سفاهة الحكم فى مصر :أوبرا ومدينة فنون ونهر أخضر ... أين المستشفيات والمدارس والمصانع والمدارس؟

في الخميس ٢٠ - نوفمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بات قطاع من المصريين يسأل في صمت: أيهما أولى برعاية الدولة ومليارات الموازنة العامة وأموال دافعي الضرائب، تأسيس أكبر دار أوبرا في الشرق الأوسط، أم إقامة مستشفيات ودور رعاية صحية ومدارس وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي ومصانع ومشروعات صغيرة ومتوسطة توفر فرص عمل لملايين الشباب العاطل عن العمل؟

وإذا كان تأسيس أضخم مدينة للفنون والثقافة في المنطقة ونهر صناعي ضخم من متطلبات الجمهورية الجديدة "إيجبت"، فماذا عن مواطني الجمهورية القديمة "مصر" الذين ينهشهم الغلاء والفقر والمرض في بلد ينظر كبار المسؤولين إليه على أنه فقير، وهو أمر غير صحيح، وأيهما أولى بالرعاية، إطلاق مشروع القطارات فائقة السرعة الذي يُعمل عليه بشكل سريع، أم إصلاح مشاكل السكك الحديدية الحالية المتهالكة التي تسفر حوادشها عن مصرع المئات سنوياً وربما أكثر في حوادث مروعة تهزّ الرأي العام من وقت لآخر؟

خلال الأسابيع القليلة الماضية أطلقت الحكومة المصرية مشروعات عدة، من أبرزها المتحف المصري الكبير، وهو مشروع قومي بالغ الأهمية للاقتصاد والسياحة كما كتبت في مقال سابق، وكان من الضروري إنجازه، خاصة أن تنفيذه استغرق سنوات طويلة تمتد إلى 22 سنة، لكن في المقابل أعلنت تلك الحكومة مؤخراً عن إطلاق مشروعات لا علاقة لمعظمها بالمواطن واحتياجاته اليومية وظروفه المعيشية وأزماته المالية، وقد لا تمثل أولوية للاقتصاد القومي، بل يعد بعضها عبئاً على موازنة الدولة وضغطاً على الإيرادات الدولارية، خاصة أن بعضها ممول عبر قروض خارجية.

القطار الكهربائي السريع (الشركة المنفذة للمشروع)
من بين عينة تلك المشروعات الإعلان قبل أيام عن افتتاح مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة التي تمتد على مساحة 127 فداناً وعلى مساحة ما يقرب من 514 ألف متر مربع، وتضم مسارح وقاعات عرض ومكتبات ومتاحف ومعارض فنية متنوعة، وتقع بجوار الحي الحكومي وتطلّ على النهر الأخضر، وهو مشروع أخر يُعمل عليه، ووفق موقع الهيئة العامة للاستعلامات الرسمي فإن مدينة الفنون والثقافة هي أكبر مدينة من نوعها على مستوى العالم.

وفي قلب مدينة الفنون والثقافة أُسّست دار الأوبرا المصرية الجديدة لتكون أيضاً أكبر دار أوبرا في الشرق الأوسط وأحد أبرز المنجزات الثقافية في الجمهورية الجديدة، وشُيّدت وفقاً لأحدث التقنيات الهندسية وأنظمة الإضاءة والصوت وفق تصنيفات الدوائر الحكومية، وتضم ثلاثة مسارح كبرى، وثلاث قاعات رئيسية، هي مسرح الأوبرا والباليه ويتسع لنحو 2500 مقعد، وهو مخصّص للعروض الكبرى، وقاعة الموسيقى بسعة 1200 مقعد، وقاعة الدراما وتتسع لـ 700 مقعد، مخصصة للعروض المسرحية والدرامية. ونظرة لدار الاوبرا الجديدة نجدها أكثر فخامة من دار الأوبرا الحالية الواقعة في أرض الجزيرة بقلب القاهرة وجرى افتتاحها في عام 1988 بمنحة يابانية.

مدينة الفنون و الثقافة
من بين المشروعات الجاري تدشينها حاليا مشروع النهر الأخضر بالعاصمة الإدارية الجديدة، والذي سيتضمن أكبر حديقة مركزية على مستوى العالم .كما تم الإعلان أمس الأربعاء عن أن مصر ستشهد خلال السنوات الثلاثة المقبلة إنشاء مدينة إعلامية غير مسبوقة على مستوى المنطقة. فهل هذا هو الوقت المناسب لإطلاق مثل تلك النوعية من المشروعات التي لا نعرف تكلفتها الاستثمارية والعائد المتوقع وعملاءها المحتملين.

لا أحد ينكر أن هناك مشروعات كبرى أُنجزت في السنوات الماضية، منها ما يتعلّق بالبنية التحتية والطرق والكهرباء والاستصلاح الزراعي، وتنمية قناة السويس، وإطلاق جيل جديد من المدن العمرانية، لكن السؤال هنا ينصب على مدى استفادة المواطن من مشروعات دار الأوبرا ومدينة الفنون والنهر الأخضر والقطار الكهربائي وغيرها من المشروعات التي ابتلعت عشرات المليارات من الجنيهات، خاصة مع استمرار زيادة الأسعار وخفض الدعم والاعتماد على القروض الخارجية في سدّ عجز الموازنة وردم الفجوة التمويلية.

ماذا عن خريطة المشروعات الخدمية المباشرة التي تساهم في توفير خدمات التعليم والصحة والسكن وفرص العمل وسلع بأسعار مقبولة وملاعب وساحات رياضية للمواطن، وهي من أبرز حقوق الإنسان المصري. ماذا عن ملفات أخرى بالغة الأهمية مثل العمالة غير المنتظمة والباعة الجائلين وغيرهم؟