كابل- على امتداد أكثر من 50 عاما، لم تكن هجرة الأفغان حدثا عابرا أو موجة طارئة، بل مسارا متواصلا تشكل بفعل الحروب والانقلابات السياسية والانهيارات الاقتصادية، حتى بات الشتات الأفغاني اليوم واحدا من أوسع حالات اللجوء انتشارا في العالم.
ووفق بيانات رسمية راجعتها مؤسسات دولية، يعيش حاليا أكثر من 6 ملايين أفغاني خارج بلادهم، بينما تجاوز عدد اللاجئين الأفغان عالميا 10.3 ملايين شخص قبل موجات الترحيل القسري الأخيرة من دول الجوار.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 4.5 ملايين أفغاني على الأقل اضطروا إلى العودة من إيران وباكستان العام الحالي، وحذرت من أن عودة هذا العدد الضخم قد تسفر عن زعزعة استقرار الوضع في كابل.
شاحنات عبرت معبر طورخم بين أفغانستان وباكستان، وتحمل العائلات التي غادرت الأراضي الباكستانية ضمن القرار الأخير بترحيل جميع الأفغان
لاجئون أفغان يعبرون معبر طورخم مع باكستان بعد قرار ترحيلهم منها (الجزيرة)
جذور الأزمة
تعود جذور الهجرة الأفغانية الحديثة إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 1979، تاريخ الغزو السوفياتي لأفغانستان، الذي أطلق أولى موجات النزوح الجماعي. وتقول الأمم المتحدة إن كابل أصبحت حينها أكبر بلد مصدّر للاجئين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهو وضع استمر نحو 17 عاما.
من جانبه، قال الباحث في شؤون الهجرة محمد سليم -للجزيرة نت- إن ما يميّز اللجوء الأفغاني أنه لم يرتبط بحرب واحدة، بل بسلسلة أزمات متعاقبة جعلت الهجرة خيارا شبه دائم لأجيال متتالية. وقبل ذلك، كانت الهجرة مقتصرة على نخب سافرت للدراسة أو العمل، أما اليوم فقد تحولت إلى ظاهرة مجتمعية واسعة.
ويؤكد محللون أن تاريخ أفغانستان الحديث اتسم بـ4 موجات لجوء كبرى خلال نصف قرن:
بعد الاجتياح السوفياتي لأفغانستان عام 1979.
أثناء الحروب الأهلية بين زعماء "المجاهدين" السابقين عام 1992.
بعد الاجتياح الأميركي سنة 2002.
بعد الانسحاب الأميركي ووصول حركة طالبان إلى السلطة سنة 2021.
إعلان
تُعد باكستان أكبر دولة لجأ إليها الأفغان، وكان يعيش فيها نحو 5 ملايين منهم، تليها إيران بـ3 ملايين لاجئ، غير أن هذين البلدين شهدا منذ عام 2023 حملات ترحيل واسعة، أُجبر خلالها نحو 4.5 مليون أفغاني على العودة قسرا، وذلك وفق اللجنة الحكومية الأفغانية الخاصة باللاجئين.
وأفاد مصدر حكومي -فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت بأن إسلام آباد وطهران قررتا ترحيل اللاجئين الأفغان قسرا عندما قطع المجتمع الدولي منح المساعدات باسمهم، كما أن السلطات الباكستانية قامت بذلك للضغط على كابل حتى تقبل شروطها و"كأنها تريد المساومة على حقوقهم"، فرفضت الحكومة الأفغانية وقبلت عودتهم وهناك لجنة خاصة للإشراف عليهم.أرقام
وأدت هذه العودة القسرية إلى زيادة عدد سكان أفغانستان بنحو 10% خلال فترة قصيرة، ففاقمت الزيادة الضغط على الخدمات وفرص العمل.
وتشير الإحصاءات إلى أن نحو مليوني أفغاني يعيشون في الدول الغربية، هاجر أكثر من ثلثيهم خلال العقد الأخير، لا سيما بعد عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021.
وتحتضن ألمانيا أكثر من 461 ألفا منهم، لتصبح ثالث أكبر دولة مضيفة بعد إيران وباكستان. ويتميز الوجود الأفغاني فيها بكونه شابا؛ إذ يبلغ متوسط العمر 27 عاما، في حين تشكل النساء 35% من مجموعهم.
