تفسير سورة البقرة3

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

"ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة "فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون"وقوله بسورة طه"لأولى النهى"فأولى الألباب هم أولى النهى وتتقون تعنى تفلحون والمعنى ولكم فى الجزاء أمن يا أصحاب العقول لعلكم تطيعون فتفلحون ،يبين الله لنا أن فى القصاص حياة والمراد أن فى العقاب نجاة وبألفاظ أخرى أن تنفيذ عقوبة القتل وهى قتل القاتل تجلب الحياة أى الأمن للناس لأن الناس سيخافون من قتل بعضهم فلا يرتكبوا جريمة القتل ومن ثم تستمر الحياة وقد سمانا الله أولى الألباب أى النهى أى العقول بسبب تقوانا أى طاعتنا للأمر حتى نفلح فى الآخرة .

"كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "يفسر الآية قوله بنفس السورة "حقا على المحسنين "فالمتقين هم المحسنين والمعنى فرض عليكم إذا أتت أحدكم الوفاة إن خلف  مالا الهبة للأبوين والأقارب بالعدل فرضا على المسلمين،يبين الله لنا أنه كتب أى فرض عليهم فى حالة حضور الموت وهو الوفاة إلى أحدهم الوصية وهى عطاء يهبه إن ترك خيرا والمقصود إن خلف متاعا من النقود والذهب والفضة وغيرهم من المعادن الثمينة لكل من:الوالدين وهم الأبوين والأقربين هم الأقارب من أولاد وزوجات وغيرهم والهبة تكون بالمعروف أى العدل وهذا حق على المتقين  أى واجب على المسلمين وقد نسخ الله هذا الحكم بالميراث بقوله تعالى بسورة النساء"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر"والخطاب للمؤمنين وأيضا ما بعده وما بعده.

"فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم "يعنى فمن غيره بعدما علمه فإنما عقابه على الذين يغيرونه إن الله خبير محيط ،يبين الله للمؤمنين أن من يبدل كلام الوصية بعدما سمعه والمراد من يحرف كلام الوصية بعد الذى علمه من الموصى فإن الإثم وهو عقاب التحريف هو على الذين يبدلونه أى يحرفونه وهذا العقاب يشمل عقاب دنيوى هو عقاب شهادة الزور إن تم إثباتها على المحرف للوصية وعقاب آخروى وهو دخول النار ، ويبين الله لنا أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر وهذا يعنى أنه يعرف أى تبديل ومن ثم على من يريد التبديل الحذر من علم الله حتى لا يعاقب.

"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " يفسر القول قوله تعالى بسورة النساء"ولا جناح عليكم "وقوله بسورة البقرة "إنه هو التواب الرحيم "فالجناح هو الإثم والغفور هو الرحيم والمعنى فمن خشى من واهب ظلما أى جورا فوفق بينهم فلا عقاب عليه إن الله تواب رءوف ،يبين الله لنا أن المسلم الذى يحضر كلام الموصى وهو الواهب إذا عرف من كلام الموصى جنفا أى إثما أى ظلما أى جورا لواحد أو أكثر من أهله فعليه أن يصلح بينهما أى يوفق بين الموصى وهذا الواحد فيعدل الموصى كلامه فإن فعل المسلم الإصلاح فليس عليه إثم أى ذنب يستحق عليه العقاب من الله وإنما هو مأجور على إصلاحه ،ويبين الله لنا أنه غفور رحيم أى تواب لمن يستغفره رءوف به والغرض من ذكر هذا هو إبلاغ الموصى والشاهد أن الله يغفر لمن يرجع عن الخطأ وهو فى حالة الموصى الظلم فى الوصية وفى حالة الشاهد عدم الإصلاح بين الموصى والمظلوم فى الوصية وغير المصلح بين الموصى وأقاربه يعاقب عقابا دنيويا بشهوده على ظلم  وهو عليه الإثم وهو العقاب له.

"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "يفسر كلمة تتقون قوله تعالى بسورة المائدة "لعلكم تشكرون " والمعنى يا أيها الذين صدقوا بحكم الله فرض عليكم الصوم كما فرض على الأمم من قبلكم لعلكم تطيعون،يبين الله للمؤمنين أنه كتب عليهم الصيام أى فرض عليهم الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من بداية النهار حتى غروب الشمس وذلك كما كتبه على الذين من قبلهم وهذا معناه أن صيام رمضان فرضه الله على كل الأمم من بداية البشرية والسبب لعلكم تتقون أى تطيعون أى تشكرون والمراد لعلكم تفعلون الصيام والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "قوله"أياما معدودات "يفسره قوله بنفس السورة "فمن شهد منكم الشهر فليصمه "فالأيام المعدودات هى شهر رمضان والمعنى فرض عليكم صيام شهر رمضان ،وقوله "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "يفسره قوله بنفس السورة "ولتكملوا العدة "والمعنى فمن كان منكم عليلا أو على ترحال فإكمال لأيام الشهر من شهر أخر ،يبين الله للمؤمنين أن المريض وهو العليل المصاب بألم والمسافر وهو الذاهب طوال النهار ماشيا أو راكبا  لبلدة أخرى عليه أن يفطر فى نهار رمضان حتى لا يزداد المرض وحتى لا يتعب المسافر تعبا يمنعه من إكمال الرحلة للمكان الذى يريده،وقوله "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "يعنى وعلى الذين يفطرونه كفارة أكل محتاج ،يبين الله لنا أن الذين يطيقون أى يقدرون على صيامه فيفطرون نهار رمضان عليهم  عقاب هو فدية أى كفارة هى إطعام مسكين أى تأكيل محتاج إفطار وغداء وعشاء وهذا بالإضافة للعقوبة الأولى وهى وجوب صيام عدد مماثل للأيام التى فطرها القادر على الصيام،وقوله "فمن تطوع خيرا فهو خير له "يفسره قوله تعالى بسورة المزمل "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا"وقوله بسورة مريم "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا"فتطوع الخير هو التقديم للنفس هو الباقيات الصالحات والخير له هو الأجر العظيم هو الثواب عند الله والمعنى فمن عمل حسنا فهو أفضل له ،يبين الله لنا أن من تطوع خيرا أى من عمل صالحا فهو خير له أى أفضل له فى الآخرة فى الأجر ،وقوله"وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "يفسره قوله تعالى بسورة الأعراف"ذلكم خيرا لكم إن كنتم مؤمنين "فتعلمون تعنى تؤمنون والمعنى وإن تمتنعوا أفضل لكم إن كنتم تعرفون ،يبين الله لنا أن الصيام وهو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع هو خير لنا أى أحسن لنا فى الثواب  إن كنا نعلم أى نعرف مصلحتنا فى الدنيا والآخرة ومعنى الآية فرض الصيام أياما معلومات فمن كان منكم عليلا أو فى انتقال فعدد مماثل من أيام أخرى وعلى الذين يقدرون على صيامه عقوبة تأكيل محتاج فمن عمل صالحا فهو أفضل له وإن تمتنعوا أفضل لكم إن كنتم تعرفون الحق

"شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون "قوله "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان "يعنى فرض عليكم صيام أيام رمضان الذى أوحى فيه الوحى رشاد للخلق أى أحكام من الرشاد أى الفصل ،يبين الله لنا أنه فرض علينا صيام أيام شهر رمضان وهو الشهر الذى أنزل فيه القرآن والمراد الشهر الذى أوحى فيه الله الوحى كله والقرآن هدى للناس أى إرشاد للخلق يرشدهم لطريق الخير وفسره الله بأنه بينات من الهدى أى أحكام من الرشاد تبين الحق والباطل وفسره بأنه الفرقان أى الفاصل بين الحق والباطل ،وقوله و"من كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "يعنى ومن كان منكم عليلا أو على ترحال فإكمال من نهارات أخرى ،يبين الله لنا أن المريض وهو العليل والمسافر وهو الذاهب لبلدة أخرى طوال النهار يباح لهم الفطر فى نهار رمضان أثناء المرض والسفر  والواجب عليهم بعد شفائهم من المرض وعودتهم من السفر هو إكمال عدة رمضان أى صيام عدد من الأيام مماثل لما فطروه فى رمضان فى الشهور الأخرى ،وقوله "يريد الله بكم اليسر "يفسره قوله بعده"ولا يريد بكم العسر "فإرادة اليسر هى عدم إرادة العسر بهم ويفسرهم قوله تعالى بسورة البقرة"ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج"فالحرج هو العسر والمعنى يحب الله بكم الخير أى لا يحب الله بكم الأذى ،يبين الله لنا أنه يريد بنا اليسر وهو الخير والمراد به هنا إباحة الفطر للمريض والمسافر ولا يريد بنا العسر وهو الأذى والمراد به هنا فرض الصيام على المريض والمسافر ،وقوله "ولتكملوا العدة "يفسره قوله بنفس السورة "فعدة من أيام أخر"والمعنى ولتتموا أيام الشهر،يبين الله لنا أن الواجب علينا عند إفطار يوم أو أكثر فى رمضان هو صيام عدد مماثل لما أفطرناه من الأيام فى أى شهر أخر حتى تتم عدة شهر رمضان ،وقوله "ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون "يفسره قوله تعالى بسورة النحل"لعلكم تسلمون"وقوله بسورة الحجرات "أن هداكم للإيمان "فما هدانا هو الإيمان ومعنى تشكرون هو تسلمون والمعنى ولتشكروا الله على ما علمكم أى لعلكم تسلمون ،يبين الله لنا أن الواجب علينا هو تكبير الله كما هدانا والمراد طاعة الله كما علمنا فى الوحى وفسر هذا بأنه شكره أى طاعة وحيه ومعنى الآية شهر رمضان الذى أوحى فيه الوحى نفع للخلق أى أحكام من النفع أى القاضى بين الحق والباطل ومن كان منكم عليلا أو على ترحال فإكمال من نهارات غير رمضان ،يحب الله لكم الخير أى لا يحب لكم الأذى ولتتموا عدد الأيام ولتطيعوا الرب فى الذى علمكم أى لعلكم  تتبعون،والخطاب للمؤمنين.

"وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون"يفسره قوله تعالى بسورة الحج "واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون "وقوله بسورة الأنفال استجيبوا لله وللرسول" فدعوة الداعى هى عبادة الله هى فعل الخير هى الاستجابة لله والرسول (ص)ويرشدون هى تفلحون والمعنى وإذا استخبرك عبيدى عنى فإنى سميع أعلم طاعة المسلم إذا أطاعنى فليطيعونى وليصدقوا بحكمى لعلهم يفلحون ،يبين الله لرسوله (ص)أن الناس إذا سألوه عن الله والمراد إذا استفهموا منه عن حكم الله فالواجب عليه أن يخبرهم أن الله قريب والمراد "أن رحمة الله قريب من المحسنين"كما قال بسورة الأعراف فقرب الله هو رحمته لمن يحسن من العباد والله يجيب دعوة الداعى إذا دعاه والمقصود والله يعلم طاعة المسلم إذا أطاع وحيه فيثيبه عليها برحمته فى الدنيا والآخرة ،ويطلب الله منه الناس أن يستجيبوا له أى يطيعوا حكمه ويؤمنوا به أى ويصدقوا هذا الحكم قبل طاعتهم له والسبب حتى يرشدوا أى يفلحوا أى يفوزوا برحمة الله فى الدنيا والأخرة ،والخطاب للنبى(ص)وهذه الآية ليس  مكانها وسط آيات الصيام

"أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون "قوله "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن "يفسره قوله تعالى بسورة الروم "ومن آياته خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها "فالرفث هو السكون للنساء ويفسره قوله بسورة البقرة "نساؤكم حرث لكم "فكون النساء لباس هو كونهم حرث للرجال والمعنى أبيح لكم ليلة الامتناع جماع زوجاتكم هن سكن لكم وأنتم سكن لهن،يبين الله للمؤمنين أن أحل أى أباح لهم الرفث للنساء والمراد مباشرة الزوجات أى جماعهن وبلفظ أوضح جماعهن والنساء لباس للرجال أى سكن يقضون فيه شهوتهم والرجال لباس للنساء أى سكن يقضون معه شهوتهن ،وقوله "علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم " يعنى عرف الله أنكم كنتم تخادعون أنفسكم فعفا عنكم أى غفر لكم ،يبين الله للمؤمنين أنه عرف أنهم كانوا يختانون أنفسهم أى يخدعون أنفسهم فهم كانوا يعتقدون أن الجماع ليلا حرام ومع ذلك كانوا يجامعون النساء فى الليل وكانوا بذلك يخدعون أنفسهم ومع ذلك تاب عليهم أى عفا عنهم أى غفر لهم هذه الخيانة ،وقوله " فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " يعنى فالآن جامعوهن أى اعملوا ما أباح الله لكم ،يطلب الله من المؤمنين أن يباشروا أى يجامعوا أى ينيكوا الزوجات فى الليل وفسر هذا بابتغاء ما كتب الله لهم أى عمل ما أباح الله لهم وهو جماع الزوجات فى ليل رمضان ،وقوله "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل"يعنى وأطعموا وارتووا حتى يتضح لكم اللون المنير من اللون المظلم من النهار ثم أكملوا الامتناع إلى الليل،يأمر الله المؤمنين بالأكل والشرب فى الليل حتى الوقت الذى يتضح فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود والمراد الوقت الذى يفرق فيه الإنسان لون النور من لون الظلام وبألفاظ أخرى الوقت الذى يتضح فيه النهار من الليل بواسطة الفجر وهو ضوء النهار الذى يظهر عقب اختفاء أخر نجم من السماء ،ويطلب الله منهم أن يتموا الصيام أى يكملوا الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من بداية النهار حتى بداية الليل ،وقوله "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد"تعنى ولا تجامعوهن وأنتم مقيمون فى المصليات ،يطلب الله من المؤمنين ألا يباشروا النساء والمراد ألا يجامعوا الزوجات إذا كانوا عاكفين أى مقيمين فى المساجد وهى المصليات والاعتكاف هو قراءة القرآن فى مكان ما يسمى مسجد سواء مسجد جامع أو مكان صلاة فى بيت ،وقوله "تلك حدود الله فلا تقربوها "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "تلك حدود الله فلا تعتدوها "فلا تقربوها تعنى فلا تعتدوها والمعنى تلك أحكام الله فلا تعصوها ،يبين الله للمؤمنين أن ما سبق  هو حدود أى أحكام الله فى الصيام فعليهم ألا يقربوها أى ألا يخالفوها حتى لا يعرضوا أنفسهم للعقاب ،وقوله "كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون "يفسره قوله تعالى بسورة الأعراف "كذلك نفصل الآيات "وقوله بسورة المائدة "يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون " فتبيين الله هو تفصيله للآيات ولعلهم يتقون يفسرها لعلهم يشكرون والمعنى هكذا يوضح الله لكم أحكامه لعلكم تطيعون،يبين الله للمؤمنين أن بتلك الطريقة يعرف المسلمين آياته وهى أحكام دينه والسبب حتى يتقوه أى يطيعوه فيها،ومعنى الآية هو أبيح لكم ليلة الامتناع عن الطعام والشراب والجماع جماع زوجاتكم هن سكن لكم وأنتم سكن لهن ،عرف الله أنكم كنتم تخادعون ذواتكم فغفر لكم أى عفا عنكم فالآن جامعوهن أى اعملوا الذى أباح لكم وأطعموا وارتووا حتى يظهر لكم لون النور من لون الظلام عند النهار ثم أكملوا الامتناع إلى غروب الشمس ولا تجامعوهن وأنتم مقيمون فى المصليات تلك أحكام الله فلا تخالفونها هكذا يوضح الله أحكامه للخلق لعلهم يطيعون ،والخطاب للمؤمنين.

 "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريق من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون "يعنى ولا تأخذوا أملاككم بينكم بالحرام وتعطوها إلى الآمرين لتأخذوا بعضا من أملاك الخلق بالعدوان وأنتم تعرفون الحق ،ينهى الله المؤمنين عن أخذ أموال وهى أملاك أى أمتعة بعضهم بالباطل وهو الحرام عن طريق أن يدلوا بها للحكام والمراد عن طريق -التوسل ببعض المال أو غيره من متاع الدنيا  وهو- دفع الرشوة للحكام وهم الآمرين سواء كانوا قضاة محاكم أو ولاة على وظيفة ما من أجل التالى أكل فريق من أموال الناس بالإثم والمراد أخذ بعض من أملاك وهى حقوق الآخرين بالظلم وهؤلاء الفاعلين الرشوة يعلمون الحق وهو حرمة الرشوة وأخذ أموال الناس بالباطل  ووجوب عقاب المشتركين فى هذه الجريمة،والخطاب للمؤمنين.

"يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون"قوله "يسألونك عن الأهلة "يعنى يا محمد(ص)يستفهمون منك عن الأهلة ،وهذا يعنى أن المسلمين سألوا الرسول (ص)عن الأهلة وهى القمر فى أول الشهور ما سبب وجوده ؟فقال الله لهم "قل هى مواقيت للناس والحج " يعنى قل لهم يا محمد(ص)هى محددات  لحقوق الخلق والزيارة للكعبة ،يطلب الله من رسوله (ص) أن يعرف المسلمين أن الأهلة عبارة عن مواقيت أى محددات تحدد للخلق مواعيد حقوقهم كالديون وعدة المطلقة والأرملة ومحددات للحج وهو زيارة الكعبة فى الشهور الأربعة الحرم ،وقوله "وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها"يعنى وليس من الإسلام أن تدخلوا المساكن من سطوحها ،يبين الله للمؤمنين أن البر وهو الإسلام ليس منه إتيان البيوت من ظهورها والمراد ليس مباحا فيه دخول المساكن من سطوحها وإنما الواجب دخولها من أبوابها وقوله"ولكن البر من اتقى "يفسره قوله بنفس السورة "لكن البر من أمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين "فالبر وهو المسلم هو من اتقى أى أمن بكل ما طلب الله منه الإيمان به وعمل به والمعنى ولكن المسلم من أطاع حكم الله ،يبين الله للمسلمين أن البر وهو المسلم هو من اتقى أى خاف عذاب الله فأمن وأطاع حكم الله،وقوله "وأتوا البيوت من أبوابها"يعنى وادخلوا المساكن من مداخلها المعروفة ،يطلب الله من المسلمين أن يأتوا البيوت من أبوابها والمراد أن يدخلوا المساكن من مداخلها التى بناها الناس مطلة على الشوارع ،وقوله "واتقوا الله لعلكم تفلحون "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون "فتقوى الله هى عبادته أى طاعة حكمه وتفلحون تفسرها  تتقون والمعنى أطيعوا الله لعلكم ترحمون أى اعبدوا الله لعلكم تتقون ،يطلب الله من المسلمين أن يتقوه أى يعبدوه أى يطيعوا حكمه لعلهم يفلحون أى يرحمون والمراد يدخلون الجنة ومعنى الآية يستفهمون منك عن القمر فى بداية الشهور قل هو محددات لحقوق الخلق وزيارة الكعبة وليس من الإسلام أن تدخلوا المساكن من سطوحها ولكن المسلم من أطاع حكم الله وادخلوا المساكن من مداخلها المعروفة وأطيعوا حكم الله لعلكم ترحمون والخطاب للنبى(ص) والخطاب من النبى (ص)موجه للسائلين.

"وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"يفسره قوله تعالى بسورة النساء "فقاتلوا أولياء الشيطان "وقوله بسورة التوبة "وجاهدوا فى سبيل الله "وقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين "   فقاتلوا تعنى جاهدوا كما بسورة التوبة والذين يقاتلونكم هم أولياء الشيطان كما بسورة النساء والمعتدين هم الكافرين كما بسورة آل عمران  والمعنى  وجاهدوا فى نصر دين الله الذين يحاربونكم ولا تظلموا إن الله لايثيب الظالمين ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا الذين يقاتلونهم والمراد أن يحاربوا الكفار الذين يحاربونهم ،ويطلب منهم ألا يعتدوا أى يظلموا والمراد ألا يبدءوا بالحرب والسبب هو أن الله لا يحب المعتدين أى لا يثيب الظالمين والمراد يعاقب الذين يبدءون بالعدوان ،والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده وما بعده.

"واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين"قوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم "يفسره قوله تعالى بسورة النساء "واقتلوهم حيث وجدتموهم "فثقفتموهم تعنى وجدتموهم والمعنى وحاربوهم مكان لقيتموهم ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا الكفار حيث ثقفوهم والمراد أن يحاربوهم فى أى مكان يجدوهم فيه ،وقوله "وأخرجوهم من حيث أخرجوكم "يعنى واطردوهم من حيث طردوكم ،يطلب الله من المؤمنين أن يخرجوا الكفار من حيث أخرجوهم والمقصود أن يطردوهم من بلادهم كما سبق وطردوا المسلمين من بلادهم ،وقوله "والفتنة أشد من القتل "يفسره قوله بنفس السورة "والفتنة أكبر من القتل " فأشد تعنى أكبر والمعنى والطرد أعظم من الذبح ،يبين الله للمؤمنين أن الفتنة وهى طرد الناس من بيتهم أعظم ذنبا عند الله من القتل وهو الذبح كما قال بنفس السورة "والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ،وقوله "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه "يفسره قوله بنفس السورة "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "فالقتال من الكفار هو الاعتداء والمعنى ولا تحاربوهم بجوار مكان البيت الحرام حتى يحاربوكم عنده،يطلب الله من المؤمنين ألا يقاتلوا أى ألا يحاربوا الكفار بجوار المسجد الحرام حتى يكون الكفار الذين يقاتلون أى يبدءونهم بالحرب بجواره،وقوله "فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين "يفسره قوله تعالى بسورة الحشر"وذلك جزاء الظالمين "فالكافرين هم الظالمين والمعنى فإن حاربوكم فاذبحوهم هكذا عقاب الظالمين ،يطلب من المؤمنين أن يقتلوا أى يذبحوا الكفار إن هم قاتلوهم أى بدءوهم بالقتال فى مكة وذبح الكفار هو جزاء الكافرين أى عقاب الظالمين ومعنى الآية واذبحوهم حيث وجدتموهم واطردوهم من حيث طردوكم  والطرد أعظم ذنبا من الذبح ولا تحاربوهم بجوار البيت الحرام حتى يبدءوكم بالحرب فإن بدءوكم بالحرب فاذبحوهم هكذا عقاب الظالمين .

"فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "يفسره قوله تعالى بسورة التوبة "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين " فانتهوا تعنى تابوا والمعنى فإن تركوا الكفر فإن الله عفو رءوف ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار إن انتهوا أى تابوا عن كفرهم فالله غفور رحيم أى يعفو عن كفرهم السابق ويرأف بهم فيدخلهم الجنة والمعنى فإن تابوا فإن الله عفو نافع للتائبين .

"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين "قوله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا "فالفتنة هى رد المسلمين عن دينهم والمعنى وحاربوهم حتى لا تكون ردة ،يطلب الله من المسلمين أن يقاتلوا أى يحاربوا المعتدين والسبب حتى لا تحدث فتنة أى ردة عن الإسلام فالحرب هى للحفاظ على إسلام المسلمين ،وقوله "ويكون الدين لله "يعنى ويصبح الحكم لله ،يفسر الله عدم الفتنة بأنه كون الدين لله والمراد أن يصبح الحكم لوحى الله سارى على أهل الأديان جميعا ،وقوله"فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين "يعنى فإن تابوا فلا قتال إلا للمعتدين ،يبين الله للمسلمين أن الكفار المعتدين إن انتهوا أى تابوا عن الحرب فلا عدوان إلا على الظالمين والمراد لا حرب إلا مع المعتدين الذين يحاربون المسلمين ومعنى الآية وحاربوهم حتى لا تحدث ردة عن الإسلام أى يصبح الحكم لله فإن تركوا الحرب فلا حرب إلا على المقاتلين لنا.

"الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به "وقوله بسورة الحج"إن الله يدافع عن الذين أمنوا "وقوله بسورة البقرة "فاتقوا النار""فالشهر بالشهر والحرمات قصاص ورد الاعتداء هو عقاب من عاقبوا المسلمين وكون الله مع المتقين هو دفاعه عن المؤمنين واتقاء الله هو اتقاء النار والمعنى انتهاك الشهر الأمن بانتهاك الشهر الأمن والاعتداء على الحرمات إتباع فمن أذاكم فأذوه بعمل الذى أذاكم به وأطيعوا الله واعرفوا أن الله ناصر المطيعين ،يبين الله للمؤمنين أن الشهر الحرام بالشهر الحرام والمراد أن وقوع الاعتداء على المسلمين فى الشهر الأمن يبيح لهم رد الاعتداء فى الشهر الحرام سواء نفس الشهر أو غيره ،وفسره لهم أن الحرمات قصاص والمراد أن انتهاك حرمة أى شىء محرم بالاعتداء لابد للمسلمين فيه من القصاص وهو رد العدوان ،وفسر هذا بأن عليهم الاعتداء على من اعتدى عليهم أى عليهم إيذاء المعتدين كما أذوهم بالمثل وهو نفس العمل سواء كان مساويا فى المقدار أو أكثرحتى يطلب الكفار السلام ،ويطلب الله منهم أن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله خوفا من عقابه ،ويبين لهم أن الله مع المتقين أى أن الله ينصر المطيعين لحكمه فى الدنيا والآخرة  والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"وقاتلوا فى سبيل الله"و "فاتقوا النار "وقوله بسورة الحجرات "وأقسطوا إن الله يحب المقسطين "  فأنفقوا تعنى قاتلوا أى عدم إلقاء الأيدى فى التهلكة هو اتقاء النار وأحسنوا يعنى أقسطوا والمحسنين هم المقسطين والمعنى واعملوا على نصر دين الله أى لا تذهبوا بأنفسكم إلى العذاب أى أصلحوا إن الله يثيب المصلحين،يطلب الله من المؤمنين أن ينفقوا فى سبيل الله أى أن يعملوا على نصر دين الله بطاعته وفسر هذا بنهيهم عن أن يلقوا أيديهم إلى التهلكة والمراد ألا يدخلوا أنفسهم إلى النار بعصيانهم لدين الله وفسر هذا بأن طلب منهم أن يحسنوا أى يصلحوا والمراد أن يطيعوا دين الله ،ويبين الله لهم أنه يحب المحسنين أى يثيب المصلحين برحمته فى الدنيا والآخرة .

"وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب "قوله "وأتموا الحج والعمرة لله "يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "فإتمام الحج والعمرة هو وجوب حج البيت لله على من استطاع الوصول له والمعنى وافعلوا الحج والعمرة لله ،يطلب الله من المؤمنين إتمام الحج والعمرة له والمراد فعل زيارة الكعبة فى أيام الحج وزيارة الكعبة فى الأشهر الحرام مرة له أى استجابة لأمر الله ،وقوله "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى "يعنى فإن انتهيتم فما قدرتم من الأنعام  ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا أحصروا أى انتهوا من أعمال الحج والعمرة فالواجب عليهم ذبح ما استيسر من الهدى والمراد ذبح ما قدروا على شراءه من الأنعام ،وقوله "ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله "يعنى ولا تزيلوا نامياتكم حتى تصل الأنعام للكعبة ،ينهى الله المؤمنين عن حلق رءوسهم أى عن إزالة الناميات فى الجسم وهى الأظافر والشعور بالتقصير أو بالإزالة الكاملة حتى يبلغ الهدى محله والمراد حتى وقت ذبح الأنعام فى المشعر الحرام بالبيت الحرام فى مكة فبعد الذبح يحق لهم حلق الرءوس،وقوله "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "يعنى فمن كان منكم عليلا أى به ضرر من ناميته فكفارة من امتناع عن الطعام والشراب والجماع أو نفقة أو ذبح ،يبين الله للمؤمنين أن المريض وهو العليل وقصد به من به أذى من رأسه والمراد الذى يوجد فى شعره أو أظافره إصابة تجعله لا يقدر على تحمل وجودها يجب عليه فدية أى كفارة من ثلاث :الأولى الصيام وهو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع لمدة عشرة أيام ثلاث فى الحج وسبعة فى بلده بعد الرجوع والثانية الصدقة وهى نفقة عشرة مساكين والثالثة النسك وهى ذبح بهيمة من الأنعام عند المشعر الحرام ،وقوله "فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى"تعنى فإذا اطمأننتم فمن انتفع بالعمرة حتى الحج فما وجد من الأنعام ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن أمنوا أى اطمأنوا فى إقامتهم بمكة فعلى من تمتع بعمل العمرة قبل الحج ثم حج فالواجب عليه ما استيسر من الهدى أى ما قدر على شراءه و هو ما ذبحه من الأنعام قبل الحج فالعمرة لها هدى ،ومن هنا نعرف أن العمرة تؤدى بمفردها أو مع الحج ،وقوله" فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام "يعنى  فمن لم يلق مالا فامتناع ثلاثة أيام فى وقت الحج وسبعة إذا عدتم لبلدكم تلك عشرة تامة ذلك لمن لم تكن أسرته مجاورين البيت الأمن ،يبين الله للمؤمنين أن الحاج الذى لا يجد أى يلقى مالا لشراء ذبيحة عليه بصيام ثلاثة أيام فى البيت الحرام فى مكة  وسبعة أيام إذا رجعوا أى عادوا لبلدهم وأما من يكون أهله حاضر المسجد الحرام والمراد أسرته مقيمة فى مكة خارج المسجد فعليه صيام عشرة أيام متتابعة ،وقوله "واتقوا الله "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "واتقوا النار" فاتقاء الله هو اتقاء النار والمعنى وخافوا نار الله فأطيعوا حكمه،وقوله "واعلموا أن الله شديد العقاب"يفسره قوله بنفس السورة "وأن الله شديد العذاب "فالعقاب هو العذاب والمعنى واعرفوا أن الله عظيم العذاب ،ومعنى الآية وافعلوا الحج والعمرة فإن انتهيتم من أعمالهما فما وجدتم من الأنعام ولا تزيلوا شعوركم وأظافركم حتى تصل الذبائح مكانها فمن كان منكم عليلا أو به ضرر من شعره أو أظافره فكفارة  إمتناع عشرة أيام أو إطعام عشرة مساكين أو ذبيحة فإذا اطمأننتم فمن انتفع بالعمرة إلى الحج فما وجد من الأنعام فمن لم يلق أنعاما فامتناع ثلاثة أيام فى مكة وسبعة إذا عدتم لبلدكم تلك عشرة تامة ذلك لمن لم يكن أسرته مجاورين البيت الحرام وأطيعوا الله واعرفوا أن الله عظيم العذاب والخطاب للمؤمنين  وما بعده وما بعده وما بعده.               

 "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب " قوله"الحج أشهر معلومات "يعنى الزيارة شهور معروفات ،يبين الله لنا أن الحج وهو زيارة مكة تكون فى شهور معلومة هى الأشهر الحرام، وقوله "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج "يعنى فمن نوى فيهن الزيارة فلا جماع ولا عيب ولا محاجة فى الزيارة ،يبين الله للمؤمنين أن من فرض أى نوى الحج وهو زيارة الكعبة فالواجب عليه هو عدم الرفث أى عدم جماع الزوج والفسوق وهو العيب أى اللمز فى الآخرين والجدال وهو المراء والحجاج فى الموضوعات المختلفة ،وقوله "وما تفعلوا من خير يعلمه الله "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " ففعل الخير هو تقديم الخير للنفس وعلم الله به يعنى وجود ثوابه عند الله الذى علم به والمعنى وما تعملوا من صالح يعرفه الله ،يبين الله للمؤمنين أن ما يفعلوا من خير أى ما يصنعوا من عمل صالح يعلمه الله أى يعرفه الله ويثيب عليه ،وقوله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب"يفسره قوله تعالى بسورة الزمر "يا عباد فاتقون "وقوله بسورة الحشر"فاعتبروا يا أولى الأبصار" وقوله بسورة التغابن "وأنفقوا خيرا لأنفسكم "فالتزود بخير الزاد هو إنفاق الخير وأولى الألباب هم أولى الأبصار هم عباد الله والمعنى واعملوا فإن أفضل العمل الطاعة لله أى اتبعون يا أصحاب العقول،ومعنى الآية زيارة بيت مكة فى شهور محرمات فمن نوى فيهن الزيارة فلا جماع ولا عيب  ولا حجاج وما تعملوا من صالح يعرفه الله وأصلحوا فإن أحسن العمل الصالح أى أطيعون يا أصحاب الأبصار.

"ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "فلا إثم عليه "وقوله بسورة العنكبوت "فابتغوا عند الله الرزق "وقوله بسورة الحج "ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام"فالجناح هو عقاب الإثم بسورة البقرة والفضل هو الرزق المبتغى بسورة العنكبوت وذكر الله يكون على ما رزقهم من الأنعام والمعنى ليس عليكم عقاب أن تطلبوا رزقا من إلهكم فإذا دخلتم من عرفات فرددوا اسم الله عند المذبح الأمن ورددوه كما علمكم وإن كنتم من قبله لمن الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن ليس عليهم جناح أى عقاب إذا ابتغوا فضل من ربهم والمراد إذا طلبوا رزقا من الله سواء دنيوى أو أخروى ،ويبين لهم أنهم إذا أفاضوا أى دخلوا من عرفات وهو أول  جزء يقابل داخل الكعبة فعليهم ذكر الله عند المشعر الحرام والمقصود ترديد اسم الله وهو القرآن  فى مكان الذبح بالبيت الحرام بمكة والواجب هو ذكر الله كما هداهم أى ترديد اسم الله كما علمهم الله فى الوحى ،ويبين الله لهم أنهم كانوا قبل الذكر وهو الهدى وهو الوحى ضالين أى كافرين ولكنهم أسلموا فيما بعد ،والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده.

"ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " يفسر الآية قوله تعالى بسورة النور "وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون"فاستغفار الله هو التوبة إليه والمعنى ثم سيروا من حيث سار الخلق وتوبوا لله إن الله تواب نافع ،يطلب الله من المؤمنين الإفاضة من حيث أفاض الناس والمراد السير من حيث سار الأخرون من الناس وهذا يعنى أن يسير المسلمين مع بقية الناس دون تفرقة إلى ما بعد عرفات ،ويطلب منهم أن يستغفروه أى يتوبوا إليه والمراد أن يطلبوا منه العفو عن ذنوبهم ،ويبين لهم أنه غفور رحيم أى تواب لمن تاب نافع له بالرحمة وهى الجنة فى الآخرة والنصر فى الدنيا .

"فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وما له فى الآخرة من خلاق "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "فاذكروا الله فى أيام معدودات " وقوله بسورة آل عمران "منكم من يريد الدنيا "وقوله بسورة الشورى "ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فى الآخرة من نصيب "فذكر الله بعد قضاء المناسك هو ذكر وحى الله فى أيام معدودة وهو قراءة القرآن وتفسيره الإلهى وطلب الحسنة فى الدنيا هو كما بسورة الشورى  طلب حرث الدنيا أى إرادتها كما بسورة آل عمران والخلاق هو النصيب كما بسورة الشورى والمعنى فإذا ذبحتم أنعامكم فرددوا اسم الله كترديدكم أسماء آباءكم أو أعظم ترديدا ،فمن الخلق من يقول إلهنا أعطنا فى الأولى وليس له فى الجنة من نصيب ،يطلب الله من الحجاج والعمار إذا قضوا مناسكهم والمراد إذا ذبحوا أنعامهم المهداة للكعبة أن يذكروا الله أى أن يرددوا الوحى  وهو القرآن وتفسيره الإلهى بشرط أن يكون ذكر الله كذكر الأباء والمراد كترديد أقوال الأباء أو أشد ذكرا والمراد أكثر ترديدا للقرآن ،ويبين الله للمؤمنين أن من الناس وهم البشر جماعة يقولون :ربنا أتنا فى الدنيا أى إلهنا اعطنا رزق الأولى ،فهم يريدون متاع الدنيا فقط وليس لهم فى الآخرة من خلاق والمراد وليس لهم فى الجنة من مكان أى نصيب ،والغرض من إخبار المؤمنين بهذا هو نهيهم عن طلب متاع الدنيا وحده.

"ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يونس"لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة"وقوله بسورة آل عمران "أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب"وقوله بسورة الشورى "من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه "فالحسنة الأخروية هى الأجر هى حرث الآخرة هى البشرى فى الدنيا والآخرة والمعنى ومنهم من يدعو :إلهنا أعطنا فى الأولى نصرا وفى القيامة جنة وامنع عنا عقاب جهنم أولئك لهم النصر بما عملوا والله عظيم الجزاء ،يبين الله للمؤمنين أن من الناس وهم الخلق فرقة تقول أى تدعو الله:ربنا أتنا فى الدنيا حسنة والمراد إلهنا أعطنا فى الأولى نصرا أى حكمنا بدينك فى الخلق فهم يطلبون من الله أن يحكمهم فى الدنيا عن طريق تنفيذ حكم الله ويدعون :وفى الآخرة حسنة والمراد وأدخلنا فى القيامة الجنة فهم يطلبون من الله إدخالهم الجنة يوم القيامة ويدعون وقنا عذاب النار أى وامنع عنا ألم النار فهم يطلبون إبعادهم عن دخول جهنم فى القيامة ،ويبين لنا أن هؤلاء لهم نصيب مما كسبوا أى لهم النصر فى الأولى والنصر وهو الرحمة فى الآخرة والسبب الذى عملوا فى الدنيا من الصالحات،ويبين الله لنا أنه سريع الحساب أى عظيم الجزاء والمراد أنه بعد موت كل فريق يدخل الأوائل النار ويدخل الأواخر الجنة ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات "وقوله بسورة البقرة "فلا جناح عليه"وقوله بسورة التغابن "وأطيعوا الله "وقوله بسورة القصص"وإليه ترجعون" فالأيام المعدودات هى المعلومات كما بسورة الحج والإثم هو الجناح كما بسورة البقرة واتقوا هى أطيعوا كما بسورة التغابن وتحشرون هى ترجعون كما بسورة القصص والمعنى  ورددوا اسم الله فى أيام معلومات فمن أسرع فى يومين فلا عقاب عليه ومن أجل فلا عقاب عليه وأطيعوا الله واعرفوا أنكم إليه ترجعون ، يطلب الله من الحجاج أن يذكروا الله فى أيام معدودات والمراد أن يرددوا القرآن وتفسيره الإلهى أى أن يقرئوا القرآن وتفسيره الإلهى فى أيام معلومات أقلها يومين لمن تعجل أى أسرع فى العودة لبلده وأكثر من يومين لمن تأخر أى أجل عودته لبلده أكثر من يومين ويبين الله لنا أن المتعجل والمتأخر ليس عليهما إثم أى جناح أى عقاب ممثل فى الكفارة من صيام أو نفقة أو نسك ،ويطلب الله منا فيقول اتقوا الله أى أطيعوا حكم الله ويطلب منا أن نعلم أننا إليه نحشر والمراد أن نعرف أننا إلى جزائه نعود يوم القيامة.

"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام "يفسر الآية قوله بسورة البقرة "ومن الناس من يقول أمنا بالله واليوم الأخر وما هم بمؤمنين "وقوله بسورة المنافقون"والله يشهد أن المنافقين لكاذبون "فالقول المعجب به من النبى (ص)هو :أمنا بالله واليوم الأخر وألد الخصام هو كذب المنافقين والمعنى ومن الخلق من يرضيك كلامه يا محمد فى المعيشة السابقة ويحكم الرب على الذى فى نفسه وهو أعظم الكفر ،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس فريق يعجبه قوله فى الحياة الدنيا والمراد يرضيه حديثهم عن أنهم مؤمنون بحكم الله والقيامة فى الحياة الأولى ومع هذا فالله يشهد على أن ما فى قلوبهم هو ألد الخصام والمراد أن الله يعلم أن الذى فى نفوس المنافقين هو أكبر العداء للإسلام والغرض من القول هو إخبارنا ألا نصدق كل ما يقال لنا دون براهين تثبته ،والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.

"وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"يفسر الآية قوله بسورة محمد"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم "وقوله بسورة الزمر"ولا يرضى لعباده الكفر"فإفساد الأرض هو إهلاك الحرث والنسل هو تقطيع الأرحام بسورة محمد وعدم حب الله للفساد هو عدم رضاه بالكفر بسورة الزمر والمعنى وإذا انصرف سار فى البلاد ليظلم فيها أى يضر الخلق والبشر والرب لا يبيح الظلم ،يبين الله لنبيه (ص)أن هذا الفريق المنافق إذا تولى أى تحرك من عند النبى (ص)سعى فى الأرض والمراد انتقل فى البلاد والسبب ليفسد فيها أى ليظلم خلق الله فيها وفسر الله هذا بأنه يهلك الحرث والنسل والمراد يؤذى خلق الله من نبات وحيوان وبشر بحكمه بغير حكم الله ويبين الله له أنه لا يحب الفساد أى لا يرضى الكفر والمراد لا يبيح الظلم بكل أنواعه .

"وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" يفسر الآية قوله بسورة البقرة "وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون"وقوله بسورة الرعد"فمأواهم جهنم"وقوله بسورة إبراهيم"وبئس القرار"فقول اتق الله يعنى لا تفسدوا فى الأرض كما بسورة البقرة وأخذ العزة للمنافق بالإثم هى قولهم أنهم مصلحون رغم أنهم مفسدون كما بسورة البقرة والحسب هو المأوى كما بسورة الرعد والمهاد هو القرار كما بسورة إبراهيم والمعنى وإذا قيل له أطع حكم الرب أضلته القوة بعمل الذنب فمقامه النار وساء المقام ،يبين الله لنبيه(ص)أن رد فعل المنافق على النصيحة هو أن تأخذه العزة بالإثم والمراد أن تأمره شهوة القوة بعمل الذنب فيعمله ولذا عقابه هو النار .

"ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد"يفسر الآية قوله بسورة التوبة "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة"وقوله بسورة البقرة "إن الله بالناس لرءوف رحيم "فمرضات الله هى الجنة كما بسورة التوبة ورءوف تعنى رحيم كما بسورة البقرة والمعنى ومن الخلق من يبيع حياته طلب جنة الرب والرب رحيم بالخلق ،يبين الله لنبيه (ص)أن من الناس وهم الخلق فريق يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والمراد فريق يعطى حياته فى سبيل الله طلبا لرحمة وهى جنة الله والله رءوف بهم أى والمراد والرب رحيم بهم أى معطى الجنة لهم .

