ممداني يحقق فوزاً لافتاً، لكن ما التحديات الحقيقية التي تنتظره؟

في الأربعاء ٠٥ - نوفمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

يلفت زهران ممداني، العمدة المنتخب حديثاً لمدينة نيويورك، الأنظار في أكثر من جانب. فهو سيكون أصغر من يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، وأول مسلم يتولاه، وأول عمدة يولد في أفريقيا.

خاض ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، السباق الانتخابي العام الماضي دون أن يكون معروفاً على نطاق واسع، وبإمكانات مالية محدودة، ومن دون أي دعم حزبي مؤسسي.

وهذا وحده يجعل فوزه على الحاكم السابق أندرو كومو ومرشح الحزب الجمهوري كيرتس سليا إنجازاً لافتاً.

مسلم، تقدّمي، وابن مهاجرين... زهران ممداني يقترب من منصب عمدة نيويورك

ترامب يحذر من أنه قد يمانع في تمويل نيويورك إذا أصبح ممداني عمدة

لكن الأهم من ذلك أنه يمثل نوع السياسيين الذين يسعى كثيرون في جناح الحزب الديمقراطي اليساري إلى رؤيتهم منذ سنوات.

فهو شاب يتمتع بالكاريزما، ومتقن لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطلاقة تنتمي إلى جيله. وتعكس خلفيته العرقية تنوع القاعدة الشعبية للحزب. كما أنه لم يتجنب المعارك السياسية، وعبّر بفخر عن تبنيه لقضايا يسارية مثل توفير رعاية الأطفال مجاناً، وتوسيع شبكة النقل العام، وتدخل الدولة في أنظمة السوق الحرة.

أظهر ممداني أيضاً قدرة مركزة على معالجة القضايا الاقتصادية الجوهرية التي تشكل أولوية لدى الناخبين من الطبقة العاملة الذين ابتعد بعضهم مؤخراً عن الحزب الديمقراطي، لكنه في الوقت نفسه لم يتنكّر للمبادئ الثقافية لليسار.غير أن منتقديه حذّروا من أن مرشحاً كهذا لا يمكن أن يُنتخب في مساحات واسعة من الولايات المتحدة، فيما سارع الجمهوريون إلى تصويره بوصفه الوجه اليساري المتطرف للحزب الديمقراطي.

ومع ذلك، كان ممداني المنتصر ليلة الثلاثاء في مدينة نيويورك. فبهزيمته لكومو، الحاكم السابق للولاية وابن أحد حكامها أيضاً، أطاح بالمؤسسة الديمقراطية الراسخة التي يرى كثير من أنصار اليسار أنها فقدت الاتصال بواقع الحزب والبلاد.

لهذا السبب، حظيت حملة ممداني بتغطية إعلامية واسعة، ربما تفوق ما تستحقه انتخابات بلدية، حتى في أكبر مدن الولايات المتحدة. وهذا يعني أيضاً أن نجاحاته وإخفاقاته، بصفته العمدة الجديد، ستكون تحت مجهر المتابعة الدقيقة.

ممداني مبتسماً.صدر الصورة،Getty Images
التعليق على الصورة،حظيت حملة ممداني بتغطية إعلامية واسعة، ربما تفوق ما تستحقه انتخابات بلدية، حتى في أكبر مدن الولايات المتحدة.
قبل اثني عشر عاماً، فاز الديمقراطي بيل دي بلاسيو بمنصب العمدة على أساس برنامج يهدف إلى معالجة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي في نيويورك. وكما هو الحال مع ممداني، علّق كثير من الأمريكيين على اليسار آمالاً كبيرة على أن تشكل إدارته نموذجاً وطنياً للحكم الليبرالي الفعّال.

لكن دي بلاسيو غادر منصبه بعد ثماني سنوات وهو يفتقر إلى الشعبية، وسجل إنجازاته متفاوتاً، بعدما اصطدم بحدود سلطات العمدة في تنفيذ سياسات جديدة.

سيواجه ممداني القيود نفسها والتوقعات نفسها. وأعلنت حاكمة نيويورك، كاثي هوشول، وهي ديمقراطية أيضاً، أنها تعارض زيادة الضرائب اللازمة لتمويل برنامجه الطموح. وحتى مع توفير التمويل الكافي، فلن يتمكن ممداني من تنفيذ البرامج بمفرده.

وخلال حملته، انتقد ممداني بشدة النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال الذين يتخذون من المدينة مقراً لهم، وجعلوا من مانهاتن عاصمة المال في العالم. لكن من أجل الحكم بفاعلية، سيُضطر على الأرجح إلى التوصل إلى نوع من التفاهم مع هذه المصالح، وهي عملية بدأها بالفعل في الأسابيع الأخيرة.

كما أدان ممداني سلوك إسرائيل خلال حرب غزة، وتعهد باعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوصفه "مجرم حرب" إذا وطأت قدماه مدينة نيويورك، وهو وعد قد يُختبر في مرحلة ما من ولايته.

