرة )

3 ـ فى التاريخ المعاصر لنزول القرآن الكريم فى المدينة نزلت آيات كثيرة عن المنافقين فيها ، والذين أدمنوا الحلف بالله جل وعلا كذبا ، مع عدم تسليمهم بالتقاضى الى الرسول عليه السلام وعدم إنصياعهم . قال عنهم جل وعلا : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء ) بعدها قال جل وعلا : ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (68) النساء  ) ( لو ) هنا حرف إمتناع لامتناع ، أى إمتنع الأمر وبالتالى امتنعت الاجابة والتنفيذ . بدليل قوله جل وعلا عن وعظهم بأن يتحاكموا أمام الرسول فى خلافاتهم بلا تحرّج ، مع التسليم بحكمه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (68)) .

ونعيد التذكير بأن القصص القرآنى هو للوعظ وليس للتشريع . 

اجمالي القراءات 1815