واشنطن تسعى لإقرار "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر... هل اقتربت نهاية نزاع الصحراء الغربية؟

في الأحد ٢٦ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في حوار مع قناة "سي.بي.إس"، تحدث المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن احتمال إقرار "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر في أفق زمني لا يتعدى شهرين. تصريحات المسؤول الأمريكي تأتي في سياق زخم دولي بشأن قضية الصحراء الغربية وقبل جلسة لمجلس الأمن لمناقشة ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية نهاية أكتوبر/تشرين الأول. ورغم غياب أي تأكيد رسمي من الأطراف المعنية للمبادرة الأمريكية، أعلنت جبهة البوليساريو استعدادها لتقاسم "فاتورة السلام" مع المغرب.أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الإثنين، في خطوة مفاجئة أن الولايات المتحدة تعمل على التوصل إلى "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر خلال ستين يوما. تأتي هذه المبادرة في وقت حساس، مع استعداد مجلس الأمن لمناقشة ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) في 31 أكتوبر/تشرين الأول، وسط تزايد التوترات الإقليمية في شمال أفريقيا.يعود النزاع حول الصحراء الغربية إلى عام 1975، بعد انسحاب الاستعمار الإسباني، حيث سيطر المغرب على معظم الأراضي بينما أعلنت جبهة البوليساريو قيام الجمهورية الصحراوية. ومنذ ذلك الحين، تدعم الجزائر موقف الجبهة، بينما يقترح المغرب خطة للحكم الذاتي تحت سيادته. العلاقات بين الرباط والجزائر توترت على مدى عقود، وأدت إلى إغلاق الحدود منذ عام 1994 وقطع العلاقات الدبلوماسية في 2021.

يظهر المغرب استعدادا للتجاوب مع المبادرة، مستفيدا من دعم واشنطن لموقفه منذ 2020 حين أعلن ترامب اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء وإقامة الرباط علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وراغبا في تعزيز مكانته الإقليمية.

جسور الثقة
وقد صرح مستشار ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس قبل أيام بأن الجزائر "تبدي رغبة في إيجاد حل نهائي لقضية الصحراء الغربية، إلى جانب استعدادها لتحسين العلاقات مع المغرب".

بولس كان أوضح في مقابلة مع قناة "الشرق"، قائلا "التقيت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أخيرا، ووجدت ترحيبا بإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي، ومع الملك والحكومة والدولة المغربية"، مضيفا "في النهاية، البلدان شعبان شقيقان وجاران، يجمعهما تاريخ مشترك وعدد كبير من القيم والمصالح".فاتورة السلام"
في السياق ذاته، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) استعدادها لتقاسم "فاتورة السلام" مع المغرب، من خلال تقديم مقترح موسع لحل القضية، يهدف إلى "تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، واستعادة السلم والاستقرار في المنطقة".

وفي بيان رسمي، أوضحت الجبهة أنها قدّمت إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، نص مقترحها الموسع المعنون "مقترح جبهة البوليساريو من أجل حل سياسي مقبول من الطرفين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية ويستعيد السلم والاستقرار الإقليميين".

بحسب البيان فإن هذه الخطوة تأتي "كبادرة حسن نية واستجابة لقرارات مجلس الأمن"، واختتم بالتأكيد على "استعداد جبهة البوليساريو للدخول في مفاوضات مباشرة وجادة مع المملكة المغربية، بحسن نية وبدون شروط مسبقة، تحت رعاية الأمم المتحدة، على أساس روح ومضمون المقترح الموسع، بهدف التوصل إلى حل عادل وسلمي ودائم يضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي ويعيد السلم والاستقرار الإقليميين".

الاستقلال، والاندماج، وميثاق الارتباط الحر
في السياق ذاته، كشف محمد يسلم بيسط، القيادي في الجبهة الخميس، أن قبول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كما تقترحه الرباط، سيكون ممكنا إذا جاء ذلك نتيجة استفتاء يختاره الصحراويون بأنفسهم، بدلا من مطلب الاستقلال الذي تتمسك به الجبهة.

وبين بيسط، المسؤول عن الشؤون الخارجية في البوليساريو، أن "المقترح الموسع" الذي قدم إلى مجلس الأمن الإثنين يتضمن ثلاثة خيارات أساسية حددها القانون الدولي، مع الضمانات اللازمة: الاستقلال، والاندماج، وميثاق الارتباط الحر، والذي قد يكون مشابها للمبادرة المغربية.

في تطور آخر مرتبط بالموضوع، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الإثنين خلال لقائه بموسكو نظيره المغربي ناصر بوريطة أن "مقترح الحكم الذاتي المغربي لإنهاء نزاع الصحراء هو أحد أشكال تقرير المصير المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، إذا ما تم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف"، مبرزا أن "مخطط الحكم الذاتي يمكن أن يكون حلا ناجحا شرط أن ينال موافقة الأطراف المعنية وتشرف عليه منظمة الأمم المتحدة".

"بين المغرب والجزائر لا توجد حرب..."
وعلق الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري محسن بلعباس على المبادرة الأمريكية في منشور في حسابه على فيس بوك بالقول إن واشنطن "تسعى لتحويل النزاع إلى ملف أمني، رغم أنه في جوهره قضية سياسية وتاريخية متجذرة في الاستعمار غير المكتمل للصحراء الغربية". مضيفا أن "الهدف الحقيقي يبدو إعادة ترتيب الوضع الاستراتيجي في شمال أفريقيا وفق مصالح خارجية، وليس مجرد فتح الحدود بين الجزائر والمغرب".

