أولا : الشائع فى معنى العدل هو القسط :
أى يأتى العدل بمعنى القسط :
1 ـ فالله جل وعلا أمر خاتم المرسلين أن يعلن لأهل الكتاب بأن يعدل بينهم إذا إحتكموا اليه (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) (الشورى 15 )
2 ـ ووصف الله تعالى بالعدل مؤمنين فى الأمم السابقة )وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ((الأعراف 159 )، ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ((الأعراف 181)
3 ـ والمؤمنون بالقرآن الكريم مأمورون بالحكم بالعدل عموما : ) وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ( (النساء 58 ) (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ((النحل 90)
4 ـ وهم أيضا مأمورون بالعدل تفصيلا :
* كالعدل بين الزوجات :( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ((النساء 3) .
* وبالعدل فى التعامل مع العدو منعا للتحامل : ) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ((المائدة 8 )
* والعدل فى التعامل مع الأقارب منعا للمحاباة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ((النساء 135)
* والعدل فى القول والفعل(وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ( (الانعام 152 )
* والعدل فى التعامل التجارى والشهادة : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ( (البقرة 282 )
* وفى العدل فى العلاقات الدولية : ) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ((الحجرات 9)
* ومأمورون بالأمر بالعدل : ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ،( النحل 76)
5 ـ وتطبيق العدل يقوم به ( العدول ) أو ( ذوو العدل ) أى المشهود بعدالتهم وحسن سمعتهم وتخصصهم فى الموضوع المطلوب استشارتهم فيه . واليهم توكل التقديرات فى هذا الشأن ، وهناك أمثلة قرآنية :
* مثل تقدير الحكم فى التعويض أو الفدية لمن قتل الصيد فى الحرم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ( (المائدة 95 ،)
* أو الاشهاد فى الوصية فى السفر عند الموت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ ( ( المائدة 106)
* وعند خروج الزوجة المطلقة من بيتها عند انتهاء عدتها (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ( (الطلاق 2)
6 ـ ولارتباط القرآن الكريم بالعدل فى تشريعاته فقد كان تمام نزوله إتماما للعدل وتشريعات العدل : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ( (الانعام )115
ثانيا : العدل بمعنى الفدية
1 ـ ويأتى مصطلح العدل بمعنى الفدية ( المعادلة ) للجريمة ، وفيها معنى ( العدل ) ، وهذا مفهوم من قوله جل وعلا عن الكفّارة فى قتل الصيد فى الحرم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ( (المائدة 95 ،)
2 ـ ولا مكان لهذا التعامل فى الاخرة ، فلا يمكن لمن يدخل النار أن يفتدى نفسه منها ولو بكل ما فى الأرض من أموال لو كان يملكها (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) ( آل عمران 91 ) (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ) ( يونس 54 )
3 ـ لذا يأتى التحذير مقدما بأنه لا شفاعة و لا فدية يوم القيامة ، ولا بد لنا أن نخاف ونتقى و نخشى ونرهب هذا اليوم الذى لا تنفع فيه صحبة ولا صداقة و لا نصرة و لا فدية و لا بيع ولا خلال ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)( البقرة254 )، ويؤكد هذا التحذير قوله جل وعلا فى نفى الشفاعة و الفدية :(وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ( (البقرة 48 )،(وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ((البقرة 123 ).( فالعدل ) هنا هو الفدية التى يتصور صاحبها أنها (تعادل) ذنوبه الدنيوية.
كان يمكن أن تنفع وهو فى الدنيا إذا تاب وأناب ، ودفع الفدية عن ذنوبه بالعدل ، وقام بالكفير عن ذنوبه بالعدل ، فهكذا تكون التوبة.
ولكن لا تجدى توبته المتاخرة عند الموت ، أو يوم القيامة، وحينئذ لا تنفعه توبة و لا عدل ولا فدية ولاشفاعة .
ومن اجل ذلك يتكرر التحذير ..
4 ـ ومع هذا يتكاثر المؤمنون بالشفاعة وأساطيرها ، وهم دائما ممن غرتهم الحياة الدنيا بلهوها ولعبها ، والذين تحول الدين عندهم الى مظاهر سطحية و لعب ورقص و لهو ، ومع التذكير لهم بالقرآن فلا فائدة ، لذا يأمر الله جل وعلا بالاعراض عنهم وأن يقتصر التذكير بالقرآن على المؤمن فقط ليزداد بالله جل وعلا إيمانا :(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا ( (الانعام 70)
وأخيرا : يأتى ( العدل ) بمعنى الظلم.!!
1 ـ كيف ؟
2 ـ هذا فى التعامل مع الله جل وعلا.
3 ـ فما يكون عدلا بين البشر قد يكون ظلما إذا طبقناه مع رب العزة .
فالمساواة بين البشر مطلوبة وفيها عدل ، ولكن العدل والمساواة بين الله جل وعلا والبشر تكون ظلما لله جل وعلا. والذين يجعلون مع الله ( عدلا ) أى الاها معادلا له هم الكافرون المشركون ، يقول جل وعلا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ( (الانعام 1) ، أى فالكافرون يجعلون لله تعالى عدلا أى معادلا له يسبغون علية صبغة الالوهية ، ويضيفون له من صفات تجعله معادلا لله جل وعلا ، ويقدمون له من العبادة و التوسل ما يقدمونه لله تعالى. فالعدل هنا ظلم هائل لرب العزة. ولذلك فان الشرك ظلم عظيم . ( لقمان 13 )
ويقول جل وعلا:( وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الانعام 150)
4 ـ ولنتذكر قصور اللغة العربية على الاحاطة بما يليق بجلال الله جل وعلا، لذا يستعمل الله جل وعلا لغة البشر التى يفهمون مدركاتها ، ولكن يكون المعنى بالنقيض حين يتعلق الأمر بالله جل وعلا ، والدليل كلمة (أحد ) التى تدل على الخالق جل وعلا و تدل على المخلوق مع التناقض بينهما ، وهى كلمة واحدة ورد استعمالها فى سورة واحدة : (أحد ) الأولى لله جل وعلا ، و(أحد ) الأخيرة للبشر ، وهما متناقضان : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ).
والأحد من البشر يموت مع إنه حى ، و(الأحد ) الخالق جل وعلا هو الحى الذى لا يموت،وكلمة(الحى) تأتى للمخلوق الحى ، وهو يحيا حياة مؤقتة:(وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)( آل عمران 27)، وتأتى للخالق الذى لا بداية له ولا نهاية لأنه الحى الذى لا يموت : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) ( الفرقان 58 )