( ملاحق مضافة لم تكن فى الكتاب الأصلى )
الملحق الأول :
سيناء المصرية في القرآن الكريم :
أرض الوادي المقدس طوى:
حقائق أغفلها المسلمون و المصريون
مقدمة
1 ـ من الأماكن القليلة التى تحدث عنها القرآن الكريم وكانت موجودة قبل نزوله واستمرت بعده حتى الان : مصر . ليس مصر فقط ، بل هناك جزء خاص منها يحتل مكانة خاصة فى الدين الالهى. وتلك الأهمية الخاصة كانت قبل نزول القرآن الكريم ، وصاحبت نزول القرآن الكريم ، وستستمر بعده الى يوم الدين . هذه المنطقة هى سيناء .
2 ـ " سيناء" ذلك الجزء الآسيوي من مصر شهد انتقال بعض الأنبياء من فلسطين إلى مصر ، تذكر التوراة مسيرة إبراهيم خليل الله من الشام إلى مصر عبر سيناء ، ويذكر القرآن الكريم رحلة يوسف وهو طفل اشترته قافلة وسارت به إلى مصر ، كما يذكر استقبال يوسف لأبيه يعقوب عند الحدود الشرقية – أي سيناء – وقوله لأبويه وأهله : ( وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ.)( يوسف – 99) .
3 ـ ولكن ما ذكرته التوراة والمصادر المسيحية عن سيناء مع أهميته لا يعادل مكانة سيناء في القرآن الكريم .. وتتجلى هذه الأهمية في قصة موسى عليه السلام وانعكاساتها على نزول القرآن الكريم مرة واحدة على قلب خاتم المرسلين فى جبل الطور حيث كان المسجد الأقصى .
أولا :. كلمة عامة عن أهمية سيناء فى دين الله جل وعلا :
1 - ويمكن أن نلمح هذه الأهمية في قوله تعالى فى هذه السورة الكريمة : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) فالله تعالى يقسم فى بداية السورة بالتين والزيتون وهما من منتجات سيناء ، ثم يقسم بجبل الطور وبنسبه إلى سيناء " وطور سينين " ثم يقسم بمكة البلد الأمين .. والمعنى أن سيناء جاءت في الترتيب قبل مكة في موضوع يقسم به رب العزة على خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وما يحدث له بعدها حين يتحول الى أسفل سافلين ،إلا من إعتصم بالوحى الالهى الذى نزل فى طور سيناء وفى مكة .
وأهمية سيناء تتلخص في مكان واحد هو جبل الطور .. ولذلك انتسبت سيناء . أو ( سينين ) إلى الطور " وطور سيناء " .، وهى أهمية عالمية ترتبط بالانسان نفسه ، لذا جرى الربط بين خلق الانسان فى أحسن تقويم ثم سقوطه فى الأسفل إلا من آمن وعمل صالحا ،والعبرة بالفلاح هى فى إتباع الوحى الالهى الذى بقى منه لنا ما جاء فى التوراة و ما جاء فى القرآن الكريم . وتأكد هذا الربط بالقسم الالهى بسيناء وما تنتجه وبالبلد الأمين مكة المكرمة المشار اليه فى قوله جل وعلا : (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ) .
2 ـ ولم تات كلمة ( الطور ) فى القرآن الكريم إلا فى الحديث عن طور سيناء ، وقد تكررت الكلمة فى القرآن الكريم عشر مرات ، دار الحديث خلالها عن الوحى الأول لموسى ، وفى أخذ العهد على بنى اسرائيل ورفع جبل الطور فوقهم ، ثم أهمية جبل الطور فى سيناء وشجرة الزيتون المباركة فيه ، مع الربط بين جبل الطور و ( المسجد الأقصى ) و البيت المعمور أو المسجد الحرام .
3 ـ ووصف الله جل وعلا أو سمّى جبل الطور : طوى، ويأتى هذا الوصف ملحقا بوصف آخر للجبل ، هو الوادى المقدس (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) (طه 12 ) (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) ( النارزعات 15 : 16)
4 ـ والعجيب أن كلمة ( جبل ) جاءت فى القرآن الكريم فى ستة مواضع ، ثلاثة منها جاءت نكرة ، وثلاثة جاءت فيها معرفة تدل على جبل الطور فقط .
