أحدث التوقف المفاجئ لتشغيل مولدات الكهرباء والتصريف غير المتوقع، بمشروع سد النهضة الإثيوبي، حالة من الارتباك لدى الوزارات المعنية في مصر بما سببه من حالة عدم اليقين للاقتصاد ومشروعات الزراعة واستقرار إنتاج الكهرباء وسلامة منشآت الطاقة والصناعة والري في البلاد، من جراء الفيضان العارم الذي توجه نحو الأراضي والسدود السودانية، وبدأ الزحف إلى داخل الأراضي المصرية، مهددا السدود الواقعة على مسار نهر النيل بكل من مصر والسودان.
وفقا لبيانات وزارة الموارد المائية المصرية، فإن إيرادات النيل الأزرق خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بلغت 50 مليار متر مكعب، ليصبح أعلى من المتوسط المحقق تاريخيا، بما يضع السد العالي وخزان أسوان أمام اختبار جديدة في إدارة التخزين والتصريفات، رغم قدرته على استيعاب فيضان بقدرة 160 مليار متر مكعب.
مخاطر سد النهضة
وصف خبراء مصريون الفيضانات التي وقعت خلال الأيام الماضية، بعد قرار إثيوبيا بفتح بوابات حجز المياه بسد النهضة فجأة، وبعد انقضاء فترة الفيضانات الموسمية منتصف شهر سبتمبر الماضي، بأنها "قنبلة موقوتة" تعكس النقص الشديد في البنية التحتية بسد النهضة وعدم قدرة إثيوبيا على الاستخدام الفعلي لطاقة الكهرباء المتوقعة من المخزون الهائل أمام السد الذي يقارب 74 مليار متر مكعب، جرى تخزينها على مدار السنوات الخمس الماضية، بدون موافقة أو تنسيق مسبق مع الدولتين المتضررتين من سوء إدارة المياه بالسد.
قال أستاذ جيولوجيا المياه بكلية الدراسات الأفريقية بالقاهرة، عباس شراقي، إن أحد المخاوف التي تمثل خطرا على مصر وجود احتمالات لانهيار السد أو تعرضه لمخاطر طبيعية كالزلازل والفيضانات والانزلاقات الأرضية.
وبيّن لـ"العربي الجديد" خطورة أن تتحول إدارة السد إلى أداة ضغط سياسي على مصر، إذ إن التحكم في التوقيت وكميات التصريف تملكها إثيوبيا منفردة، في غياب اتفاق ملزم، يجعل مستقبل إمدادات المياه مليئا بالمفاجآت والمخاطر، سواء في صورة جفاف مدمر أو فيضانات جارفة، تؤدي إلى تقليص إنتاج الغذاء وزيادة كلفة استيراد السلع الأساسية، ودمار بيئي واقتصادي واسع.ومع إعلان السلطات السودانية حالة "الإنذار الأحمر" على امتداد الأراضي المحيطة بنهر النيل، نتيجة الارتفاع غير المسبوق في منسوب مياه النيلين الأزرق القادم من إثيوبيا والأبيض القادم من روافد النيل من أوغندا وبحيرة فيكتوريا، انتقلت الأزمة المائية إلى مرحلة جديدة تثير قلقا متزايدا في مصر.
فبينما يواجه السودان تهديدا مباشرا للقرى والبنية التحتية خاصة في سدي مروى والروصيرص، تحاول القاهرة امتصاص الآثار السلبية لتأثيرات سد النهضة الإثيوبي، بفتح مفيض توشكا المغذي لفرع نهر النيل القديم بالصحراء الغربية وبوابات السد العالي وخزان أسوان جنوب مصر، وسط مخاطر بغرق الجزر النيلية المؤهلة بالسكان، وارتفاع معدل المياه بالمسار الرئيسي وفروع نهر النيل، بما يعرض مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية والمساحات السكنية المحيطة بشاطئ النيل للغرق.
الإنذار الأحمر
لم يعد الإنذار الأحمر في السودان مجرد حدث محلي، رغم ما مر به من كوارث طبيعية خلال العام، بل أضحى إنذارا استراتيجيا لمصر أيضا، فهو يذكر بأن النيل لم يعد نهرا يمكن التنبؤ بتقلباته كما في الماضي، بل أصبح ساحة صراع بين الطبيعة المتقلبة والمشروعات ذات الطابع السياسي الكبيرة، عدا أن مصر تعيش على النيل ومصيرها متربط بقدرتها على إدارة مياهه في وقت الفيضان وخارجه.
في تقرير لمؤسسة "فيتش سوليوشنز" المالية، صدر أخيرا حذرت من أن سد النهضة الإثيوبي قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل المصرية، خاصة القمح والذرة والأرز، نتيجة تراجع إمدادات المياه للري، حيث تستهلك الزراعة نحو 80% من المياه في مصر، بما سيرفع الاعتماد على الاستيراد وزيادة فاتورة الغذاء. مع بدء وصول المياه للأراضي المصرية، أطلقت وزارة الري حالة الطوارئ، لمتابعة حجم التدفقات اليومية، من مياه النيل، وربطها بمعدلات الصرف خلف السد العالي، في تصرف اعتبره أستاذ الأراضي وهندسة المياه بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، غير كاف في ظل تغير المعادلة الهيدرولوجية للنهر التي تأثرت أخيرا بفعل سد النهضة، فضلا عن تقادم البنية الإنشائية للمشروعات المنظمة لمياه نهر النيل التي تحتاج تحديثات دورية مكلفة ماليا.