أرسلت لى الاستاذة الفاضلة الكريمة (لبنى حسن ) مشكورة مقالة تحت عنوان (الإسلام كما أفهمه) لنتناقش حولها، فوجدت أنها مقالة عظيمة ومُفيدة ، وتُلخص ببساطة حالة التدين المصرى الحالى ، ورأيت أنه من واجبى أن نستفيد منها جميعا وأن نعرضها للنقاش العلنى الجمعى على موقعكم المبارك (أهل القرآن) ... فبارك الله فيها وفيكم .وشكراً لسيادتها مرة أخرى على ثقتها الغالية ، وكل عام وسيادتها بخير ويُمن وبركات .
الإسلام كما أفهمه
أمضيت وقت ليس بقليل في القراءة و البحث و التنقيب لأن مصادر المعلومات الأصلية أغلبها محجوب, و لكن النتيجة التي توصلت لها عن قناعة شديدة أن الغالبية في مصر ينتمون الآن –لا إراديا- للوهابية التي بدأت كحركة، و لكن انتشرت و تطورت و أصبحت ديانة مستقلة بذاتها لها أركان مختلفة و طقوس و تعاليم جديدة تم تقديمها تدريجيا للناس على أنها الإسلام فيما وصفوه بالصحوة الإسلامية, و قد صدّق هذا الشعب نظرا لأميته الثقافية و َدعم حكومته بكافة مؤسساتها لهذا التوجه خاصة بعد أن وجدت في المد الوهابي توافق مع مصالحها, فالديكتاتورية السياسية و التسلط الديني وجهان لعملة واحدة مكملين لبعضهما البعض و لا يمكن ترسيخ أحداهما على المدى الطويل دون الأخرى.... وهنا نسأل
من سمح لجماعة الإخوان بالتوغل و الانتشار بهذا الحجم؟
من حجب الظهورالإعلامي للشخصيات المستنيرة ؟
من تجاهل التعددية الدينية فيمصر و قصر البرامج الدينية في التلفزيون الرسمي على الوهابية التي أطلقوا عليها إسلام؟
من ترك "مدعى الدين"يروجوا لأفكارهم في الميكروباصات و على الأرصفة؟
من دعم تحول الأزهر إلى الوهابية؟ من جلب و دعم كل هذا و سعى إلى ترسيخه؟!
ثم تحولوا إلى إقصاء جميع رجال الدين الذين اعترضوا على هذا المد الوهابى.ويمكننا إلقاء نظرة سريعة على التطور الذي حدث في مصر و مراجعةالتاريخ لنرى مثلا الاضطهاد الذي وقع على الشيخ محمد عبده و أتباعه وتلامذته في الأزهر، ثم االإقصاء الذي حدث لأزهريين و غير أزهريين من أمثال سيد القمني و صبحي منصور و عبد الفتاح عساكر و نصر أبو زيد و جمال البنا و غيرهم (مع حفظ الألقاب للجميع)...
و بالرغم أنني شخصيا لا اعتقد فيما ظهر بعد موت نبي الإسلام من إسلام سياسي نتج عنه ما يسمى سنة و شيعة... لكن أستطيع الجزم أن في مصر لا يوجد سوى قلة عددية مسلمة والباقي ينتموا للوهابية و يسمونها إسلام بالرغم أنها لم تهبط عليهم سوى منذ ما يقرب من ستة عقود فقط فلم نرى مظاهرها بهذا الوضوح سوى في النصف قرن وعقوده . الأخيرة و المشكلة الرئيسية أن معظم الشعب مُغيب و مصدق أن هذا هو إسلامهم...مجرد دين مختزل في المظاهر و الطقوس الاستعراضية.
المضطهدون هم غالبية الشعب المصري المُغيب الذي تحرض بعضه على بعضه قوى ظلامية و أخرى نفعية ديكتاتورية, لا تهدف سوى لنهبه و تدميره و هذا هو ما يحدث الان... الشعب في مصر ضحية ،و المواطن المتعصب مسكين وعلينا أن نرحم جهله و نأخذ بيده قبل أن يأخذها من يوظفه لخدمة أهدافه كما يحدث دوما..
معظم المنتشرين على الفضائيات ليسوا "دعاه دين" بلهم "مدعى دين" و أصحاب بزنس و مصالح متشعبة, ازعُم أن ما في وطننا الان لا يمت لروح الإسلام الصحيح البسيط بصلة.
