تُراهن الأحزاب المدنية العراقية، التي تحمل شعارات العلمانية والليبرالية، على كسب أصوات الشرائح الساخطة على الوضع السياسي في العراق في الانتخابات التشريعية السادسة، التي بدأت اليوم الأحد بمشاركة قوى الأمن من الجيش والشرطة والحشد الشعبي وبقية الصنوف العسكرية، بينما سيكون الاقتراع العام بعد غد الثلاثاء بمشاركة أكثر من 20 مليون عراقي.
وتعتبر هذه الأحزاب، التي وُلد معظمها بعد الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، نفسها الوريث الأحق في إدارة الدولة العراقية، وبديلاً أكثر وعياً وكفاءة من الأحزاب الدينية والتقليدية التي تدير العراق بطريقة "المحاصصة" الحزبية والطائفية منذ احتلال العراق عام 2003 ولغاية اليوم.
وتحرص الأحزاب المدنية على المشاركة بقوة في الانتخابات الحالية التي تكتسب أهميتها بسبب الظروف الإقليمية في المنطقة، كما تُعتبر هذه الانتخابات الأكثر تأثيراً في الوضع السياسي بالنظر إلى الوضع السياسي الداخلي المرتبك والشرخ بين المجتمع والطبقة السياسية والأحزاب وركائز النظام الحاكم بشكلٍ عام. وتسعى هذه الأحزاب إلى إزاحة الأحزاب التقليدية في الانتخابات واستبدالها بفكر سياسي ودماء جديدة لإصلاح الخلل الكبير في الواقع السياسي والهشاشة في اقتصاد العراق والإخفاق في موازنة العلاقات الخارجية وغير ذلك.
وتشارك الأحزاب المدنية في الانتخابات ضمن تحالفين: الأول هو تحالف "حلول" الذي يرأسه المستشار الفني لرئيس الوزراء العراقي محمد صاحب الدراجي، وهو رئيس حزب "المهنيين للإعمار"، ويضمّ التحالف حركة "نازل آخذ حقي" وحزب "أمارجي". مع العلم أن هذا التحالف لا يحظى باهتمام كبير، بل إنّ قادته يُعتبرون من الشخصيات التقليدية التي سبق أن اتهمها نشطاء بأنها جزء من النظام الذي احتجوا ضدّه، عدا كون رئيس حركة "نازل آخذ حقي" مشرق الفريجي كان قد شارك في الانتخابات السابقة ولم يفز، فيما لا يُخفي علاقته المتينة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يظهر أنه يموّل حركة "نازل".
أما التحالف الثاني، فهو "البديل" الذي يتزعمه رئيس حركة الوفاء ومحافظ النجف الأسبق عدنان الزرفي، المعروف بمناوأته الشديدة للفصائل المسلّحة، وملاحظاته القاسية ضدّ الحكومات المتعاقبة. وسبق أن رُشح الزرفي لرئاسة الوزراء، إلّا أنه انسحب بسبب عدم حصوله على تأييد سياسي. ويضم التحالف حزب "الاستقلال" الذي يقوده عضو البرلمان العراقي سجاد سالم، والحزب الشيوعي العراقي وحزب "البيت الوطني" والحركة المدنية الوطنية التي تتزعمها النائبة السابقة شروق العبايجي. ويُصنف تحالف "البديل" نفسه معارضاً للحكومة ولإدارة الأحزاب التقليدية للبلاد، لكن الجمهور المدني لم يبد أي دعم له، لا سيما أنه يضم "الحزب الشيوعي" الذي يُصنف هو الآخر جزءاً من أحزاب السلطة، وأنه كان شريكاً في الحكومات السابقة، وأن هذا الحزب كان قد حصل وفق آلية "المحاصصة" على وزارات ومناصب رفيعة في الدولة، باعتباره أحد الأحزاب التي ساهمت في تشكيل النظام الذي أعقب الاحتلال الأميركي للبلاد.
في السياق، قال أحد أعضاء تحالف "حلول" إن "المشاركة في الانتخابات الجارية لابد أن تكون كبيرة، فهذه المنافسة تعتبر الأهم منذ عقدين من أجل إثبات وجود المدنيين والعلمانيين في البلاد، خصوصاً أن غالبيتهم من أصحاب الكفاءات والذين يشهد لهم الجميع بالنزاهة وعدم السماح لتكرار تجربة الأحزاب الدينية في التصدي للسلطة"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "الأحزاب المدنية هي الأضعف والأقل من ناحية التمويل، لذلك اختار بعضها اللجوء إلى التحالف والائتلاف مع أحزاب تقليدية لكنها أقل ضرراً من أجل الحصول على الدعم المالي، والدخول في الانتخابات من خلال غطاء قانوني لأن قانون الانتخابات الحالي يفرض على الأحزاب الصغيرة الدخول ضمن تحالفات وائتلافات".
لكن الناشط السياسي من محافظة النجف علي الحجيمي أشار إلى أن "الأحزاب المدنية المشاركة في الانتخابات الحالية خانت دماء شهداء المطالب الشعبية في احتجاجات 2019، وكان واحداً من أبرز المطالب هو تغيير النظام الانتخابي والقانون الذي يحكم الانتخابات الجارية حالياً، بالتالي فإن هذه الأحزاب تشارك حالياً ضمن قانون كان المتظاهرون يرفضونه"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب المدنية لن تحصل على أية نتائج، حتى ولو فاز عدد من المرشحين، فإن المدنيين سيكونون محرمون من المشاركة في السلطة التنفيذية، ولن نرى أي مدني في منصب وزير مثلاً".وبدأت عملية التصويت في الانتخابات العراقية التشريعية، وهي السادسة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، من خلال مرحلتها الأولى الخاصة بقوات الأمن والجيش ونزلاء السجون والمستشفيات البالغ عددهم أكثر من مليون و300 ألف ناخب، كذلك سيشمل تصويت اليوم فئة النازحين، حيث ستستمر عملية التصويت في مراكز محددة لهم مسبقاً قرب مخيمات النزوح ومعسكراته، بمشاركة 26 ألفاً و538 ناخباً نازحاً في 97 محطة اقتراع ضمن 27 مركزاً، موزعة على محافظات ومدن مختلفة. وفي 18 دائرة انتخابية موزعة على عدد من المحافظات العراقية، بدأت عملية التصويت، التي يُطلق عليها في العراق "التصويت الخاص"، وسط إجراءات أمنية واسعة، مع تشديد السلطات على منع خرق الصمت الانتخابي.
وتمثل الانتخابات العراقية المرتقبة مرحلة مهمة من مراحل العملية السياسية في البلاد، حيث تحاول القوى التقليدية الحفاظ على نفوذها في الفترة المقبلة، فيما تتنافس مع تيارات سياسية صاعدة تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم وسط تنافس محتدم على 329 مقعداً في البرلمان المقبل، يتنافس عليها أكثر من سبعة آلاف مرشح. وتُثار مخاوف من تراجع نسب المشاركة في التصويت، إذ يحق لأكثر من 21 مليون عراقي، مسجلين رسمياً، الإدلاء بأصواتهم، بحسب ما أعلنت مفوضية الانتخابات في أوقات سابقة.