"يا أيها الذين أمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "يفسر الآية قوله بسورة الحج"فله أسلموا" وقوله بسورة النساء"فلا تتبعوا الهوى"وقوله بسورة الأنعام "ولا تتبعوا السبل"فالدخول فى السلم  وهو الإسلام كما بسورة الحج وخطوات الشيطان هى الهوى بسورة النساء هى السبل بسورة الأنعام والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله اتبعوا الإسلام كلكم أى لا تطيعوا وساوس الهوى إنه لكم كاره كبير ،يطلب الله من المؤمنين أن يدخلوا فى السلم كافة والمراد أن يطيعوا حكم الله كلهم وفسر هذا بأن لا يتبعوا خطوات الشيطان والمراد ألا يطيعوا أحكام الهوى وهو وساوس النفس والسبب أن هوى النفس وهو القرين أى الشهوات كاره عظيم أى مؤذى كبير لصاحبه والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم "يفسره قوله بسورة البقرة "وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات "فالزلل هو الاختلاف والمعنى فإن عصيتم من بعد الذى أتاكم من الأحكام الإلهية فاعرفوا أن الله قوى قاضى ،يبين الله للمؤمنين أنهم إن زلوا أى عصوا حكم الله من بعد ما جاءتهم البينات وهى أحكام الوحى فعليهم أن يعلموا أن الله عزيز حكيم والمراد أن يعرفوا أن الرب منتصر معاقب لهم قاضى بالعدل فيهم ، هناك جزء حذف من الآية وهو جزاء من زل وهو فاعلموا أن لكم عذاب النار .

"هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور " المعنى هل يترقبون إلا أن يجيئهم أمر الله فى برق من السحاب والملائكة؟ ووقع العذاب وإلى الرب تصير المخلوقات ،يسأل الله :هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة والمراد هل يتوقعون إلا أن يجيئهم  عقاب الرب فى برق من  السحاب والملائكة ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن الكفار يتوقعون مجىء عذاب الله فى برق من السحاب ومعه الملائكة وهو إذا جاء قضى الأمر أى وقع العذاب عليهم فيوم رؤيتهم الملائكة هو يوم العذاب مصداق لقوله بسورة الفرقان"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا" وإلى الله ترجع الأمور والمراد وإلى جزاء الرب تصير المخلوقات مصداق لقوله بسورة الشورى "ألا إلى الله تصير الأمور" ،والخطاب للنبى(ص) وما بعده.

"سل بنى إسرائيل كم أتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب"  يفسر الآية قوله تعالى بسورة الإسراء"ولقد أتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بنى إسرائيل"وقوله بسورة البقرة "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل"وقوله بسورة آل عمران "ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب "وقوله بسورة البقرة "وإن الله شديد العذاب"فالآية البينة هى الآيات التى أعطيت لموسى(ص)كما بسورة الإسراء ونعمة الله هى الإيمان كما بسورة آل عمران هى آيات الله كما بسورة البقرة وتبدل النعمة كما بسورة البقرة هو الكفر بآيات الله كما بسورة آل عمران وشديد العقاب هو سريع الحساب كما بسورة البقرة هو شديد العذاب كما بسورة آل عمران والمعنى استخبر أولاد يعقوب كم أعطيناهم من علامة ظاهرة؟ ومن يغير حكم الله من بعد الذى أتاه فإن الله عظيم العقاب ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يسأل بنى إسرائيل كم أتاهم من أية بينة أى كم أعطاهم من علامة واضحة حتى يؤمنوا؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص) كفر معظم اليهود بكل الآيات رغم كثرتها وليس الغرض العلم بعدد الآيات ،ويبين له أن من يبدل نعمة الله والمراد من يترك حكم الله إلى الكفر بعد الذى جاءه أى أتاه من الوحى فإن الله يعاقبه أشد العقاب لأنه شديد العقاب أى عظيم العذاب،ونلاحظ أن الكلام هو جزئين  فأول القول حتى بينة يتكلم عن سؤال بنى إسرائيل وأخر القول يتحدث عن طائفة أسلمت ثم كفرت  وهو المحذوف لأنه يتكلم عن جزاء من يفعل الكفر بعد الإسلام.

"زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين أمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب"قوله "زين للذين كفروا الحياة الدنيا"يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا" فالحياة الدنيا المزينة هى شهوات النساء والبنين والمال والقوة والطعام والشراب والذين كفروا هم الناس والمعنى حسن للذين كذبوا حكم الله متاع الحياة الأولى ،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قد زينوا أى حببوا لأنفسهم متاع الحياة الأولى ،وقوله" ويسخرون من الذين أمنوا"يفسره قوله تعالى بسورة المطففين"إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون"فالسخرية هى الضحك على المؤمنين والمعنى ويضحكون على الذين صدقوا بوحى الله "يبين الله لنا أن الكفار يسخرون أى يستهزئون أى يضحكون على المسلمين بكل الطرق ،وقوله "والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب"يفسره قوله تعالى بسورة الزمر"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"فرزق من يشاء هو أجر الصابرين والمعنى والذين أطاعوا حكم الله أفضل من الكفار يوم البعث والله يعطى من يريد بغير عقاب،يبين الله لنا أن الذين اتقوا أى اتبعوا حكم الله فوق الكفار أى أحسن من الكفار مقاما فى يوم القيامة وهو يوم البعث كما قال تعالى بسورة مريم "أى الفريقين خير مقاما" والله يرزق من يشاء بغير حساب والمراد والله يدخل الجنة من يريد بدون عقاب وهذا يعنى أن المسلمين لا يدخلون النار أبدا فى يوم القيامة ومعنى الآية حبب للذين كذبوا حكم الله متاع الحياة الأولى ويستهزئون بالذين صدقوا والذين صدقوا بحكم الله أحسن منهم يوم البعث والله يعطى من يريد بغير عذاب،والخطاب للنبى(ص) وما بعده

"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم  فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم "قوله "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه "يفسره قوله تعالى بسورة الحديد"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب ليقوم الناس بالقسط" وقوله بسورة الشورى "الله الذى أنزل الكتاب بالحق والميزان" فبعث تعنى أرسلنا والنبيين هم الرسل(ص) والكتاب يحكم بين الناس أى يقوم الناس بالقسط والحق هو الميزان والمعنى كان الخلق جماعة متحدة فأرسل الله الرسل(ص) مفرحين للمطيعين لله ومخوفين للعاصين وأوحى لهم الحكم بالعدل ليفصل بين الخلق فيما تنازعوا فيه،يبين الله لنا أن الناس كانوا أمة واحدة أى جماعة متحدة فى الدين الكافر فبعث النبيين أى فأرسل لهم الرسل(ص)مبشرين أى مفرحين للمطيعين للوحى ومنذرين أى مخوفين للعاصين للوحى وفسر هذا بأنه أنزل معهم الكتاب بالحق والمراد أوحى لهم الوحى فيه العدل وهو حكمه والسبب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه والمراد ليفصل بين الخلق فى الذى تنازعوا فيه من القضايا،وقوله "وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم" يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم "فالبينات هى العلم والمعنى وما تفرق فيه إلا الذين علموه من بعد ما أتاهم العلم حسدا منهم ،يبين الله لنا أن الاختلاف وهو التفرق والمراد تكذيب وحى الله حدث من الذين أوتوا الكتاب من بعد ما جاءتهم البينات والمراد من بعد ما أبلغوا الوحى وهو العلم والسبب فى كفرهم البغى بينهم أى الحسد منهم والمراد أن كل منهم يريد التميز على الأخرين دون حق ، وقوله "فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " يفسره قوله تعالى بسورة المائدة "ويهديهم إلى صراط مستقيم"فالحق هو الصراط المستقيم والمعنى فأرشد الله الذين صدقوا لما تنازعوا فيه من العدل بأمره ،يبين الله لنا أنه قد هدى أى عرف الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله الحق والمراد القول الفصل فى الذى اختلفوا فيه وهى القضايا التى تنازعوا فيها وكان التعريف بإذنه أى بأمره وهو وحيه ،وقوله"والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم "يفسره قوله تعالى بسورة الحج"وإن الله يهدى من يريد "وقوله بسورة الأحزاب"وهو يهدى السبيل"فمن يشاء هم من يريد والصراط هو السبيل والمعنى والله يرشد من يريد إلى الدين الحق الموصل للنعيم المستمر،يبين الله لنا أنه يهدى من يشاء والمراد يعرف من يريد الصراط المستقيم وهو الدين العادل الموصل للنعيم المستمر،ومعنى الآية كان الخلق جماعة واحدة فأرسل الله الرسل مفرحين ومخوفين أى أوحى لهم الوحى بالعدل ليفصل بين الخلق فيما تنازعوا فيه وما كذب به إلا الذين أعطوه من بعد ما أتاهم العلم ظلما منهم فأرشد الله الذين صدقوا للذى تنازعوا فيه من العدل بوحيه والله  يرشد من يريد إلى دين عادل .

"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب"يفسر الآية قوله بسورة الأعراف "إن رحمة الله قريب من المحسنين" فنصر الله هو رحمته بسورة الأعراف والمعنى هل ظننتم أن تنالوا الجنة ولما يصبكم شبه الذين مضوا من قبلكم أصابهم الضرر أى الأذى وهزوا حتى يقول النبى والذين ناصروه متى رحمة الله إلا إن رحمة الله حادثة،يسأل الله المسلمين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والمراد هل ظننتم أن تقيموا بالحديقة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم أى ولم يصبكم شبه الذين ماتوا من قبلكم مستهم البأساء أى الضراء أى أصابهم الأذى حتى يقول الرسول والذين معه :متى نصر أى متى تأتى رحمة الله ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أنهم لن يدخلوا الجنة حتى يصبروا على الضرر والأذى الذى يصيبهم فى سبيل الله مثلما صبر المسلمون قبلهم وإخبارهم أن تزلزل الإيمان من النبى (ص)والمسلمين شىء عادى يحدث ولكنه لا يجب أن يستمر ،ويبين لنا أن نصر الله وهو رحمته للمسلمين قريبة منهم أى واقعة لهم بشرط صبرهم أى طاعتهم لحكم الله والخطاب للمؤمنين.

"يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم"يفسر الآية قوله تعالى بنفس السورة " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو "وقوله "وما تنفقوا من خير "وقوله"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله "وقوله بسورة الإسراء"وآت ذى القربى حقه والمسكين وابن السبيل" فما ينفقون من خير هو العفو هو التقديم للنفس هو إيتاء الحق وكون الله عليم هو وجود الخير عند الله مكتوبا فى أم الكتاب والمعنى يستفهمون منك ماذا يعملون قل ما عملتم من صالح فللأبوين والأقارب وفاقدى الأباء وهم أطفال والمحتاجين وابن الطريق وما تعملوا من صالح فإن الله به خبير،يبين الله لرسوله(ص) أن المسلمين يسألونه ماذا ينفقون أى ماذا يعملون فى حياتهم؟ويطلب منه أن يجيبهم قائلا:ما أنفقتم من خير أى ما عملتم من عمل صالح فيجب أن يكون لكل من الوالدين وهم الأبوين والأقربين وهم جميع الأقارب مثل الأولاد والزوجة والإخوة واليتامى وهم من مات آبائهم وهم أطفال والمساكين وهم الذين يعملون ولا يكفيهم عائد العمل وابن السبيل وهو المسافر الذى ليس معه مال يوصله لبلده ،ويبين الله للمسلمين أن ما يفعلوه من خير والمراد ما يصنعوه من الصالحات فالله به عليم أى خبير يثيب عليه والخطاب للنبى(ص) .

"كتب عليكم القتال  وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"  قوله "كتب عليكم القتال وهو كره لكم "يعنى فرض عليكم الجهاد وهو بغيض لكم ،يبين الله للمسلمين أنه كتب عليهم القتال والمراد فرض عليهم الحرب وهى كره لهم أى بغيضة لهم لوجود الأذى فيها ،وقوله"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " يعنى وعسى أن تبغضوا أمرا وهو نفع لكم وعسى أن تريدوا أمرا وهو أذى لكم ،يبين الله للمؤمنين أنهم قد يكرهوا شيئا وهو خير لهم والمراد أنهم قد يبغضوا أمر وهو نافع لهم وأنهم قد يحبوا شىء وهو شر لهم والمراد قد يريدوا فعل أمر وهو مؤذى لهم فى الدنيا والأخرة ومن هنا فليس مقياس الحكم فى الإسلام ما يحبه الإنسان من نفع فى الدنيا،وقوله "والله يعلم وأنتم لا تعلمون "يعنى والله يعرف وأنتم لا تعرفون ،يبين الله للمؤمنين أنه يعلم أى يعرف ما هو الخير لهم وأما هم فلا يعلمون أى لا يعرفون الخير لهم فى الأمر أم الشر ولهذا عليهم أن ينفذوا ما يقول لهم فهو لا يريد بهم إلا الخير والخطاب للمؤمنين ومعنى الآية فرض عليكم الجهاد وهو ممقوت منكم وعسى أن تمقتوا أمرا وهو نفع لكم وعسى أن تريدوا أمرا وهو أذى لكم والله يعرف وأنتم لا تعرفون .

"يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "  قوله "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"يعنى يا محمد يستفهمون منك عن الشهر الأمن هل يباح الجهاد فيه؟يبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه عن القتال فى الشهر الحرام والمراد يستفهمون منه عن جواز الحرب فى الشهر الأمن ومن ثم يطلب منه أن يقول لهم "قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به"يعنى قل لهم الحرب فى الشهر الحرام جريمة أى رد عن دين الله أى عصيان له ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يجيب المسلمين :إن القتال وهو الحرب فى الشهر الحرام أى الأمن كبيرة أى جريمة وفسر هذا بأنه صد عن سبيل الله أى ارتداد عن دين الله وفسره بأنه كفر بالله أى تكذيب بدين الله ،وقوله"والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله "يعنى والبيت الآمن وطرد أصحابه منه أعظم جرما لدى الله،يبين الله لرسوله(ص) أن المسجد الحرام وهو البيت الآمن فى مكة إخراج أهله منه والمراد طرد قاصدى بيت الله منه أكبر عند الله أى أعظم ذنبا من القتال فيه عند أى فى كتاب الله ،وقوله "والفتنة أكبر من القتل"يفسره قوله بنفس السورة "والفتنة أشد من القتل"فأكبر تعنى أشد والمعنى والطرد أعظم ذنبا من الحرب فى مكة،يبين الله لرسوله(ص)أن الفتنة وهى طرد السكان من البيوت أكبر من القتل أى أعظم جرما فى كتاب الله من الحرب بمكة ،وقوله "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا "يعنى ولا يفتأون يحاربونكم حتى يبعدوكم عن إسلامكم إن قدروا،يبين الله للمسلمين أن الكفار لا يزالون يقاتلونهم والمراد يستمرون فى حربهم حتى يردوكم عن دينكم والمراد حتى يبعدوكم عن إسلامكم ومن هنا نعرف أن هدف حرب الكفار للمسلمين هو أن يجعلوا المسلمين يكفرون بالإسلام لإطفاء نور الإسلام مصداق لقوله تعالى بسورة الصف"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم"،وقوله"ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"يفسر القول قوله تعالى بسورة محمد"الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم" فحبوط الأعمال يعنى إضلالها أى خسرانها ويفسره قوله تعالى بسورة المائدة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم"فالنار هى الجحيم ويفسره قوله تعالى بسورة الكهف"ماكثون فيها أبدا" فخالدون تعنى ماكثون فى النار والمعنى ومن يرجع منكم عن إسلامه فيهلك وهو مكذب بدين الله فأولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة  وأولئك أهل الجحيم هم فيه باقون،يبين الله لنا أن من يرتد منا عن دينه والمراد من يترك منا إسلامه فيمت وهو كافر أى ويهلك وهو مكذب بالإسلام إما بقتله عقابا على ردته أو يموت موتا عاديا فإن أعماله تحبط أى أفعاله تخسر ثوابها فى الدنيا وهى الأولى وفى الآخرة وهى القيامة ومن ثم فمصيره هو النار أى الجحيم ويكون خالدا فيها أى باقى فيها دون موت ومعنى الآية يستفهمون منك عن الشهر الآمن حرب فيه قل حرب فيه جريمة أى ردة عن دين الله أى تكذيب لدين الله وطرد قاصدى مكة من كعبتهم أعظم جرما فى كتاب الله والطرد أعظم جرما من الحرب فى مكة ولا يفتأون يحاربونكم حتى يبعدوكم عن إسلامكم إن قدروا ومن يترك إسلامه فيهلك وهو مكذب بدين الله فأولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وأولئك أهل الجحيم هم فيه باقون دون موت،والخطاب للنبى(ص)وما بعده.

"إن الذين أمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف "يريدون وجهه"فيرجون هى يريدون ورحمة الله هى وجهه أى ثوابه ومعنى الآية إن الذين صدقوا حكم الله أى الذين انتقلوا لدين الله أى عملوا على نصر دين الله أولئك يريدون ثواب الله والله عفو نافع ،يبين الله لنا أن الذين أمنوا وهم صدقوا بوحى الله وهم الذين هاجروا أى انتقلوا من دين الكفر لدين الإسلام وهم الذين جاهدوا فى سبيل الله أى الذين عملوا على طاعة دين الله يرجون رحمة الله والمراد يريدون ثواب الله فى الدنيا والآخرة بعملهم الصالح،ويبين الله لنا أنه غفور رحيم أى عفو عن الذنوب نافع للمستغفر لذنبه .

"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "وتلك حدود الله يبينها "وقوله "لعلكم تعقلون "فالآيات هى حدود الله وتتفكرون تعنى تعقلون ومعنى الآية يستفهمون منك عن المسكر والقمار قل فيهما ذنب عظيم وفوائد للخلق وضررهما أعظم من فائدتهما ويستفهمونك ماذا يفعلون كذلك يوضح الله لكم الأحكام لعلكم تفلحون،يبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه عن الخمر والميسر والمراد يستفهمون منه عن حكم الخمر وهى كل مادة تغيب العقل يتناولها الإنسان بأى طريقة وحكم الميسر وهو القمار أى اللعب على مال بحيث يكون فيه كاسب وخاسر،ويطلب الله من رسوله(ص) أن يجيب فيقول فيهما إثم كبير أى فى تناول الخمر ولعب الميسر ذنب عظيم وهذا يعنى حرمة تناول الخمر وحرمة لعب الميسر ،وإثمهما أكبر من نفعهما أى ومضارهما وهى إيقاع العداوة بين الناس والبعد عن ذكر الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة"أعظم من نفعهما وهو المال لصناع الخمر ومديرى أماكن الميسر  ومن ثم فعملهما حرام ،ويبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه ماذا ينفقون أى ماذا يعملون فى حياتهم ؟ويطلب منه أن يجيب قائلا :العفو وهو ترك الكفر وطاعة الإسلام ،ويبين لنا أنه يبين لنا الآيات وهى أحكام الوحى والسبب لعلنا نفكر أى لعلنا نفهم فنطيع هذه الأحكام ،والخطاب  للنبى(ص).

