السلفيون والشورى

آحمد صبحي منصور في السبت ١٠ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ما هو تفسير هذه الاية ( فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم ) لان اهل التراث دائما يحتجون بها ويقولون لا يجب ان تخالف اوامر ونواهي النبي في الاحاديث والا سنكون خالفنا امر الله لان الاية عامة وشاملة جميع اوامر ونواهي النبي هكذا يقولون .
آحمد صبحي منصور

إجابة السؤال الثانى :

1 ـ هذه المواشى السلفية تعتقد فى اسطورة الاجماع ، بينما هم فى خلاف وشقاق على مستوى أديان التشيع والسنة والتصوف ، وعلى مستوى الطوائف ( فى التشيع ) والمذاهب ( فى السُنّة ) والطرق ( فى التصوف ) . ويصل الخلاف فى الصفحة الواحدة من كتبهم من الفقه والحديث والتفسير واللاهوت ( علم الكلام ). ينسون أن ابن حنبل قال ( من إدعى الاجماع فى شىء فقد كذب ، وما أدراه أن الناس إختلفوا وهو لا يعلم . ) . من تخلفهم العقلى إيمانهم أن هناك إجماع هو ( الأمر الجامع ) وهو  المراد بقوله جل وعلا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ (62) النور ) يعنى الأحاديث التى أجمعت عليها أمتهم . لو قُدّر لحمار وحشى مخطط أن يعرف القراءة العربية لأدرك أن الآية الكريمة لا شأن لها على الاطلاق بأحاديهم المفتراة فى العصر العباسى بعد موت النبى محمد عليه السلام .

2 ـ الآيات الأخيرة من سورة النور هى عن فرضية الشورى بمعنى الديمقراطية المباشرة بمفهوم عصرنا . ولنا كتاب منشور هنا عن الشورى الاسلامية ، وكونها سبقت الديمقراطيات الحديثة النيابية التمثيلية ، وحتى الديمقراطيات المباشرة ، حيث بدأ تطبيقها فى وجود نبى يأتيه الوحى ، وحيث أنه متجذرة فى عقيدة الاسلام ، وأنها فريضة تعبدية ، وليست مجرد تشريع بشرى .

3 ـ ونعطى لمحة سريعة عن الشورى الاسلامية ( الفريضة الغائبة ) :

3 / 1 : فى عقيدة الاسلام

3 / 1 / 1 : فالله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسأل عما يفعل ، وهذا هو الفارق بينه وبين المخلوقات . قال جل وعلا : (  لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ).

3 / 1 / 2 : النبى محمد كان مأمورا بالشورى ، قال له ربه جل وعلا : (   وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (159) آل عمران ). الذى يستنكف الشورى يرفع نفسه فوق مستوى النبى محمد عليه السلام .

3 / 1 / 3 : يحتل فرعون جانبا هاما فى القصص القرآنى ، وهذا للتأكيد على أن المستبد يصل به إستبداده الى زعم الالوهية ضمنا أو صراحة .

3 / 2 : الشورى فريضة تعبدية كالصلاة والزكاة المالية . ونزل هذا فى مكة قبل أن تقوم للمسلمين دولة . قال جل وعلا فى وصف المجتمع المسلم : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشورى) . ونلاحظ :

3 / 2 / 1 : مجىء الأمر بالجملة الإسمية :  ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ َ ) وهى تفيد الأمر اللازم مثل : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97)  آل عمران ).

3 / 2 / 2 : عمومية الأمر ليشمل كل أمر يهم الناس ، وعمومية المشاركين فى الشورى رجالا ونساءا على قدم المساواة ، وعمومية التطبيق من الأسرة الى العمل الى الشأن العام  ، أى تكون الشورى ثقافة حياة . كل ذلك جاء فى غاية الاعجاز والايجاز فى قوله جل وعلا : (  وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ).

3 / 2 / 3 : جاءت الشورى بين فريضتين هما الصلاة والزكاة المالية : (  وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ). وهذا يعنى أن الشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة ، لا ينوب فيها أحد عن أحد ( الديمقراطية النيابية ) ولا يقوم أحد ممثلا لأحد ( الديمقراطية التمثيلية ) . ففى الصلاة وفى الزكاة لا توجد إستنابة ، لأن الصلاة والزكاة المالية ــ وكذلك الشورى ـ فريضة على كل فرد بشخصه .

4 ـ سورة النور من أوائل ما نزل فى المدينة وفيها تشريعات إجتماعية وسياسية وعقابية . وفى نهاية السورة قال جل وعلا فى تصحيح لخطأ كان يحدث فى تطبيق فريضة الشورى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)

  النور ). ونلاحظ :

4 / 1 : أن مجالس الشورى كان يُنادى عليها ليجتمع كل الناس رجالا ونساءا ، لأنها ( أمر جامع ) .

4 / 2 : كان هناك من يتسلل ، ومن يتخلف بعذر أو بدون عذر . ولأن الحضور فرض اسلامى فنزلت هذه الآيات بالتحذير والتهديد .

أخيرا

1 ـ تم تجاهل فرضية الشورى منذ عصر الخلفاء الفاسقين ، وتعايش المحمديون مع فراعنة من خلفاء وسلاطين وملوك ورؤساء ، كل منهم يزعم الألوهية صراحة أو ضمنا .

2 ـ فى عام 1992 أصدرت ندوة الأزهر بزعامة د عبد الغفار عزيز بيانا نشرته جريدة ( النور ) يفتى بقتلى وقتل د فرج فودة ، بسبب إعلاننا تأسيس حزب المستقبل . وتأسيسا على هذه الفتوى إغتالت ( الجماعة الاسلامية ) د فرج فودة ، وإعترفوا فى الاذاعة البريطانية بأن الاغتيال جاء تنفيذا لفتوى ندوة الأزهر . الذى يهمنا هنا أن هذا البيان شدّد على قتلنا مستشهدا بتلك الآيات الكريمة فى سورة النور .

3 ـ هؤلاء السلفيون هم عبيد الاستبداد . 

اجمالي القراءات 2278