المرابع / الكفيل

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠١ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
قرأت لك هجوما على نظام الكفيل واعتبرته من الاسترقاق . ولكن نسيت انه كان معمول به فى مصر زمان ، عن طريق الفلاح الذى يعمل بجهده فى أرض مالك الأرض مقابل عائد من المحصول هو أقل من حقه . أريد أن تتوازن فتتكلم عن هذا واعرف أنك أصلا من الريف المصرى .
آحمد صبحي منصور

أولا :

نحن ضد الظلم والظالمين ومع المستضعفين فى الأرض فى كل زمان ومكان ، وأغلب إنتقاداتنا هو لما كان يجرى فى مصر قديما وما يجرى فيها حديثا . ,اشكرك على تنبيهنا بموضوع الظلم الذى كان يتعرض له الفلاح المصرى . ونعطى لمحة عن ( الفلاح المصرى المرابع ).

ثانيا :

1 ـ عشنا زمنا في الريف المصري حيث كان يقال لفلان من الناس أنه " مرابع " كان وقتها مصطلحا سائدا يعني ذلك الفلاح الذي لا يملك إلا قوته وعافيته ، ويتفق مع مالك الأرض في أن يزرع أرضه ويستخدم الماشية في الري والحرث في خدمة الأرض وتلك الماشية يملكها مالك الأرض ، وجرى العرف على أن للفلاح المزارع المرابع ربع المحصول ولمالك الماشية الربع نظير خدمتها وله أيضا نصف المحصول باعتباره مالك الأرض ، أي يحصل المالك على ثلاثة أرباع ولا يحصل الفلاح المزارع إلا على الربع مهما التصق بالأرض خدمة ورعاية . ومن هنا حصل على لقب " مرابع " ، وحصل بالإضافة إلى هذا اللقب على معان أخرى تدور حول الخدمة وضعة الشأن والذل ، لأنه لا يملك إلا عافيته وهي إن كانت معه اليوم فستتركه اليوم أيضا بالمرض ، أو غدا بالشيخوخة والعجز، وفي كل الأحوال فليس له مهرب إلا أن يلتصق بقشرة الأرض يخدمها ثم يتدثر بها حيا ومريضا وميتا ..!

2 ـ كان العقد بين المالك والمرابع يتم " مقاولة " أي بمجرد القول دون كتابة وأشهاد ، ففي ذلك العقد كان الإقطاع هو النغمة السائدة ،وقد ألقى بظلاله الكثيفة الخانقة على شكل العلاقة بين المالك والذين يعملون معه أو عنده ، لا فرق ، فهو السيد لأنه مالك وهم أجراء وهو الذي يقدر قيمة الربع للمرابع كيف يشاء .

ثم جاءت رياح التغيير السياسي والتكنولوجي والاقتصادي فاختلفت الأوضاع والأحوال ،  بتحديد الملكية وزوال الاقطاع ، وملكية الدولة فى عهد عبد الناصر للأرض الزراعية وفق ما كان سائدا فى عصر محمد على باشا . أصبحت الجمعية الزراعية هى المتحكم فى الأرض وفى الدورة الزراعية وفى تحديد المزروع صيفا وشتاء ، وهى التى تشترى الانتاج من الفلاح بالسعر الذى تحدده ، وتفرض عليه أن يورّد المطلوب عليه وإلا فالضرب على أيدى الشرطة ، هذا عدا الغرامات والقضايا . المهندس الزراعى المعين فى الجمعية أصبح الفرعون الحاكم لها ، وله أن يضرب صاحب الأرض فى أرضه ، فلم يعد صاحب الأرض بل هو رسميا ( حائز ) لها . بهذا اختفى مصطلح المرابع ، وتحول إلى تراث وعشنا ازدهار هذا المصطلح ورأينا اندثاره ليحل محله فساد الدولة وموظفيها ، فأصبح من يملك ( الحائز لها ) هو المستضعف المرابع . أدى هذا الى هجرة الفلاحين للقاهرة ، فتضخمت بهم أطرافها وأنشأوا أحياء عشوائية تقوم بتفريخ الارهاب والانحلال . وبعضهم هاجر الى الخليج ليواجه الكفيل . 

3 ـ فى وقتنا هذا أصبح النيل فى محل شك ، وأصبح الانتاج الزراعى المصرى نكتة مبكية ، والفرعون المصرى الذى يتحكم فى كل شىء يقضى وقته فى ( صندقة الثروة المصرية ) يجعل صناديق سيادية لكل شىء ، يجمع فيها لنفسه كل شىء ، فهى صناديق سيادية وهو السيد المطاع بأمره . والمصريون فى خنوعهم لم تعد هناك أوصاف تلائم وضعهم .

اجمالي القراءات 3718