انتقادات حقوقية لتصاعد إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام في مصر

في الجمعة ١٠ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

تخضع مصر لتدقيق دولي مستمر نتيجة الاستخدام "المفرط" لعقوبة الإعدام، سواءً من حيث عدد الأحكام الصادرة، أو التنفيذ الفعلي، وتزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 أكتوبر/تشرين الأول)، تؤكد الأرقام أن مصر أحد الدول العشر الأولى عالمياً في تنفيذ تلك العقوبة.

وكشف مركز الشهاب لحقوق الإنسان، صباح اليوم الجمعة، عن أرقام صادمة تتعلق باستخدام عقوبة الإعدام في مصر خلال السنوات الأخيرة، معتبراً أن هذه العقوبة "تُستخدم كأداة سياسية لقمع المعارضين منذ يوليو/تموز 2013". ووثق المركز الحقوقي إصدار القضاء المصري 2300 قرار بإحالة أوراق متهمين إلى المفتي في قضايا ذات طابع سياسي منذ عام 2013، كما أصدرت المحاكم 1613 حكماً نهائياً بالإعدام بحق معارضين سياسيين خلال الفترة نفسها، وتم تنفيذ 105 إعدام منذ عام 2015.

وأكد مركز الشهاب أن "هذه الأرقام تمثل مؤشراً خطيراً على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، خاصة في ظل غياب العدالة وانتهاك الضمانات القانونية للمحاكمات"، مشيراً إلى أن كثير من المتهمين تعرضوا منذ لحظة القبض عليهم لسلسلة من الانتهاكات شملت الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، مروراً بالتحقيق من دون حضور محامين، وصولاً إلى محاكمات استثنائية أمام دوائر الإرهاب، أو محاكم أمن الدولة العليا طوارئ والمحاكم العسكرية.

وأشار تقرير إحصائي صادر عن حملة "أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر"، اليوم الجمعة، إلى أن عامي 2023 و2024 شهدا صدور 963 حكماً بالإعدام بحق متهمين في قضايا مختلفة، من بينهم 84 سيدة، بنسبة تصل إلى 8.2% من إجمالي الأحكام، وخلال النصف الأول من عام 2025، بلغ عدد النساء الصادر بحقهن أحكام إعدام 31 سيدة من أصل 342 حكماً، ما يكشف عن تصاعد واضح في وتيرة إصدار أحكام الإعدام ضد النساء.

واعتبرت الحملة الحقوقية أن "هذه الأرقام لا تمثل مجرد إحصاء، بل إنها مؤشر على خلل بنيوي في طريقة تعامل القضاء مع المتهمات، خصوصاً في القضايا ذات الطابع الأسري، أو التي تتضمن خلفيات من العنف المنزلي. العدالة لا يمكن أن تتحقق في ظل تجاهل السياق الاجتماعي والظروف المعيشية التي تدفع نساء كثيرات إلى ارتكاب جرائم".

وفي دراسة قانونية أصدرتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، ناقشت الحملة اتجاه القضاء المصري في تطبيق عقوبة الإعدام على النساء، مع الإشارة إلى أن القضاة الجنائيين غالبًا لا يقدّرون الظروف النفسية الخاصة بالنساء المتهمات، ولا تأثير الموروثات الاجتماعية والثقافية على سلوكهن أو أوضاعهن. ولفتت الدراسة إلى أن المنظومات الثلاث التنفيذية، والقضائية، والتشريعية يشكلها الرجال، ما ينعكس على رؤية أحادية تختزل النساء في أدوار نمطية كزوجات أو أمهات أو فتيات، من دون اعتبار لواقعهن المعقد، أو لتأثير التمييز الجندري الممنهج عليهن".


وتظهر أحكام الإعدام الصادرة بين عامَي 2020- 2022، ارتفاعاً مقلقاً في الأعداد، ففي عام 2020، صدر 295 حكماً بالإعدام، وسرعان ما قفز العدد في العام التالي إلى 403 أحكام، وبلغ التصاعد ذروته في عام 2022، بـ538 حكماً بالإعدام، ما يشير إلى توسع ملحوظ في ميل المحاكم لإصدار تلك العقوبة، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ورصدت تقارير صادرة عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، 348 حكماً بالإعدام في عام 2023، و380 حكماً في 2024، وصدر في النصف الأول من العام الحالي 269 حكماً بالإعدام في 194 قضية مختلفة، من بينهم 17 أصبحت الأحكام بحقهم نهائية وغير قابلة للطعن، ما يعني قرب تنفيذها، إضافة إلى إحالة أوراق 197 آخرين إلى مفتي الجمهورية، وهي خطوة تمهيدية لإصدار حكم الإعدام.


