أيها العراقيون: لا تيأسوا فأنتم الأعلون

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٤ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد أربعاء الرماد الأسود وقبل ذلك، لاحظتُ أن معظم الإخوة العراقيين الذين قابلتهم، أو قرأت لهم، أو استمعت إليهم يائسون وحزينون من حاضر العراق ومستقبله. وهم على حق في ذلك، بعد الذي كابدوه في العهد الدكتاتوري البائد، وفي عهد حكومات الطوائف في العراق الجديد.
وهم على حق في ذلك، بعد أن وصل الفساد السياسي والمالي والفلتان الإداري أعلى مستوياته، كما تؤكد كثير من المنظمات الدولية، وعلى رأسها "منظمة الشفافية الدولية"، التي وصفت الفساد في اللعراق الجديد، بأنه أقبح فساد تشهده الشعوب في العالم الآن.
والعراقيون على حق في يأسهم، وفي حزنهم على الأمل المفقود في العراق الجديد، بعد أن تأكد لهم من خلال أربعاء الرماد الأسود، أن المليشيات الانتحارية الإرهابية الدينية المسلحة، لا تستهدف الجيش الأمريكي، بقدر ما تستهدف الجيش العراقي والشعب العراقي. وكل الإحصائيات والتقارير في الشرق والغرب تقول لنا، أن عدد ضحايا النحر والإرهاب في العراق من العراقيين، يفوق عشرات المرات عددهم من القوات الأمريكية.
فأين هم ضحايا القوات الأمريكية في أربعاء الرماد الأسود؟
وأين هم في الإنفجارات الانتحارية الإرهابية السابقة، التي تمَّت في الأسواق العراقية، وفي مواقف الباصات، وفي سرادقات الفرح والترح، وفي مراكز الشرطة العراقية، وفي وفي وفي.. الخ؟
إذن من هو مستهدفٌ ليست أمريكا، وليست قواتها، ولكنه شعب العراق الجديد، وكل ما يمثل حاضراً ومستقبلاً من حرية، وديمقراطية، وعلمانية، وحداثة.
فاصبروا، وصابروا، فأنتم الأعلون.
 
-2-
أيتها العراقيات وأيها العراقيون: لا تحزنوا ولا تيأسوا فأنتم الأعلون!
إن ما تمَّ في العراق منذ فجر التاسع من نيسان 2003 إلى الآن من مشاهد، لم يشهدها العرب شعوباً وحكومات. وهي مشاهد مستهجنة للعرب الذين اعتادوا منذ 15 قرناً إلى الآن، أن تكون حياة الحاكم ممتدة من القصر إلى القبر فقط، ولا طريق غيرها.
وأنتم وحدكم في التاريخ العربي، الذين غيّروا مسيرة الحاكم الدكتاتور، وأصبحت من القصر إلى حبل المشنقة.
فاصبروا، وصابروا، فأنتم الأعلون.

-3-
أيتها العراقيات وأيها العراقيون: لا تحزنوا، ولا تيأسوا، فأنتم الأعلون!
إن ثورتكم على الدكتاتورية شبيهة بالثورة الفرنسية 1789، التي غيّرت الخارطة السياسية الأوروبية، كما بدأت ثورتكم تُغيّر الخارطة السياسية العربية من حولكم.
هل تذكرون الثورة الفرنسية (1789-1799 ) والتي استمرت عشر سنوات، تمَّ فيها لأول مرة في تاريخ أوروبا، قطع رأس الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت في 1793. والملك الدكتاتور لويس السادس عشر، هرب كما هرب صدام واختفى، ولكن أُلقي القبض عليه 1791، وتمَّ إعدامه كما تمَّ إعدام صدام، فارتجت أوروبا كلها ومعها الكنيسة، كما ارتج العالم العربي ومعه مؤسساته الدينية، حين شُنق صدام.
وكانت النقمة على فرنسا الجديدة من بقية الأنظمة الأوروبية التي شعرت بالخوف والفزع، شبيهة بخوف وفزع العرب والعجم من جيران العراق.
وما تمَّ في فجر التاسع من نيسان/ابريل 2003 سيذكره التاريخ العربي الحديث، كما ذكر التاريخ الأوروبي الثورة الفرنسية العظيمة بعد ذلك. وسيكون أثر التاسع من نيسان على العرب، كأثر الثورة الفرنسية على أوروبا، حيث انتشرت بعد ذلك مبادئ الحرية، والعدل، والمساواة، وسيادة الشعب، في معظم أنحاء أوروبا.
 فاصبروا، وصابروا، فأنتم الأعلون.

-4-
أيتها العراقيات وأيها العراقيون: لا تحزنوا، ولا تيأسوا، فأنتم الأعلون!
لقد كان قَدَرُ العراق الجغرافي أن يكون في قلب خارطة لبلدان عربية متخلفة سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، ومنها بلدان خطفت الإسلام المتسامح النقي، وقدمت لنا إسلامها الجديد.. إسلام النحر، والانتحار، والإرهاب. ولو كان العراق في وسط الدول الاسكندنافية الآن لكان الوضع مختلفاً. ولكن هذا القَدَر الجغرافي زاد من إصرار وصمود الشعب العراقي. وفهم الشعب العراقي تماماً، لماذا يحارب الجيران العراق الجديد على هذا النحو من الشراسة والغلظة والإجرام.
فالعراق الجديد، يحمل لجيرانه عدوى الحرية، والديمقراطية، والحداثة، وهو "الوباء" – كما يُطلق عليه البعض - الذي يتحصن ضده هؤلاء الجيران بكل المحصنات والمضادات المالية، والسياسية، والدينية المزيفة.
لذلك نرى جيران العراق من عرب وعجم، يرسلون الأرتال الانتحارية رتلاً تلو الآخر، لمكافحة هذا "الوباء" في أرضه ومنشأه، قبل أن تنتقل عدواه إليهم.
فاصبروا، وصابروا، فأنتم الأعلون.

-5-
أيتها العراقيات وأيها العراقيون: لا تحزنوا، ولا تيأسوا، فأنتم الأعلون!
إنني أعلم أنكم مستاءون وغاضبون من الفساد المالي والسياسي، الذي يجري في العراق الآن. وأنتم على حق في ذلك، ولم تتوقعوا حجم مثل هذا الفساد، وأنا معكم كذلك.
ولكن أنظروا إلى بقية بلدان العالم العربي، وحجم الفساد الذي فيه. إنه يفوق حجم الفساد في العراق أضعافاً مضاعفة. ولكن الشفافية العراقية الآن، والديمقراطية، وحرية الإعلام، هي التي أبرزت حجم هذا الفساد على هذا النحو المتعاظم والمتضخم، ودفعت "منظمة الشفافية الدولية" إلى اعتبار العراق على رأس قائمة الفساد في العالم، في حين أن معظم بلدان العالم العربي وإيران، فيها من الفساد ما يشيب له الولدان، ولكن لا أحد يصرح به، ولا أحد يجرؤ على الإشارة إليه، من قريب، أو بعيد.
فاصبروا، وصابروا، فأنتم الأعلون.
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 10314