وأوضح خبير الاندماج الاجتماعي سليمان كاكر -للجزيرة نت- أن الشباب الأفغان يمتلكون قابلية عالية للاندماج لكنهم يواجهون تحديات اللغة والاعتراف بالشهادات، وأولئك الذين تفوق أعمارهم 40 سنة يواجهون صعوبات بالغة ولا يندمجون بالسرعة المطلوبة.
وشهدت برلين هجرة الأفغان مرتين: الأولى بعد الغزو السوفياتي، والثانية بعد الانسحاب الأميركي من كابل.منذ عام 2018 تصدر الأفغان قائمة الواصلين إلى بريطانيا عبر القوارب المطاطية، وخلال عام واحد فقط من أكتوبر/تشرين الأول 2024 حتى سبتمبر/أيلول 2025 وصل 5788 أفغانيا بهذه الطريقة. لكن لندن شددت سياساتها، إذ انخفضت نسبة قبول طلبات اللجوء الأفغانية إلى 33% في سنة 2025، مع إغلاق برامج إعادة التوطين أمام الطلبات الجديدة.
ورغم وصول نحو 190 ألف أفغاني إلى الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية، لم يتجاوز عدد الجالية الأفغانية 325 ألفا.
وقال خبير الهجرة والإسكان في الولايات المتحدة عبد الكبير خان -للجزيرة نت- إن أكثر من 265 ألف أفغاني ما زالوا ينتظرون تأشيرات، ولو لم تُعلّق الإجراءات لكانت الجالية تجاوزت نصف مليون، ومعظم هؤلاء عالقون في بلدان أخرى.
ورغم ذلك، لا تمثل الجالية الأفغانية سوى 4.4% من إجمالي المهاجرين في هذه الدولة.
عائلات تركب الباصات لنقلها إلى مدينة جلال أباد شرقي أفغانستان
عودة اللاجئين القسرية زادت عدد سكان أفغانستان بنحو 10% خلال فترة قصيرة (الجزيرة)
اختبار حقيقي
في المقابل، تُعد كندا من أكثر الدول التزاما بتعهداتها؛ إذ تجاوز عدد الأفغان فيها 154 ألف شخص، بعد استقبال أكثر من 55 ألف لاجئ منذ 2021.
بعد هذا العام، أي عقب سيطرة حركة طالبان على الحكم، لم يعد اللجوء الأفغاني مقتصرا على الدول التقليدية؛ فقد أصدرت البرازيل أكثر من 13 ألف تأشيرة إنسانية، لكن معظم الأفغان غادروها لاحقا نحو أميركا الشمالية.
إعلان
أما في أفريقيا، فاستضافت أوغندا نحو ألفي أفغاني مؤقتا، بينما استقبلت رواندا مجموعات من بينهم طالبات تم إجلاؤهن من كابل.
من ناحيته، قال عبد الله كريمي، وهو لاجئ أفغاني في كينيا، للجزيرة نت: "لم نختر أفريقيا، لكنها كانت الطريق الوحيد للنجاة، حيث لم نحصل على لجوء في بلدان أخرى، حتى باكستان وإيران القريبتين لم تمنحانا حق اللجوء، وننتظر في كينيا إلى أن ترد علينا مفوضية اللاجئين وإلى أين ترسلنا".
أما في آسيا، فتُعتبر إندونيسيا محطة عبور إلى أستراليا لنحو 6 آلاف لاجئ أفغاني، ينتظر بعضهم إعادة التوطين منذ أكثر من عقد.
اليوم، يقف قرابة 300 ألف أفغاني في قوائم انتظار التوطين، بينما يفكر آلاف آخرون في مغادرة البلاد. ويرى خبراء أن تشديد سياسات الهجرة عالميا قد يدفع المزيد نحو طرق غير نظامية.
وأوضح الخبير القانوني في شؤون اللاجئين محمد إبراهيم -للجزيرة نت- أن قضية الأفغان ليست أزمة أرقام، بل اختبار حقيقي لالتزام العالم بمسؤولياته الإنسانية. فبعد أزمة سوريا وأوكرانيا، تجاهل العالم مشكلتهم "وحتى الدول الأوروبية تفضل لاجئين أوكرانيين وغيرهم على الأفغان. وبسبب الإجراءات المشددة، كثير منهم يفكرون في العودة إلى أفغانستان".