جاء نكرة فى قصة ابراهيم حين طلب من ربه جل وعلا أن يريه كيف يحيى الموتى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) ( البقرة ـ 260 ) وفى قصة نوح وغرق قومه المشركين وقول ابنه (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ) ( هود 43 ) وفى سياق الوعظ بالقرآن الكريم (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) ( الحشر 21 ) . وكلمة الجبل هنا نكرة تدل على أى جبل .
ولكن الله جل وعلا حين يتكلم عن جبل الطور فإنه يجعل معرفا بالأف واللام ،اى( الجبل المعروف المشهور ) ، وقد ورد هذا فى ثلاث مرات فى سورة الأعراف (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الأعراف 143 ،171 ).
أى من بين جبال الكرة الأرضية ينفرد من بينها جبل واحد مبارك مشهور معروف شهد الوحى الالهى لموسى ، وشهد نزول الرسالة الالهية والأخيرة للبشرية قبيل قيام الساعة.
هذا الجبل فى مصر ..
5 ـ بل يأتى التحديد بموضع معين فى الجبل ، وذلك فى معرض التذكير بالجبل واللقاء الذى حدث عنده بترتيب رب العزة فيقول تعالى لبنى إسرائيل : "( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ )(طه 80 ). وجانب الطور الأيمن هو نفسه الذي قال فيه تعالى عن موسى : (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (مريم 52) .. أى فى ذلك الجانب الأيمن من جبل الطور كان أول وحى وحوار جرى بين موسى مع ربه جل وعلا ، كما كان ذلك اللقاء الذى رفع الله جل وعلا الجبل فوق بنى اسرائيل وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق.
بل يأتى التحديد بدقة أكثر فى المكان الذى جرى فيه أول حوار بين رب العزة وموسى عليه السلام : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(القصص29 : 30 ). التحديد الدقيق هنا فى قوله تعالى (مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ) أى كان موسى يسير بزوجه مارا بجبل الطور فرأى نارا تخرج من شجرة تلوح له من بعيد . الله جل وعلا يصف البقعة بأنها مباركة ، وأنها فى ناحية من الشجرة . وهذه البقعة المباركة ، وذلك الوادى المقدس طوى هو أرض مصرية ، لو كنتم تتذكرون ..!!
وذلك المكان المقدس بالشجرة المباركة حرص القرآن على تحديده بدقة يقول تعالى : " فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " القصص 30 .
ومع ان الله تعالى يكرر إسم جبل الطور ،فإنه يشير اليه ضمنا باسم الجبل :(وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ) أو باسمه ( الطور ) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ )، أو باسم الوادى المقدس طوى (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )(طه 9- ) . كما جاءت سورة كاملة باسم ( الطور ) .
6 ـ وفى سورة " الطور " نسبة لطور سيناء يقسم الله تعالى بالطور أو جبل الطور في سيناء فيقول: (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ) وموضوع القسم هنا هو قرب قيام الساعة و مجىء العذاب للمكذبين بوحى الله جل وعلا الذى نزل فى جبل الطور على النبى موسى ، ثم على قلب النبى محمد حين نزل القرآن كله كتابا مكتوبا مرة واحدة على قلبه حين رأى جبريل بفؤاده ، على نحو ما جاء تفصيله فى بحث ( ليلة الاسراء هى ليلة القدر فى شهر رمضان ).
يقول تعالى (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )
ومع وجود الربط بين جبل الطور و الكعبة البيت المعمور إلا إن ( الطور) مذكور قبل الكعبة البيت المعمور ، والترتيب هنا يشير إلى أن الطور شهد نزول التوراة على موسى ، ثم شهد نزول القرآن الكريم كتابا مكتوبا فى قلب النبى محمد ، وبعدها شهدت مكة فيما بعد نزول القرآن ـ متفرقا ـ على محمد عليهما السلام حسب الأحداث.
وهو نفس الترتيب فى سورة التين :( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ )
ثانيا : سيناء و الوحى الالهى لموسى عليه السلام
1 ـ كانت سيناء المسرح الكبير لقصة موسى عليه السلام ، عبرها إلى مدين هاربا من السلطات الفرعونية ، ثم عاد إلى مصر ومعه زوجه . ثم بعد فصول من قصة موسى وفرعون انتقل موسى بقومه إلى سيناء حيث دار الفصل الأخير في ربوعها واحتضنت سيناء رفات موسى ، وظل فيها ـ وحولها ـ بنو إسرائيل أربعين سنة يتيهون في الأرض.