"فى الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء لأعنتكم إن الله عزيز حكيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا"فالمفسد هم المنافقين والكفار والمصلح هم المؤمنين والمعنى لعلكم تتفكرون فى الدنيا والآخرة ويستفهمون منك عن فاقدى آبائهم وهم أطفال قل إحسان لهم أفضل وإن تعاملوهم فإخوتكم والله يعرف الظالم من العادل ولو أراد الله لعاقبكم إن الله غالب قاضى ، يبين الله لنا أنه بين لهم الآيات لعلهم يتفكرون فى الدنيا والآخرة والمراد لعلهم يقلبون الرأى فى أمر الدنيا وفى أمر القيامة فيعرفون الحق فيعملون به،وقوله "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم"يعنى ويستفهمون منك عن فاقدى آبائهم قل إحسان لهم أفضل وإن تعاملوهم فإخوتكم ،يبين الله لرسوله (ص) أن المسلمين يسألونه أى يستفهمون منه عن حكم الله فى اليتامى وهم من فقدوا آبائهم وهم صغار ويطلب منه أن يقول لهم:الإصلاح لهم خير والمراد العدل مع اليتامى أفضل للجميع وإن تخالطوهم فإخوانكم والمراد وإن تتعاملوا معهم فيجب أن تعاملوهم معاملة الأخ لأخيه ،وقوله "والله يعلم المفسد من المصلح "يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران "وليعلم الذين أمنوا وليعلم المنافقين"فالمفسد هو المنافق والكافر والمصلح هو المؤمن والمعنى والله يعرف الظالم من العادل والغرض أن يبين لهم أنه يعرف من يسيىء لليتامى ممن يحسن لهم وسيجازى كل واحد على عمله ،وقوله "ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم"يعنى ولو أراد الله لأصابكم إن الله غالب قاضى ،يبين الله للمؤمنين أنه لو شاء لأعنتهم أى لو أراد لأصابهم بالعقاب جزاء الإساءة لليتامى وهو العزيز أى القادر على عقاب من يريد وإثابة من يريد وهو الحكيم أى القاضى الذى يحكم بالحق ،الخطاب للنبى(ص)ونلاحظ أن أول الكلام فى الدنيا والآخرة هو جزء من قول لا نعلم مضمونه ولكننا حاولنا ربطه بما قبلها والله أعلم فجعلناه التفكير فى الدنيا والأخرة ولا علاقة لباقى القول بأوله 

"ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين الله الآيات للناس لعلهم يتذكرون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الممتحنة "ولا تمسكوا بعصم الكوافر"فلا تمسكوا تعنى لا تنكحوا والمشركات هن الكوافر ويفسرها قوله بسورة الأحزاب "ولو أعجبك حسنهن "وقوله بسورة المنافقون"وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم"فالمعجب به من المشركات والمشركين هو الحسن أى الجسم ويفسرها قوله تعالى بسورة يونس"والله يدعو إلى دار السلم"وقوله بسورة فاطر"إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير "فالمشركون والمشركات يدعون للنار أى السعير والله يدعو إلى الجنة أى المغفرة وهى دار السلام ويفسرها قوله تعالى بسورة فصلت "فصلت آياته "وقوله بسورة البقرة"لعلكم تعقلون"فيبين تعنى يفصل ويتذكرون تعنى يعقلون ومعنى الآية ولا تتزوجوا الكافرات حتى يسلمن ولامرأة مسلمة أحسن من كافرة ولو أرضتكم ولا تتزوجوا الكافرين حتى يسلموا ولرجل مسلم أحسن من كافر ولو أرضاكم أولئك يدفعون إلى دخول جهنم والله يدفع إلى دخول الحديقة أى الرحمة بحكمه ويفصل الله أحكامه للخلق لعلهم يطيعون ،يطلب الله من رجال المسلمين ألا ينكحوا المشركات حتى ولو أعجبوهم والمراد ألا يتزوجوا الكافرات حتى ولو نلن رضاهم بسبب حسنهن ويطلب من نساء المسلمين ألا يتزوجوا من رجال المشركين أى ألا ينكحوا الكافرين حتى ولو نالوا رضاهن بسبب أجسامهم  ومن الممكن أن يباح هذا الزواج فى حالة إسلام نساء ورجال الكفار ويبين الله لنا سبب منع هذا الزواج وهو أن المشركات والمشركين يعملون على إدخال المسلمين والمسلمات النار بكل ما آوتوا من قوة وأما الله والمراد المسلمين والمسلمات لله فإنهم يعملون على إدخال إخوانهم وأخواتهن الجنة عن طريق طاعة إذن الله وهو حكمه،ويوضح الله لنا أنه يبين الآيات للناس أى يفصل الأحكام للخلق والسبب أن يتذكروها أى يطيعوها لمصلحتهم والخطاب للمؤمنين .

 "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" معنى الآية ويستفهمون منك يا محمد عن الطمث قل هو ضرر فاتركوا الزوجات فى الطمث أى لا تجامعوهن حتى ينتهين منه فإن اغتسلن من الطمث فباشروهن من حيث طالبكم الله إن الله يثيب المستغفرين أى يثيب المتزكين ،يبين الله لرسوله(ص)أن المسلمين يسألونه أى يستفهمون منه عن حكم الله فى المحيض وهو الطمث أى دم الدورة الشهرية والولادة هل الجماع فيه مباح أم حرام ؟ويطلب الله منه أن يقول لهم :هو أذى والمقصود أنه ضرر للمجامعين وقت الحيض فاعتزلوا النساء فى المحيض والمراد ابتعدوا عن جماع الزوجات وقت الطمث وفسر الله هذا بأن لا يقربوهن حتى يطهرن أى لا يجامعوهن حتى ينتهى نزول الدم منهن ويبين لهم أن النساء إذا تطهرن أى اغتسلن بعد انتهاء نزول الدم فلهم أن يأتوهن من حيث أمرهم الله والمراد أن يباشروهن أى يجامعوهن حيث طالبهم الله والمراد أن يضعوا القضيب فى المهبل وحده وليس فى أى مكان أخر ،ويبين لهم أنه يحب التوابين أى المتطهرين والمراد يثيب المستغفرين لذنوبهم أى المتزكين وفسر هذا بأقوال عدة منها قوله تعالى بسورة الممتحنة"إن الله يحب المقسطين"فالتوابين هم المقسطين هم المتطهرين  والخطاب للنبى (ص)وما بعده وهو موجه للمؤمنين منه.

"نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الروم" خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها"وقوله بسورة المائدة "وأطيعوا الله"وقوله بسورة التحريم "قوا أنفسكم" وقوله بسورة الأنفال"وأنه إليه تحشرون"وقوله بسورة الأحزاب "وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا"وقوله بسورة الحج "وبشر المحسنين"فالحرث هو السكن كما بسورة الروم  والتقديم للنفس هو أن نقى أنفسنا من النار كما بسورة التحريم واتقوا تعنى أطيعوا كما بسورة المائدة وملاقاة الله هى الحشر إليه كما بسورة الأنفال والمؤمنين هم المحسنين الذين يبشرهم بالفضل الكبير،ومعنى الآية زوجاتكم لباس لكم فجيئوا سكنكم كيف أحببتم وأحسنوا لذواتكم أى أطيعوا حكم الله واعرفوا أنكم  آخذوا ثوابه وأخبر المصدقين أن لهم من الله فضلا كبيرا ،يبين الله للمسلمين أن النساء وهى الزوجات حرث لهم أى لباس لهم أى سكن لهم ولذا فعليهم أن يأتوا حرثهم وهو سكنهم كيف شاءوا أى أرادوا وهذا يعنى أن الرجل يفعل فى زوجته عند الجماع ما يحب من تقبيل وتحسيس ودغدغة وغير هذا من أعمال عدا وضع القضيب فى غير المهبل ويطلب الله من المؤمنين أن يقدموا لأنفسهم أى يحسنوا لذواتهم بالإيمان والعمل الصالح وفسر هذا بأن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله ويطلب منهم أن يعلموا أنهم ملاقوا الله والمراد أن يعرفوا أنهم داخلوا جزاء الله وهو الجنة ويطلب من رسوله(ص)أن يبشر المؤمنين أى يخبر المصدقين بأن لهم الجنة .

"ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم" يفسره قوله تعالى بسورة المائدة"واحفظوا أيمانكم"فعدم جعل الله عرضة لليمين هو حفظ أيمانهم ومعنى الآية ولا تقولوا الله غرضا فى أقسامكم إلا تدعوا الغير للإسلام أو تبعدوا عن أذى الكفار أو توفقوا بين البشر والله خبير محيط، يطلب الله من المسلمين ألا يجعلوا الله عرضة لأيمانهم والمراد ألا يجعلوا لفظ الله لفظا مكررا فى حلفاناتهم لأن كثرة الحلف به استهزاء به واستثنى من هذا الأتى:أن يبروا أى يحسنوا إلى الناس بالكذب عند دعوتهم للإسلام كما فعل إبراهيم (ص)مع قومه فى أمر الأصنام عندما كذب برده النافى تكسيره لها حتى يعرفهم الحق،أن يتقوا أى يبعدوا عن أذى الكفار فللمسلم أن يكذب حالفا بالله إذا خاف ضرر الكفار،أن يصلحوا بين الناس والمراد أن يوفقوا بين المتخاصمين عن طريق القسم الكاذب بالله ،ويبين لنا أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل شىء ،والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة المائدة "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان "وقوله بسورة الأحزاب"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم "فكسب القلوب هو تعمدها بسورة الأحزاب هو عقد الأيمان فيها بسورة المائدة ومعنى الآية لا يعاقبكم الله بالباطل فى حلفاناتكم ولكن يعاقبكم بما تعمدت نفوسكم والله عفو رحيم،يبين الله للمسلمين أنه لا يؤاخذهم باللغو فى أيمانهم والمراد لا يعاقبهم بسبب الباطل غير المقصود فى الحلفانات ويؤاخذهم بما كسبت قلوبهم أى ولكن يعاقبهم بسبب الذى تعمدته نفوسهم من الحلفانات ثم خالفوها ويبين لهم أنه غفور حليم أى عفو عن التائبين نافع لهم برحمته.

 "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم "المعنى للذين يتغيبون عن زوجاتهم غياب أربعة أشهر فإن عادوا فإن الله عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أن الذين يؤلون من نسائهم والمراد الذين يتغيبون عن زوجاتهم عمدا تربص أربعة أشهر أى مباح لهم غياب أربعة شهور فإن فاءوا أى عادوا إلى زوجاتهم قبل انتهاء الشهور الأربعة فإن الله غفور رحيم أى عفو عن ذنب الغياب رحيم أى نافع ،وهذا يعنى أن تعمد الغياب عن الزوجة  مدة طويلة أكبرها أربعة أشهر ذنب عند الله ،والخطاب وما بعده فى الطلاق للمؤمنين.

"وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم "المعنى وإن أرادوا الانفصال فإن الله خبير محيط ،يبين الله لنا أن الأزواج إن عزموا الطلاق أى أن الرجال الغائبين عن زوجاتهم إن أرادوا الانفصال عن زوجاتهم فانفصلوا والمراد فطلقوهن فالله سميع عليم أى خبير محيط بكل شىء .

"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الأخر وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم" قوله "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" يعنى والمنفصلات ينتظرن بأنفسهن ثلاث حيضات ،يبين الله لنا أن المطلقات وهن النساء اللاتى تركهن أزواجهن بقولهم أنت طالق أو ما فى معناه عليهن تربص ثلاثة قروء أى انتظار نزول ثلاثة حيضات بعد الطلاق فى بيت الزوجية وبعد هذا يحق لهن ترك البيت والزواج من أخر ،وقوله "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الأخر"يعنى ولا يباح لهن أن يخفين خبر الذى أنشأ الله فى بطونهن إن كن يصدقن بوحى الله ويوم القيامة ،يبين الله للمطلقات أن لا يحل لهن أن يكتمن والمراد يحرم عليهن أن يخفين عن أزواجهن خبر ما خلق الله فى أرحامهن أى الذى أنشأ الله فى بطونهن من الأجنة إن كن يؤمن بالله واليوم الأخر والمراد إن كن يصدقن بحكم الله ويوم البعث ،وقوله "وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحا "يعنى وأزواجهن أولى بإرجاعهن فى ذلك إن شاءوا وفاقا ،يبين الله لنا أن بعولة المطلقات وهم أزواجهم السابقين أحق بردهن والمراد أولى بإعادتهن إلى عصمتهم أن أرادوا إصلاحا أى أن شاءوا وفاقا نتيجة وجود الجنين فى الرحم وبالطبع لابد عند العودة من تراضى الزوجان مصداق لقوله تعالى بنفس السورة "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف" فليس من حق الزوج إعادة الزوجة إلى عصمته بعد طلاقها دون موافقتها ،وقوله "ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" يفسره قوله تعالى بسورة النساء"الرجال قوامون على النساء "فدرجة الرجال على النساء هى القوامة والمعنى وللنساء شبه الذى عليهن بالإحسان وللأزواج عليهن سلطة ،يبين الله لنا أن الزوجات لهن مثل الذى عليهن والمراد لهن حقوق شبه الحقوق التى عليهن بالمعروف وهو العدل وبألفاظ أخرى لهن حقوق على الرجال وعليهن واجبات للرجال ،ويبين لنا أن للرجال درجة عليهن والمراد لهم سلطة هى القوامة على النساء وهى حق توجيههن وضربهن عند مخالفة حكم الله وليس حكم الزوج ،وقوله "والله عزيز حكيم "يعنى والله قوى قاضى وهذا يعنى أن الله يعز أى يقوى أى ينصر من يريد وهو حكيم أى قاضى يحكم بالعدل ومعنى الآية والمنفصلات ينتظرن بأنفسهن ثلاث حيضات ولا يباح لهن أن يخفين ما أنشأ الله فى بطونهن إن كن يصدقن بحكم الله ويوم القيامة وأزواجهن أولى بإعادتهن فى ذلك إن أحبوا وفاقا ولهن شبه الذى عليهن بالعدل وللرجال عليهن سلطة والله قوى قاضى.

"الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" قوله"الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "يفسره قوله تعالى بسورة الطلاق "فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف "فالتسريح هو المفارقة والإحسان هو العدل والمعنى الإنفصال مرتان فإبقاء بالعدل أو تفريق بعدل ،يبين الله لنا أن الطلاق وهو الانفصال الرجعى مرتان أى عدد مراته اثنين وبعد الثانية على المطلق واحدة من اثنين الإمساك بمعروف وهو إبقاء المطلقة فى عصمته مع معاملتها بالعدل أو التسريح بإحسان وهو الانفصال النهائى الذى لا رجعة بعده إلا بزواجها من أخر وطلاقها بالعدل ،وقوله "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله "يفسره قوله تعالى بسورة النساء"لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن "فتأخذوا تعنى تذهبوا والمعنى ولا يباح لكم أن تأكلوا من الذى أعطيتموهن بعضا إلا أن يرهبا ألا يطيعا أحكام  الله ،يبين الله لنا أن  الأزواج لا يحل لهن والمراد لا يباح لهم والمراد يحرم عليهم أن يأخذوا مما أتوا الزوجات شيئا والمراد يحرم عليهم أن يضموا لمالهم بعض أو كل المال الذى أعطوه للزوجات كمهر وهو القنطار الذهبى إلا فى حالة واحدة وهى أن يخافا ألا يقيما حدود الله والمراد أن يخشى الزوجان ألا يطيعا أحكام الله وبألفاظ أخرى أن يرهب الزوجان أن يضرا بعضهما بالضرب أو بالقتل أو بغير هذا من وسائل الأذى وهو ما حرم الله فى حدوده ،وقوله "فلا جناح عليهما فيما افتدت به"يعنى فلا عقاب عليهما فى الذى اختلعت به،يبين الله لنا أن لا جناح أى لا عقاب على الزوجين إذا افتدت الزوجة نفسها من عصمة زوجها بدفع بعض أو كل المهر للزوج والمراد أن المرأة إذا أرادت الطلاق حتى لا تكفر فلها أن تدفع لزوجها المهر كله أو بعضه حتى يطلقها دون حقوق لها ،وقوله "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون"يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"تلك حدود الله فلا تقربوها "وقوله بسورة النساء"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها "فلا تعتدوها تعنى لا تقربوها هى عصيان الله ورسوله(ص) والمعنى تلك أحكام الله فلا تعصوها ومن يعص أحكام الله فأولئك هم الكافرون ،يبين الله أن ما سبق من الأحكام هو حدود الله أى أحكام وحى الله والواجب علينا ألا نعتدى عليها أى ألا نعصاها ونخالفها لأن من يتعد أى يعصى حدود وهى أحكام الله فهو من الظالمين أى الكافرين بحكم الله  الذين يستحقون دخول العذاب ومعنى الآية الانفصال مرتان فإبقاء بعدل أو انفصال بعدل ولا يباح لكم أن تضموا لمالكم من المال الذى أعطيتموهن مالا إلا أن يخشيا ألا يطيعا أحكام الله فإن خشيتم ألا يطيعا أحكام الله فلا عقاب عليهما فيما أعطت له من مهرها تلك أحكام الله فلا تعصوها ومن يعصى أحكام الله فأولئك هم الكافرون المعذبون فى النار                

"فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوج غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون"قوله "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوج غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله" يعنى فإن تركها فلا تباح له من بعد تركها حتى تتزوج زوج سواه فإن تركها الأخر فلا عقاب عليهما أن يتصالحا إن عرفا أنهما يطيعا أحكام الله ،يبين الله لنا أن الزوج إن طلق زوجته والمراد إن ترك زوجته للمرة الثالثة فلا تحل له من بعد والمراد فلا تباح له من بعد طلاقها الثالثة وهذا يعنى تحريم زواجها عليه والحالة الوحيدة التى تبيح له زواجها أن تنكح زوجا غيره ثم يطلقها والمراد أن تتزوج رجلا سواه وتعيش معه ثم يتركها لسبب من أسباب الطلاق العادلة ومن ثم لا جناح على الزوجين السابقين أن يتراجعا والمراد لا عقاب على الرجل والمرأة أن يتصالحا بزواجهما مرة أخرى بشرط أن يظنا أن يقيما حدود الله والمراد بشرط أن يعرفا أنهما يطيعان أحكام الله ،وقوله "وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون"يفسره قوله تعالى بسورة البقرة" ويبين آياته للناس "فحدود الله هى آياته والمعنى وتلك أحكام الله يبلغها لقوم يطيعون،يبين الله لنا أن ما سبق هى حدود أى أحكام وحى الله يبينها أى يوضحها أى يوصلها لقوم يعلمون أى يفهمونها فيطيعونها،ومعنى الآية فإن تركها فلا تباح له من بعد تركها حتى تتزوج زوج سواه فإن تركها الزوج الأخر فلا عقاب عليهما أن يتصالحا إن عرفا أنهما يطيعان أحكام الله وتلك أحكام الله يوصلها لناس يطيعونها .

 "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم"قوله"وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف "يفسره قوله تعالى بسورة الطلاق"أو فارقوهن بمعروف"وقوله بسورة البقرة"أو تسريح بإحسان"فالمعروف هو الإحسان وسرحوهن تعنى فارقوهن والمعنى وإذا تركتم الزوجات فوصلن موعدهن فأبقوهن بإحسان أو فارقوهن بإحسان ،يبين الله لنا أننا إذا طلقنا النساء والمراد فارقنا الزوجات فالواجب علينا إذا بلغن أجلهن أى وصلن موعد نهاية العدة هو أن نمسكهن بمعروف والمراد أن نبقيهن فى عصمتنا برضاهن إذا أردنا العدل معهن أو نسرحهن أى نفارقهن بعدل بإعطاءهن حقوقهن ،وقوله"ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه"يفسره قوله تعالى بسورة النساء"ومن يفعل ذلك منكم عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا" فالضرر هو العدوان وظلم النفس هو إدخالها النار والمعنى ولا تبقوهن ظلما لتؤذوهن ومن يعمل ذلك فقد خسر نفسه،يبين الله لنا من المحرم علينا أن نمسك الزوجات والمراد أن نعيد النساء لعصمتنا ضرارا أى خداعا لهن لنعتدى عليهن أى من أجل أن نؤذيهن بدنيا ونفسيا ومن يبقى زوجته خداعا لها ليؤذيها فقد ظلم نفسه أى خسر نفسه أى أدخلها النار ،وقوله"ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل الله من الكتاب والحكمة يعظكم به"يعنى ولا تجعلوا أحكام الله سخرية أى أطيعوا حكم الله لكم أى الذى أوحى الله من الحكم أى الوحى يعلمكم به ،يطلب الله منا ألا نتخذ آياته هزوا والمراد ألا نجعل حكم الله أضحوكة بعصياننا له وفسر هذا بأن نذكر نعمة الله علينا أى نطيع حكم الله المنزل لنا من عنده وفسر هذا بأن نذكر ما أنزل علينا من الكتاب أى الحكمة أى نطيع الذى أوحى إلينا من الحكم وهو الوحى والذى أنزله الله ليعظنا به أى ليعلمنا به الأحكام التى يجب أن نطيعها،وقوله"واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم "يفسره قوله تعالى بسورة التغابن"وأطيعوا الله"فتقوى الله هى طاعته والمعنى وأطيعوا حكم الله واعرفوا أن الله بكل أمر خبير،يطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى يطيعوا حكمه المنزل عليهم وأن يعلموا أنه بكل شىء عليم والمراد وأن يعرفوا أنه بكل أمر محيط ومن ثم عليهم أن يحذروا من مخالفته حتى لا يعاقبهم ،ومعنى الآية وإذا تركتم الزوجات فأنهين عدتهن فأبقوهن برضاهن بالعدل أو فارقوهن بالعدل ولا تبقوهن خداعا لهن لتؤذوهن ومن يخدعهن فقد خسر نفسه ولا تجعلوا أحكام الله مخالفة أى أطيعوا حكم الله لكم أى الذى أوحى لكم من الحكم أى الوحى يعرفكم به أحكامه أى اتبعوا الله واعرفوا أن الله بكل أمر خبير                     "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الأخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون" المعنى وإذا تركتم الزوجات فأنهين عدتهن فلا تمنعوهن أن يرجعن لأزواجهن إن اتفقوا بينهم بالعدل ذلك يذكر به من كان يصدق بحكم الله ويوم البعث ذلكم أفضل لكم أى أحسن والله يعرف وأنتم لا تعرفون ، يبين الله لنا أن الرجال إن طلقوا النساء والمراد إن تركوا الزوجات ثم بلغن أجلهن أى أنهين مدة العدة فالواجب هو ألا يعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف والمراد ألا يمنع أهالى المطلقات المطلقات أن يتزوجن مطلقيهن مرة أخرى إذا اتفقوا على عودة الزوجية بينهم بالعدل ،ويبين الله لنا أن هذا الحكم يوعظ به أى يذكر به أى يبلغ به ليفعله من كان يؤمن بالله واليوم الأخر والمراد من كان يصدق بحكم الله فيطيعه ويصدق بيوم القيامة ،ويبين الله لنا نحن الرجال أن هذا الحكم وهو عدم منع النساء من زواج مطلقيهن مرة أخرى أزكى أى أطهر لنا والمراد أفضل جزاء من المنع ،ويبين لنا أنه يعلم أى يعرف مصلحتنا معرفة تامة ونحن لا نعلمها أى لا نعرفها المعرفة الكاملة ومن ثم وجب أن نطيعه طاعة تامة.

