مصر... مخاوف من زيادة الغلاء والإنفاق العسكري بعد اجتياح غزة

في الأربعاء ١٧ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد مرور 711 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومع بدء الاجتياح البري لمدينة غزة المحاصرة، تدفع حالة الحرب المستعرة الاقتصاد المصري إلى منحى خطير، حيث تتراجع إيرادات البلاد الدولارية، وترتفع قيمة الواردات بما فيها واردات الطاقة، بسبب انخفاض إيرادات قناة السويس وزيادة تكاليف استيراد المنتجات النفطية والسلعية، ومخاوف الاستثمار الأجنبي المباشر من ضخ أموال في القطاعات الإنتاجية، والخلافات مع صندوق النقد الدولي، بما وجه الحكومة إلى طلب المزيد من القروض الأجنبية، والاعتماد على الأموال الساخنة التي يتم ضخها في أدوات الدين والبورصة في توفير النقد الأجنبي.

يبدي خبراء اقتصاد في مصر مخاوفهم من توسيع إسرائيل دائرة المواجهة العسكرية، التي امتدت لخمس دول عربية، والإصرار على تهجير أهالي غزة، بما يمثل كارثة اقتصادية جديدة، قد تدفع الدولة المصرية إلى توجيه إمكاناتها البشرية والمادية إلى تمويل برامج التسليح وزيادة الإنفاق العسكري، بما يضغط على كل الأنشطة الاقتصادية بالدولة، وكذا على موارد النقد الأجنبي.

خسائر قناة السويس
للعام التالي تتراجع إيرادات قناة السويس، التي ظلت لسنوات المورد الثاني الرئيسي لتمويل الموازنة العامة بالنقد الأجنبي، بقيمة 8.5 مليارات دولار، ليهبط بنحو 145 مليار جنيه (2.99 مليار دولار) في يونيو/ حزيران الماضي موعد انتهاء العام المالي 2024/ 2025.
تسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وامتداده إلى الأراضي اليمنية، في تأجيج العمليات العسكرية بمنطقة البحر الأحمر ومدخل باب المندب، ما دفع أكبر شركات النقل البحري خاصة الألمانية والهولندية والفرنسية، إلى تأجيل اتخاذ قرار بعودة مرور سفن الشحن التابعة لها إلى ممر البحر الأحمر وقناة السويس، إذ إنها سبق أن وعدت في إبريل الماضي ببحث العودة للممر، في النصف الثاني من العام الجاري.وفقا لبيان صحافي لوزير المالية أحمد كوجك، الأسبوع الماضي، سجلت إيرادات قناة السويس تراجعا حادا في العوائد خلال عام 2024، بلغ 61% من جملة الإيرادات، لتحقق 3.9 مليارات دولار فقط بالمقارنة بنحو 10.2 مليارات دولار حققها عام 2023.
أكدت مصادر بغرفة شركات السياحة إلغاء العبارات السياحية العملاقة" الكروز" الأميركية والأوروبية، التي تدور برحلاتها حول العالم، مع زيارة عدة موانئ أوروبية وعربية مرورا بالبحرين المتوسط والأحمر، عبر قناة السويس، خلال الصيف الحالي، متأثرة بإطلاق الصواريخ من جماعة الحوثيين ضد قوات الاحتلال في إيلات وحيفا وتل أبيب.
كما زادت مخاوف الشركات أخيرا مع لجوء إسرائيل إلى تفجير سفن النشطاء الداعمين لغزة بالطائرات المسيّرة، الذي رفع من خطورة وجود هذه النوعية من السياحة الفاخرة إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها والاتجاه للمرور برأس الرجاء الصالح.
يشير خبراء غرفة السياحة إلى أن حالة القلق من الحرب وتوسعها تثير مخاوف قطاع عريض من السائحين خاصة القادمين من مناطق بعيدة، ولا يعرفون الكثير عن جغرافية المنطقة وابتعاد مصر عن منطقة الصراع، لاسيما الذين يأتون لزيارة عدة دول في الرحلة نفسها، بينما تظل السياحة منتعشة في مناطق عديدة داخل مصر، من نوعية سائحين أوروبيين قادمين من مناطق صراع وسبق لأغلبهم زيارة مصر، وسط أجواء التوتر التي تمر بها.

