لماذا يتصاعد الدين الداخلي في العراق؟

في الخميس ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بغداد– يشهد العراق تصاعدا حادا في مستوى الدين العام الداخلي خلال عام 2025، مما أثار نقاشات جادة حول استدامة الوضع المالي للبلاد.

وتقلل الحكومة من خطورة الأمر، مؤكدة القدرة على إدارة هذا الدين داخلياً، فيما تتصاعد دعوات الخبراء لإصلاح الموازنة وتقليص النفقات كحل جذري.

وتكشف البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي عن قفزة واضحة، حيث سجل الدين الداخلي زيادة جديدة، ليصل إلى نحو 87.7 تريليون دينار (نحو 66.4 مليار دولار) في نهاية يونيو/حزيران الماضي.

ويظهر هذا الرقم بحسب الإحصائيات الرسمية ارتفاعاً بنحو 5.4% عن العام 2024 الذي بلغ فيه الدين الداخلي 62.9 مليار دولار.

ويأتي هذا التضخم في حجم الديون في إطار الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية المتذبذبة، مما يدفع الحكومة نحو الاقتراض الداخلي لتمويل العجز في الموازنة.

المستشار-الاقتصادي-لرئيس-الوزراء-مظهر-محمد-صالح-الصفحة-الشخصية-فيس
مظهر محمد صالح أكد قدرة العراق على إدارة ملفي الديون الخارجية والداخلية (مواقع التواصل الإجتماعي)
خفض سعر الدينار
أكد الخبير الاقتصادي عمار غسان أن قرار خفض سعر صرف الدينار العراقي من 1450 إلى 1310 للدولار الأميركي قد أحدث تغيرات هيكلية في المالية العامة للدولة، كان أبرزها تضخم النفقات الحكومية وتفاقم العجز المالي.

وقال غسان للجزيرة نت إن هذا القرار رفع النفقات الحكومية بنحو 25 مليار دولار سنوياً، مما أدى إلى قفزة في النفقات الجارية من 104 تريليون دينار (78.8 مليار دولار) إلى 125 تريليون دينار (94.7 مليار دولار).

كما أشار إلى أن فاتورة الرواتب وحدها ارتفعت من 43 تريليون دينار (32.6 مليار دولار) إلى 60 تريليون دينار خلال العامين الماضيين.

وفقاً لرؤية غسان، فإن ارتفاع الدين الداخلي للبلاد جاء بسبب اعتماد الحكومة بشكل رئيسي على سيولة المصارف العامة والخاصة لتمويل التزاماتها الداخلية والخارجية، وهو ما استنزف موارد هذه المصارف وأثر سلبا على النشاط الاقتصادي العام.

انعكاسات سلبية متعددة على الأداء الاقتصادي
وحذر غسان من انعكاسات سلبية لهذا الوضع، لخصها في النقاط التالية:

إعلان
ضعف أدوات السلطة النقدية وتأثيرها على الأسعار: قد يؤدي التغير في السياسة المالية إلى تقييد فعالية أدوات البنك المركزي، مما يرفع من مستوى التضخم إذا لم يكن هناك تنسيق بين السياستين النقدية والمالية.
تفاقم العجز في الموازنة: ذلك أن زيادة النفقات الحكومية تزيد من عبء الموازنة وتعمق العجز الفعلي فيها.
تأثير سلبي على النمو الاقتصادي: فالاستثمار يصبح في أدوات الدين الحكومي أكثر جاذبية للقطاع المصرفي من الإقراض الموجه للقطاع الخاص، مما يعيق التوسع الائتماني ويؤثر على النمو.
تآكل القيمة الحقيقية للأصول المالية الحكومية مما يقلل من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية.
زيادة أعباء خدمة الدين الداخلي ما قد يؤثر ذلك سلباً على مستوى معيشة المواطنين، خاصة إذا اضطرت الحكومة لخفض الإنفاق الاجتماعي الضروري لمكافحة الفقر والبطالة.
تعميق الريعية الاقتصادية من خلال الإفراط في الإنفاق التشغيلي وإهمال الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية الإستراتيجية.
المستشار الاقتصادي علاء الفهد الصفحة الشخصية فيس بوك
علاء الفهد: الحكومة العراقية تسعى ضمن برنامجها الإصلاحي إلى تنويع مصادر الدخل (مواقع التواصل الإجتماعي)
تطمينات حكومية
من جهته أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، الدكتور مظهر محمد صالح، متانة الوضع المالي للعراق وقدرته العالية على إدارة ملفي الديون الخارجية والداخلية.