2 ـ لقد تميز موسى عليه السلام بخصوصية الحوار مع رب العزة جل وعلا ، يقول تعالى : (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)( النساء )164، وكل هذا التكليم أو الحوار بين موسى وربه جل وعلا جرى فى أرض مصر فقط ، بداية من الوحى اليه فى سيناء وجبل الطور، مرورا بلقائه بقومه وصراعه مع فرعون الى خروجه بقومه الى سيناء ومشاكله مع قومه فيها ، حيث ظل بها الى أن مات ، فلم يدخل موسى فلسطين أبدا بعد أن صار نبيا يوحى اليه . بل إن إسم مصر ورد فى بعض هذا الوحى يؤكد وقوعه فى أرض مصر ، يقول جل وعلا (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) ( يونس 87 )
ومن بين هذا الوحى ( التوجيهى ) نتوقف مع أربعة منها ، كلها عند جبل الطور فى سيناء : الوحى الأول حين ناداه ربه لأول مرة ، ثم تلقى الألواح ، ومجىء موسى بسبعين رجلا من قومه للتوبة عند الطور فأخذتهم الرجفة ،وأخيرا أخذ الميثاق عليهم حين رفع جبل الطور فوقهم.
3 ـ لقد شهد جبل الطور في سيناء – فيما نعلم – أول وحى مباشر من الله تعالى إلى رسول من رسله وهو موسى عليه السلام، ونزل ذاك الوحي بدون جبريل أي بدون واسطة ملك من الملائكة.
في ذلك الوقت كان موسى عائدا بزوجته فرأى نارا بجانب شجرة تلوح من بعيد ، فقال لزوجته امكثي هنا ، وذهب إلى النار ، وحين اقترب منها سمع كلام الله تعالى له ، وفى ذلك يقول تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) وتتابع كلام الله جل وعلا لموسى (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) وردّ موسى على ربه جل وعلا ( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ) وجاءه الرد من رب العزة (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ )( القصص 29ـ ) .
نحن هنا امام حوار بين الخالق جل وعلا ومخلوق من خلقه ، وليس مجرد وحى من طرف واحد.
وجرى هذا الحوار فوق أرض مصرية هى سيناء.
وهذه الخصوصية للوادي المقدس طوي انعكست على مكانة موسى بين الأنبياء نلمح هذا من قوله تعالى عنه : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا )( مريم 51 ). فالله تعالى يقول عن رسوله موسى انه ناداه من جانب الطور الأيمن وقربه إليه يناجيه ويحدثه ويكلمه .. وقوله تعالى " وقربناه نجيا " فيها من الحب ما فيها ... وفى هذا الموقف استجاب الله تعالى لرغبة موسى فجعل معه اخاه هارون نبيا ووزيرا ليشد من أزره .
4- وشهد جبل الطور أيضا نزول ألواح أو كتاب التوراة حيث واعد الله جل وعلا موسى أربعين ليلة وفيها تلقى الألواح من الله ، وجاءت التفصيلات في سورة الأعراف ( 142 : 147 ).
5 ـ ثم كان جبل الطور مسرحا لأحداث أخرى جرى فيها الوحى الالهى مع موسى . وكان هذا فى الميقات الثانى الذى حضره بنو اسرائيل فى نفس المكان ( جبل الطور ).
إذ بعد أن أخذ موسى الألواح عاد الى قومه بنى اسرائيل فوجدهم قد عبدوا العجل ( نموذجا من عجل أبيس الفرعونى بسبب تأثرهم بالعبادات المصرية الفرعونية ) . وغضب موسى وفى ثورة غضبه كسّر الألواح وكاد أن يبطش بأخيه هارون الذى استخلفه عليهم فى غيابه (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ، ثم هدأ موسى (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ )( الأعراف 148 ـ ). وتعبيرا عن توبة بنى اسرائيل إختار موسى من بينهم سبعين رجلا ذهبوا معه الى جبل الطور فأخذهم الله جل وعلا بالرجفة.
6- كما شهد جبل الطور إعطاء العهد والميثاق على بني إسرائيل ، وفيه رفع الله جبل الطور فوق رؤوسهم فسجدوا لله تعالى رعبا وهم ينظرون إلى الجبل المرفوع فوقهم كأنه ظلة ، وفى ذلك الموقف الرهيب أخذ الله عليهم العهد والميثاق ، ويقول الله تعالى يصف ذلك الحدث (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأعراف 171 )
ثالثا :الوحى الالهى بين المسجد الأقصى فى طور سيناء والمسجد الحرام.