 "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير "قوله "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"يفسره قوله تعالى بسورة لقمان"وفصاله فى عامين" فالحولين تعنى العامين والمعنى والأمهات يسقين أطفالهن عامين تامين لمن أحب أن يكمل السقاية،يبين الله لنا أن الواجب على الوالدات وهن اللاتى يلدن الأطفال أى الأمهات هو أن يرضعن أولادهن حولين كاملين أى أن يسقين أطفالهن لبن الثدى مدة عامين تامين لا ينقصان يوما لمن أراد أن يتم الرضاعة والمراد أن هذا الحكم لمن شاء أن يكمل  سقاية الأطفال اللبن كما حكم الله فهو واجب على كل أم ،وقوله "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف "يعنى وعلى الأب إطعامهن وإلباسهن بالعدل،يبين الله لنا أن الواجب على الرجال وهم المولود لهم أى المنجب لهم الأطفال هو رزقهن أى إطعام الأم ومولودها وكسوتهن أى إلباسهن والمراد شراء الملابس للأم ومولودها ،وقوله "لا تكلف نفسا إلا وسعها" والمعنى لا يفرض الله على الفرد إلا طاقته،يبين الله لنا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على الفرد إلا الذى يقدر على فعله من
الإنفاق،وقوله "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك "يفسره قوله تعالى بسورة الإسراء"ولا تزر وازرة وزر أخرى" فالوازرة وهى هنا الوالدة والمولود والولد  لا تتحمل وزر أخرى والمعنى لا تؤذى أم بطفلها ولا أب بطفله وعلى الزوج قدر ذلك ،يبين الله لنا أن الوالدة وهى الأم المطلقة لا تضار أى لا تؤذى بسبب طفلها بمعنى أن الأب المطلق لا يؤذيها بعدم إحضار الطعام والكساء لها ولطفلها والمولود له وهو الأب لا يؤذى بسبب ولده والمراد لا ترهقه الزوجة المطلقة بإحضار طعام أو كساء ليس فى قدرته وأما الوارث وهو المالك عصمة زوجته فلم يطلقها وهو الزوج فعليه مثل ذلك أى قدر هذا وهذا يعنى أن مالك عصمة المرأة عليه رزق المرأة وكسوتها دون ضرر والمراد هنا الزوج غير المطلق،وقوله"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما "يعنى فإن شاء الزوجان فطاما عن اتفاق بينهما أى اشتراك فى القرار فلا عقاب عليهما،يبين الله لنا أن الزوجين إن أرادا فصالا والمراد إن أحبا أن يفطما الطفل عن الرضاعة بعد أخر يوم فى السنتين فالواجب هو أن يكون القرار عن تراضى أى اتفاق بينهم أى تشاور والمراد اشتراك فى اتخاذ ذلك القرار وعند هذا لا يكون عليهما جناح أى عقاب على اتخاذ القرار  ،وقوله"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف"يعنى وإن شئتم أن تستسقوا أطفالكم فلا عقاب عليكم إذا أعطيتم الذى فرضتم بالعدل،يبين الله لنا أننا إذا أردنا استرضاع الأولاد والمراد إذا شئنا استئجار مرضعات للأطفال بسبب عدم رضا المطلقات إرضاع أولادهن فلا جناح علينا والمراد لا عقاب علينا عند عمل الاستئجار بشرط أن نسلم المرضعة الذى أتينا بالمعروف والمراد أن نعطى المرضعة الذى فرضنا لها من الأجر بالعدل ،وقوله "واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير"يفسره قوله تعالى بسورة التغابن"وأطيعوا الله "وقوله بسورة البقرة "والله بما تعملون خبير" فاتقوا تعنى أطيعوا وبصير تعنى خبير والمعنى وأطيعوا حكم الله واعرفوا أن الله بالذى تفعلون خبير ،يبين الله لنا أن الواجب علينا أن نتقى الله أى نطيع وحى الله وأن نعلم أنه بصير بما نعمل والمراد وأن نعرف أنه عليم بكل ما نفعله ومن ثم نحذر مخالفته خوفا من عقابه ومعنى الآية والأمهات يسقين أطفالهن عامين تامين لمن شاء أن يكمل سقاية الثدى وعلى الأب إطعامهن وإلباسهن بالعدل لا تفرض على فرد إلا قدرته لا تؤذى أم مطلقة بطفلها ولا أب مطلق بطفله وعلى الزوج قدر الطعام واللباس فإن شاءا فطاما عن اتفاق بينهما أى اشتراك فى القرار فلا عقاب عليهما وإن شئتم أن تستأجروا مرضعات لأطفالكم فلا عقاب عليكم إذا أعطيتم الذى فرضتم لهم من أجر بالعدل وأطيعوا حكم الله واعرفوا أن الله بالذى تفعلون خبير                 

"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير"  المعنى والذين يموتون منكم ويتركون زوجات يقعدن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة أيام فإذا أنهين عدتهن فلا عقاب عليكم فى الذى عملن فى أنفسهن بالعدل والله بالذى تفعلون عليم،يبين الله لنا أن الرجال الذين يتوفون أى يموتون لأى سبب ويذرون أزواجهن أى ويتركون خلفهم زوجات حيات على الزوجات أن يتربصن بأنفسهن والمراد أن يبقين فى بيت الزوجية أربعة أشهر وعشرة أيام وهذا يعنى أن عدة الأرملة هى أربعة أشهر وعشرة أيام فإذا بلغن أجلهن أى فإذا أنهين مدة العدة فلا جناح عليهن فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف والمراد فلا عقاب ينزل عليهن فى الذى عملن فى لأنفسهن بالعدل وهو الزواج مرة أخرى أو البقاء دون زواج عفيفات ،ويبين الله لنا أنه بما تعملون خبير والمراد أنه بالذى تفعلون عليم ومن ثم يجب الحذر من عقابه بعدم مخالفته  والخطاب وما بعده للمؤمنين وما بعده.

"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم فى أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة الكتاب حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروا واعلموا أن الله غفور حليم "المعنى ولا عقاب عليكم فيما صرحتم به من زواج الإناث أو أخفيتم فى ذواتكم عرف الله أنكم ستحدثونهن ولكن لا تلتقوا معهن خفية إلا أن تقولا كلاما سديدا ولا تعقدوا ميثاق الزواج حتى يقضى الحكم موعده واعرفوا أن الله يعرف الذى فى ذواتكم فخافوا عذابه واعرفوا أن الله عفو رحيم ،يبين الله لنا أن لا جناح علينا أى لا عقاب علينا إذا عرضنا بخطبة النساء أو أكننا فى أنفسنا والمراد لا عقاب علينا إذا صرحنا للأرامل بزواجنا منهن أو أخفين عنهن أمر إرادتنا الزواج منهن أثناء العدة والسبب فى إباحة التصريح لهن هو أن الله علم أننا سنذكرهن أى سنحدثهن فى أمر الزواج منهن ،وطلب الله منا ألا نواعدهن سرا إلا أن نقول قولا معروفا والمراد أى ألا نقابلهن فى الخفاء إلا أن نقول فى المقابلة كلاما سديدا ،وهذا يعنى إباحة التقاء الرجال بالنساء فى الخفاء للكلام فى زواجهن وليس لغرض أخر ،ويطلب الله منا ألا نعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله والمراد ألا ننفذ ميثاق الزواج بالدخول حتى ينهى حكم العدة موعده وهذا يعنى أن لا دخول إلا بعد انتهاء مدة العدة ،ويطلب الله منا أن نعلم أن الله يعلم ما فى أنفسنا فنحذره والمراد أن نعرف أن الله يعرف الذى فى ذواتنا من إرادات فنخاف من تنفيذ الحرام فى هذه الإرادات ونطيع حكم الله وأن نعلم أنه غفور حليم والمراد أن نعرف أن الله عفو عن الذنوب التى جاءت فى أنفسنا إذا استغفرنا لها وهو حليم أى رحيم أى نافع لمن استغفر لذنوبه بالثواب.    

"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"يفسره قوله تعالى بسورة الطلاق"لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله"وقوله بسورة البقرة"حقا على المتقين"فالموسع هو ذو السعة والمقتر هو الذى قدر عليه رزقه والمتاع هو النفقة والمحسنين هم المتقين والمعنى لا عقاب عليكم إن تركتم الزوجات ما لم  تجامعوهن أو تعطوا لهن مهرا وأنفقوا عليهن على الغنى طاقته وعلى الفقير طاقته عطاء بالعدل فرضا على المسلمين ،يبين الله للمؤمنين أن الرجال ليس عليهم جناح أى عقاب إن طلقوا النساء والمراد إن تركوا الزوجات ما لم يمسوهن أى ما لم يجامعوهن أى يدخلوا بهن الدخول الشرعى أو يفرضوا لهن فريضة والمراد يعطوا لهن الصداق وهو المهر ،ويبين لنا أن الموسع وهو الغنى عليه متعة أى نفقة على قدر ماله أى على طاقته المالية وعلى المقتر وهو المتوسط الحال ماليا أو تحت المتوسط ماليا قدر ماله والمراد على طاقته المالية وهذا المتاع أى النفقة طوال مدة العدة تعطى بالمعروف وهو العدل أى الإحسان وهى حق على المحسنين أى واجب على المسلمين يجب دفعه على الغنى وغير الغنى ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير"المعنى وإن تركتموهن من قبل أن تجامعوهن وقد أعطيتم لهن مهرا فنصف ما أعطيتم إلا أن يتنازلن أو يتنازل الذى بأمره ميثاق الزواج وأن تتنازلوا أفضل للثواب ولا تتركوا التميز بينكم إن الله بالذى تفعلون عليم،يبين الله للمؤمنين أن الرجال إذا طلقوا النساء والمراد إذا انفصلوا عن الزوجات من قبل أن يمسوهن أى يجامعوهن أى يدخلوا بهن دخولا شرعيا وقد فرضوا لهن الفريضة والمراد وقد أعطوا لهن المهر وهو الصداق فمن حق المطلق نصف الفريضة وهو نصف المهر يسترده منها وتستثنى من ذلك حالة عفو المطلقة أى ترك المطلقة للنصف الثانى برضاها للمطلق وحالة عفو أى تنازل الذى بيده عقدة النكاح عن النصف الثانى برضاه ورضا الزوجة المطلقة وهو الذى بأمره ميثاق الزواج وهو ما نسميه الآن وكيل الزوجة وفى تلك الأحوال يحق له أخذ النصف الثانى من المهر،ويبين الله لنا أننا أن نعفوا أقرب للتقوى والمراد أن نتنازل أحسن من أجل الثواب ويطلب منا ألا ننسى الفضل بيننا والمراد ألا نترك التميز بيننا أى ألا نجعل وجود أفضلية بين المسلمين متروكا بحيث يكون هناك مسلم أفضل من مسلم بعمله غير الواجب عليه ،ويبين لنا أنه بما نعمل بصير أى بالذى نفعله خبير وهذا يعنى أن نحذر من عذابه بعدم مخالفتنا لأحكامه حتى لا يعاقبنا .

"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " يفسره قوله تعالى بسورة التوبة "الحافظون لحدود الله"وقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وقوله بسورة النساء"فإذا اطمأننتم "وقوله بسورة المائدة "واذكروا نعمة الله عليكم"فالحفاظ على الصلاة هو الحفاظ على حدود الله كما بسورة التوبة والقيام لله قنوتا هو إقامة الدين كما بسورة الشورى وأمنتم تعنى اطمأننتم كما بسورة النساء وذكر الله هو طاعة نعمة الله كما بسورة المائدة والمعنى سيروا على الأحكام أى الحكم المستقيم أى أطيعوا الله خائفين وإن خشيتم فقياما أو ركوبا فإذا اطمأننتم فأطيعوا الله كما عرفكم الذى لم تكونوا تعرفون،يبين الله لنا أن المطلوب منا أن نحافظ على الصلوات والمراد أن نطيع الأحكام وفسرها بأنها الصلاة الوسطى أى الحكم العادل وهو حكم الله وفسر هذا المطلوب بأنه أن نقوم لله قانتين أن نطيع حكم الله خائفين من عذابه و يبين الله لنا أننا إن خفنا فرجالا أو ركبانا والمراد إن أطعنا حكم الله فى الصلاة أن نطيع الله رجالا أى مشاة أو وقوفا أو غير ذلك على أرجلنا أو ركبانا أى وهم ركوب أى معتلين لأى شىء سواء سرير أو حيوان أو غير هذا وفسر هذا بأن نذكر الله إذا أمنا والمراد أن نطيع حكم الله إذا اطمأننا ولم نخف غير الله وذكر الله يكون كما علمنا الله أى كما عرفنا فى الوحى المنزل على رسولنا (ص) الذى لم نكن نعلم أى الذى نكن نعرف قبل نزول الوحى ،والخطاب للمؤمنين ونلاحظ أن الكلام "فإن خفتم فرجالا أو ركبانا "محذوف جزء منه وهو كيفية الصلاة فى حالة الطمأنينة  وهى القراءة قعودا لأنه ذكر فى الخوف  الترجل وهو الوقوف والسير والركوب وهو اعتلاء ظهر الركوبة .

"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم "المعنى والذين يموتون منكم ويتركون زوجات فرضا لزوجاتهم نفقة إلى السنة غير طلوع فإن طلعن فلا عقاب عليكم فيما صنعن فى أنفسهن من خير والله غالب قاضى ،يبين الله لنا أن الذين يتوفون أى يموتون لأى سبب من رجال المسلمين ويذرون أزواجا والمراد ويتركون زوجات عائشات بعد موتهم الواجب هو وصية أى فرض فى الميراث لأزواجهم أى زوجاتهم هو متاع إلى الحول أى نفقة مالية تكفي الزوجة سنة بشرط غير إخراج والمراد بشرط عدم طلوعهن من بيت الزوجية للزواج من أخر فإن خرجن فلا جناح علينا فيما فعلن فى أنفسهن من معروف والمراد فإن طلعن من بيت الزوجية قبل مرور السنة فليس على الرجال عقاب بسبب الذى صنعته الأرامل فى أنفسهن من الخير وهو الزواج من أخر وهذا الحكم تم نسخه بقوله فى نفس السورة "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"،ويبين الله لنا أنه عزيز أى غالب على أمره يفعله ولا يقدر أحد على رده وهو حكيم أى قاضى يحكم بالعدل بين الخلق ،والخطاب وما بعده للمؤمنين وما بعده.

"وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "حقا على المحسنين"فالمتقين هم المحسنين والمعنى وللمتروكات عطاء بالعدل واجبا على المسلمين ،يبين الله لنا أن المطلقات وهن المتروكات المنفصلات لهن متاع بالمعروف والمراد نفقة العدة تعطى لهن بالعدل وهى حق على المتقين أى واجب أى فرض على الرجال المطلقين المسلمين لمطلقاتهن.

"كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة "وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون "فآيات الله هى حدود الله ويعقلون تعنى تعلمون والمعنى هكذا يوضح الله لكم أحكامه لعلكم تطيعون ،يبين الله لنا أن بتلك الطريقة وهى ذكر الأحكام يبين الله آياته أى يوضح أحكامه للناس والسبب أن يعقلوا أى يفهموا فيطيعوا الأحكام .

"ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"وربك الغفور ذو الرحمة "وقوله بسورة الرعد "ولكن أكثر الناس لا يؤمنون" فذو الفضل هو ذو الرحمة كما بسورة الكهف ويشكرون تعنى يؤمنون كما بسورة الرعد والمعنى ألم تدرى بالذين طلعوا من بلادهم وهم كثير خوف الوفاة فقال الله لهم توفوا ثم بعثهم إن الله لصاحب رحمة للخلق ولكن معظم الخلق لا يؤمنون ،يبين الله لرسوله(ص)أن هناك قوم خرجوا من ديارهم والمراد هربوا من بلادهم والسبب فى هروبهم وهم ألوف أى كثيرو العدد هو حذر الموت والمراد الخوف من الوفاة بسبب المرض فقال الله لهم موتوا أى توفوا فهلكوا ثم أحياهم أى بعثهم للحياة مرة أخرى والسبب فى بعثهم هو أن يتعلموا درسا هو أن لا هروب من الموت ويبين الله لنا بعقابهم بالموت أن من المحرم على أهل البلاد التى بها مرض معدى الخروج منها إلى بلد أخرى ليس بها المرض ،ويبين الله لنا أنه ذو فضل على الناس والمراد صاحب رحمة بالخلق حيث يرزقهم ويفعل بهم الخير ويبين لنا أن أكثر الناس لا يشكرون والمراد أن معظم الخلق من الإنس والجن لا يؤمنون بحكم الله ،والخطاب للنبى (ص).

"وقاتلوا فى سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة التوبة"وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله" وقوله بسورة البقرة "واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه" فقاتلوا تعنى جاهدوا كما بسورة التوبة والعلم بكون الله سميع عليم يعنى الحذر من علم الله بما فى أنفسنا من شر كما بسورة البقرة  والمعنى وجاهدوا فى نصر دين الله واعرفوا أن الله خبير محيط بكل شىء ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا فى سبيل الله والمراد أن يجاهدوا أى يعملوا لنصر دين الله بكل الطرق الممكنة ،ويبين لهم أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر فى هذا الكون ،والخطاب للمؤمنين وما بعده والآية تم وضعها ومكانها بين آيات الجهاد فى السورة.

"من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "وقوله بسورة النمل"من جاء بالحسنة فله خير منها "وقوله بسورة الرعد "الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر"فالقرض الحسن هو الحسنة كما بسورتى النمل والأنعام وقرض الله هو المجىء بالحسنة كما بنفس السورتين والأضعاف هى العشر أمثال كما بسورة الأنعام هى الخير الأفضل من الحسنة كما بسورة النمل ويقبض هى يقدر كما بسورة الرعد والمعنى من ذا الذى يعمل لله عملا صالحا فيزيده له زيادات كبيرة والله يقلل ويكثر وإليه تعودون ،يبين الله لنا أن من يقرض الله قرضا حسنا والمراد من يعمل عملا صالحا أى من يقترف حسنة يضاعفه الله له والمراد يزيده الله إلى عشر أمثاله أو سبعمائة حسنة أو ألف وأربعمائة حسنة ،ويبين لنا أن الله يقبض أى يقلل الرزق لمن يريد ويبسط أى ويزيد لمن يريد ،ويبين لنا أننا إليه نرجع أى نعود إلى جزاء الله فى الأخرة .

"ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين"يفسر قوله"تولوا إلا قليلا منهم " قوله تعالى بسورة البقرة "فقليلا ما يؤمنون"وقوله "والله عليم بالظالمين"قوله بسورة آل عمران "فإن الله عليم بالمفسدين "فالتولى هو الإيمان كما بسورة البقرة والظالمين هم المفسدين والمعنى ألم تعلم بالقوم من أولاد يعقوب(ص)من بعد وفاة موسى(ص)حين قالوا لرسول منهم أرسل لنا حاكما نجاهد فى نصر الله قال هل عسيتم إن فرض عليكم الجهاد ألا تجاهدوا قالوا وما لنا ألا نجاهد وقد طردنا من بلادنا وأولادنا فلما فرض عليهم الجهاد كفروا إلا قليلا منهم والله عارف بالكافرين ،يبين الله لرسوله(ص)خبر الملأ وهم القوم من بنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب(ص)من بعد وفاة موسى(ص)قالوا لنبى أى لرسول لهم  :ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله والمراد أرسل لنا قائدا نحارب لنصر دين الله؟وهذا يعنى أنهم طلبوا منه اختيار ملك أى قائد عسكرى يقودهم فى قتال الأعداء حتى ينصروا دين الله ،فقال لهم النبى(ص):هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؟والمراد هل تفعلون إن فرض عليكم الجهاد ألا تجاهدوا ؟والهدف من السؤال هو إخبارهم أنه يشك فى قتالهم إن فرض عليهم القتال ،فكان ردهم  هو وما لنا ألا نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا والمراد وما لنا ألا نحارب فى نصر دين الله وقد طردنا من بلادنا وأولادنا،والغرض من الرد هو إخبار النبى(ص)أن سبب إرادتهم القتال هو طرد بنى إسرائيل من بلادهم ومعهم أولادهم ،ويبين الله لرسولنا(ص) أنه كتب على بنى إسرائيل أى فرض عليهم القتال وهو الجهاد فكان رد فعلهم هو التولى أى عصيان الأمر إلا قليلا منهم وهذا يعنى أن عدد قليل منهم هو الذى أطاع أمر الجهاد ،ويبين الله أنه عليم بالظالمين أى خبير بالعاصين لأمر الله ،والخطاب للنبى(ص)هنا وفى بقية القصة .

"وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم" معنى الآية وقال لهم رسولهم(ص)إن الله قد اختار لكم طالوت قائدا قالوا كيف يصبح له القيادة علينا ونحن أولى بالقيادة منه ولم يعط كثرة من المتاع قال إن الله اختاره منكم وأعطاه زيادة فى المعرفة والصحة والله يعطى حكمه من يريد والله غنى خبير،يبين الله لرسوله(ص)أن نبى القوم(ص)قال لهم :إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وهذا يعنى أن الله اختار من القوم قائدا هو طالوت(ص) فكان رد القوم: أنى يكون له الملك علينا أى كيف يصبح له الحكم فينا ونحن أحق بالملك منه أى ونحن أولى بالحكم منه ولم يؤت سعة من المال والمراد ولم يعطى كثير من المتاع ؟والغرض من القول هو إخبار النبى(ص)أن القوم اعتبروا أن اختيار طالوت(ص)خاطىء لأن الملك فى رأيهم لابد أن يكون غنيا وليس فقيرا كطالوت(ص)فقال النبى(ص)لهم:إن الله اصطفاه وزاده بسطة فى العلم والجسم والمراد إن الله اختاره وأعطاه زيادة فى المعرفة والجسد،بين النبى(ص)هنا للقوم أن الملك لابد أن يتوافر فيه شرطين هما البسطة فى العلم والمراد الزيادة فى المعرفة وهذا يعنى أن عقله سليم أكثر من الآخرين والبسطة فى الجسم وهى الصحة فى الجسد حتى يقدر على الحركة الكثيرة التى يحتاجها أى ملك ليحكم بالعدل كما أن الله اصطفاه أى اختاره من بينهم وبين لهم النبى بقوله:والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم والمراد والله يعطى حكمه من يريد والله غنى خبير وهذا يعنى أن الله حر يتصرف فى ملكه وهو هنا حكم الأرض كيف يريد فيعطيه لمن يريد ويمنعه عن من يريد وهو غنى خبير بكل شىء فى ملكه .

"وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين" يفسره قوله تعالى بسورة التوبة"فأنزل الله سكينته عليه "فالسكينة هى الوحى المنزل ويفسره قوله بسورة هود"إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة"فالمؤمنين هم الذين يخافون عذاب الآخرة والمعنى وقال لهم رسولهم(ص)إن علامة حكمه أن يجيئكم الصندوق فيه وحى من خالقكم و بعض من الذى خلف آل موسى(ص)وآل هارون(ص) ترفعه الملائكة إن فى ذلك لعلامة لكم إن كنتم مصدقين بوحى الله،يبين الله لرسوله(ص)أن نبى القوم (ص)قال لهم إن آية ملك طالوت(ص)والمراد إن علامة بداية حكم طالوت(ص)هى أن يأتيكم التابوت أى أن يجيئكم الصندوق وهو صندوق كانت به التوراة المنزلة فيه سكينة من ربكم أى وحى من إلهكم هو التوراة وبقية مما ترك آل موسى(ص)وآل هارون(ص)والمراد وبعض من الذى ترك أهل موسى(ص) وأهل هارون (ص) وهذا التابوت تحمله الملائكة والمراد ترفعه الملائكة على أيديها وهذه آية أى معجزة تدل على وجوب الاستسلام لأمر الله بتولية طالوت(ص)ملكا إن كنتم مؤمنين أى مصدقين بحكم الله .

"فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين أمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" يفسر الجزء الأخير"والله مع الصابرين" قوله تعالى بسورة الحج"إن الله يدافع عن الذين أمنوا "وقوله بسورة البقرة"واعلموا أن الله مع المتقين"فمعية الله هى دفاعه عن المؤمنين والصابرين هم المتقين ومعنى الآية فلما خرج طالوت (ص)بالعسكر قال إن الله مختبركم بعين فمن ارتوى منها  فليس معى ومن لم يرتوى فإنه معى إلا من أخذ أخذة بكفه فارتووا منه إلا قليلا منهم فلما عبره هو والذين صدقوا معه قالوا لا قدرة لنا اليوم بجالوت وعسكره قال الذين يعلمون أنهم آخذوا ثواب الله كم من جماعة قليلة هزمت جماعة كبيرة بأمر الله والله ناصر الطائعين ،يبين الله لرسوله(ص)أن طالوت(ص)لما فصل بالجنود والمراد لما خرج بالعسكر مسافرا للجهاد قال للعسكر :إن الله مبتليكم بنهر أى إن الله مختبركم بعين ماء فمن شرب منه فليس منى والمراد فمن ذاق من العين فليس معى فى الجيش ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده أى ومن لم يذقه فإنه معى فى الجيش إلا من أخذ مرة بكفه من الماء ،فكانت النتيجة أن شربوا منه إلا قليلا منهم والمراد أن معظم العسكر ذاقوا الماء أكثر من مرة بالكف إلا عدد قليل منهم فلما جاوز أى عبر طالوت(ص) النهر وهو عين الماء هو والذين أمنوا معه وهم الذين صدقوا بكلام طالوت(ص) فى أمر الشرب وقد قال بعضهم لما شاهدوا العدو :لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده والمراد لا قدرة لنا الآن بجالوت وعسكره وهذا يعنى أنهم ظنوا أنهم لن يقدروا على هزيمة العدو فى هذا الوقت ولكن الذين يظنون أنهم ملاقوا الله والمراد الذين يعلمون أنهم داخلوا جنة الله قالوا :كم من فئة أى جماعة قليلة غلبت أى هزمت فئة أى جماعة كثيرة بإذن الله أى بأمر الله والله مع الصابرين والمراد والله ناصر الطائعين لله ،وهذا يبين لنا أن العدد ليس هو السبب فى النصر وإنما السبب هو الرغبة فى نصر دين الله الذى ينصر من يطيعه بكل وسيلة ممكنة .

"ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"معنى الآية ولما خرجوا لجالوت وعسكره قالوا إلهنا أنزل علينا قوة أى رسخ أنفسنا أى أعنا على القوم الظالمين ،يبين الله لرسوله(ص)أن طالوت(ص)وجنوده برزوا أى خرجوا لمحاربة جالوت وجنوده وهم عسكره فقالوا داعين الله :ربنا أفرغ علينا صبرا والمراد إلهنا أعطنا منك قوة وفسروا هذا بأن يثبت أقدامهم أى يقوى أنفسهم على الحرب وفسروا هذا بأن ينصرهم على القوم الكافرين أى يعينهم على حرب القوم المكذبين بدين الله ،وهذا يبين لنا أن الدعاء عند الحرب مستحب .

"فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"وأتينا داود زبورا" وقوله بسورة الكهف"وربك الغفور ذو الرحمة"فالملك أى الحكمة أى التعليم الذى يشاء الله هو الزبور وذو الفضل هو ذو الرحمة والمعنى فغلبوهم بطاعة الله وذبح داود(ص)جالوت وأعطاه الله الحكم أى الوحى أى عرفه مما يريد ولولا صد الله الناس بعضهم ببعض لدمرت الأرض ولكن الله صاحب رحمة للخلق ،يبين الله لرسوله(ص)أن بنى إسرائيل المؤمنين هزموا أى غلبوا أى قهروا جالوت وجنوده حيث قتل أى ذبح داود(ص)قائد العدو جالوت وقد أتى أى أعطى الله داود(ص)الملك وفسره بأنه الحكمة وفسره بأنه علمه من الذى يشاء أى يريد وهذا معناه  أنه أعطاه الوحى وهو الزبور ،ويبين الله لنا أن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض والمراد ولولا رد الله أذى بعض الناس لبعضهم برد البعض الأخر للأذى وهو ما نسميه إباحة قتال المعتدى لحدث أن فسدت الأرض أى دمرت العدالة فى البلاد ،ويبين الله لنا أنه ذو فضل على العالمين والمراد أنه صاحب رحمة للخلق يعطيها لهم فى الدنيا والأخرة .

"تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق"فآيات الله هى كتابه وتلاوتها هى نزولها والمعنى تلك أحكام الله ننزلها عليك بالعدل وإنك لمن الأنبياء(ص)،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق هو آيات الله أى أحكام الله يتلوها عليه بالحق أى يبلغها لهم بالعدل وهو حكم الله وأنه من المرسلين أى الأنبياء(ص) أى المبعوثين بوحى الله إلى الناس.

 "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم على بعض درجات وأتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من أمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد"قوله "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم على بعض درجات" يفسره قوله تعالى بسورة الإسراء"ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض"  فالرسل هم الأنبياء(ص)والمعنى تلك الأنبياء ميزنا بعضهم على بعض  فمنهم من حدث الله و زاد بعضهم عطايا،يبين الله لنا أنه فضل الرسل على بعض والمراد ميز الأنبياء(ص)على بعض فى العطايا وهى الدرجات أى المعجزات فمنهم من زاد على الأخر فى العدد و من ضمن العطايا من كانت معجزته أن كلم الله أى حدثه أى أوحى الله له وحيا من خلال من لا يكلم الناس عادة ،وقوله "وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس"يفسره قوله تعالى بسورة المائدة "وأتيناه الإنجيل "وقوله بسورة الشعراء"نزل به الروح الأمين"فالبينات هى الإنجيل والمعجزات كما بسورة المائدة وروح القدس هو الروح الأمين كما بسورة الشعراء والمعنى وأعطينا عيسى ابن مريم(ص)آيات الإنجيل ونصرناه بجبريل(ص)،يبين الله لنا أن أتى أى أعطى عيسى(ص)البينات وهى الآيات سواء آيات الإنجيل أو المعجزات وأيده بروح القدس والمراد ونصره على الكفار بجبريل(ص) حيث جعله يفعل المعجزات وحماه من أذى الكفار ،وقوله"ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا "يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"من بعد ما جاءهم العلم "فالبينات هى العلم والمعنى ولو أراد الله ما تحارب الذين  من بعد وفاة الرسل(ص) من بعد ما أتتهم الآيات ولكن تنازعوا ،يبين الله لنا أن الله لو شاء أى أراد ما اقتتل الذين من بعدهم والمراد ما تحارب الذين أتوا بعد وفاة الأنبياء(ص)ولكن الذى حدث هو أنهم اختلفوا أى تحاربوا أى تنازعوا فى حكم الله من بعد ما جاءتهم البينات والمراد من بعد ما وضحت لهم الأحكام الإلهية ،وقوله "فمنهم من آمن ومنهم من كفر"يفسره قوله تعالى بسورة يونس"ومنهم من يؤمن ومنهم من لا يؤمن "فمن كفر هو من لا يؤمن والمعنى فمنهم من صدق بحكم الله ومنهم من كذب بحكم الله،يبين الله لنا أن الناس انقسموا بعد وفاة الرسل(ص)إلى فريقين من آمن أى صدق بوحى الله ومن كفر أى كذب بوحى الله ،وقوله "ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد"يفسره قوله تعالى بسورة إبراهيم"ويفعل الله ما يشاء "وقوله بسورة المائدة"إن الله يحكم ما يريد"فيريد تعنى يشاء كما بسورة إبراهيم ويفعل تعنى يحكم كما بسورة المائدة والمعنى ولو أراد الله ما تحاربوا ولكن الله يحكم الذى يشاء،يبين الله لنا أنه لو شاء ما اقتتلوا والمراد لو أراد الله ما تحارب الناس بعد وفاة الرسل(ص) بسبب حكم الله ولكن الله يفعل ما يريد أى يصنع الذى يحب هو لأنه حر فى ملكه،وهنا أخر الخطاب للنبى(ص)بعد القصة  .

"يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة التغابن"وأنفقوا خير لأنفسكم "وقوله بسورة المؤمنون"واعملوا صالحا"وقوله بسورة البقرة "لا يقبل منها عدل "و"ولا يقبل منها شفاعة "وقوله بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"وقوله بسورة الشعراء"فما لنا من شافعين ولا صديق حميم" فأنفقوا تعنى اعملوا صالحا كما بسورة المؤمنون والبيع هو العدل كما بسورة البقرة هو الفدية كما بسورة الحديد والخلة هى الصداقة كما بسورة الشعراء والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله اعملوا صالحا من الذى أوحينا لكم من قبل أن يجىء يوم لا فدية فيه ولا صداقة ولا مناصرة والكاذبون هم المجرمون،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بحكم الله طالبا منهم أن ينفقوا مما رزقهم والمراد أن يعملوا صالحا من الذى أوحى لهم فى الوحى وذلك قبل أن يأتى أى يحضر يوم القيامة حيث لا بيع أى لا فدية أى لا دفع لمال مقابل الخروج من النار ولا خلة أى لا صداقة تنفع الفرد ولا شفاعة أى لا كلام مناصرة من الأخرين يفيد الفرد ،ويبين الله لهم أن الكافرون هم الظالمون أى المكذبون بحكم الله هم الخاسرون المعذبون فى النار ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السموات وما فى الأرض من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤدوه حفظهما وهو العلى العظيم " يفسره قوله تعالى بسورة ق"وما مسنا من لغوب"وقوله بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض "وقوله بسورة مريم "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا"وقوله بسورة المائدة"والله يعلم ما تبدون وما تكتمون"وقوله بسورة الجن"عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول"فالسنة هى اللغوب كما بسورة ق وما فى السموات وما فى الأرض تعنى ملك الله لهما كما بسورة الجاثية وإذن الله للشفاعة هو عهده بسورة النجم والعلم  بما بين الأيدى وما خلفها هو العلم بما يبدون وما يكتمون بسورة المائدة وعدم الإحاطة بشىء من علمه إلا بما شاء هو عدم إظهار غيبه على أحد إلا الرسل الذين رضا عنهم بسورة النجم ومعنى الآية الله لا رب إلا هو الباقى الحافظ لا يغشاه تعب ولا نعاس له ملك الذى فى السموات والذى فى الأرض ،من الذى يتكلم لديه إلا بأمره يعرف الذى فى أنفسهم والذى فى ماضيهم ولا يعلمون ببعض من وحيه إلا بما أراد ،شمل حكمه السموات والأرض ولا يتعبه إبقائهما وهو الكبير الأعلى ،يبين الله لنا أنه لا إله إلا هو والمراد لا رب يستحق طاعة حكمه سواه ،وأنه الحى أى الباقى الذى لا يموت وهو القيوم أى الحافظ لملكه ،وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم والمراد لا يصيبه تعب أى مرض ولا نعاس كما يصيب الخلق ،ويبين لنا لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه والمراد لا أحد يتكلم لديه  إلا بعد أمر الله له بالكلام مصداق لقوله بسورة النبأ"يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا"،ويبين أنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والمراد يعرف الله الذى فى نفوس الشافعين فى هذا الوقت ويعرف الذى وراءهم أى الذى كان فى أنفسهم فى الماضى ،ويبين لنا أنهم لا يحيطون بشىء من علم الله إلا بما شاء والمراد أن الشافعين لا يعرفون بعض من معرفة الله إلا الذى أراد لهم أن يعرفوه منها وهو الوحى المنزل ،ويبين لنا أن ملكه وسع السموات والأرض والمراد أن حكمه شمل كل من السموات والأرض،ويبين لنا أنه لا يؤدوه حفظهما والمراد لا يتعبه إبقاء السموات والأرض صالحتين غير فاسدتين ،ويبين لنا أنه العلى أى ذو الكبرياء العظيم أى الكبير والكل بمعنى واحد وهو مستحق العلو أى العظمة وحده .

"لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" يفسره قوله تعالى بسورة الحج"وما جعل عليكم فى الدين من حرج"وقوله بسورة النساء"تبين الهدى"وقوله بسورة السجدة"إنما يؤمن بأياتنا "وقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى "وقوله بسورة الزخرف"فاستمسك بالذى أوحى إليك" فمنع الإكراه هو عدم وجود الحرج وهو الأذى فى الدين  كما بسورة الحج، والرشد هو الهدى كما بسورة النساء ،ويؤمن بالله هى يؤمن بآيات الله كما بسورة السجدة هى إسلام الوجه لله كما بسورة لقمان ، والعروة الوثقى هى الوحى كما بسورة الزخرف والمعنى لا إجبار فى الإسلام  قد وضح الحق من الباطل فمن يكذب بالباطل ويصدق بوحى الله فقد أطاع العقدة العظمى لا انحلال لها والله خبير محيط ،يبين الله لنا أن لا إكراه فى الدين أى لا إجبار فى الإسلام والمراد لا أذى للفرد من أجل أن يغير إرادته فى دينه والسبب هو أن الرشد تبين من الغى والمراد أن الحق وهو الإسلام وضح من الباطل وهو الكفر فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ،ويبين الله لنا أن من يكفر بالطاغوت والمراد من يكذب بالباطل وهو الكفر ويؤمن بالله أى ويصدق بحكم الله فقد استمسك بالعروة الوثقى والمراد فقد اتبع العقدة الكبرى التى لا إنفصام لها والمراد لا إنحلال لها أى لا ضياع لها،ويبين لنا أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل شىء ومن ثم يجب أن نحذر من الكفر به ،والخطاب للمؤمنين وما بعده.

"الله ولى الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الجاثية "الله ولى المتقين"وقوله بسورة الأحقاف"إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"وقوله بسورة آل عمران"أولئك هم وقود النار" وقوله بسورة الحديد"أولئك أصحاب الجحيم"وقوله بسورة البقرة"وما هم بخارجين من النار"فالذين أمنوا هم المتقين كما بسورة الجاثية والطاغوت هو الشياطين كما بسورة الأحقاف وأصحاب النار هم وقود النار كما بسورة آل عمران هو أصحاب الجحيم كما بسورة الحديد والخلود فى النار هو عدم خروجهم منها كما بسورة البقرة ومعنى الآية الله ناصر الذين صدقوا حكم الله يبعدهم من الضلالات إلى الهدى والذين كذبوا حكم الله أنصارهم الشهوات يبعدونهم عن الهدى إلى الضلالات أولئك أهل الجحيم هم فيه باقون،يبين الله لنا أنه ولى الذين أمنوا والمراد ناصر الذين صدقوا بوحيه فى الدنيا والأخرة وهو يخرجهم من الظلمات إلى النور والمراد يبعدهم بوحيه عن الضلالات وهى الباطل إلى الهدى وهو الحق حتى يدخلهم الجنة وأما الذين كفروا فأولياؤهم الطاغوت والمراد وأما الذين كذبوا بحكم الله فأنصارهم  هم الشيطان أى الشهوات التى فى أنفسهم  والتى تخرجهم من النور إلى الظلمات والمراد تبعدهم عن الحق إلى الضلالات وهى الباطل حتى تدخلهم النار ولذلك فهم أصحاب النار أى أهل الجحيم هم فيه خالدون أى باقون لا يخرجون منه أبدا.

"ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين"وقوله بسورة التوبة"والله لا يهدى القوم الكافرين"فيهدى تعنى يحب كما بسورة  آل عمران والظالمين هم الكافرين كما بسورة التوبة ومعنى الآية ألم تعلم بالذى جادل إبراهيم فى إلهه لما أعطاه الله الحكم حين قال إبراهيم (ص):إلهى الذى ينشىء ويتوفى قال أنا أنشأ وأتوفى قال إبراهيم(ص)فإن الله يجىء بالشمس من المنير فهاتها من المظلم فتحير الذى كذب والله لا يثيب القوم الكافرين ،يخبر الله رسوله(ص)بقصة الذى حاج إبراهيم(ص) فى ربه والمراد الذى جادله فى وجود الله لما أتاه أى أعطاه الملك وهو حكم البلاد والمقصود هنا بالملك المحاجج حيث قال له إبراهيم(ص):ربى الذى يحيى ويميت والمراد إلهى هو الذى يخلق الفرد من العدم ويتوفى الفرد الوفاة العادية وغير العادية فرد الملك:وأنا أحيى وأميت والمراد وأنا مثل ربك أنشأ وأقتل ويقصد الملك هنا أنه بعفوه عن القاتل أو السجين يحييه وبضربه للفرد يذبحه وهو معنى بعيد عما قصده إبراهيم(ص)ولما عرف إبراهيم(ص)أن الملك يتهرب من المعنى الذى يقصده قال له ما لا يستطيع التهرب منه وهو:فإن ربى يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب والمراد إن إلهى يحضر الشمس من جهة الشرق فهاتها أنت من جهة الغرب وعند هذا بهت الذى كفر أى تحير الذى كذب بحكم الله ولم يستطع الرد ،ويبين الله له أنه لايهدى القوم الظالمين أى لا يثيب القوم الكافرين والمراد لا يدخلهم الجنة ،والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شىء قدير"معنى الآية أو كالذى فات على بلدة وهى خالية على مساكنها قال كيف يبعث الله هذه بعد وفاتها فتوفاه الله مائة عام ثم أحياه قال كم نمت ؟قال نمت يوما أو بعض يوم قال بل نمت مائة سنة فشاهد أكلك وسائلك لم يتغير وشاهد حمارك ولنجعلك معجزة للخلق وشاهد العظام كيف نركبها ثم نغطيها لحما فلما اتضح له قال أعرف أن الله لكل أمر فاعل ،يبين الله لرسوله(ص) أن عليه أن يأخذ الدرس أيضا من قصة الرجل الذى مر أى فات على قرية وهى بلدة خاوية على عروشها والمراد خالية إلا من مساكنها فقال:أنى يحى أى يعيد الله هذه بعد موتها أى وفاتها فكان عقابه على الشك فى قدرة الله على البعث هو أن أماته أى توفاه الله لمدة مائة عام أى سنة ثم بعثه أى أعاده الله للحياة فقال الله له على لسان الملك:كم لبثت أى نمت؟فرد قائلا:لبثت أى نمت يوما أو جزء من اليوم فقال له:لبثت أى نمت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه والمراد شاهد أكلك وماءك لم يتغير وهذا ليعرف قدرة الله على إبقاء المخلوق أى مدة كانت دون تغيير وقال الملاك له:وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس والمراد وشاهد حمارك لتعرف قدرتى على اهلاك الخلق ولنجعلك علامة للخلق والمراد معجزة ليعرفوا قدرة الله وقال الملاك:وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما أى وشاهد عظام الحمار كيف نركبها ثم نغطيها لحما والغرض من القول هو تعريفه بقدرة الله على إحياء الموتى وعند هذا تبين أى ظهرت له الحقيقة فقال :أعلم أى أعرف أن الله على كل شىء قدير والمراد أن الله لكل ما يريده فاعل .

"وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن  يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم"معنى الآية وحين قال إبراهيم(ص)إلهى عرفنى كيف تبعث المتوفين قال هل لم تصدق؟ قال بلى ولكن لتسكن نفسى قال فأمسك أربعة من الطيور فاعرفهن بنفسك ثم ضع على كل مرتفع منهن بعضا ثم ناديهن يجيئنك مشيا واعرف أن الله قوى فاصل،يبين الله لرسوله(ص)أن عليه أن يأخذ العبرة من قصة إبراهيم(ص) حين قال لله :رب أرنى كيف تحى الموتى ؟والمراد إلهى عرفنى كيف تبعث المتوفين؟  فهو يريد أن يشاهد عملية الإحياء فسأله الله أو لم تؤمن ؟أى هل لم تصدق بقدرتى على الإحياء؟والغرض من السؤال هو سؤاله عن سبب طلبه فقال:بلى أى صدقت بقدرتك ولكن ليطمئن قلبى أى لتسكن نفسى وهذا يعنى أن سبب الطلب هو إرادته أن تسكن هواجس وشكوك نفسه للأبد فقال الله له:خذ أى أمسك أربعة من الطير فصرهن إليك والمراد فاذبحهن بعد أن تعرفهم معرفة جيدة بنفسك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا والمراد فاذبحهن ثم ضع على كل مرتفع حولك منهن بعضا ثم ادعهن أى نادى عليهن تعالين لى يأتينك سعيا أى يحضرن لك مشيا وهم أحياء واعلم أن الله عزيز حكيم والمراد واعرف أن الله ناصر من ينصره قاضى يحكم بالعدل،والخطاب للنبى(ص).

"مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"المعنى شبه الذين يصرفون أملاكهم فى نصر الله كشبه بذرة أخرجت سبع ثمرات فى كل ثمرة مائة بذرة والله يزيد لمن يريد والله غنى خبير ،يبين الله لنا أن الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله وهم الذين يتنازلون عن أملاكهم من أجل نصر دين الله ثواب عملهم كمثل أى شبه حبة أنبتت أى أخرجت سبع سنابل فى كل سنبلة وهى غلاف الحبوب الجامع لها مائة حبة وهذا يعنى أن ثواب الإنفاق هو سبعمائة حسنة والله يضاعف لمن يشاء والمراد أن الله يزيد الثواب إلى الضعف وهو ألف وأربعمائة حسنة لمن يريد والله واسع أى غنى يعطى من غناه الجميع عليم أى خبير بكل شىء فى الكون ،والخطاب وما بعده للنبى(ص ).

"الذين ينفقون أموالهم فى  سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم  يحزنون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "لمثوبة من الله خير"وقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "فالمثوبة هى الأجر هى دار السلام هى الجنة وقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء ولا هم  يحزنون"فالخوف هو السوء والمعنى الذين يعطون أملاكهم طاعة لدين الله ثم لا يلون ما أعطوا  فخرا ولا ضررا لهم  ثوابهم لدى إلههم ولا عذاب لهم أى ليسوا يعاقبون ،يبين الله لنا أن الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله والمراد الذين يعطون من أملاكهم حبا لحكم الله ثم لا يفعلون التالى :

المن وهو الإفتخار بالكلام على من أعطوه المال ،الأذى وهو إلحاق الضرر الجسمى بمن أعطوه المال لهم أجرهم أى ثوابهم وهو الجنة عند أى لدى ربهم  ولا خوف عليهم والمراد لا عقاب عليهم وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون وهذا يعنى أنهم لا يدخلون النار.

"قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم"معنى الآية كلام سديد وعفو أفضل من نفقة يليها ضرر والله واسع رحيم ،يبين الله لنا أن القول المعروف وهو الكلام الحسن السديد والمغفرة وهى العفو عن المخطىء خير من صدقة يتبعها أذى والمراد أفضل من مال يعطى للأخر يلى الإعطاء ضرر بدنى أو كلامى فالأولى حسنة والأخيرة سيئة والله غنى أى واسع الملك يعطيه كيف ما شاء لمن يريد أى رحيم أى نافع لمن يطيعه.

"يا أيها الذين أمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الأخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شىء مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"والله لا يهدى القوم الظالمين "وقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب القوم الكافرين"وقوله بسورة العنكبوت"اعبدوا الله وارجوا اليوم الأخر"وقوله بسورة الأنبياء"لا يستطيعون نصر أنفسهم "فيؤمن تعنى اعبدوا الله وتعنى ارجوا اليوم الأخر كما بسورة العنكبوت وعدم القدرة على شىء من الكسب هو عدم نصر النفس كما بسورة الأنبياء ويهدى تعنى يحب كما بسورة آل عمران والكافرين تعنى الظالمين كما بسورة البقرة ومعنى الآية يا أيها الذين صدقوا بوحى الله لا تحبطوا نفقاتكم بالفخر والضرر كالذى يصرف ملكه ارضاء للخلق فشبهه كشبه حجر عليه تراب فمسه مطر فجعله صخرا لا يستطيعون رد عقاب الذى صنعوا والله لا يثيب القوم الكاذبين ،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله ألا يبطلوا صدقاتهم بالمن والأذى والمراد ألا يحبطوا عطاياهم بالفخر على الأخذين وإلحاق الضرر بالأخذين وهذا يعنى أن ثواب العطايا يزول بسبب المن والأذى ومثل أى شبه و هذا يعنى أن الله شبه هذا المبطل لثوابه بالذى ينفق ماله رئاء الناس والمراد بالذى يصرف من ملكه إرضاء للخلق وليس إرضاء لله وهو لا يؤمن أى لا يصدق بالله أى بحكم الله واليوم الأخر أى يوم القيامة  ومثل أى شبه المنفق ماله رئاء الناس كمثل أى كشبه صفوان عليه تراب والمراد كحجر عليه غبار يغطيه فأصابه وابل والمراد فنزل عليه مطر فتركه صلدا أى فجعله صخرا على طبيعته وهى كونه جامد قاسى وأصل التشبيه هو المتصدق هو الحجر وانفاقه هو التراب الذى يغطى حقيقته وأما الوابل فهو الوحى الذى أظهر حقيقة المتصدق وهى كونه قاسى القلب ،ويبين الله لنا أنه لا يهدى القوم الظالمين والمراد لا يرحم القوم الكافرين بحكم الله ،والخطاب وما بعده للمؤمنين .

"ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير" يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة النور"والله عليم بما يفعلون"فبصير تعنى عليم ويعملون أى تفعلون ومعنى الآية وشبه الذين يصرفون أملاكهم طلبا لثواب الله وترسيخا لأنفسهم كشبه حديقة بمرتفع مسها مطر غزير فأثمرت ثمرها مرتين فإن لم يمسها مطر غزير فمطر قليل والله بما تفعلون خبير ،يبين الله للمؤمنين أن الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله والمراد أن الذين يعطون أملاكهم طاعة لحكم الله ابتغاء مرضات الله والمراد طلبا لثواب الله وهو رحمته وتثبيتا من أنفسهم والمعنى وترسيخا للإيمان فى أنفسهم مثلهم كمثل أى شبههم كشبه جنة بربوة أصابها وابل والمراد كشبه حديقة على مرتفع أى تل أو جبل نزل عليها مطر غزير فأتت أكلها ضعفين أى النتيجة فأثمرت ثمرها العادى مرتين فإن لم يصبها وابل والمراد فإن لم ينزل عليها مطر غزير فطل وهو المطر القليل فتثمر ثمرها العادى وهذا يعنى أن الصدقة إما يكون ثواب صاحبها قدر الثواب العادى مرتين أى 1400حسنة مثل الجنة التى أتت أكلها مرتين أو ثواب عادى وهو 700حسنة مثل الجنة التى أتت أكلها العادى ،ويبين الله لنا أنه بما نعمل بصير والمراد أنه بما نفعل خبير ومن ثم يجب علينا الحذر من مخالفة حكم الله حتى لا يعاقبنا لأنه يعلم مخالفتنا .

"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" يفسر الآية قوله تعالى بسورة إبراهيم"تؤتى أكلها كل حين "وقوله بسورة البقرة "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون"و"وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون  "فله فيها من كل الثمرات تعنى أنها تؤتى أكلها كل حين كما بسورة إبراهيم وآيات الله هى حدود الله كما بسورة البقرة وتتفكرون تعنى تعقلون كما بسورة البقرة ومعنى الآية أيحب أحدكم أن تصبح ملكه حديقة من نخل وعنب تسير فيها المجارى له فيها من كل المنافع وبلغه العجز وله أولاد واهنين فمسها مطر فيه برق فهلكت كذلك يوضح الله لكم الأحكام لعلكم تفهمون،يسأل الله المؤمنين أيود أى أيحب أحدكم أن تكون له جنة أى حديقة من النخل والعنب تجرى من تحتها الأنهار والمراد تسير فى أرضها مجارى الماء وسميت من تحتها لأن المجارى أسفل الأرض  وهذه الجنة تعطيه كل الثمرات أى المنافع وبعد ذلك أصابه الكبر أى بلغه سن الشيخوخة وله ذرية ضعاف أى أولاد صغار ثم حدث أن أصاب أى نزل على الحديقة إعصار فيه نار والمراد مطر فيه برق فاحترقت أى فهلكت الحديقة فلم يعد لديه شىء يحميه من ذل الحاجة هو وأولاده والغرض من السؤال هو تحذير المؤمنين من عدم العمل للمستقبل فهذا الرجل لم يعمل لمستقبله ومستقبل أولاده وهذا يعنى أنه يطالبهم أن يقدموا الخير لنفسهم ولأولادهم فى الأخرة حتى لا يذلوا ولا يهانوا ،ويبين الله لنا أنه كذلك أى بذكر حكم الله يبين أى يوضح الآيات وهى أحكام الوحى والسبب لعلهم يتفكرون أى يفهمون فيطيعون حكم الله.

"يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد"معنى الآية يا أيها الذين صدقوا وحى الله أعطوا من منافع ما عملتم ومن الذى أنبتنا من التربة ولا تقصدوا الضار منه تعطون المحتاجين ولستم بمستلمين له إلا أن تترخصوا فيه واعرفوا أن الله واسع شاكر،يطالب الله الذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله أن ينفقوا أى يعطوا المحتاجين من طيبات ما كسبوا  أى من حلائل الذى صنعوا ومما أخرجنا لكم من الأرض أى ومن الذى أنبتنا لكم من الأرض وهذا يعنى أن يخرجوا الزكاة من الكسب وهو الصناعة والتجارة ومن خراج أى نبات الأرض ويطلب منهم ألا يتيمموا الخبيث منه ينفقون أى ألا يقصدوا الفاسد من المصنوعات والنباتات فمنه يعطون المستحقين للزكاة ،ويبين لهم أنهم ليسوا بآخذى الزكاة من الخبيث إلا أن يغمضوا فيه والمراد أنهم لو كانوا هم مستحقى الزكاة فلن يستلموها إلا أن يترخصوا فى أخذها بمعنى أنهم سيغضون الطرف عن خباثة الشىء المعطى لهم لحاجتهم إليه ويطلب منهم أن يعلموا أن الله غنى حميد والمراد أن يعرفوا أن الله واسع الملك يعطيه كيف يريد وهو شاكر لمن يطيعه حيث يدخله الجنة ،والخطاب للمؤمنين وما بعده  .

"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "يفسر قوله "الشيطان يعدكم الفقر" قوله تعالى بسورة النساء "وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"فالفقر هو الغرور وقوله "والله يعدكم مغفرة منه وفضلا "يفسر قوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"والمغفرة أى الفضل هو الجنات كما بسورة التوبة ومعنى الآية الشهوة تمنيكم بالذل وتطالبكم بالمنكر والله يمنيكم رحمة منه أى جنة والله غنى خبير ،يبين الله لنا أن الشيطان وهو شهوات النفس تعدنا بالفقر والمراد تمنينا بالذل حقا وفى النفس بالسعادة كذبا وتأمرنا بالفحشاء والمراد تطالبنا بعمل السوء وهو المنكر والله يعدنا بالمغفرة أى الفضل والمراد يمنينا بالرحمة وهى الجنة وهو الواسع أى الغنى صاحب الملك العليم وهو الخبير بكل أمر فى الكون .

"يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب"يفسر قوله "يؤتى الحكمة من يشاء" قوله تعالى بسورة المائدة "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" ففضل الله هو الحكمة وقوله "وما يذكر إلا أولوا الألباب "يفسره قوله بسورة الأعلى "سيذكر من يخشى"وأولوا الألباب هم من يخشون الله كما بسورة الأعلى ومعنى الآية يعطى الوحى من يريد ومن يعطى الوحى فقد أعطى نفعا عظيما وما يفهم إلا أولوا العقول ،يبين الله لنا أنه يؤتى الحكمة من يشاء والمراد يعطى الوحى لمن يختار من الناس ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خير كثيرا والمراد ومن ينزل عليه الوحى فقد أعطى نفعا دائما فى الدنيا والأخرة ،ويبين لنا أنه لا يتذكر إلا أولو الألباب والمراد لا يفهم ذلك ويطيع الوحى إلا أهل العقول وهذه الآية رد على الذين كانوا يريدون تنزيل الوحى على من يختاروه هم من الناس ،والخطاب هنا للناس.

"وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار"يفسره قوله تعالى بسورة المزمل"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله"وقوله بسورة الطلاق"وإن الله قد أحاط بكل شىء علما "وقوله بسورة الشورى"والظالمون ما لهم من ولى"فالإنفاق أى النذر هو تقديم الخير للنفس كما بسورة المزمل وعلم الله به هو إحاطته بكل شىء كما بسورة الطلاق والأنصار هم الأولياء كما بسورة الشورى ومعنى الآية وما عملتم من عمل أى فعلتم من فعل فإن الله يعرفه وما للكافرين من أولياء،يبين الله للناس أنهم ما أنفقوا من نفقة أى ما نذروا من نذر والمراد ما عملوا من عمل إلا يعلمه الله أى يعرفه الله ،ويبين الله لنا أن الظالمين وهم الكافرين ليس لهم أنصار أى أولياء ينقذونهم من عذاب الله ،والخطاب هنا للمؤمنين وما بعده.

"إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير"يفسر قوله "ويكفر عنكم من سيئاتكم " قوله تعالى بسورة الأحقاف"ونتجاوز عن سيئاتهم"وقوله بسورة الشورى"ويعفوا عن السيئات"فالتكفير هو التجاوز هو العفو وقوله"والله بما تعملون خبير "يفسره قوله بسورة النور"والله عليم بما يفعلون"فتعملون تعنى يفعلون وخبير تعنى عليم ومعنى الآية إن تظهروا النفقات فحسنة هى وإن تكتموها وتعطوها المحتاجين فهو أفضل لكم ويغفر لكم من ذنوبكم والله بالذى تصنعون عليم ،يبين الله للمؤمنين أن إبداء الصدقات وهى إعطاء النفقات للمحتاجين فى الظاهر والعلن هو نعم أى أمر حسن والمراد عمل صالح وإن اخفاء الصدقات والمراد إعطاء الفقراء المال فى السر هو أفضل للمنفقين وهذا يعنى أن ثواب النفقة السرية أكثر من ثواب النفقة العلنية وكلاهما يعنى أن الله يكفر عن المنفقين سيئاتهم والمراد أن الله يمحو ذنوب المنفقين بهذا العمل الصالح ،ويبين الله لنا أن الله بما نعمله خبير والمراد أن الله بالذى نفعله عليم ومن ثم عليهم أن يحذروا عذابه بعمل الصالحات وحدها ،والخطاب للمؤمنين.

"ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" يفسره قوله تعالى بسورة البقرة"ابتغاء مرضات الله"وقوله بسورة المزمل"وما تقدموا لأنفسكم من خير "وقوله بسورة النساء"بل الله يزكى من يشاء"وقوله بسورة القصص"إنك لا تهدى من أحببت"وقوله بسورة هود"وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص"فوجه الله هو مرضات الله كما بسورة البقرة وتنفقوا للنفس هو تقدموا للنفس كما بسورة المزمل ويهدى تعنى يزكى كما بسورة النساء وتوفية الخير هو توفية النصيب غير منقوص ومعنى الآية ليس عليك انقاذهم ولكن الله يرحم من يريد وما تعملوا من صالح فلمصلحتكم أى ما تعملون إلا طلبا لرحمة الله وما تعملوا من صالح يصل ثوابه لكم  وأنتم لا تنقصون حقا،يبين الله لرسوله(ص)أن ليس من واجبه أن يهدى الكفار والمراد ليس من المفروض عليه أن ينقذ الكفار من النار بتكرار الدعوة لهم والإلحاح على هذا لأنهم لا يريدون أن يهتدوا مهما فعل والله يهدى من يشاء والمراد و الله يزكى أى يرحم من يريد وهم الذين أمنوا،ويبين للمؤمنين أن ما ينفقوا من خير فلأنفسهم والمراد أن ما يعملوا من حسنات هو لمصلحة أنفسهم  دنيويا وأخرويا وفسر هذا بأنهم ما ينفقون إلا إبتغاء وجه الله والمراد ما يعملون من الخير إلا طلبا لرحمة الله فى الدنيا والأخرة ويبين لهم أن ما ينفقوا من خير يوف إليهم والمراد ما يعملون من عمل صالح يعطى لهم ثوابه وهم لا يظلمون أى لا ينقص من حقهم أى شىء مهما كان صغيرا ،والكلام هو جزء من قولين تم حذف بقية أولهما فهو يخاطب النبى(ص) ومعنى المحذوف لا تجهد نفسك فى دعوة الكفار لهدايتهم والثانى يخاطب المؤمنين  .

"للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة البقرة"وما تفعلوا من خير يعلمه الله"وقوله بسورة النمل"إنه خبير بما تعملون"فتنفقوا تعنى تفعلوا كما بسورة البقرة وعليم تعنى خبير كما بسورة النمل ومعنى الآية للعجزة الذين أصيبوا فى نصر دين الله لا يقدرون سعيا فى البلاد نفقة يظنهم الكافر غير محتاجين من التمنع تعلمهم  بصفاتهم لا يطالبون الخلق تكرارا وما تعملوا من نفع فإن الله به خبير ، يبين الله لنا أن الفقراء وهم العجزة الذين احصروا فى سبيل الله والمراد الذين أصيبوا بجراحات فى نصر دين الله لا يستطيعون الضرب فى الأرض  أى لا يقدرون على السعى وراء الرزق فى البلاد لهم نفقة واجبة تحميهم من أذى الحياة والفقراء يحسبهم الجاهل والمراد يظنهم الكافر أغنياء من التعفف أى غير محتاجين من تمنعهم عن أخذ الصدقة من الأغنياء ،وسمات الفقراء وهى صفاتهم التى يعرفون بها هى أنهم لا يسألون الناس إلحافا والمراد لا يطالبون الناس بالمال مرارا وهذا يعنى أنهم يطلبون الصدقة بالحسنى مرة فإن أعطوا أخذوا وإن لم يرد عليهم ساروا ولم يكرروا السؤال،ويبين الله للمؤمنين أن ما ينفقوا من خير والمراد ما يفعلوا من فعل صالح فإن الله به عليم أى خبير يسجله ويثيب عليه ،والقول فى معظمه يخاطب النبى(ص)حتى وما تنفقوا وهو جزء من كلام حذف أوله ومعنى المحذوف نفقة كذا والجزء الثانى يخاطب المؤمنين والمحذوف منه معناه انفقوا فى الخير    .

"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم  يحزنون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم"وقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون"وقوله بسورة الحجر"لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين"فالأجر هو دار السلام عند الرب كما بسورة الأنعام والخوف هو السوء كما بسورة الزمر هو النصب كما بسورة الحجر ومعنى الآية الذين يصرفون أملاكهم فى الليل والنهار خفية وظهورا فلهم الجنة لدى إلههم أى لا عقاب عليهم أى ليسوا يعذبون،يبين الله لنا أن المنفقين ينفقون أموالهم والمراد يعطون أملاكهم للمستحقين فى وقتين:الأول الليل والثانى النهار وهم يعطونها بطريقين :الأولى فى السر وهو الخفاء والثانية فى العلانية وهى الظهور وهؤلاء المنفقين لهم أجرهم عند ربهم وهو الجنة ولا خوف عليهم والمراد لا عقاب لهم فى الأخرة وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعاقبون والمراد لا يدخلون النار ،والخطاب هنا للنبى(ص) والظاهر والله أعلم أنه رد على سؤال معناه كيف ينفق المنفقون أموالهم ؟ وما ثوابهم؟.