وقال صالح للجزيرة نت، إن إجمالي الديون الخارجية واجبة السداد يقل عن 20 مليار دولار، نصفها مستحق الدفع حتى عام 2028، مشدداً على أن الحكومة تخصص أبواب صرف سنوية محددة لخدمتها.

وأضاف "لم يتخلف العراق في تسديد الديون إطلاقاً"، مؤكداً أن "وضع بلادنا إزاء الدائنين الخارجيين يتمتع بسمعة طيبة وإيجابية حتماً".

وفيما يخص الدين العام الداخلي، أشار صالح إلى أنه حصرياً بحوزة الجهاز المصرفي الحكومي، موضحًا أن أقل من نصفه تُديره حالياً المحفظة الاستثمارية للبنك المركزي بقدرة فنية ومالية عالية.

وقال "لا داعي للقلق"، حيث تعمل السياستان النقدية والمالية على وضع آليات تسديد مبتكرة، منها تحويل الدين إلى حقوق استثمارية في مشاريع منتجة ضمن صندوق وطني متكامل، مضيفا "بلادنا تتمتع بثروات اقتصادية هائلة تفوق تلك الديون بلا شك".

هيكلية جديدة لتنويع الإيرادات
من جانبه، أكد المستشار الاقتصادي علاء الفهد، أن هناك تحولاً جوهرياً في هيكلية الإدارة التمويلية للاقتصاد العراقي ترتكز على جذب الاستثمار وتهيئة بيئة استثمارية مناسبة.

وأوضح الفهد للجزيرة نت أن الحكومة تسعى ضمن برنامجها الإصلاحي إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية، مع سد العجز المالي بالاعتماد على الاقتراض الداخلي وإصدار سندات حكومية.

وشدد الفهد على أن الاستثمار هو المحرك الأساسي لعدم الاعتماد على النفط، مؤكداً أهمية تنشيط القطاع الاستثماري عبر جذب الاستثمار الأجنبي وإجراء إصلاحات مصرفية لخلق قوة ائتمانية.

الخبير الاقتصادي حسن الشيخ زيني الصفحة الشخصية فيس بوك
حسن الشيخ: الدين الخارجي أخطر على سمعة العراق وثقة الدول والمصارف العالمية به (مواقع التواصل الإجتماعي)
من جهته أكد الخبير بالشأن الاقتصادي، حسن الشيخ زيني، أن الدين الداخلي يمثل خطرا أقل مقارنة بالدين الخارجي، مشيراً إلى أن ارتفاعه كان نتيجة مباشرة لتراجع أسعار النفط.

وقال للجزيرة نت، إن لجوء الدولة للدين العام لسد العجز كان استجابة لعدم كفاية الإيرادات النفطية، مشددا على أن تقليص الدين الخارجي يمثل خطوة حتمية للحفاظ على الثقة العالية لدى الدائنين وتجنب المحاكم الدولية.

وطرح الخبير الاقتصادي حلولاً لمعالجة تضخم الدين الداخلي والاعتماد على النفط (يشكل النفط 95% من الإيرادات) ووصفه بـ "الخطأ الإستراتيجي"، ومن أهمها:

خفض النفقات التشغيلية وتطبيق سلم رواتب عادل.
تنويع مصادر السيولة عبر مشاريع استثمارية منتجة بدلاً من الاعتماد المفرط على الضرائب والرسوم.
مكافحة الفساد في الإيرادات وفرض الحوكمة الإلكترونية على الجبايات والخدمات لضمان ذهاب الأموال إلى خزينة الدولة.
وأكد الشيخ زيني على أن الدين الخارجي أخطر على سمعة العراق وثقة الدول والمصارف العالمية به، بالتالي فإن ارتفاع الدين الداخلي -يضيف المتحدث ذاته- مقابل تقليل الدين الخارجي يضع العراق في محل ثقة أمام الدائنين الدوليين.