جمال مبارك وعادل إمام

في الثلاثاء ١٦ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

جمال مبارك وعادل إمام

بقلم د. عمار على حسن ١٦/ ٦/ ٢٠٠٩
صنع عادل إمام مجده الفنى على أكتاف الفقراء وبأيديهم، حين زحفت الملايين منهم إلى الشاشات البيضاء لترى أفلامه، لكن المشخصاتى الساخر، الذى نسى موقعه ولبس ثوبًا غير ثوبه، يخون جمهوره، ويقف حيث يكره الناس، ليبحث هذه المرة عن مجد جديد، أو ربما يريد أن يثير ضجيجًا سياسيًا حوله، بعد الصمت الذى يخيّم على حياته الفنية، التى بدأت منذ مدة رحلة التراجع.

لا ننكر أن «إمام» أضحكنا، وتعلقت أبصارنا بأفلامه، وإن بقى بينها وبين عقولنا حجاب. فالمضحكاتى العجوز لم يقنعنا أبدًا بأنه صاحب قيمة وقامة فنية عالية، تطاول أساتذة كبارًا تركوا بصمات قوية فى تاريخ السينما المصرية، لكننا تسامحنا معه، ونسينا قصة الفن والإبداع لحساب القهقهة، وها نحن نجنى ثمرة تسامحنا، الذى لم يكن سوى تساهل أحيانًا مع الفن الهابط، والأفلام التى تنتصر للانحطاط، وتعلى من شأن الفهلوة، وتكرس الاستبداد.

أقول إن «إمام» ليس فنانًا كبيرًا، لسبب بسيط، لا أرجعه هذه المرة إلى أنه لم يحصل على جائزة كبيرة، ولم يقنع مخرجًا عالميًا كبيرًا، بل بحدس بسيط وحس أبسط، أرى أن المشخصاتى الذى يؤدى الحركات نفسها فى الأدوار المتناقضة لا يمكن أن يكون ممثلًا من أساسه. فـ»إمام» يفعل وهو يلعب دور اللص نفس ما يفعله وهو يلعب دور الشرطى، ولم يتغير أداؤه، إلا قليلًا وفى أفلام تعد على أصابع اليد، منذ أن كان «كومبارس» يقف كسيرًا وراء العمالقة وحتى أصبح ملك الترسو.

يتعالى «إمام» على أصحاب «النصوص» التى صنعت له مجده، الخفيف فنيًا والثقيل جماهيريًا، وينسى أحوال أبطال أفلام «المنسى» و»الغول» و»حب فى الزنزانة»، ويقف فى الواقع إلى جانب من أذلوهم وقهروهم، وبدلًا من أن ينطق بما ينتصر لأشواق الناس إلى الحرية والكفاية والعدل، أو يقف ما وقفه بطل فيلمه «النوم فى العسل» يلعب هذه المرة دور بطل فيلمه «طيور الظلام»، المحامى المرتشى المتواطئ مع الاستبداد، المتصالح مع الفساد، والمتخاصم مع شعب مغلوب على أمره، الأنانى الطامع الباحث عن مصلحته بأى ثمن.

كان عادل إمام صنيعة الإعلام وضحيته، فالأقلام التى مدحت تربُّعه على عرش «شباك التذاكر» لسنوات طويلة، هى التى ألبسته رداءً واسعًا عليه، فتاه فيه، وغطس ولم يطف، وذلك حين أطلقت عليه لقب «الزعيم» فصدَّق الرجل نفسه، واستسلم لخيال جامح، انتهى به إلى أن يعتقد فى إمكانية أن يلعب دور نصر حامد أبوزيد، وهو مفكر أعتقد أنه قد يكون من الصعب على «إمام» أن يدرك ما تعنيه أى فقرة من فقرات كتبه، بل زاد على ذلك بنفيه المتتابع فى كل وقت وحين أن يكون متطلعًا إلى منصب وزير الثقافة،

وهذا بالنسبة لكل ذى عقل فهيم وبصيرة نافذة من قبيل الكوميديا السوداء، لكنه بالنسبة لعادل إمام مجرد حيلة جديدة لإثارة ضجيج غير فنى، حول فنان أفل نجمه، وينصرف عنه جمهوره تدريجيًا، لأنه يكرر نفسه باستمرار.