المشكلة المزمنة لدى اغلب المثقفين أو المجتهدين هي الخلط بين الإسلام السياسي و هذا يشمل - على سبيل المثال لا الحصر - الشيعة (كحزب الله في لبنان) و السنة (كحركة حماس فيفلسطين), و بين الوهابية في صورتها الحالية كديانة مستقلة ترتدي رداء السنة و تقوم على تدمير كل مختلف و إقصاء كل مجتهد أو داعي للتفكير حتى لو كان من بين صفوفهم و قد انتشرت بسرعة فائقة نظرا لأسباب بعضها اقتصادي و معظمها سياسي, و أخيرا يتم خلط هذا بالقرآن الذي يتبعه فعليا وللأسف قلة قليلة جدا - هم من تبقى من المسلمين- تسعى لتجميع بعضها بالعافية لتكوين حائط صد ضد الهجمات التتارية الوهابية.
القرآن هو الأساس و هو روح الإسلام, و سنة الرسول هي سلوكه و تعاليمه الأخلاقية و ليست كتب البخاري الأوزباكستاني أو ابن تيمية أو اجتهادات ابن حنبل و أبو حنيفة التي كتبت بعدها بقرون بيد بشر غير مقدسين يؤخذ منهم و يرد, بعد أن أوصى نبي الإسلام نفسه بأن لا يكتبوا عنه. لقد جاء الإسلام لتبسيط الحياة و ليس لتعقيدها, و لم يكرس الكهنوت و ليس به أسرار بل هو دعوة لعلاقة روحانية مباشرة بين العبد و ربه دون وسيط و دون تسلط أو نبذ للاخر المختلف معه في الفكر أو العقيدة أو التناول.و لعل أكثر من أساء للإسلام هم من نطلق عليهم السلف "الصالح" فقد خلطوا بين كلام الله و تصرفات المؤمنين و هم بشر قد يصيبوا و قد يخطئوا, و لا يجب بأي حال من الأحوال أن تحسب تصرفاتهم على الإسلام أو أن نتخذ منهم أسوه دون إعمال عقولنا فيما أنتجوه لنا من تاريخ و تفاسير و تأويل للنص لم يخدم البشرية في معظم الأحيان,
صميم الدين لا يتجاوز مفهوم الإسلام و أركان الإيمان و هناك خيط رفيع فى فهم الناس بين القرآن و بين اجتهادات الإنسان في التفسير و التأويل فالناس تخلط بين المقدس و ماهو دنيوي قابل للأخذ و الرد و الصواب و الخطأ, خاصة و أننا نرى أن تفسيرات القرآن تختلف من مجموعة إلى أخرى فنجد مثلا اختلاف في فهم الإسلام بين الحنابلة و الشافعية و جماعة الإخوان و القرآنيين و الوهابيين والشيعة و الأزهر و بن لادن والصوفيين و غيرهم.
الإسلام كما أفهمه, دين بسيط و سمح, انه دين يسر لا عسر, دين يدعو لمباديء عالمية كالأمانة و الصدق و الرحمة و العمل و الوفاء بالعهود, دين يحترم الأخر بل و يقبله دون عنف أو إرهاب و تسلط أو حتى أساءه لفظية فهو دين الجدل بالتي هي أحسن و ليس فقط بالحسنى. هو دين يدعونا للتعقل و التفكر و التدبر و الحوار لا للطاعة العمياء أو قبول ما لا يتماشى مع عقولنا و عصرنا فنحن أدرى بأمور دنيانا و بزماننا, و نحفظ أركان ديننا و قيمه و مبادئه العامة التي لا تختلف أو تتعارض في مضمونها مع كافة الأديان السماوية أو مع المنطق البشري و حقوق الإنسان, و فيما عدا ذلك فهو اجتهادات بشرية و ليست مقدسات و قد يقبلها عقل المسلم أو يرفضها دون أن يقلل هذا من إيمانه لان الله وحده هو المطلع و صاحب الكلمة و ليس بنى البشر الذين تناسوا روح دينهم السمحة و سلوكه المعتدل و راحوا يكفروا بعضهم البعض و ينشرون الكراهية و القمع والتسلط في الأرض باسم الله أو الدين و هم أكبر أساءه له.
القرآن الكريم يرشدنا لإسلام روحاني و سلوكي هادى لا يتصادم مع الحضارة و لا العقل و لا العلم و لا يفرض قيود ضد غريزة المرأة, و بالتأكيد هو ليس كتاب موضة و أزياء, و لا يعتدي أبدا على حق المرأة كإنسان أولا و أخيرا، ولا يحتقر الرجل و لا يعامله كحيوان يسير على قدمين, كما هو الحال عن صورة الرجل فى كتب التفاسيرالبدوية الوهابية عن الإسلام التي غزت العقول في زمننا الأغبر ...