الإهمال الطبي يرفع حالات الوفاة في السجون المصرية

في الأربعاء ٠٣ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كشف تقرير جديد صادر عن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، يغطي الفترة من 1 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عن استمرار التدهور المروع في أوضاع مراكز الاحتجاز والسجون المصرية، وسط تصاعد حاد في حالات الوفاة التي يمكن تفاديها، واستمرار الانتهاكات الممنهجة للحقوق الأساسية للسجناء السياسيين.

وسجّل شهر نوفمبر وحده ثلاث حالات وفاة متعددة داخل الحجز، تضاف إلى قائمة طويلة من الضحايا على مدار العام 2025، والتي شملت وفاة ما لا يقل عن 16 حالة موثقة، داخل أقسام ومراكز الشرطة في محافظات مختلفة منذ مطلع العام، من بينهم شاب في العشرين من عمره، وآخرون في الخمسينيات والستينيات، إضافة إلى طفل.

وعزا التقرير هذه الوفيات بشكل أساسي إلى "استمرار الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز وحرمان المحتجزين من حقوقهم القانونية". ووفقاً للتقرير، في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تُوفي السجين السياسي حمدي محمد محمد (63 عاماً)، وهو مزارع من الفيوم، داخل سجن ليمان المنيا يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد تدهور حالته الصحية.

وبحسب المصدر نفسه، كان الراحل قد خضع لعملية قلب مفتوح وتغيير دعامات أثناء احتجازه السابق ويحتاج لمتابعة طبية مستمرة، غير أنه نُقل إلى السجن دون توفير أي رعاية صحية. ووفقاً للشهادات، اكتفت إدارة السجن بوضعه في غرفة إسعافات غير مجهزة رغم مناشدات المعتقلين المتكررة، حتى توفي بعد تأخر نقله إلى المستشفى.

وبعده بساعات، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، توفي السجين السياسي محمد جمعة، أحد المحكوم عليهم بالإعدام في قضية "قسم العرب"، داخل محبسه في سجن وادي النطرون بعد أكثر من 13 عاماً من الحبس في ظروف وصفت بأنها "قاسية وغير آدمية". وبحسب التقرير، فقد شعر الراحل بآلام في الصدر واستغاث بزملائه الذين أبلغوا إدارة السجن، إلا أن الاستجابة تأخرت ولم يتلقَ أي رعاية طبية قبل وفاته، مما يثير شبهات قوية بـ"الإهمال الطبي المتعمد".

وبعد أسبوع فقط، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، لقي السجين السياسي، أحمد محمود محمد سعيد، من الجيزة حتفه داخل سجنه بعد سنوات من الاحتجاز. وأشار التقرير إلى مفارقة مأساوية مفادها أنه "رغم صدور قرارات إخلاء سبيل متكررة بحقه، إلا أنه كانت تتم إعادة تدويره في قضايا جديدة بشكل مستمر، ليظل رهن الاحتجاز حتى وفاته"، مما يسلط الضوء على سياسة "تدوير المحتجزين" لإطالة أمد حبسهم خارج الأطر القانونية.

وأظهرت الوقائع أيضاً، نمطاً صارخاً لانتهاك الحق الإنساني الأساسي في التواصل مع الأسرة. وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني، توفيت والدة السجين السياسي محمد القصاص (محبوس منذ 2018) دون أن يتمكن نجلها الوحيد من رؤيتها أو وداعها في أيامها الأخيرة بسبب ظروف مرضها وعدم قدرتها على الحركة لزيارته. وفي 25 نوفمبر، توفي الشقيق الأصغر للسجين السياسي الصحافي والنائب السابق محسن راضي، في وقت لا يُعرف إن كان محسن، الذي يعيش في "عزل كامل منذ أكثر من 12 عاماً دون زيارات أو تواصل مع أسرته"، قد أُبلغ حتى بوفاة شقيقه الأكبر أو صهره أو حماته خلال تلك السنوات.كما كشف التقرير عن واقعة مأساوية جديدة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث توفي المواطن أحمد مصطفى (35 عاماً) داخل قسم شرطة إمبابة بالجيزة، وسط "شبهات قوية حول تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة". وأكد شهود أن الراحل، الذي كان يتمتع بصحة جيدة قبل احتجازه بثلاثة أسابيع، تدهورت حالته نتيجة سوء أوضاع الاحتجاز والمعاملة القاسية. وتعرضت أسرته لضغوط للتوقيع على إقرار بأن الوفاة ناتجة عن "هبوط حاد في الدورة الدموية" مقابل استلام الجثمان.

وأوضحت شهادات من داخل قسم إمبابة صورة قاتمة للاكتظاظ الشديد، حيث يحتجز نحو 700 شخص في أربع غرف فقط من أصل 11، بمعدل 35 سنتيمتراً فقط من المساحة لكل محتجز، مع حرمانهم من الطعام والزيارات والرعاية الأساسية. هذا المشهد الحقوقي المتردي، وفقاً لمركز الشهاب، وضع علامات استفهام كبرى حول التكلفة الإنسانية للاحتجاز في مصر، مؤكدا الحاجة الملحة لمراقبة دولية مستقلة وإصلاح جذري لمنظومة السجون والعدالة.