تواصل عائلات السجناء السياسيين في مصر توجيه مناشدات إنسانية عاجلة للسلطات المصرية مطالبة بالإفراج عن ذويها الذين يقضون سنوات طويلة خلف القضبان، في ظل ظروف احتجاز قاسية وأزمات إنسانية متفاقمة تطاول المعتقلين وأسرهم على حد سواء. تأتي هذه المناشدات في وقت تواجه فيه مصر انتقادات دولية واسعة بشأن ملف حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.
إحدى هذه المناشدات لأم مصرية تستغيث بالرئيس عبد الفتاح السيسي للإفراج عن ابنها الوحيد عبد الرحمن محسن، الذي اعتقل في 29 أغسطس/آب 2019 وهو في السابعة عشرة من عمره، حينما كان طالبًا في الصف الثاني الثانوي. تقول الأم في مناشدتها: "ست سنوات وأربعة أشهر قضاها ابني دون قضية أو محاكمة، ودون أن يُمنح حتى زيارة واحدة طوال هذه السنوات".
وتصف الأم معاناتها النفسية والصحية من جراء غياب ابنها القسري، حيث خضعت لعمليتين جراحيتين بعد اعتقاله، وتعبر عن رغبتها في رؤية ابنها الذي أصبح في الرابعة والعشرين من عمره، وقد سُرقت منه سنوات شبابه. وتناشد الأم الرئيس المصري طالبة منه النظر في حالة ابنها ومنحه عفوًا رئاسيًا، وأن ينظر إليه بعين الرحمة والإنصاف، مؤكدة أن ابنها يستحق فرصة للتعليم والحياة الطبيعية وأن يكون سندًا لشقيقاته وإضافة لوطنه.
في حالة أخرى لا تقل مأساوية، يواجه أحمد الوليد الشال، وهو طالب طب سابق كان في سنة الامتياز، خطر الموت بعد أكثر من 11 سنة في الحبس الانفرادي. اعتُقل الشال تعسفيًا وتعرض لتعذيب شديد، وفق ما ذكرته مصادر حقوقية، وحُكم عليه بالإعدام بتهم وُصفت بأنها ملفقة بسبب كون أخيه شهيدًا.وتدهورت حالة الشال الصحية بشكل خطير، حيث يعاني من ورم في المخ يهدد حياته، وفقد السيطرة التدريجية على جسده، ولم يعد قادرًا على المشي أو التحرك بشكل طبيعي. ورغم خطورة حالته الصحية، لم يحصل على الرعاية الطبية الكافية، ما دفع ناشطين حقوقيين للمطالبة بإطلاق سراحه فورًا ليتمكن من إجراء عملية جراحية قد تنقذ حياته. أما الصحافية والحقوقية نرمين حسين، فقد أمضت أكثر من ألفي يوم في الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا تتعلق ببث أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانضمام إلى جماعة إرهابية. وتوفي والدها بمرض السرطان حزنًا على ابنته، فيما تعاني والدتها المسنة والمريضة من الإرهاق من جراء التنقل بين السجون لزيارة ابنتها.
رسالة مؤثرة أخرى من أم معتقل بسجن الوادي الجديد تعكس حجم المعاناة التي تواجهها عائلات المعتقلين. تصف الأم زيارة ابنها التي تبدأ قبل شهر من موعدها، حيث يتعين عليها تنسيق السفر مع عائلات أخرى لتقاسم تكاليف الرحلة التي تمتد لمئات الكيلومترات.
تبدأ الرحلة في التاسعة مساءً لتصل العائلات إلى السجن في السادسة صباحًا، عبر طريق صحراوي موحش يفتقر إلى الإنارة ومحطات الإسعاف، ويشهد حوادث طرق متكررة أودت بحياة الكثيرين، بما في ذلك مدير أمن الوادي الجديد قبل أشهر. تقول الأم: "طريق موحش، طويل، صحراء مفيش فيها عمود نور واحد"، حسب الرسالة التي نشرتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان.
وتضيف الرسالة: "بعد الوصول، تنتظر العائلات ساعات طويلة قبل أن يُسمح لها بزيارة قصيرة لا تتجاوز ساعة إلا ربع، بعد أن كانت عشرين دقيقة فقط قبل إضراب دخله المعتقلون لمدة ثلاثة أسابيع مطالبين بترحيلهم إلى سجون أقرب لذويهم". وخلال عملية التفتيش، يتعرض الزائرون للإهانة، فيما تعامل الأمهات المسنات والزوجات مع أطفالهن بقسوة. تختتم الأم رسالتها قائلة: "بطلع من عنده مكسورة الخاطر، والبال مشغول. فهل ممكن حد يرحمنا من عذاب الوادي الجديد؟".في سياق متصل، وجّه الحقوقي طارق العوضي، عضو لجنة الإفراج عن المعتقلين الرئاسية، نداءً إلى الرئيس المصري والنائب العام ووزير الداخلية، متسائلًا: "إلى متى سيظل ملف المحبوسين والمحكوم عليهم في قضايا الرأي مفتوحًا؟". وأكد أن "سجون الرأي ليست عنوان هيبة ولا دليل استقرار، بل عبء ثقيل يُستنزف منه رصيد الدولة في الداخل والخارج". وأضاف العوضي أن "مصر أقوى من أن تخشى رأيًا، وأكبر من أن تحبس فكرًا، وأحق بأن تُغلق هذا الملف دون إبطاء"، مشددًا على أن استمرار هذا الملف لم يعد مفهومًا أو مقبولًا تحت أي ذريعة.
من جهتها، أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان تضامنها مع عائلات المعتقلين، مشددة على أن سياسة العقاب الجماعي التي تشمل أسر المعتقلين من أمهات وزوجات وأطفال تتنافى مع المعايير الإنسانية والحقوقية. وأكدت الشبكة حق المعتقل في زيارة دورية دون التعنت مع أسرته، فالعقوبة يجب أن تكون شخصية ولا يجوز أن تمتد لتشمل العائلة بأكملها.
ويمثل ملف السجناء السياسيين في مصر إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل على المستويين المحلي والدولي. منذ عام 2013، شهدت مصر حملات اعتقال واسعة طاولت آلاف المصريين بتهم تتعلق بالتظاهر والانضمام إلى جماعات محظورة ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وتشير تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية إلى احتجاز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في ظروف قاسية، كثير منهم في حبس احتياطي مطول دون محاكمة، وهو ما تعتبره المنظمات الحقوقية انتهاكًا صارخًا للقانون المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ولطالما واجهت مصر انتقادات حادة من منظمات دولية بارزة، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش اللتين وثقتا حالات تعذيب واختفاء قسري وحبس انفرادي طويل الأمد. كما أعربت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن قلقها إزاء أوضاع حقوق الإنسان في مصر، داعية السلطات المصرية إلى الإفراج عن السجناء السياسيين وتحسين ظروف الاحتجاز.
وفي عام 2022، أطلقت السلطات المصرية ما أسمته "الحوار الوطني" و"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وأعلنت عن تشكيل لجنة للعفو الرئاسي أفرجت بموجبها عن مئات المعتقلين. لكن منظمات حقوقية اعتبرت هذه الخطوات غير كافية، مشيرة إلى استمرار الاعتقالات وسوء أوضاع آلاف المحتجزين. ورغم هذه الخطوات، تؤكد عائلات السجناء السياسيين أن آلاف المعتقلين ما زالوا خلف القضبان، كثير منهم في ظروف صحية خطيرة، فيما تعاني عائلاتهم من أزمات نفسية واقتصادية واجتماعية متفاقمة.