الحكومة غرقت في النيل!

في الإثنين ٠٦ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أخبار الغرق في بعض المحافظات نتيجة تصريف كميات زائدة من مياه النيل، وتابعت كذلك فشل الحكومة المخزي في معالجة المشكلة. فحسب التصريحات الرسمية، فإن تصريف المياه من سد النهضة بلغ 21 مليار متر مكعب، اندفعت أولًا داخل أراضي السودان، ووصل منها إلى مصر 9 مليارات متر مكعب فقط.

وفي الوقت نفسه، فإن قوة السد العالي الحالية تبلغ 131 مترًا، أي أنه يمكنه استيعاب هذه الكمية بسهولة شديدة، لأنه قادر على استيعاب مياه حتى ارتفاع 178.5 مترًا. لكننا نفاجأ بأن الحكومة تطلق كميات هائلة من المياه القادمة بلا حساب، حتى تخطّت نصف المليار متر مكعب يوميًا.

الغريب أن ما تدّعيه الحكومة الفاشلة هو أن “طرح النيل” متوقع غرقه، بينما الحقيقة أن هذه المناطق لم تشهد غرقًا منذ عام 1970، رغم تعرضها لفيضانات كثيرة خلال هذه الفترة، والسبب ببساطة أن تصرفات المياه كانت تتم وفق خطة مدروسة، أما اليوم فكل شيء يجري بعشوائية تامة.

نسمع من يبرر بأن هناك “مفيض توشكى” يستوعب الزيادات في المياه، لكن الحقيقة أن هذا المفيض لا يعمل إلا عند بلوغ السد العالي أقصى ارتفاع له عند 178.5 مترًا، وهو مستوى خطر على السد، ولا فائدة من المفيض سوى تبديد المياه في الصحراء بطول يمتد إلى 22 كيلومترًا، فهذه المياه لا تغذي مشروعات توشكى الزراعية أو السكنية ولا تُستفاد منها بأي شكل.

المشكلة الأكبر أن الحكومة ترفض تعويض سكان القرى الغارقة، رغم أنها هي التي تؤجر لهم هذه الأراضي رسميًا، فإذا كان العقد مع الحكومة فمن المنطقي أن تتحمل هي نتائج الكارثة وتعوّض المتضررين، لأن ارتفاع منسوب المياه حدث بسبب قراراتها الخاطئة. هؤلاء مواطنون مصريون تعرضوا لكارثة حقيقية، ولم نسمع عن أي جهد رسمي لإنقاذهم أو حتى لاحتوائهم إنسانيًا.

هذه الواقعة – رغم بساطتها – كشفت أن الحكومة بلا خطط حقيقية، وأنها تدير الدولة بعشوائية كاملة. فقد قيل لنا مرارًا إننا مستعدون لأي موجة مياه قادمة من سد النهضة، وإن هناك خططًا للطوارئ، لكن الواقع أثبت العكس تمامًا. حتى في موضوع بسيط كهذا، والمتعلق فقط بأراضي طرح النيل وتصريف المياه، تصرّفت الحكومة تصرفًا أحمق، وأهدرت مياهًا كان يمكن تخزينها كرصيد لمواجهة فترات الجفاف المقبلة حتمًا.

إذا كانت هذه النتيجة الكارثية حدثت لمجرد 21 مليار متر مكعب، فماذا لو أطلقت إثيوبيا 60 مليارًا من مخزونها؟ عندها ستنتكس مصر وتنتهي أرضًا وشعبًا. لقد اتضح بالفعل أن الحكومة تبيع الكلام فقط، بينما الشعب يدفع ثمن ضحالة فكرها وسوء إدارتها.

المفترض أن سد النهضة قنبلة موقوتة، متوقع انفجارها في أي لحظة، وهذه الأزمة البسيطة كانت اختبارًا كشف غياب الكفاءات وأهل الخبرة، وتغلّب المزاجات على التخطيط والعلم. وفي النهاية، الشعب له الله.