صلاة الجمعة والمسئولية الفردية .

عثمان محمد علي في الجمعة ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

صدق الله العظيم . والمفهوم الأول لهذه الآيات الكريمات- أن على المسلمين السعى (أى الذهاب ) إلى أداء صلاة الجمعة مُجتمعين ، وترك العمل الدنيوى من (تجارة وغيرها) مؤقتاً إلى أن تنقضى الصلاة ،ثم يعودون بعدها  إلى تجارتهم وأعمالهم المُعتادة يبتغون فيها فضل من الله ونعمة .
وكذلك  أيضاً نلمح أن الخطاب موجه (للجمع  ) من المُسلمين (أى بصيغة الجمع ،وليس بالمُفرد ،ولابالمثنى ) .
 وهُنا نسأل أين حُكم (المُفرد) وما هو موقف (الفرد ، الواحد) منها إذا كان (وحيداً) فى مُجتمع ما، ولديه مُتسع  من الوقت والقدرة على أن يؤديها والمحافظة على إقامتها؟؟؟. ككثير  من المُسلمين المُهاجرين(الفُرادى) ، وكثير من المُسلمين المُضطهدين فى أوطانهم  كالقرآنين ؟ فهل يسقط آدائها وقيامها عنهم ، أم تظل صلاة مكتوبة عليهم ؟؟
وللإجابة على هذا التساؤل كان علينا دعوتكم جميعاً للعودة للقرآن الكريم ،لنتدبر آياته الكريمات المُتعلقة بالأحكام ،وبالمسئولية (عامة ،والفردية منها خاصة ) فى هذا الشأن  . ثم نتناقش فيما بعد  حولها لنصل إلى أقرب المفاهيم من مقاصد التشريع فى القرآن الكريم حول (صلاة الجمعة ) ..
 وها أنا  قد بدأت بنفسى ، وإليكم مُلخصاً سريعاً ومُختصراً عن الموضوع  مُنذ بداية الخلق ، لآن موضوعات القرآن الكريم متواصلة ومتشابكة ولا تستطيع أن تفصل جزء منها عن الآخر ، وإنما يتم فهمها فى إطار الفهم الكُلى لآياته الكريمات .
-1- علاقة الشيطان بالإنسان :
لا يُنكر أحد عداوة الشيطان للإنسان مُنذ أمره (الله) بالسجود لآدم  ،وعصيانه لربه  سبحانه ، ثم توعده بالوقوف لأدم وأبناءه بالمرصاد فى كل  طرقات الخير والصلاح . كما جاء فى قوله تعالى (ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين ).
ثم ما تلى ذلك  من هبوط آدم وزوجه من الجنة لتحقيق وعد الله لهم  بخلافة الأرض وإعمارها والإستقرار فيها إلى يوم القيامة ، كما قال ربنا سُبحانه. (-وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين). ومن هذا العداء الشيطانى للإنسان (وسوسته له بترك الصالحات من الأعمال ،وغروره له بمبررات لتركها ) ،و(بإتخاذه نصيباً منهم لإضطهاد نصيب آخر فى دينهم،و لإخراجهم من أرضهم أو القضاء عليهم نهائياً ) .ولم ينج من إعتداء ذلك النصيب الموال للشيطان ، الأنبياء ومن آمن معهم لله رب العالمين ، كما ورد فى قصص القرآن عن  (نوح ـولوط ،وموسى ،ومُحمد ، وآصحاب الأخدود ،وغيرهم وغيرهم ) عليهم جميعا  السلام.
إذا فماذا فعل أولئك المسلمون فى محنتهم تلك، وما كانت مواقفهم من الصلاة ؟؟
أخبرنا القرآن الكريم عن أمر الله جل جلاله لموسى عليه السلام (كمثال لهذه المحن فى قوله تعالى) (واوحينا الى موسى واخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة واقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ).إذا لم تسقط عنهم (فريضة الصلاة) بل إتخذوا من بيوتهم (قبلةً) سواء كانوا مقيمين بها فرادى أو جماعات .
-- ونعود للسؤال الأول مرة أخرى ،ولكن بطريقة أخرى وهى :
 هل ورود صيغة الجمع فى القرآن الكريم عن الفرائض  تُحتم وتستوجب فرضية  أدائها (جمعاً) أو (فى صورة مجموعات ) ويُسقطها عن الأفراد إن لم يتيسر لهم (وجودهم كجماعات )  أم لا؟؟
فلنذهب للقرآن الكريم .
من صيغ القرآن الكريم أنه يُورد آياته ( بإسلوب الجمع أحياناً  ) ويراد بها الجمع والمفرد معاً ، ،ويورد آياته (بالمفرد) ويراد بها المفرد والجمع معاً أيضاً   ، ثم يبدأ بالجمع وينتهى بالمفرد أو العكس فى آحايين آخرى   . فمثلاً فى قوله تعالى .