ويُفسر هذا الارتفاع بعوامل عدّة، أبرزها زيادة عدد القضايا الجنائية الخطيرة، إضافة إلى استمرار تطبيق العقوبة في قضايا العنف السياسي، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية في 2022، وأشار التقرير إلى أنه في عام 2022، أيدت محكمة النقض والطعون العسكرية أحكام الإعدام الصادرة بحق 39 شخصاً، جميعها في قضايا جنائية، وخلال نفس الفترة، قامت السلطات بتنفيذ أحكام الإعدام بحق 30 محكوماً على الأقل في 11 قضية مختلفة.
ويضع هذا التوسّع في إصدار أحكام الإعدام مصر في ترتيب متدن للغاية في "مؤشر سيادة القانون" الذي يصدره مشروع العدالة العالمي، إذ تحتل المرتبة 135 من أصل 142 دولة عالمياً، وتكمن خطورة هذا في أن تطبيق عقوبة الإعدام غير القابلة للإلغاء أو التدارك، في ظلّ نظام قضائي يعاني من ضعف سيادة القانون، يزيد على نحوٍ هائل من مخاطر الخطأ القضائي والظلم الجسيم، فضلاً عن الافتقار إلى الثقة في استقرار ونزاهة النظام القضائي.
ويتعرض المحكوم عليهم بالإعدام لمعاملة استثنائية داخل السجون، إذ ينصّ القانون المصري على تخصيص عنابر خاصة منفصلة لهم، وتشمل الممارسات تقييد زيارات الأهل بمرة واحدة شهرياً، وتتعمد إدارات السجون في الغالب عدم إخطار أهل المحكوم عليه قبل تنفيذ الإعدام، ما يعد مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية.
ويجيز القانون المصري إصدار عقوبة الإعدام بشأن ما يزيد عن 105 جرائم، موزعة على عدد من التشريعات الرئيسية، من بينها جرائم تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي، ومواد في قانون الأحكام العسكرية قد تطبق على المدنيين.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، سجل التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرمي إلى وقف العمل بعقوبة الإعدام عدداً قياسياً من الدول المؤيدة بلغ 130 بلداً، ما يمثل دليلاً على تزايد الضغوط على الدول التي تستمر في التنفيذ، وقد امتنعت 22 دولة عن التصويت، وصوتت 32 دولة فقط ضد القرار.
ويؤكد الحقوقي المصري خلف بيومي أنّ عقوبة الاعدام من أشد العقوبات التي وردت في التشريعات الدولية لما تمثله من اعتداء صارخ على الحق في الحياة، ويوضح أنه "رغم ارتفاع عدد من الدول التي قرّرت إلغاء العقوبة، أو وضع ظروف مشدّدة لتنفيذها، إلّا أن عدد من الدول ما زالت تحرص على وجودها في التشريع الوطني، من بينها مصر".ويضيف بيومي لـ"العربي الجديد": "مناهضة العقوبة في الحالة المصرية، تأتي بالدرجة الأولى بسبب انعدام ضمانات المحاكمة العادلة، واستغلال القضاء الاستثنائي والعسكري في إصدارها بصورة غير مسبوقة؛ ويكفي أن نعلم أن المحاكم أحالت إلى المفتي 2300 قضية، وأصدرت أحكاماً بالإعدام على 1613 معارضاً، جرى تنفيذ الحكم فعلياً على 105 منهم، وهناك 113 حكماً واجب النفاذ على 113 آخرين. تصنف المؤسسات الحقوقية تلك الأحكام بأنها انتقام سياسي، وبذلت المؤسسات الحقوقية جهوداً مضنية للتعريف بالانتهاكات التي تمت في تلك الممارسات الاستثنائية التي حدثت من رجال الضبط القضائي وأعضاء ورؤساء الدوائر، ومن بينها التعذيب للاعتراف بجرائم غير قائمة".
وبشأن استناد التشريعات المصرية على الشريعة الإسلامية، وما تشمله من مبدأ القصاص، يقول بيومي: "هذا حق يراد به باطل، فالحدود تدرأ بالشبهات، وفق القاعدة الفقهية، التي تعني أنه متى وُجد الشك في ثبوت الحد، أو وجد سبب يمنعه، يجب على القاضي أن يرفع الحد عن المتهم رعايةً لكرامة الإنسان، وتجنباً للعقوبة الظالمة".
ويتابع: "الشريعة الإسلامية تتضمن وقائع عدّة، فقد أوقف الخليفة عمر بن الخطاب توقيع الحد على شارب الخمر لأنه تجاوز في طريقة القبض عليه؛ فماذا عمّا يجري حالياً من الإخفاء القسري، والتعذيب المادي والمعنوي، والاعتداء على حق الدفاع، ورفض سماع شهود النفي، وكلها ضمانات إذا أُخِلَّ بها يصبح الحكم الواجب هو براءة المتهم وليس إعدامه".