ومن أبرز ملامح التجاهل لأهمية سيناء تلك المؤامرة التى جعلت مسجد الوليد بن عبد الملك فى القدس هو المسجد الٌأقصى ، وتناست جبل الطور الذى سماه الله جل وعلا ( طوى ) و سماه ( المسجد الأقصى ). وتجاهلت أن طور سيناء هو محل الاسراء حيث نزل القرآن الكريم فى ليلة القدر مرة واحدة على قلب خاتم المرسلين .
إذ بعد أن أخذ موسى الألواح عاد الى قومه بنى اسرائيل فوجدهم قد عبدوا العجل. وتعبيرا عن توبة بنى اسرائيل إختار موسى من بينهم سبعين رجلا ، وأعدهم للقاء عند جبل الطور فأخذهم الله جل وعلا بالرجفة ، وغضب موسى وانفعل كالعادة ، ثم هدأ كالعادة :( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) أى طلب موسى من ربه أن يكتب لهم حسنة فى الدنيا ، وجاء الرد من رب العزة (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) فى ذلك الحوار بين رب العزة وموسى عليه السلام أخبر الله جل وعلا مقدما بمجىء خاتم المرسلين بتلك الرحمة للعالمين ، أى نزول القرآن الكريم نورا للعالمين (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(الأعراف 150 ـ)
أى هى رحمة تفتح ذراعيها للعالمين جميعا ،( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )( الأنبياء 107 ) ولكن لا ينالها إلا من آمن و عمل عملا صالحا ، واتبع النور القرآنى .
وتحقق وعد الله جل وعلا فكان فيما بعد بقرون أن حدث الاسراء بخاتم المرسلين من المسجد الحرام فى مكة الى المسجد الأقصى فى جبل الطور فى سيناء ، وتلقى محمد عليه السلام الكتاب فى قلبه كما تلقى من قبل فى نفس المكان موسى عليه السلام الواح التوراة بيده، يقول جل وعلا يربط بين هذا وذاك : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) ( الاسراء 1 : 2 ) فهنا ربط بين الاسراء وبين إيتاء موسى الكتاب ، والجامع بينهما جبل الطور و المسجد الأقصى فيه حيث توجد أطهر بقعة فى الأرض ، لو كنتم تعلمون .
ويتكرر هذا الربط فى قوله جل وعلا عن نزول القرآن الكريم :(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) بالآية التالية التى تتحدث عن موسى وأول وحى جرى له فى نفس المكان فى جبل الطور ( إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) ويأتى وصف هذا المكان بالبركة (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) ( النمل 6 : 8 ) أى فهو المسجد الأقصى (الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) أو الذى (بُورِكَ) فيه وما حوله، والذى رأى فيه موسى آيات الله من العصا ويده التى تخرج بيضاء من غير سوء (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)( وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) وتكرر هذا فيما بعد فى نفس المكان مع خاتم المرسلين حين رأى من آيات ربه الكبرى (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ )( الاسراء 1 : 2 )( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )( النجم 18 )
رابعا : سيناء ارض الطهر والتقديس .. المجهولة
1ـ والله جل وعلا يصف منطقة الوحي في جبل الطور بأنها " بقعة مباركة "( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ). وفى موضع آخر يصفها رب العزة جل وعلا بالوادى المقدس أى الذى تقدس وتطهر بذلك الحوار بين الله تعالى وموسى عليه السلام ، يقول تعالى : ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )(طه 9- ) ولأن جبل الطور هو " الوادي المقدس طوي " فإن الله جل وعلا يأمر موسى بأن يخلع نعليه حين يدخله ، لان ذلك الوادي اكتسب قدسية بكلام رب العزة المقدس .
لقد واعد الله جل وعلا موسى أربعين ليلة وفيها تلقى الألواح من الله ، وجاءت التفصيلات في سورة الأعراف ( 142 : 147 ). وأثناء الحوار طلب موسى أن يرى ربه: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)( الأعراف 143 ).
نحن هنا أمام ظاهرة فريدة جرت أحداثها فوق أرض مصرية فى جبل الطور ، حيث تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكّا وخرّ موسى صعقا ، ولم يحدث هذا فى أى مكان فى الكون إلا فى مصر.
