تتصاعد المخاوف في العراق من تنامي العنف الأسري، في وقت تُسجَّل أرقام رسمية غير مسبوقة وصلت إلى نحو 14 ألف حالة موثّقة من هذا العنف، الأمر الذي يعكس تزايد التحديات الاجتماعية والحقوقية وضعف المعالجات المؤسساتية. ويفيد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في تقرير أصدره اليوم الأربعاء، بأنّ "إحصاءات مجلس القضاء الأعلى أظهرت تسجيل 13.857 حالة عنف أسري في النصف الأول من عام 2024"، فيما سُجّلت "18.436 حالة في عام 2023"، و"21.595 حالة في عام 2022"، موضحاً أنّ "حالات اعتداء الأزواج على الزوجات شكّلت 75% من مجمل تلك الحالات، واعتداء الزوجات على الأزواج 17%، واعتداء الوالدَين على الأبناء 6%، فيما بلغت نسبة العنف ضدّ كبار السنّ 2%".
ويعيد المركز العراقي المستقل أسباب تصاعد العنف الأسري في العراق إلى عوامل عدّة، من أبرزها "غياب التثقيف الأسري، والمشكلات الاقتصادية والعائلية، وضعف الالتزام الديني، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتزايد حالات الخيانة الزوجية، وارتفاع معدّلات تعاطي المخدرات"، مشيراً إلى أنّ العنف الجسدي كان "الأكثر شيوعاً من بين أنواع العنف الأسري" في عام 2024، "تلاه العنف الجنسي ثمّ اللفظي". وقد سجّلت بغداد، بحسب تقرير المركز، أعلى نسبة من حالات العنف الأسري مع 31%، فيما أتت النسبة الأدنى في محافظة صوإذ يدعو المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق الحكومة والمؤسسات الدينية والتعليمية والفاعلين الاجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني إلى إطلاق حملات توعية للحدّ من العنف الأسري ومخاطره على الأسرة والمجتمع ككلّ، يحثّ البرلمان والحكومة على "الإسراع في إقرار قانون مكافحة العنف الأسري".
ويحذّر متخصّصون في الشأن الاجتماعي من مخاطر عدم توفّر آلية قانونية لمكافحة العنف الأسري في العراق. ويقول الأكاديمي العراقي مصطفى السويعدي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأرقام (العالية) متوقّعة بسبب انتشار أسباب هذا العنف وعدم إيجاد معالجات لها"، لافتاً إلى "وجوب التعامل مع الأمر بوصفه تهديداً للأمن المجتمعي لا يقلّ خطورة عن التحديات الأمنية التقليدية". ويضيف أنّ "العراق ما زال أمام اختبار صعب بسبب ضغوط المجتمع المدني والحاجة إلى توافق سياسي وكذلك تشريعي لوضع حماية الأسرة على رأس الأولويات"، مشيراً إلى أنّ "تفاقم العنف الأسري قد يترجَم لاحقاً إلى عنف مجتمعي أوسع نطاقاً، كذلك فإنّ غياب المعالجات الجادة يعمّق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية المعنية".
وكانت الحكومة العراقية السابقة قد أقرّت في عام 2020 مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، وأرسلته إلى مجلس النواب الذي لم يتمكّن من تمريره وسط تجاذبات ومخاوف وعراقيل من كتل سياسية متنفّذة تنطلق من أيديولوجيات دينية، فتزعم أنّ القانون تقليد لقوانين غربية ويمنح المرأة حقّ الحصول على رعاية حكومية. وهو أمر ترى تلك الجهات أنّه يشجّع العراقيات على التمرّد.