خريطة السعادة وجودة الحياة والعيش الأفضل في 2025.. الخليج يتقدم وأوروبا تتراجع

في الإثنين ١٥ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بينما تحافظ بعض دول الشمال الأوروبي على صدارتها في مؤشرات السعادة، تواصل دول الخليج الصعود بثبات في تقارير جودة الحياة والتنمية البشرية، لتشكل مفارقة لافتة مع تراجع دول كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتعقيدات الاندماج الاجتماعي.

كشفت بيانات حديثة عن تقرير إكسبات إنسايدر «Expat Insider 2025» أن بنما تصدرت قائمة أفضل دول العالم للعيش للسنة الثانية على التوالي، مع تسجيل 94% رضا بين المغتربين عن مستويات المعيشة والبنية التحتية.

يعتبر إكسبات إنسايدر استبيان عالمي يقيس رضا المغتربين، أي الأجانب المقيمين، عن حياتهم في بلد معين من حيث العمل، وجودة الحياة، وسهولة الاندماج، وتكلفة المعيشة.

تقريرإكسبات إنسايدر: بنما في الصدارة وأميركا تتراجع
وفي المقابل انخفضت الولايات المتحدة إلى المرتبة 36 بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع خدمات البنية التحتية وتدهور شعور الأمان بين السكان.


ويرى صندوق النقد الدولي أن التضخم العالمي سيواصل الانخفاض في 2025، إلا أنه سيتجاوز الهدف المرصود في أميركا، ما يفسر المخاوف المتزايدة من غلاء المعيشة في الدول المتقدمة.

وتعكس هذه النتائج الاستثمارات الضخمة في الرعاية الصحية والبنية التحتية، بالإضافة إلى دخول مرتفعة لمغتربيها.

تفوق خليجي في جودة الحياة
لكن الصورة تختلف تماماً إذا ما نظرنا إلى مؤشرات جودة الحياة خارج أميركا وأوروبا، يظهر تصنيف جودة الحياة العالمي الصادر من قِبل نامبو Numbeo 2025، احتلال عُمان وقطر المركزين الرابع والتاسع، متفوقتين على معظم الدول الغربية.

يُظهر المؤشر تبايناً واضحاً بين الدول العربية في ترتيبها عالمياً، حيث جاءت عُمان في المركز الرابع عالمياً (215.1 نقطة) متقدمة على معظم الدول الأوروبية بفضل ارتفاع مؤشر الأمان (81.4) ومستويات القوة الشرائية (170.9)، رغم أن مؤشر تكلفة المعيشة والعقارات منخفض نسبياً.
كما حققت قطر المركز الـ16 (189.4 نقطة) مع تفوق لافت في الأمان (84.6) والصحة (73.5)، لكن بضعف ملحوظ في المناخ (36.0) والتلوث المرتفع نسبياً.

أما الإمارات فاحتلت المركز 24 (174.2 نقطة)، مع تميز في الأمان (85.2) والرعاية الصحية (70.7)، لكنها تواجه تحديات في التلوث (48.2) وأسعار العقارات المرتفعة نسبياً.
وفي المرتبة 25، جاءت السعودية (173.7 نقطة) مدفوعة بارتفاع القوة الشرائية (155.0) والأمان (76.3)، إلا أن تكاليف المعيشة المنخفضة نسبياً (41.5) لا تخفي التراجع في المناخ (39.3) والتلوث.

في الخليج أيضاً، جاءت الكويت في المركز 33 عالمياً (167.9 نقطة) مع قوة شرائية مرتفعة جداً (197.2)، لكن مؤشرات المناخ (20.2) والتلوث (69.4) عكست جوانب تحدٍّ واضحة.
بينما تراجعت الأردن إلى المرتبة 60 (126.9 نقطة) بفضل رعاية صحية جيدة (65.5) ومستوى أمان مقبول (60.2)، إلا أن التلوث (77.1) وزمن الازدحام المروري المرتفع يضعفان جودة الحياة.

وتُظهر توقعات صندوق النقد نمواً مستقراً في اقتصادات الخليج؛ فاقتصاد عمان يُتوقع أن ينمو بنحو 2.3% في 2025، والقطري بنسبة 2.4%.

في حين تستهدف الإمارات نموّاً بنحو 4% يدعمه تنويع القطاع الاقتصادي، يُمكّن هذا النمو هذه الدول من تمويل مستويات معيشية عالية وإبقاء التضخم في حدود معقولة.

ولم تكن المفاجأة فقط في أميركا اللاتينية، بل برز الخليج العربي كأحد أبرز المستفيدين من الاستثمارات الحديثة.

كما برز صعود أميركا اللاتينية وآسيا في قائمة أفضل الوجهات، فجاءت كولومبيا في المركز الثاني بعد أن كانت خامسة العام الماضي، بفضل رضا 81% من المغتربين عن أوضاعهم المالية، وتبوأت المكسيك المركز الثالث رغم تحدياتها الأمنية.

