يفتح الباب لإنتاج مئات القرنيات من متبرع واحد.. والنتائج الأولية "مبهرة"
إنجاز طبي غير مسبوق.. زراعة أول قرنية بشرية "مطبوعة" تعيد البصر لمريض
إيلاف من لندن: في قفزة علمية قد تعيد رسم خريطة زراعة الأعضاء البشرية وتنهي معاناة الملايين من فاقدي البصر حول العالم، سُجل تطور طبي غير مسبوق تمثل في نجاح زراعة أول قرنية منتجة بالكامل عبر تقنية "الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد" (3D Bioprinting) داخل عين مريض كان يعاني من العمى القانوني.
العملية، التي أعلنت عنها شركة "بريسايس بيو" (Precise Bio) المتخصصة في هندسة الأنسجة، تمثل بداية ناجحة لتجربة سريرية لا تزال في مراحلها المبكرة، لكن نتائجها الأولية تبشر بـ"لمحة عن مستقبل لن يضطر فيه أحد للعيش في الظلام بسبب نقص الأنسجة"، بحسب وصف الفريق الطبي.
كيف تعمل "الطباعة الحيوية"؟
لفهم حجم هذا الإنجاز، يجب تبسيط التقنية المستخدمة. تختلف "الطباعة الحيوية" عن الطباعة ثلاثية الأبعاد التقليدية التي تستخدم البلاستيك أو المعادن. في هذه الحالة، يستخدم العلماء ما يُعرف بـ"الحبر الحيوي" (Bio-ink)، وهو خليط يحتوي على خلايا حية مأخوذة من متبرع بشري.
تسمح هذه التقنية للعلماء برسم هيكل القرنية طبقة تلو الأخرى بدقة متناهية، محاكين البنية الطبيعية للعين البشرية. والميزة الثورية هنا هي "الكفاءة الإنتاجية"؛ فبينما تعتمد الزراعة التقليدية على قاعدة "قرنية واحدة من متبرع واحد لمريض واحد"، تتيح التقنية الجديدة إنتاج المئات من الغرسات القرنية الصالحة للزراعة انطلاقاً من خلايا قرنية متبرع واحد فقط، بعد تكاثرها في المختبر.
اختراق يتجاوز المحاولات السابقة
يضع هذا الإنجاز حداً فاصلاً بينه وبين محاولات سابقة لإنتاج قرنيات بديلة. ففي عام 2022، نجح باحثون من جامعة لينكوبينغ السويدية في استعادة البصر لمرضى باستخدام قرنيات مصنوعة من بروتين الكولاجين المستخرج من جلد الخنزير. ورغم أهمية ذلك الإنجاز، إلا أن تجربة "بريسايس بيو" الحالية تتميز بأنها تعتمد على خلايا بشرية حية ومطبوعة بتخصيص دقيق، مما يرفع احتمالات تقبل الجسم للنسيج المزروع ويقربنا أكثر من محاكاة العضو الطبيعي.
نتائج واعدة وحل لأزمة عالمية
وفي تعليقه على الحدث، قال الجراح ميخائيل ميموني، من مركز "رمبام" الطبي في إسرائيل حيث أجريت العملية: "لأول مرة في التاريخ، شهدنا قرنية تم إنتاجها في المختبر من خلايا بشرية حية، تعيد البصر إلى إنسان".
وتأتي هذه الخطوة كاستجابة لأزمة عالمية صامتة. فبحسب منظمة الصحة العالمية، هناك ملايين الأشخاص المصابين بالعمى القرني، في حين أن النقص الحاد في المتبرعين يعني أن مريضاً واحداً فقط من بين كل 70 مريضاً يحصل على فرصة للزراعة.
ماذا بعد؟
تتضمن المرحلة الأولى الجارية من التجارب غرس القرنية المطبوعة لإجمالي 10 إلى 15 مريضاً. ومن المتوقع أن تعلن الشركة، التي تتخذ من ولاية نورث كارولاينا مقراً لها، عن النتائج الأولية للدراسة في النصف الثاني من عام 2026.
إذا تواصلت النتائج الإيجابية، فإن هذا الابتكار لن يحل فقط مشكلة نقص القرنيات، بل سيفتح الباب واسعاً أمام عصر "المصانع الحيوية" القادرة على طباعة أنسجة بشرية أخرى، مما يقلل الاعتماد على التبرع بالأعضاء ويمنح الأمل لملايين المرضى.