"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة المائدة"أولئك أصحاب الجحيم"فالنار هى الجحيم ومعنى الآية الذين يأخذون الزيادة لا يتصرفون إلا كما يتصرف الذى توجهه الشهوة بالوسوسة ذلك بأنهم قالوا إنما التجارة شبه الزيادة وأباح الله التجارة وأبطل الزيادة فمن بلغه حكم من إلهه فامتنع عنه فله الذى مضى ومن رجع للربا فأولئك أهل الجحيم هم فيها باقون،يبين الله لنا أن الذين يأكلون الربا وهم الذين يأخذون الزيادة على الدين جبرا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس والمراد لا يفعلون إلا كما يفعل الذى توجهه الشهوة وهى هوى النفس بالوسوسة والسبب أنهم قالوا :إنما البيع وهو التجارة مثل الربا وهو أخذ الزيادة على الدين جبرا لحاجة المدين فهم يحلون الربا باعتباره كالتجارة ونسوا أن التجارة تتم عن طريق التراضى بينما الربا يتم عن طريق الجبر الذى يرضاه المستدين غصبا عنه لحاجته وبين الله لنا أنه أحل البيع والمراد أباح التجارة وحرم الربا أى وأبطل الزيادة على الدين ،ويبين الله للناس أن من جاءه موعظة من ربه والمراد من أتاه حكم الله فى الربا من إلهه فانتهى أى فامتنع عن أخذ الزيادة على الدين فله ما سلف والمراد فملكه الذى مضى من المال الذى أخذه قبل تحريم الربا وأمره إلى الله والمراد وحسابه على الله وهو غفرانه لما كان قبل التحريم  وأما من عاد أى رجع للتعامل بالربا مع الناس فهو من أصحاب النار أى أهل الجحيم هم فيها خالدون أى باقون لا يموتون ولا يخرجون منها للجنة،والخطاب حتى وحرم الربا للمؤمنين وأما بقية القول فخطاب للمرابين هو وما بعده  .                                        

"يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم "يفسره الآية قوله تعالى بسورة التوبة"ويأخذ الصدقات"وقوله بسورة البقرة"إن الله لا يحب المعتدين"فيربى تعنى يأخذ أى يتقبل كما بسورة التوبة وكل كفار أثيم هو المعتدى كما بسورة البقرة والمعنى يمحو الله الزيادة فى الدين ويقبل النفقات والله لا يثيب كل كذاب مجرم ،يبين الله لنا أنه يمحق الربا والمراد يحرم الزيادة على الدين ومن ثم فهو لا يقبلها وأما الصدقات وهى النفقات أى الزكاة فيربيها والمراد يبيحها ومن ثم فهو يقبلها ،وهو لا يحب كل كفار أثيم والمراد لا يرحم كل مكذب بدينه يفعل الذنب ومن ثم فهو يعذبه فى النار.

"إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم  يحزنون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "فإقامة الصلاة هى إقامة الدين وقوله بسورة الأنعام
"لهم دار السلام عند ربهم "فالأجر عند الرب هو دار السلام ،وقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء ولا هم  يحزنون"فالخوف والحزن هو السوء والمعنى إن الذين صدقوا بوحى الله وفعلوا الحسنات أى أطاعوا الدين أى اتبعوا الطهارة لهم ثوابهم لدى إلههم أى لا عقاب لهم أى ليسوا يعذبون ،يبين الله لنا أن الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بحكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات وفسرهم الله بأنهم الذين أقاموا الصلاة أى أطاعوا دين الله وهو حكمه وفسرهم بأنهم الذين أتوا الزكاة والمراد الذين اتبعوا الطهارة أى أطاعوا حكم الله الذى يطهرهم من الذنوب لهم أجرهم عند ربهم والمراد لهم ثوابهم لدى الله وهو الجنة وفسر هذا بأن لا خوف عليهم أى لا عذاب واقع عليهم وفسره بأنهم لا يحزنون أى ليسوا يعاقبون والمراد لا يدخلون النار المسببة للحزن وهو الألم ،والخطاب للنبى(ص) والآية وضعت قصرا فى آيات الربا فليس هذا موضعها.

"يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله"وقوله بسورة البقرة"إن كنتم صادقين"فاتقوا تعنى أطيعوا كما بسورة النساء ومؤمنين تعنى صادقين كما بسورة البقرة والمعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله فاتركوا الذى تأخر من الزيادة على الدين إن كنتم صادقين فى إيمانكم فإن لم تتركوا فاعلموا بقتال من الله ونبيه(ص)وإن رجعتم للحق فلكم أصول أموالكم لا تنقصون ولا تنقصون ،يطلب الله من الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله أن يتقوه أى يطيعوا حكمه فيفعلوا التالى يذروا ما بقى من الربا والمراد يتركوا للمدينين الذى تأخر دفعه من الزيادة على الدين إن كانوا مؤمنين أى صادقين فى زعمهم أنهم مصدقين بحكم الله ،ويبين لهم أنهم إن لم يفعلوا أى يتركوا تلك الزيادة المتأخرة عليهم أن يأذنوا بحرب من الله ورسوله(ص)والمراد أن يعلموا بقتال من المطيعين لله ونبيه(ص)يأتيهم فى أسرع وقت ممكن وهذا يعنى أن عقاب المرابى هو القتل ،ويبين لهم أنهم إن تابوا أى رجعوا عن أخذ الزيادة على الدين فلهم رءوس أموالهم والمراد لهم أصول أموالهم وهى نقودهم التى دفعوها للمدينين لا يظلمون أى لا ينقص من مالهم شيئا ولا يظلمون أى لا يزاد على المدينين شىء ليس عليهم حقا ،والخطاب للمؤمنين هو وما بعده وما بعده.

"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون"المعنى وإن كان صاحب ضيق فانتظار إلى وقت غنى وأن تعفوا أفضل لكم إن كنتم تعرفون الحق،يبين الله لنا أن المدين إذا كان ذو عسرة أى صاحب ضيق فى الرزق عند موعد السداد فالواجب نظرة إلى ميسرة والمراد انتظار أى مهلة إلى وقت غنى وهذا يعنى إعطاء المدين موعد أخر لسداد الدين يكون فيه صاحب مال حتى يسدد الدين ،ويبين لنا أننا إن نتصدق أى نعفوا أى نترك الدين للمدين دون أن نطالبه به مستقبلا خير أى أحسن ثوابا لنا إن كنا نعلم أى نعرف الحق .

"واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة لقمان"واخشوا يوما " فاتقوا تعنى اخشوا وقوله بسورة النحل "وتوفى كل نفس ما عملت"وقوله بسورة إبراهيم "ليجزى الله كل نفس بما كسبت"فتوفى تعنى تجزى كما بسورة ابراهيم وكسبت تعنى عملت كما بسورة لقمان والمعنى وخافوا عذاب يوما تعودون فيه إلى جزاء الله ثم يجزى كل فرد بما عمل فى الدنيا وهم لا ينقصون حقا،يطلب الله من المؤمنين أن يخشوا يوما يرجعون فيه إلى الله والمراد أن يخشوا عذاب يوم القيامة الذى يعودون فيه إلى جزاء الله حيث توفى كل نفس ما كسبت والمراد حيث تجازى كل نفس بالذى عملت فى الدنيا فمن عمل خيرا أعطى خيرا ومن عمل شرا أعطى شرا وهم لا يظلمون أى لا ينقصون من حقهم شيئا .

 "يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم"معنى الآية يا أيها الذين صدقوا حكم الله إذا استلفتم مالا إلى موعد محدد فسجلوه فى الصحف وليسجل بينكم مدون بالقسط ولا يرجع مدون أن يدون كما عرفه الله فليدون وليقل الذى عليه الدين وليخف عذاب الله إلهه ولا ينقص منه بعضا فإن كان الذى عليه الدين مجنونا أو صغير السن أو لا يقدر أن يتكلم هو فليقل وكيله بالقسط واستحضروا حاضرين لكتابة الدين من ذكوركم فإن لم يوجد ذكرين فذكر وأنثيان ممن تقبلون شهادتهم أن تنسى إحداهما فتفكر إحداهما الثانية ولا يتراجع الحاضرين إذا ما طلبوا للشهادة ولا تملوا أن تدونوه قليلا أو كثيرا إلى موعده ذلكم أعدل لدى الله وأفضل للعلم وأحسن ألا تشكوا إلا أن يكون بيع موجود تبادلونه بينكم فليس عليكم ذنب ألا تدونوه واعلموا إذا تاجرتم ولا يؤذى مدون ولا حاضر للشهادة وإن تؤذوا فإنه كفر منكم وأطيعوا الله ويعرفكم الله أحكامه والله بكل أمر خبير ، قوله"يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"يعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله إذا استلفتم مالا إلى موعد محدد فقيدوه فى الصحف،يطلب الله من المؤمنين إذا تداينوا بدين أى استلف أحدهم من الأخر مالا إلى وقت محدد أن يكتبوه أى يدونوه فى صحيفة وهذا يعنى أن الدين لابد فيه من تحديد موعد للسداد كشرط أول وكتابته فى صحيفة كشرط ثانى،وقوله "وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله أن يكتب "يعنى وليقيد فى الصحيفة مسجل بالحق ولا يتراجع مسجل أن يقيد كما عرفه الله أن يسجل،يبين لنا الله ثالث شروط الدين وهو أن يكتب بينهم كاتب بالعدل والمراد أن يخط الدين فى الصحيفة المدون بالقسط وهو المبلغ المحدد وموعد سداده وعلى الكاتب وهو مدون العقد ألا يأب أن يكتب كما علمه الله والمراد ألا يرفض  المدون أن يسجل الحق كما عرفه الله كتابة الحقوق على أيدى المعلمين الذين تعلموه من الوحى ،وقوله "وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا"يعنى وليتكلم الذى عليه الدين وليخف الله إلهه ولا ينقص منه بعضا،يطالب الله المدين الذى عليه الحق وهو الدين أن يمل أى يتكلم بما عليه من الدين وموعد سداده وأن يتق الله ربه أى يخاف عذاب الله إلهه وهو يملى الكاتب فلا يبخس منه شيئا والمراد فلا ينقص من المبلغ بعضا لحرمة هذا،وقوله "فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل" يعنى فإن كان الذى عليه الدين  مجنونا أو صغير السن أو لا يقدر أن يتكلم فليتكلم وكيله بالحق،يبين الله لنا أن المدين إذا كان سفيها أى مجنونا أو ضعيفا أى صغير السن أو أبكم  لا يقدر على الحديث فالواجب أن يمل وليه بالعدل والمراد أن يتكلم وكيل المجنون والصغير السن والأبكم عنه مملي الكاتب بالحق ،وقوله"واستشهدوا شهيدين من رجالكم  فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "يعنى واستحضروا حاضرين من ذكوركم فإن لم يحضرا ذكران فذكر وأنثيان ممن تقبلون من الحاضرين أن تنسى إحداهما فتفكر إحداهما الثانية ،يطلب الله من المؤمنين كشرط رابع أن يستشهدوا شهيدين من رجالهم والمراد أن يحضرا رجلين عند كتابة الدين من الذكور فإن لم يتوافر ساعة الكتابة غير رجل فالواجب إستشهاد رجل وإمرأتان أى أنثيان ممن يرضون من الشهداء والمراد من الذين يقبل الدائن والمدين شهادتهم من الناس والسبب فى جعل امرأتين مكان رجل واحد فى الشهادة هو ضلال النساء أى نسيانهن الكثير فإذا نست واحدة منهما ذكرتها الأخرى وفكرتها بالأمر وهذا يعنى أن ذاكرة النساء ضعيفة عن ذاكرة الرجال ،وقوله "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا"يعنى ولا يرفض الحضور للكتابة إذا ما طلبوا للشهادة،يبين الله لنا أن الشهود وهم الحاضرين لكتابة الدين لا يأبوا أى لا يرفضوا الشهادة إذا ما دعوا لها أى ما طلبهم القضاة والمراد ليس من حقهم عدم الشهادة،وقوله"ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة أى أدنى  ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها"يعنى ولا تملوا أن تدونوه قليلا أو كثيرا إلى موعده ذلكم أعدل لدى الله أى أفضل للشهادة وأقرب ألا تشكوا إلا أن يكون بيع موجود تتبادلونه بينكم فليس عليكم عقاب ألا تدونوها ،يطلب الله من المؤمنين ألا يسأموا والمراد ألا يملوا من كتابة الدين صغيرا أو كبيرا أى ألا يملوا من تدوين الديون فى الصحف سواء قليلة أو كثيرة إلى الأجل وهو موعد السداد ،ويبين لهم مزايا الكتابة وهى أنها أقسط عند الله والمراد أعدل لدى الله وفسر هذا بأنه أقوم للشهادة أى أفضل فى إثبات الحقيقة وفسره بأنه أدنى ألا يرتابوا أى أقرب ألا يشكوا فى الحقيقة واستثنى من الكتابة التجارة الحاضرة وهى البيع الموجود المتبادل حيث يعطى البائع السلعة ويعطى المشترى الثمن على الفور ويبين لنا أن لا جناح أى لا عقاب فى عدم كتابة التجارة الحاضرة وهذا يعنى أن كل أمر مالى لا يوجد طرفه الثانى وقت العقد لابد من كتابته وقوله"وأشهدوا إذا تبايعتم "يعنى وأحضروا شهودا إذا تاجرتم ،يطلب الله منا الإشهاد وهو إحضار ناس عند تبادل السلع والثمن فى عملية البيع حتى لا يدعى على الأخر،وقوله "ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم"يعنى ولا يؤذى مدون ولا حاضر وإن تؤذوا فإنه كفر منكم،يبين الله لنا أن الواجب هو عدم إضرار الكاتب والشهيد والمراد عدم إيذاء المدون للدين والحاضر لكتابة الدين وبين لنا أن من يفعل ذلك أى من يؤذى الكاتب والشهيد فهو فسوق بهم أى كفر من المؤذين لهم ،وقوله "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم"يفسره قوله تعالى بسورة التغابن"وأطيعوا الله" وقوله بسورة سبأ"وهو على كل شىء شهيد"فاتقوا تعنى أطيعوا كما بسورة التغابن والعليم هو الشهيد كما بسورة سبأ والمعنى وأطيعوا حكم الله ويعرفكم الله حكمه والله بكل أمر خبير،يطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى يطيعوا حكمه ويبين لهم أنه يعلمهم أى يعرفهم أحكامه وأنه عليم أى شهيد على كل أمر يعملونه والخطاب وما بعده للمؤمنين

"وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم"معنى الآية وإن كنتم على ترحال ولم تلقوا مدونا فرهان مأخوذة فإن اطمأن بعضكم لبعض فليعط الذى اطمأن حاجته وليخف الله إلهه ولا تخفوا العلم  ومن يخفيه فإنه كافرة نفسه والله بما تفعلون خبير،يبين الله لنا أننا إن كنا على سفر والمراد إن كان المدين يريد الرحيل عن البلد ولم نجد كاتبا والمراد ولم نلق مدون ساعتها فالواجب هو إعطاء رهان مقبوضة أى شىء ثمين للدائن مقابل عدم الكتابة حتى يضمن حقه فإن أمن بعضكم بعضا والمراد فإن اطمأن الدائن للمدين والضد فليؤد الذى اؤتمن أمانته والمراد فليعطى كل واحد للأخر حاجته فالدائن يأخذ ماله والمدين يأخذ رهانه والواجب على كل منهما أن يتق ربه أى يخاف عذاب إلهه فيعطى ما عنده  لصاحبه ويطلب الله من المؤمنين ألا يكتموا الشهادة والمراد ألا يخفوا الحقيقة عن القضاء ويبين لهم أن من يكتمها يكون آثم القلب والمراد أن من يخفى الحقيقة يكون كافر النفس بحكم الله،ويبين لهم أنه بما يعملون عليم أى بما يفعلون خبير ومن ثم عليهم أن يحذروا من عذابه فلا يخالفوه .

"لله ما فى السموات وما فى الأرض وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ملك السموات والأرض"وقوله"إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله"وقوله بسورة الممتحنة"وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم"وقوله بسورة التوبة "ويتوب الله على من تاب"وقوله بسورة العنكبوت" يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فله ما فى السموات والأرض يعنى أنهما ملك له كما بسورة آل عمران وأنفسكم هى صدوركم كما بسورة آل عمران وتبدوا تعنى أعلنتم كما بسورة الممتحنة ويغفر  تعنى يرحم كما بسورة العنكبوت ويغفر تعنى يتوب كما بسورة التوبة  والقدير هو الفعال لما يريد كما بسورة البروج ومعنى الآية لله ملك الذى فى السموات من الخلق والذى فى الأرض من الخلق وإن تظهروا الذى فى صدوركم أو تكتموه يجازيكم به الله فيرحم من يريد ويعاقب من يريد والله  لكل أمر يريده فاعل،يبين الله لنا أن له أى ملكه كل المخلوقات فى السموات والأرض ،ويبين لنا أننا إن نبدى ما فى أنفسنا أو نخفيه يحاسبنا به والمراد أننا إن نظهر الذى فى قلوبنا أو نكتمه يجازينا عليه والمراد يغفر لمن يريد ويعذب من يشاء أى يرحم من يريد وهو المؤمن ويعاقب من يريد وهو الكافر وهو على كل شىء قدير والمراد أنه لكل أمر يريده فاعل لا يقدر أحد على منعه  والخطاب للناس وهناك جزء محذوف من القول معناه ويعذب من يشاء.

"آمن الرسول بما أنزل عليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"معنى الآية صدق النبى(ص)بما أوحى إليه من إلهه والمصدقون كل صدق بالله وملائكته وصحفه ومبعوثيه لا نميز بين أحد من مبعوثيه وقالوا علمنا ونفذنا رحمتك إلهنا وإلى جنتك العودة،يبين الله لنا أن الرسول وهو محمد(ص)والمؤمنون وهم المصدقون برسالته يؤمنون بالتالى :بما أنزل على الرسول من ربه والمراد بالذى أوحى للنبى من إلهه وهو القرآن وتفسيره والله والمراد أنه واحد يستحق الطاعة وحده والملائكة والكتب وهى الصحف المنزلة على الرسل(ص)والرسل وهم الأنبياء(ص)،ويبين المسلمون فى دعائهم أنهم لا يفرقون بين أحد من رسل الله والمراد لا يميزون بينهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض وإنما يؤمنون برسالة الجميع وهم يقولون:سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير أى علمنا أحكامك واتبعناها فرحمتك لنا وإلى جنتك العودة ،والخطاب يبدو موجها للناس هو وما بعده.

 "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"معنى الآية لا يفرض الله على فرد إلا قدرته له ثواب ما أحسن وعليه عقاب ما أساء إلهنا لا تعاقبنا إن ضللنا أى أذنبنا ولا تفرض علينا فرضا ثقيلا كما فرضته على الذين سبقونا أى لا تفرض علينا الذى لا قدرة لنا عليه واصفح عنا أى اعفوا عنا أى ترأف بنا أنت ناصرنا فأيدنا على القوم المكذبين بحكمك ،يبين الله لنا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على مخلوق حكما إلا قدرته أى الذى يقدر على فعله وهو الوحى القادرة النفس على تنفيذه ،ويبين لنا أن النفس لها ما كسبت أى لها ثواب ما عملت من عمل صالح مصداق لقوله تعالى بسورة فصلت"من عمل صالحا فلنفسه"وعليها ما اكتسبت أى وعليها عقاب الذى أساءت كما بقوله بسورة فصلت"ومن أساء فعليها" ،ويبين الله لنا أن المسلمين دعوه فقالوا :ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا والمراد إلهنا لا تعاقبنا إن ضللنا أى أجرمنا فتبنا فهم يطلبون من الله أن لا يعذبهم إن تابوا بعد أن أذنبوا ،وقالوا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا والمراد لا تفرض علينا حكما ثقيلا كما فرضته على الذين سبقونا فى الحياة وهذا معناه أنهم يطلبون من الله ألا يفرض عليهم أحكام ثقيلة لا يقدرون على تنفيذها كما فرض على بعض من سبقوهم فى الحياة وهم بنى إسرائيل،وقالوا مفسرين طلبهم:ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به والمراد ولا تفرض علينا الذى لا قدرة لنا على طاعته وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله ألا ينزل عليهم فى الوحى أحكام ليست فى مكنتهم ،وقالوا واعف عنا أى اغفر لنا أى ارحمنا فالعفو هو الغفران هو الرحمة والمعنى اصفح عن ذنوبنا أى كفر عنا سيئاتنا أى ترأف بنا ،وقالوا أنت مولانا أى ناصرنا فى الدنيا والأخرة فانصرنا على القوم الكافرين والمراد فأيدنا على الناس المكذبين بحكم الله ،وهم هنا يطلبون من الله أن يجعلهم يهزمون الكفار فى كل زمان ومكان ،والكلام هو قولين وصلا ببعض فأولهما حديث من الله عما يفعله فى شريعته حتى ما اكتسبت وثانيهما دعاء من المسلمين لله والمفروض أن يبدأ قال أو دعا المسلمون أو قالوا كما فى أدعية أخرى  .   

اجمالي القراءات 16250