ففى هذه الآية جاء ألامر بصيغة (الجمع) مع أن التنفيذ لايمكن أن يكون إلا فرديا وخاصة فى (الإيمان بالغيب )،فلا يعلم السرائر وحالة الفرد فيها إلا الله سبحانه وتعالى ،وكذلك (فى حالات كثيرة من الإنفاق ) قد تكون سرية فردية وليست علنية أو (جماعية) ولا يعلمها إلا الله  .
- وفى قوله تعالى
نجد أن الأمر جاء (مُفردا) للرسول عليه الصلاة والسلام ،ولكنه يراد به المسلمين  جميعاً.
وفى قوله تعالى .
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
ففى هذه الآيات الكريمات نجد الخطاب القرآنى تنوع فى آوامره ما بين صيغة (الجمع ) ثم تحول إلى (صيغة المُفرد) ،ثم عادإلى ( صيغة الجمع )مرة آخرى . ومع ذلك ترى أن الفرض والتوجيه القرآنى في (الجمع ) لم يثتثنى (المفرد) ، والعكس بالعكس ،ولم يُسقط أحدهما تكليفه عن الآخر.
- إذا فلنقترب أكثر من موضوع الصلاة تحديداً ولنرى ..
لقد وردت صيغ الصلاة تحديداً تارة (بالجمع ) ،وتارة (بالمفرد) ،ولم تُسقط إحداهما التكليف عن الآخرى ،وذلك فى قوله تعالى .
وفى قوله تعالى .(واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين )
وفى قوله تعالى (قل امر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بداكم تعودون ) – فكما رأينا كانت تلك آوامر جماعية بإقامة الصلاة .
---أما هذه الآيات الكريمات نجد أن الأمر الإلهى جاء عن الصلاة (بصيغة المفرد )كما قال ربنا سبحانه  .
وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وقوله تعالى
وقوله سبحانه
وقول جل شأنه
كما يقول سبحانه عن وصية لُقمان لإبنه وهويعظه (بصيغة المفرد أيضاً)
ثم فى قول الله عن زكريا عليه السلام .
ثم فى تعليم الله للمسلمين فى جزء من تعاليم الصلاة .يقول سبحانه .
إذا كما لاحظنا فقد  وردت أوامر ربانية عن الصلاة فى القرآن الكريم ( بصيغة الجمع )،كما وردت( بصيغة المُفرد) ،ولم تُسقط إحداهما التكاليف  عن الآخرى .
 أو كما نريد أن نقول أن ( صيغة الجمع ) فى القرآن الكريم يُراد منها (المُفرد )  ، و (صيغة المفرد) موجهة للجمع أيضاً ولا تعارض بينهما  ، وأن الآوامر ا والآحكام القرآنية فى الصلاة واجبة النفاذ على المسلمين جميعاً سواء كانوا جماعات أو أفرادا.
--- هل هُناك أمثلة على عبادات أخرى تُعضد هذا المفهوم ؟؟؟
-نعم .
فمثلا نرى هذا فى تشريعات الصيام .فقد قال ربنا سبحانه وتعالى عن فريضة الصيام :
يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون .أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
فهاهو القرآن الكريم يتحدث عن الصيام بصيغة الجمع ،ثم يعود إلى تأكيده على أنه عبادة فردية ،ثم يختتم آياته  بصيغة الجمع مرة أخرى .
وكذلك عبادة الحج وفرائضه .يقول ربنا سبحانه .
- فنجد رب العزة قد بدأ ايضا بتأكيده على أنه عبادة فردية خالصة ،ثم إختتم الآية الكريمة بأوامر جمعية . وقد أريد منهما أوامره سبحانه للفرد والجماعة معاً بأداء فريضة  .
-إذا كانت مسئولية أداء الفرائض والعبادات (فردية) حتى لو جاءت بصيغة (جماعية، أو جمعية) ،فهل هُناك ما يفيد نفس المعنى فى الحساب عنها يوم القيامة (بصيغة وإسلوب ،وطريقة فردية ) ،مما يُعزز هذه الفكرة ، أم هُناك تناقض بين هذه وتلك ؟؟؟
فلنرى ماذا قال القرآن الكريم :
فى تدبرنا لآيات الحساب يوم القيامة فى القرآن الكريم وجدنا الآتى .يقول ربنا سبحانه وتعالى عن المسئولية الفردية الخالصة لكل نفس يوم القيامة .
وقوله تعالى .
وقوله سبحانه :
وقوله جل جلاله .
- وعن الجزاء الفردى يوم القيامة يقول ربنا سبحانه وتعالى .
وفى آية آخرى يقول سبحانه
ثم يقول عن الوفاة (بمعنى وفاء جزاء الأعمال ، أو الجزاء )
 ثم عن عدم إمتلاك نفس لنفس شيئأ يوم القيامة يقول سبحانه :
ثم عن الصلاة وحسابها الفردى ،وأن تركها قد يكون سبباً لدخول صاحبها النار يقول جل جلاله
من كُل ما سبق نستنج الآتى _
1-عداء الشيطان للإنسان ووقوفه له بالمرصاد وغوايته له بترك الصالحات المُتاحة له من الأعمال منذ آدم وإلى أن تقوم الساعة .
