تستأنف محكمة جنح مستأنف الشروق وبدر في محكمة القاهرة الجديدة اليوم الخميس، أولى جلسات الاستئناف على حكم حبس الخبير الاقتصادي المصري البارز، الدكتور عبد الخالق فاروق لمدة خمس سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة". وتأتي هذه الجلسة وسط إدانات واسعة من منظمات حقوق الإنسان للحكم، الذي صدر في وقت سابق من هذا الشهر، والذي وصفته بأنه "جائر" وصدر بعد محاكمة "لم تشهد الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة".
ووفقًا لما أشار إليه فريق الدفاع عن المتهم، فإن الجلسة الماضية لم تمكن هيئة المحكمة الدفاع من الاطلاع على ملف القضية "رغم الإصرار على هذا الطلب كأبسط ضمانات المحاكمة العادلة، بل وسمحت للنيابة بالمرافعة، ليصدر بعدها الحكم بالإدانة والحبس دون إتاحة الفرصة للدفاع للمرافعة أو الاطلاع على المستندات". وقد طالب فريق الدفاع بتمكينه من الاطلاع في جلسة اليوم لضمان عدالة سير الإجراءات.
وبالتزامن مع أولى جلسات استئناف الحكم بحبسه، دانت إحدى عشرة منظمة حقوقية مصرية الحكم الصادر بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025 من محكمة جنح الشروق بالقاهرة الجديدة بحق فاروق. وشددت المنظمات، في بيانها اليوم، على أن هذا الحكم "يأتي على خلفية آرائه وتحليلاته التي انتقدت السياسات والأوضاع الاقتصادية في البلاد"، مُعتبرة أن المحاكمة شابتها العديد من المخالفات الإجرائية والقانونية.
وقد شاركت في التوقيع على هذا البيان منظمات فاعلة في المشهد الحقوقي، وهي منظمة إيجيبت وايد لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، ومنصة اللاجئين في مصر، ومؤسسة دعم القانون والديمقراطية، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
وأكدت المنظمات في بيانها أن هذه الملاحقة القضائية "تشكل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، المنصوص عليها في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان". واعتبرت أن الحكم يحمل "رسالة تهديد من السلطة بأن أي تعبير عن الرأي مصيره القمع والسجن"، مطالبة بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط عن فاروق، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة له".
وتعود وقائع القضية إلى 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عندما ألقت السلطات المصرية القبض على المفكر عبد الخالق فاروق من منزله. وحققت معه نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 4937 لسنة 2024 حصر أمن الدولة العليا، حيث وُجهت إليه في البداية اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة. وقد استندت هذه الاتهامات بشكل أساسي إلى نشره 40 مقالاً تضمنت انتقادات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وللسياسات الاقتصادية للدولة.
وخلال فترة حبسه، أشار المفكر عبد الخالق فاروق إلى ظروف احتجاز "لا إنسانية"، مؤكداً أنه لا يتلقى أبسط حقوقه في العلاج أو التعرض لأشعة الشمس، وأن المحتجزين يُغلق عليهم في الزنازين لما يقارب 23 ساعة يوميًا، ما يترك آثارًا مدمرة على صحتهم الجسدية والنفسية. وتشكل ظروف الاحتجاز هذه، بحسب المنظمات، انتهاكًا صارخًا للحق في الحياة والصحة، والمكفولين بموجب العهود الدولية ومبادئ الأمم المتحدة لمعاملة السجناء.
أشار المفكر عبد الخالق فاروق إلى ظروف احتجاز "لا إنسانية" خلال فترة حبسه
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2025، فوجئ فريق الدفاع بإحالة فاروق إلى محكمة جنح الشروق دون إخطارهم، وهو ما اعتبرته المنظمات انتهاكًا لحق الدفاع والمحاكمة العادلة المنصوص عليها دولياً. وقد تبين لاحقاً أن النيابة استبعدت اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها، واقتصرت الإحالة على اتهام نشر الأخبار الكاذبة فقط. وفي جلسة 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025، رفضت المحكمة طلب هيئة الدفاع الاطلاع على المستندات، وسمحت للنيابة بالمرافعة دون تمكين الدفاع من ذلك، ثم غادر القاضي والقاعة سرًا، ليفاجأ فريق الدفاع بعدها بيومين بصدور الحكم بالسجن 5 سنوات دون إعلانه في جلسة علنية، في مخالفة واضحة لضمانات المحاكمة العادلة.وتُعدّ محاكمة عبد الخالق فاروق وإدانته الأخيرة جزءًا من نمط متكرر لاستهداف المفكرين والباحثين بسبب آرائهم النقدية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، جرى اعتقال فاروق أيضاً عقب نشر كتابه "هل مصر بلد فقير حقًا"، الذي انتقد فيه الأزمة الاقتصادية والسياسات الحكومية. ورغم الإفراج عنه لاحقاً، فإن السلطات كانت قد صادرت الكتاب من المطبعة، مما يؤكد، بحسب المنظمات، وجود سياسة ممنهجة لإسكات كل صوت نقدي للسياسات الاقتصادية والسياسية.
على نطاق أوسع، تُظهر الأوضاع في مصر تدهورًا مستمرًا في ملف الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وفقًا لتقارير المنظمات الدولية والمحلية. فرغم إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، يستمر تضييق الخناق على المعارضة السياسية والمجتمع المدني المستقل، مع استمرار حملات الاعتقال والاحتجاز التعسفي لسجناء الرأي، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحافيين. وتُعتبر تهمة "نشر الأخبار الكاذبة" أداة متكررة تستخدمها السلطات المصرية لملاحقة المنتقدين، حيث يتم توجيهها بشكل واسع دون تقديم أدلة مادية ملموسة. وتؤكد المنظمات الدولية أن هذه المحاكمات تفتقر غالبًا إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في الدفاع والاطلاع على الأدلة.