أما في آسيا فجاءت تايلند رابعة وفيتنام خامسة والصين سادسة، إذ تسهم اقتصاداتها المتنامية وتكاليف المعيشة المنخفضة في جاذبيتها.

ويلاحظ أن نصف مراكز المراتب العشرة الأولى تشغلها دول آسيوية، ويرجع ذلك إلى تحسن فرص العمل وتوازن الحياة المهنية فيها.

على النقيض، تراجع ترتيب دول أوروبا الغربية والغنية، فقد احتلت ألمانيا المركز 42، والمملكة المتحدة 41، والسويد 38، والنرويج 39.

ويعزو التقرير هذا التراجع إلى ارتفاع تكاليف المعيشة الباهظة، وتعقيدات البيروقراطية، وصعوبة الاندماج الاجتماعي للأجانب.

وبحسب تحليلات الخبراء، تحولت العوامل الاقتصادية إلى المحدد الأهم لجودة الحياة؛ فكل الدول التي جاءت ضمن أفضل 15 من حيث المالية الشخصية أي الدخل وتكلفة المعيشة جاءت أيضاً في المراتب الأولى من حيث الرضا العام.

تقرير السعادة العالمي: الشمال الأوروبي يحافظ على الريادة في السعادة
أما بالنسبة لمؤشر السعادة العالمي، يقيس مدى رضا الأفراد عن حياتهم من خلال سؤال بسيط يُعرف بـCantril Ladder، إذ يتخيل الشخص «سلم» من 0 إلى 10، 0 هو أسوأ حياة ممكنة و10 أفضل حياة ممكنة، ثم يحدد أين يرى نفسه على هذا السلم.
ويتم تفسير هذا التقييم عبر 6 عناصر رئيسية، بين الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر الصحي المتوقع، والحرية في اتخاذ القرارات، والكرم، والإدراك بانتشار الفساد.
تكشف بيانات تقرير السعادة العالمي 2025، التي تغطي بيانات 2024، استمرار هيمنة دول الشمال الأوروبي مثل فنلندا والدنمارك وآيسلندا على المراتب الأولى عالمياً، بفضل توازنها بين النمو الاقتصادي، والدعم الاجتماعي، وارتفاع جودة الحياة، في المقابل، تتفاوت نتائج الدول العربية بشكل كبير.

ورغم هذا التراجع في أوروبا الغربية، فإن بلدان الشمال لا تزال تمثل الاستثناء، جاءت الإمارات والسعودية والكويت في مراتب متقدمة نسبياً عالمياً، بين 21 و32، وهو انعكاس لتحسن مستوى المعيشة، ارتفاع نصيب الفرد من الدخل، وتطوير الخدمات العامة

الخليج في المقدمة.. استثمار في البشر قبل الموارد
تتوافق هذه النتائج مع مؤشرات أخرى، مثل مؤشر التنمية البشرية HDI، التي تضع دول الخليج في خانة التنمية المرتفعة جداً، كما تدعمها نتائج استطلاعات المغتربين التي تصف دول الخليج بأنها جاذبة للعمل لكن أقل في الانفتاح الاجتماعي.

تكشف بيانات مؤشر التنمية البشرية 2023 عن تباين واضح في أداء الدول العربية، إذ تحتل بعض دول الخليج مراكز متقدمة عالمياً بفضل مستويات الدخل المرتفعة، والاستثمار في التعليم والصحة، والبنية التحتية المتطورة.

فقد جاءت الإمارات في المرتبة 14 عالمياً (0.940)، وهي الأولى عربياً، متقدمة حتى على كندا والولايات المتحدة، ما يعكس نجاح سياساتها في تنويع الاقتصاد وتحسين جودة الحياة.

تلتها السعودية في المركز 36 والبحرين في 37، ما يشير إلى صعود مستمر لدول الخليج إلى فئة التنمية البشرية المرتفعة جداً، كما سجلت قطر المرتبة 42 وعُمان 49 والكويت 51، لتتواجد معظم دول الخليج ضمن الشريحة الأولى عالمياً.

المال لم يعد وحده كافياً
في المحصلة، لم تعد الجاذبية تقاس بالدخل وحده؛ فالمال لم يعد العامل الأساسي، بل تحول المال إلى عنصر في إطار شامل يُقاس من خلاله مختلف جوانب حياة المغترب وتجربته المعيشية.

بناءً على هذه المعطيات، يبدو أن مراكز الترتيب العالمية تتبدل وفقاً لواقعٍ اقتصادي جديد؛ إذ تميل أفضل دول العيش إلى تلك التي تجمع بين استقرار مالي طويل الأمد، ووفر الخدمات العامة، وانفتاح اجتماعي يُسهل الاندماج.