2--عداء الشيطان للإنسان بوسوسته له  وإتخاذه نصيباً مفروضا منه يستخدمه لإضطهاد الصالحين من إخوانهم فى الإنسانية  أو  قتلهم أو إخراجهم من بلادهم .
3- أن موقف الصالحين من تشريعات العبادات لا يرتبط بكونها جاءت فى القرآن الكريم بصيغ( المفرد أو الجمع) ، وأنها تتساوى فى الحالتين ، وعليهم الإمتثال لها، وإقامتها (ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلا)
4--أن (صلاة الجمعة ) لا تسقط عن الفرد (لكونه فردا وحيدا) فى منطقته فى مهجره أو بلده (المُضطهد فيها) ،إذا توفر له الوقت الكاف لأدائها وإقامتها .
5--أنه قد آن الآوان لترك الصراع القائم بيننا وبين  أنفسنا فى (هل نترك صلاة الجمعة لأننا أفراد فى مجتمعاتنا ؟ أم نذهب لأدائها مع الخائضين والمعاجزين فى آيات الله وقرآنه (،حتى لو بررنا لأنفسنا أننا نذهب  بعد إنتهاء _خطبة الجمعة – كما يفعل بعضنا )؟
6- أننا نستطيع أن نُصليها (فرادى ) فى بيوتنا إن لم يتوفر لنا حضور أفراد اسرتنا ، أو لم يوافقوا على الصلاة معنا .
7-يمكننا صلاتها  فى أماكن عملنا ( أثناء وقت  راحتنا فى العمل ) والذى  غالباً ما يكون بعد آذان الظهر للعاملين صباحاً.-
8- أنه يمكننا أن نصليها بقراءة من القرآن وتدبره (كخطبة للجمعة ) فى مدة لا تقل عن عشر دقائق ، ثم نقيم بعدها ركعتين صلاة الجمعة ) لمن يتوفر له (مصحفاً )، أو بقراءة لبعض ما يحفظه  منه  ، أو بقراءته من خلال (الإنترنت ) إن كان يعمل أمام أجهزة الكمبيوتر ، أو يحمل معه (تليفونا خلويا – محمولا) يستطيع من خلاله تصفح مواقع القرآن الكريم على  الإنترنت ، مما يُتيح لنا ايضا آخذ (وجبة خفيفة للعاملين )  بعدها كعادتهم فى تناول (غدائهم ) أو شرابهم أثناء راحتهم فى هذا الوقت من كل يوم  ،ومن ثم يعودون لأعمالهم دونما تقصير فى حق عملهم أو أرباب أعمالهم ،ودونما تقصير فى أداء فريضة الجمعة كذلك .
9- وأعتقد أنه بالنسبة لمن لديهم مزيد من الوقت و يستطيعون أداء صلاتهم فى منازلهم (فرادى) ،او فى مكاتبهم أن يجعلوا من (خطبة الجمعة ) درساً بحثياً عن موضوع (ما) سواء من خلال المصحف مباشرة ،أو بإستخدام الكمبيوتر والأقراص المدمجة (الإسطوانات ) ، أو الإنترنت  أو المعجم المفهرس ،ويستطيعون تدوين نتائج هذا البحث أثناء ( وقت خطبة الجمعة أيضا) ، وخاصة لمن يتدبرون القرآن. لأنه من وجهة نظرى أنه  قد بات عسيراً عليهم أن يقرأوا القرآن كغيرهم دون تدبر وتفكر فى آياته التى يقرآونها ،وإنما تتزاحم لديهم الأفكار والأسئلة والخواطر والإجابات عن موضوعات قرآنية شتى أثناء قراءتهم . ثم بعدما ينتهون من بحثهم (المؤقت ) هذا الذى يُمثل خطبة الجكعة لهم  يقيمون صلاة الجمعة  بعده مباشرة .
10-أعتقد ايضاً أن من يقوم بهذا فقد إكتسب (صلاة الجمعة ،وتدبر وبحث آيات من القرآن الكريم ) فى نفس الوقت  .. وأنه إبتعد عن صراعه النفسى الدائر بين تركها أم يذهب ليصليها مع (المُعاجزين والخائضين فى آيات الله ) من رواة الأحاديث وأقاصيص التراث ،وعبدة البشر والحجر من أئمة المنابر وشيوخ التطرف والإرهاب الفكرى المادى والمعنوى .
11-- ولا يفوتنا أن نُذكر بأن الأحكام والفرائض فى القرآن الكريم متساوية بين (الرجال والنساء) ولا فرق بينهما ، فما قلناه عن صلاة( الرجل ) (للجمعة ) ينطبق تماماً على (المرأة ).
12- كُل ما سبق هو إجتهاد عن صلاة الجمعة (للأفراد) إلى أن يصبح لهم مجتمعاً صغيرا(كأسرتهم الصغيرة ،) أو مساجد قريبة منهم (لا يُذكر فيها إلا إسم الله وحده سبحانه )
13- هذا والله أعلم – ونحن فى إنتظار (إجتهاداتكم ،وأراءكم وتصحيحاتكم لنا) حول هذا الموضوع .
-
اجمالي القراءات 30933