الفكرة
الفكرة في المجتمع الإسلامي

زهير قوطرش في الجمعة ١٦ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
 
مالك بن نبي
 الفكرة في المجتمع الإسلامي  (1)
 
 
 
الكاتب مالك بن نبي في كتابه فكرة كومنويلث إسلامي, ناقش موضع الفكر في عالمنا الإسلامي ,وقد وضع في كتابه مشروعاً ,تحت عنوان (مشروع دراسة مكتملة) عالج في هذه الفقرة أساس التخلف الاجتماعي للإنسان المسلم ,بالنسبة الى تطور العالم.وعزى هذا التخلف الى عدم وجود الأف&szuml; الأفكار . لهذا اخترت من كتابه المذكور الفقرة التالية :
1- ضعف أساسنا المفاهيمي:
 
إن أمام تنفيذ المشروع الذي سلف أن اشرنا الى خطوطه العامة(مشروع الكمنويلث الإسلامي).بعض المصاعب التي تقوم في مجالين أثنين.
أ- فهي تعزي الى التطور التاريخي للعالم الإسلامي ,أعني إلى منشآته.
ب- كما انها من ناحية أخرى,ناتجة عن تطوره النفسي,أعني عن أفكاره.
ويكفي فيما يتعلق بالنقطة الأولى أن نذكر بما سلف من أن كثيراً من الأشياء المتفسخة في العالم الإسلامي قد تلاشت بالموت.وأن الكثير من الأشياء الضرورية لما يولد بعد.والذي يترتب على هذا أن المنشآت في هذا العالم:إما أن تكون قد أصبحت لاغية,وإما أنها لم تتكيف بعد مع أوضاع العالم الإسلامي الراهنة.فمصر هي البلاد الإسلامية الوحيدة فيما أعرف,التي تهتم بإنجاز منشآت جديدة ضرورية لحياتها الداخلية ولاتصالها بالخارج.أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية فإن الأشياء تبدوا أكثر تعقيداً,وذات أهمية أكثر جسامة معاً, فنحن إذ قمنا فيما سلف بالمقارنة بين تطور اليابان الحديثة وتطور الشعوب الإسلامية منذ قرن من الزمان,قلنا إن هذه الشعوب قد دخلت (عالم الاشياء).
 ملاحظة للشرح: "مالك بن نبي في تناوله موضوع تخلف المسلمين وخاصة مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي,شبه تطور العالم الإسلامي بالأطوار الثلاثة لتجربة الطفل.
أ- الطور الأمومي : حيث لا يكون للطفل الرضيع المتشبث بثدي أمه أي مفهوم لعالم الأشياء.
ب- الطور (قبل الاجتماعي) حيث يبدأ الطفل في الدخول الى عالم الأشياء ,وإن كان لا يزال يجهل كل شيء عن عالم الأفكار.
ج- والطور الاجتماعي(المدرسي وما بعد المدرسي) حيث يحاول الطفل أن يقيم في داخله الصلة بين عالم الأشياء وعالم الأفكار."
وأنها لما تدخل بعد في (عالم الأفكار)كلية.كما ذكرنا أيضاً مستعيرين للغة(علم النفس للطفل) أن هذه المرحلة تمثل التطور(ما قبل الاجتماعي) الذي يكتشف فيه الطفل عالم الأشياء,وإن كان لا يزال على جهل(بعالم الأفكار).
ويمكننا أن نسقط هذا الاعتبار على المظاهر المختلفة للحياة الإسلامية لنستخلص منها النتيجة المطابقة لها.
 فنحن لو أسقطنا ذلك الاعتبار مثلاً على التطور الاقتصادي للعالم الإسلامي,منذ قرن من الزمان,نلاحظ أن هذا التطور باكتماله في اتجاه (الأشياء),قد أنتج- ويلزم أن ينتج- (إعوازاً) زاد من حاجات هذا العالم. من غير أن يزيد في وسائله .وإذا ما أسقطنا على التطور الفكري,فهمنا السبب في أن هذا التطور عندما يتحول لدى المثقف المسلم الى شكل من أشكال المادية,يكون قد اتجه نحو الشكل المحدد (بالأشياء) لا نو الشكل المحدد(بالأفكار).
وكذلك الأمر فيما لو أسقطناه على التطور الاجتماعي بصفة عامة,فأننا نفهم أن هذا التطور يتجه صوب ذلك الشكل من أشكال الحضارة الذي أدعوه (بالحضارة الشيئية).
ويمكننا أن نسقط ذلك الاعتبار أيضاً على الاتجاه الجمالي أو السياسي,ونستخلص نتائج بالغة الأهمية ...إلا أننا نريد إسقاطه بطريقة أخص,على الصميم المفاهيمي ,أعني على حياة الأفكار ذاتها ومدى فعاليتها في العالم الإسلامي.
فالمؤكد أن الالتقاء لَما يتمَّ بعدُ كلية بالنسبة إلينا بين عالم الأفكار وعالم الأشياء. ومن جراء هذا ظلت (الفكرة) معزولة ومحايدة, وكأنها العَزلى من سلاحها بفقدها لفعًّاليتها.
وإذا ما أراد القارئ تكوين فكرة شخصية في هذا الصدد ,فليقم بتجربة صغيرة يُرضِخُ فيها محيطه لمعيار موائم.فقد كررت أنا بنفسي تجربتي في كل الصور بالجزائر منذ ربع قرن.وإنني لأستطيع تأليف كتاب كامل في هذا الموضوع. ولكني أفضل أن يقوم القارئ بتجربته الشخصية بنفسه.
حاولوا في أي مناقشة أن توجهوا موضوع النقاش بطريقة منهجية حول (الأفكار)
ولتختاروا على سبيل المثال موضوع المذاهب الاقتصادية أو أي موضوع نفساني.فإنه لا مَعدى لكم   عن الالتقاء في محيطكم بثلاثة أصناف من الناس : الذين يلزمون الصمت تأدباً,والذين يتهكمون ملقين فيما بينهم بنظرات ذكية, وكأنهم يقولون من ورائها: يا للمخرف! وصنف ثالث وهم أكثر القوم خلوص نية يتثاءبون من السآمة,  ثم ينصرفون عنكم الى الاهتمام بأشياء أكثر جدية كمشكلة (الشوال )مثلاً.
وحتى هذا المدى ,فأنكم لا تزالون بعيدين عن مشاهدة كل المزعجات التي يمكن أن تحيق ( بأفكاركم). إلا أنكم على أية حال قد قمتم في هذه الأثناء بملاحظة هامة, تتمثل في إدراككم لمدى ما عليه الفكرة في المجتمع الإسلامي من (لا فعالية) وكأنها العَزلى من سلاحها.... ولكن المجتمع وهذا هو الأهم بدرجة لا تضارع يعاني حينئذ نقيض مفعول موقفه: فهو مجتمع فقير الأفكار, في الساعة التي تمثل فيها الأفكار الثروة الوحيدة التي يُعوَّل عليها, وهو مجتمع أعزل مفاهيمياً أو إيديولوجياً,في نفس الوقت الذي يتعين فيه أن تُسوَّى كل المنازعات في العالم من هنا فصاعداً لا بالأسلحة ولكن بالأفكار.إن عالم الأفكار هو الذي يدعم عالم الأشياء,العالم الذي لا يقف على قدميه بدون العالم الأول,ولا يمكن أن يقف على قدميه بنفسه إذا ما أطاحت به النوائب.
 
 
 
 
 
اجمالي القراءات 11990