زيادة الأسعار
تعليقا على تلك الحالة قال خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده، إن توسيع دائرة العدوان الإسرائيلي على غزة واجتياحها بريا أمس وامتداد العدوان إلى لبنان واليمن وإيران وسورية وقطر، وامتداد تهديداته أخيرا على لسان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لكل من العراق وموأكد في اتصال بـ"العربي الجديد" أن الخسائر ستزداد في الفترة المقبلة، لاستمرار حالة الصراع الجيوسياسي، وتطور الأطماع الإسرائيلية ليمثل شبح طرد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أرضهم نحو مصر، خطورة على كل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في مصر.
أوضح خبير التمويل والاستثمار أن العدوان الإسرائيلي زاد من الأعباء الاقتصادية على المواطن المصري، الذي أصبح يعاني من زيادة الأسعار، جراء ارتفاع الشحن البحري الذي يأتي بنحو 90% من احتياجات المصريين من الغذاء والواردات الصناعية والنفطية، بالتوازي مع زيادة رسوم التأمين والنولون، على الشحنات كافة، والتي لم تتراجع بنسب ما قبل الحرب، رغم الهدوء النسبي في الممرات المائية، على مدار الأشهر الماضية.

زيادة الإنفاق العسكري
يبدي عبده مخاوفه من أن تضطر الدولة إلى توجيه موارد مالية ضخمة بالدولار للإنفاق على التسليح، لمواجهة التهديدات التي يطلقها نتنياهو، بدلا من توفير تلك الأموال لتحسين الاقتصاد والمعيشة الصعبة التي يحياها المصريون، بسبب تدهور الجنيه وزيادة التضخم وارتفاع قيمة الواردات.
ولفت إلى أنه رغم تأثير حالة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن التمويل السخي بالمال والسلاح الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الداعمة للاحتلال، يعوضها عن تلك الخسائر، بينما تقلل حالة العدوان على غزة، من قدرة مصر على تدبير الدولار، وتربك كل القطاعات الإنتاجية، خاصة أن الحكومة تنشط الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد على موارد هشة، كالسياحة وخدمات المرور بقناة السويس، والتعهيد والعقارات، وتحويلات المصريين بالخارج، واعتماد المشروعات الصناعية والزراعية، على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج.صر وتركيا، تؤثر على منظومة الحياة في المنطقة بالكامل، وتصيب الاقتصاد المصري في مقتل.يؤكد اقتصاديون أن اعتماد الدولة على الاقتصاد الريعي يجعلها عرضة للتأثر الشديد بالتقلبات الخارجية، مستشهدين بحالة العدوان على غزة، الذي تزامن مع توترات جيوسياسية في أوروبا أدت إلى ارتفاع أسعار كل السلع الأساسية والواردات، دفعها إلى بيع الأصول العامة للأجانب، ومزيد من الاستدانة من الدول وصندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطه القاسية للإقراض، والتي تبدأ بخفض قيمة العملة، ورفع أسعار السلع وخفض الدعم للكهرباء والمحروقات، وتقييد الإنفاق الحكومي على الاستثمارات التي تستهدف النمو وتحسين مستوى معيشة المواطنين. يقدر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، متوسط الخسائر في إيرادات مصر من السياحة وقناة السويس خلال العامين الماليين 2023/ 2024 و2024/ 2025، بحوالي 9.9 مليارات دولار، مشيرا في تقرير أصدره أخيرا إلى أن استمرار حالة الحرب أو توسع الصراع العربي الإسرائيلي سيرفع تلك الخسائر إلى 13.7 مليار دولار، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وحتى الآن.

في دراسة اقتصادية تقديرية موازية لمكتب الأمم المتحدة بالقاهرة، بينت أن الناتج المحلي الإجمالي المصري انخفض بنحو 2.6% و1.3% بالتوالي في السنتين الماليتين الماضيتين، مؤكدة أن توسع النزاع أو توسيع الصراع الإقليمي سيزيد من شدة الخسائر، بينما يتوقع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أن تراجع النمو قد يكون أكبر خلال الفترة المقبلة. ويتوقع اقتصاديون أن يؤدي تصاعد الصراع وتوسع الهجمات على السفن إلى استمرار تجنب الملاحة بقناة السويس حتى منتصف العام المقبل، وضعف إيرادات السياحة، في وقت يصعب تجاوز تلك الخسائر من إيرادات أخرى كتحويلات المصريين في الخارج والتعهيد، وانخفاض الاستثمار الأجنبي وزيادة تكاليف الاستيراد، وتدهور صورة مصر الاقتصادية أمام المستثمرين، وفقدان الوظائف.