لكن تلك مشكلات مؤجلة. أما الآن، فعليه أن يبدأ في تعريف نفسه على الساحة العامة قبل أن يقوم خصومه بذلك. فعلى الرغم من أن حملته استقطبت اهتماماً وطنياً، إلا أن شريحة واسعة من الأمريكيين لا تعرف عنه الكثير.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة سي بي إس مؤخراً أن 46 في المئة من الأمريكيين لم يتابعوا انتخابات عمدة نيويورك "عن قرب على الإطلاق". وهذا يمثل لممداني، ولليسار الأمريكي، فرصة وتحدياً في آن واحد.

سيحاول المحافظون، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى غيره، تصوير العمدة المنتخب حديثاً على أنه خطر اشتراكي، وأن سياساته وأولوياته ستقود إلى تدمير أكبر مدن الولايات المتحدة، وتمثل خطراً إذا تبنتها البلاد بأكملها. وسيعملون على تضخيم أي هفوة، وتسليط الضوء على أي مؤشر اقتصادي سلبي أو ارتفاع في معدلات الجريمة.

ممداني في تجمّع انتخابي.صدر الصورة،Reuters
التعليق على الصورة،أكّد ممداني الأسبوع الماضي أن هناك متسعاً داخل الحزب الديمقراطي لمختلف وجهات النظر، قائلاً: "أعتقد أن هذا الحزب يجب أن يتيح للأمريكيين أن يروا أنفسهم فيه، وألا يكون مجرد صورة مرآة لعدد محدود من الأشخاص المنخرطين في السياسة. ما يوحّدنا جميعاً، في رأيي، هو من نقاتل من أجل خدمتهم، وهم أبناء الطبقة العاملة".
من المؤكد أن ترامب، الذي تربطه علاقة شخصية بنيويورك، سيرحب بمواجهة سياسية مع ممداني، ولديه العديد من الوسائل لجعل حياة العمدة الجديد أكثر تعقيداً.

كما سيُطلب من ممداني كسب دعم قادة الحزب الديمقراطي، مثل السيناتور عن نيويورك وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الذي لم يدعم حملته الانتخابية.

أما الفرصة أمام ممداني، فهي أنه لا يحمل أعباء ماضيه، رغم محاولة خصومه استغلالها ضده خلال الحملة الانتخابية دون جدوى. وعندما يؤدي اليمين في يناير/كانون الثاني المقبل، ستُتاح له فرصة بناء سمعته السياسية من الصفر.

وإذا دخل في مواجهة مع ترامب، فسيمنحه ذلك منصة أوسع لإيصال أفكاره. فقد أوصلته موهبته السياسية وقدراته إلى هذا الحد، وهو إنجاز ليس بالهين. لكن ما ينتظره في السنوات المقبلة سيكون أكثر صعوبة بكثير.

يحب سكان نيويورك الاعتقاد بأن مدينتهم هي مركز الكون، لكن سباق عمدة المدينة لم يكن الانتخابات الوحيدة التي جرت يوم الثلاثاء، وربما لم يكن المؤشر الأبرز على المزاج الانتخابي الأمريكي الراهن.

فقد أُجريت في ولايتي نيوجيرسي وفيرجينيا، اللتين فازت بهما الديمقراطية كامالا هاريس بفارق ضئيل أمام ترامب في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، انتخابات لمنصب الحاكم. وفي كلتا الولايتين، فاز الديمقراطيون بهوامش أوسع.

وكانت المنافسة في نيوجيرسي أكثر تقارباً، لكن النتائج تشير إلى أن المكاسب التي حققها ترامب العام الماضي بين الناخبين من الطبقة العاملة والأقليات لم تصمد في غيابه عن ورقة الاقتراع.

وعلى عكس ممداني، خاض الديمقراطيان ميكي شيريل وأبيغيل سبانبيرغر حملتين وسطيّتين مدعومتين من المؤسسة الحزبية، مع برامج أكثر تواضعاً في طروحاتها السياسية. ومع ذلك، ركّز الثلاثة جميعاً على قضايا القدرة على تحمّل نفقات المعيشة. وأظهرت استطلاعات الخروج من مراكز الاقتراع أن الاقتصاد كان مجدداً الموضوع الأكثر أهمية لدى الناخبين.

ومع فوز الديمقراطيين من الجناحين اليساري والوسطي يوم الثلاثاء، قد يكون من الصعب على من يحاولون استنتاج الدروس تحديد نوع السياسات والمرشحين الذين يجب أن يدفع بهم الحزب لضمان النجاح في الانتخابات المقبلة.

لكن ممداني أكّد الأسبوع الماضي أن هناك متسعاً داخل الحزب لمختلف وجهات النظر، قائلاً: "أعتقد أن هذا الحزب يجب أن يتيح للأمريكيين أن يروا أنفسهم فيه، وألا يكون مجرد صورة مرآة لعدد محدود من الأشخاص المنخرطين في السياسة. ما يوحّدنا جميعاً، في رأيي، هو من نقاتل من أجل خدمتهم، وهم أبناء الطبقة العاملة".

وسيوضع هذا الرأي على المحك العام المقبل، عندما يتوجه الديمقراطيون في مختلف أنحاء البلاد إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. ومن المؤكد أن التوترات ستتصاعد، وقد تعود خطوط الانقسام التقليدية إلى الظهور من جديد.

لكن لليلة واحدة على الأقل، بدت صفوف الديمقراطيين متّحدة وسعيدة.