لو حدث هذا فى بلد آخر فى الكرة الأرضية لظل يفخر به على العالمين ، ولكن المؤرخين المسلمين تجاهلوا هذا الحدث الذى جاء فى القرآن الكريم ، وانشغلوا بأكاذيب واسرائليات حيكت حول مسجد أقامه الخليفة الوليد بن عبد الملك فوق الآثار المتبقية من هيكل سليمان وأطلق عليه زورا وبهتانا ( المسجد الأقصى ) ، وعزفوا ـ ولا يزالون يعزفون ـ فوقه أغانى وأوبريتات تجعل من الاسراء أضحوكة وتنشىء اسطورة المعراج الخرافية ، ومنها ذلك (البراق ) وهو بزعمهم حيوان فوق الحمار ودون الحصان، أى (بغل ) ولكنه بغل يتكلم ، فقلبوا الحق باطلا والباطل حقا ، وألهوا الناس عن حق مصر فى حقائق قرآنية والاهية يجب أن يفخر بها كل مصرى.
2 ـ لذا تكرر فى القرآن تذكير بني إسرائيل بذلك الموقف شديد الخصوصية : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة 63 ) ولكن أغلبهم ما لبث أن نقض العهد و الميثاق ، فقد تغلب على أكثرهم عبادة الذهب أو ما يرمز اليه العجل الذهبى الذى تشربت قلوبهم عبادته (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ) ( البقرة 93) ، وبسببه تناسوا العهد والميثاق ،بل تناسوا جبل الطور ، وكان تركيزهم ـ ولا يزال ـ على هيكل سليمان الذى يرمز الى الجاه و القوة. وانتقلت من بنى اسرائيل للمسلمين عدوى النسيان و تجاهل سيناء و المسجد الأقصى فيها وجبل الطور و الوادى المقدس طوى بسبب الاسرائليات ومواويل وأغانى واناشيد الاسراء و المعراج ، فقد تبعهم المسلمون فى تقديس المبنى المقام على هيكل سليمان المدعو زورا بالمسجد الأقصى ،وتناسوا كل ما ذكره لرب العزة عن سيناء المصرية وجبل الطور فيها .
خامسا : شجرة الزيتون المباركة فى جبل الطور فى سيناء
1 - وذلك المكان المقدس بالشجرة المباركة حرص القرآن على تحديده بدقة يقول تعالى : " فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين " القصص 30 .. وتلك الشجرة التي شهدت وحى الله كانت شجرة زيتون . واقسم الله تعالى بها " والتين والزيتون وطور سنين " .. - وجعل الله تعالى فيها سرا وبركة اقتصادية يمكن أن نلمحها من قوله تعالى : " ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين ، وأنزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ، فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون " . فهنا يتحدث الله تعالى عن خلق السماوات السبع والبشر وإنزال الماء من السماء وجنات النخيل والأعناب ، وبعدها يقول تعالى : " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " المؤمنون 17- 20 . أي جعل شجرة الزيتون التي تنبت في جبل الطور – في الوادي المقدس – من نعم الله تعالى على الخلق شأن النعم التي سبقتها في الآيات . وجعل نعمة هذه الشجرة مستمرة متجددة شأن المطر والجنات والبساتين والسماوات السبع وجاء التعبير بالمضارع فقال : " وشجرة تخرج " " تنبت بالدهن " . واعتقد أن هناك خيرا اقتصاديا يكمن في زيتون سيناء .. وان هذا الخير الإلهي مستمد من ذلك الوادي المقدس الذي شهد وحده كلام الله تعالى لأحد الأنبياء .. وان هذا الخير وضعه الله لكفاية البشرية .. " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " .
ويلفت النظر هنا ماذا حدث لجبل الطور وهو يشهد كل تلك التطورات الالهية ، من رفع ودك ،ولا يزال باقيا .
2 ـ كما يلفت النظر موقع جبل الطور فى قصة بنى آدم .
أن الله جل وعلاقد ضرب مثلا لنور الهداية فى هذه الايةالكريمة :(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( النور 35 ).وهنا يذكر جل وعلا شجرة الزيتون السيناوية المباركة التى يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار .وهنا ربط بين النور المعنوى ( الهداية ) وزيت الزيتون باعتباره طاقة لم يتم استغلالها بعد ضمن عناصر الطاقة المعروفة لدينا.
وهو ربط يشير الى إعجازا مدخر للمستقبل عن سيناءو شجرة الزيتون فى جبل الطور .
والله جل وعلا ، هو الأعلم .