لقد بدأت قصة «الزعيم المزعوم» حين تحدث عن «التطبيع» مع الكيان الصهيونى، بلغة لم يدرك معانيها ولا مراميها، فلما قوبل بنقد لاذع تراجع واعتذر تحت ستار «العذر بالجهل»، لكنه عاد فى الأسابيع الأخرى ليطلق من شاشات وصفحات، تعالى عليها طويلًا، كلمات أخرى عن قضايا كانت- ولا تزال- بعيدة تمامًا عن اهتمامه، وآخرها وأهمها مناصرته لتوريث الحكم فى مصر.

فى المبتدأ، ليس بوسع أحد أن يصادر على اختيار أى أحد، فنان أو سمكرى، لكن كل شخص مسؤول عما انحاز إليه، وللآخرين حق المناقشة، لا سيما إن كان الحديث عن شخصية عامة مثل عادل إمام. فالرجل لم يعد يتحدث إلى الإعلام فى الفن، بل بات يدلى برأيه فى السياسة، وهذا أيضًا حقه، لكنه تجاوز ذلك إلى تسفيه رأى كل من يختلف معه.

عادل إمام أسكره كلام من لا يقدّرون أمانة الكلمة ولا قداستها فظن أنه «قائد رأى» ممن يؤخذ كلامهم على محمل الجد، وراح يتولى الدعاية المباشرة لجمال مبارك، وهو يظن أن البسطاء الذين كانوا يسارعون فى الماضى لمشاهدة أفلامه، ويصفقون له حين يضرب بيد واحدة خمسة رجال أشداء، سوف ينساقون وراء تأييده لجمال، ويصفقون أيضا، ويقولون بملء أفواههم: «اخترنا جمال على مذهب الإمام عادل».

لا يدرك عادل بفطرته أو قريحته، أو أى منهما، أن البسطاء لا يروق لهم فيلم «التوريث»، لأنهم لم يروا من جمال مبارك ما يجعلهم مطمئنين إلى إمكانية تحسن أحوالهم مع رجل ينحاز إلى رجال الأموال والأعمال وكبار الملاك، ويتحمس لبيع كل ما تقع عليه عيناه من أملاك الشعب، رجل ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، ولم يجلس يومًا بين جماهير «الترسو» التى تصفق لمحولجى السكة الحديد (بطل فيلم المنسى) وهو يقاوم من أجل إنقاذ امرأة من بين أيدى الأباطرة الجدد.

ما انتهى إليه عادل إمام كان متوقعًا، فالمشخصاتى الذى يقاطع مهرجانًا اعتراضًا على حضور ناقدة هجته فنيًا، ويضع طيلة حياته بينه وبين الناس حجابًا غليظًا، ويعيش دومًا مشمولًا برضا السلطة ورعايتها، لن يقف أبدًا مع المناضلين فى سبيل الحرية والعدل، ولا مع البسطاء الذين شيّدوا تاريخه الفنى ببعض ما ادخروه من أقواتهم، بل سيكشف كل أوراقه المخبوءة ويطلق كل أصواته المكبوتة، ويسبح بحمد من يتوقع أو يتمنى أن يكون «السلطان الجديد»، ليمارس بطريقة مختلفة «اللعب مع الكبار».

ويعتقد الفنان الكبير فى السن أن المصريين المتسامحين سُذَّج وأغبياء، وأنهم سيغفرون له موقفه هذا، لكنه سيدرك عما قريب أن رهانه كان خاسرًا، عندما يعاقبه الناس، فتصبح إيرادات أفلامه القادمة فى ذيل القائمة.

اجمالي القراءات 4464