صوت البرلمان الجزائري بإجماع سياسي ونيابي غير مسبوق، اليوم الأربعاء، على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بين 14 يونيو 1830 وحتى الخامس يوليو 1962، في جلسة كانت استثنائية من حيث الأجواء، حيث وصف ذلك بأنه إنجاز تاريخي يحقق تطلعاً سياسياً وشعبياً ظل قائماً منذ عقود.
وقال رئيس اللجنة الرئاسية المشتركة لملف الذاكرة (جزائرية فرنسية) لحسن زغيدي، الذي سُمح له بالتدخل خلال جلسة التصويت "سنحاسب فرنسا على كل قطرة دم لجزائري سفكها الاستعمار"، مضيفاً "ننظر من البرلمانات المغاربية والأفريقية وفي الكاريبي، للقيام بمبادرة مماثلة لتلك التي قام بها البرلمان الجزائري لتجريم الاستعمار، لاستعادة حقوق الشعوب ومحاسبة القوى الاستعمارية عن جرائمها ومنع الإفلات من العقاب عن هذه الجرائم".
وخلال الجلسة، أنشد نواب البرلمان الجزائري مقطعاً بعينه في النشيد الوطني، الذي يقول "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إننا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب" وهو مقطع كان قد أثار في يونيو 2023 جدلاً في الوسط السياسي والإعلام الفرنسي، بعدما وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوماً رئاسياً، ثبت بموجبه هذا المقطع في النشيد الرسمي الجزائري، بعدما كان حذف في التسعينيات.
نواب جزائريون ينشدون "يا فرنسا قد مضى يوم الحساب"
وأكد وزير المجاهدين (قدماء ثورة التحرير) عبد المالك تاشريفت بعد التصويت، أن "واجب الضمير والعدالة وحق الشعوب، تقتضي أن تتحمل فرنسا مسؤوليتها على ما اقترفت من جرائم الإبادة، والعلاقات يجب أن تتأسس على الحقيقة لا على الإنكار".
بدوره، قال النائب البارز أحمد صادوق لـ"العربي الجديد" عقب جلسة التصويت إنه "بموجب هذا القانون تم تثبيت قاعدتين أساسيتين ستحددان العلاقات بين الجزائر وفرنسا في المستقبل، تم تثبيت قاعدة أن جرائم الاستعمار استحقاق غير قابل للتقادم، ولا يمكن لأي سلطة سياسية في الجزائر التنازل عن ذلك، وقاعدة ثانية تخص ثلاثية الاعتراف والاعتذار والتعويض، وهي أيضاً مسألة غير قابلة للتنازل أو المساومة تحت أي ظرف سياسي كان".
ويتضمن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر 26 مادة تتعلق بتجريم الاستعمار وجميع ممارساته ذات الصلة التي تتعلق، بتفكيك كيان المجتمع الجزائري سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ودينياً ويعتبرها "جريمة دولة مكتملة الأركان لا تسقط بالتقادم"، وتلزم الدولة الجزائرية "بالسعي للحصول على الاعتراف والاعتذار الرسميين من طرف الدولة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، والتعويض الشامل".
يتضمن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر 26 مادة تتعلق بتجريم الاستعمار وجميع ممارساته ذات الصلة
ويقرّر القانون عقوبات ضد كل مساس بالذاكرة الوطنية أو التمجيد وترويج الاستعمار الفرنسي أو تبريره، بأي شكل كان، حيث يعاقب القانون مرتكبي هذه الأفعال بالسجن بين خمس إلى عشر سنوات، وفقدان الحقوق المدنية والسياسية.
ويحمّل القانون الدولة الفرنسية المسؤولية المباشرة عن أكثر من 30 جريمة وفعل تم تصنيفه، بما فيها التجارب والتفجيرات النووية. ويشدد القانون على مسؤولية فرنسا في تنظيف مناطق التفجيرات في الصحراء، وجرائم قتل السكان المدنيين واستخدام الأسلحة غير التقليدية والمحرمة دولياً، وزرع الألغام والسطو على خزانة الدولة الجزائرية، وإخضاع الجزائريين للتعذيب والترحيل غير المشروع للسكان المدنيين إلى الجبال ومصادرة الأملاك والنفي إلى خارج الوطن".وكانت فرنسا قد أبعدت في القرن 19 مئات المقاومين الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة، ولم يتسن لهم العودة مجدداً إلى الجزائر، وأقيمت لذكراهم لوحة تخليد كبيرة قبالة ميناء الجزائر، وكذا جرائم الإخفاء القسري والحرمان من التعليم والاغتصاب أو الاستعباد الجنسي، وتدنيس وتخريب دور العبادة والتنصير القسري وإلحاق الألقاب المشينة بالجزائريين، والتجنيد الإجباري للخدمة في القوات المسلحة الفرنسية"، حيث كانت الأخيرة قد أجبرت الجزائريين على التجنيد في صفوفها في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وكان البرلمان الجزائري قد شكل في مارس/ آذار الماضي، لجنة خاصة ضمت ستة نواب يمثلون الكتل النيابية الرئيسة، حركة مجتمع السلم (إسلامي)، التجمع الوطني الديمقراطي (تقدمي)، وحزب جبهة التحرير الوطني (محافظ)، وجبهة المستقبل (وسط) وحركة البناء الوطني (إسلامي)، وكتلة المستقلين. وصاغت اللجنة مسودة أولى بـ54 مادة، قبل أن يتم اختزالها في 26 مادة. وكان لافتاً أن مسودة القانون كانت أسندت إلى لجنة الدفاع في البرلمان، في رسالة سياسية تستهدف اعتبار الاستحقاقات الواردة في القانون الجديد، مسألة الدفاع عن حقوق وطنية.