يضيف بلعباس: "بين المغرب والجزائر لا توجد حرب، ولا معارك أو وقف لإطلاق النار يحتاج إلى تفاوض، ولا إعادة إعمار. هناك فقط توتر سياسي، انقطاع دبلوماسي، وحدود مغلقة منذ ثلاثة عقود".

من جهته، يرى الخبير المغربي في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني في تصريح لفرانس24 أن "ترامب لا ينظر إلى المبادئ أو إلى خدمة الشعوب، بل إلى المصلحة الحيوية للولايات المتحدة، وأحيانا إلى مصالحه الشخصية ومصالح عائلته، كما ظهر في علاقاته واستثماراته في الخليج ومناطق أخرى من العالم. لذلك، فإن ما ورد على لسان ويتكوف لا يعني وجود مبادرة دبلوماسية حقيقية، بل كان تصريحا عابرا، أقرب إلى الارتجال الإعلامي منه إلى مبادرة سياسية مدروسة".

الخيار "بين الحكم الذاتي والعزلة"
في المقابل، يرى وزير التجارة الجزائري السابق نور الدين بوكروح أن مشكلة الصحراء الغربية "تقترب اليوم من نهايتها، وبلا شك لصالح المغرب... إذ لم يعد الاختيار أمام البوليساريو بين الحكم الذاتي والاستقلال، بل بين الحكم الذاتي والعزلة (...) بعد خمسين عاما من استراتيجية الكل أو لا شيء دون نتيجة".

يضيف بوكروح في منشور على فيس بوك أن "خطة المغرب (...) تقترح منطقة للحكم الذاتي بالصحراء، ستتيح للصحراويين في الخارج فرصة لمّ شملهم مع إخوتهم في الداخل وإعادة بناء وحدتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية. كما ينص البند 27 من الخطة على خضوع وضع الحكم الذاتي للمنطقة للمفاوضات، وعرضه على استشارة استفتائية حرة للشعوب المعنية، بما يضمن ممارسة حقهم في تقرير المصير. كما تنص الخطة على أن شعوب الصحراء ستدير شؤونها بنفسها ديمقراطيا عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية ذات صلاحيات حصرية، وستتوفر لديها الموارد المالية اللازمة لتطوير المنطقة في جميع المجالات".

في سياق الحديث عن تفاصيل خطة الحكم الذاتي، ينص البند الخامس منها أن "الدولة المغربية ستحتفظ بصلاحيات السيادة، بما في ذلك الدفاع والعلاقات الخارجية والمهام الدستورية والدينية للملك فيما يتحدث البند السادس على تشكيل "مجلس انتقالي" يضم ممثلين عن المغرب والبوليساريو للإشراف على إعادة توطين الصحراويين في المهجر وعمليات نزع السلاح وإعادة دمج العناصر المسلحة.

في الجانب المرتبط بحقوق الإنسان يشير البند 32 إلى أن الدولة المغربية ستتبنى عفوا عاما، يستثني المتورطين في جرائم خطيرة.

تباين واضح في المواقف بين الأطراف المعنية
رغم تفاؤل البعض، تواجه المبادرة تحديات كبيرة، أهمها التباين الواضح في المواقف بين الأطراف المعنية، بالإضافة إلى انعدام الثقة الطويل الأمد بين الرباط والجزائر، وقلق الأطراف الصحراوية من أي تسوية قد تُهمش حق تقرير المصير. ورغم ذلك، هناك عوامل قد تدعم نجاح المبادرة، مثل التأييد الدولي لخطة الحكم الذاتي المغربية، والرغبة في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.

وفي الوقت الذي يأمل فيه البعض أن تؤدي هذه الخطوة إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة، يحذر آخرون من أن أي فشل قد يكرس الجمود، أو يزيد من التوترات في المنطقة.

نزاع مزمن
منذ سنوات، لا تزال قضية الصحراء الغربية مطروحة في الأمم المتحدة باعتبارها إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي، إذ أدرجت منذ عام 1963 ضمن لائحة "الأقاليم غير المتمتّعة بالحكم الذاتي".

ورغم سيطرة المغرب الفعلية على معظم الإقليم، ترى الأمم المتحدة أن حق سكانه في تقرير المصير لم يُمارَس بعد، إذ بحسب رأي قانوني لها، فإن اتفاق مدريد 1975 لم ينقل السيادة قانونيا إلى المغرب، وبالتالي لا تزال مسؤولية تصفية الاستعمار قائمة.

في عام 1991 أنشأت الأمم المتحدة بعثتها للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO) بغية مراقبة وقف إطلاق النار وتهيئة استفتاء بشأن تقرير المصير، لكن ذلك لم يتم بسبب خلافات حول من يحقّ له التصويت وما طبيعة الحل النهائي. حاليا، يقود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستيفان ديميستورا الذي تمّ تعيينه في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، جهود الوساطة ويجري اتصالات مكثفة مع الأطراف المعنية، كما دعا إلى استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة وبحسن نية. من أبرز مقترحاته طرح خيار قيام جزء مستقل داخل الإقليم وجزء تحت السيادة المغربية (تقسيم) كحلّ محتمل، رغم رفض الطرفين له، كما حثّ المغرب على توضيح وتوسيع مقترحه لـ"الحكم الذاتي" تحت السيادة المغربية.