شهدت مستشفيات حكومية عدة في مصر أخيراً اعتداءات طاولت أطباء وطواقم صحية أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني والمهني، ما دفع نقابة الأطباء إلى تجديد المطالبة بتوفير الحماية وتغليظ العقوبات لكبح المعتدين، ووقف ظاهرة الإفلات من العقاب.
وتتمسك وزارة الداخلية برفض تأمين المستشفيات الحكومية التي تستعين بشركات أمن خاصة تدفع للعاملين رواتب هزيلة، ما يضطرهم إلى السماح بدخول عدد كبير من المرافقين مع كل مريض، وفي غير الأوقات المخصصة للزيارة، مقابل تلقي رشى مالية.ومؤخراً، أعربت نقابة أطباء مصر عن استنكارها لواقعة الاعتداء "الإجرامي" على الطبيب بمستشفى سيد جلال الجامعي بالقاهرة محمد بسيوني أثناء تأدية عمله، والتي أسفرت عن إصابته بجرح غائر في الوجه، وأكدت النقابة أنّ "ما جرى يمثل اعتداءً سافراً، ليس فقط على الطبيب، بل على حرمة المنشأة الطبية والمنظومة الصحية بأكملها. أي اعتداء على طبيب أثناء عمله سيتم التعامل معه باعتباره جريمة مكتملة الأركان، ويُحرر بشأنه محضر رسمي باسم المنشأة الطبية".
وطالبت النقابة بتطبيق العقوبات التي يقرها القانون بلا تهاون حفاظاً على كرامة الأطباء، وصوناً لهيبة المؤسسات الصحية، مجددة مطالبتها بضرورة تغليظ عقوبات المعتدين على الأطباء والمنشآت الصحية، كون استمرار الاعتداءات يشكل تهديداً مباشراً للمنظومة الصحية، وحق المريض في الرعاية.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن عدد الأطباء المصريين المستقيلين من القطاع الحكومي بسبب تكرار الاعتداءات عليهم وضعف منظومة الأجور بلغ 2549 طبيباً في عام 2017، و2612 طبيباً في 2018، و3507 أطباء في 2019، و2968 طبيباً في 2020، و4217 طبيباً في 2021، و4261 طبيباً في 2022.
وتواجه مصر نقصاً حاداً في عدد الأطباء مع استمرار نزيف هجرتهم، لا سيما بعد جائحة كورونا وتكرار وقائع الاعتداء عليهم من قبل مرافقي المرضى في غياب التأمين، إضافة إلى تقاضيهم مرتبات ضئيلة لا تتناسب مع جهودهم في المستشفيات.
وخلال العامين الماضيين، زادت حدة حوادث الاعتداء على الأطباء في مصر، إذ تعرض طبيب لاعتداء جسدي في محافظة قنا (جنوب)، عقب رفضه استقبال حالة طارئة تعاني من التهاب في المرارة داخل عيادته الخاصة، بسبب احتياج المريض إلى الرعاية الصحية في مستشفى مجهز. وشهد مستشفى العبور التابع لهيئة التأمين الصحي في محافظة كفر الشيخ (شمال)، محاولة قتل استشاري الباطنية مصطفى الشناوي بعد مشادة كلامية بين الطبيب والمريض حول أسلوب العلاج، لتستدعي زوجة المريض وزوجة ابنه أشخاصاً للاعتداء على الطبيب، الذي أصيب بكسر في الكتف استدعى إجراء عملية جراحية.
تدفع الاعتداءات الكوادر الطبية إلى الاستقالة، 26 إبريل 2021 (فضل داود/ Getty)
تدفع الاعتداءات الكوادر الطبية إلى الاستقالة، 26 إبريل 2021 (فضل داود/ Getty)
وفي مستشفى المطرية التعليمي بالقاهرة، اعتدى مرافق على طبيب رفض دخول زوجة المعتدي لزيارة أحد أقاربها في غير موعد الزيارة، ما تسبب في كسر بعظام الجمجمة ونزيف بالمخ. وفي مستشفى البنك الأهلي للرعاية المتكاملة بحي المقطم في القاهرة، تعرضت مجموعة من الأطباء والممرضين لاعتداءات مبرحة من أهالي أحد المرضى بعد منعهم من دخول غرفة الطوارئ، ما أدى لإصابة خمسة أطباء بكسور وجروح قطعية.
واعتدى شاب على طبيب طوارئ بمستشفى حلوان، جنوبي القاهرة، وأصابه بجرح قطعي في الكتف، كما روّعَ أفراد الأمن بكلب شرس وأصابهم بكدمات ثم فر هارباً. وبيّنت الشرطة لاحقاً أنه "مسجل خطر"، وأنه اعتدى على أحد الأشخاص بسلاح أبيض خلال مشاجرة ثم أحضره إلى المستشفى لتلقي العلاج.
كما اعتدى شخص بالضرب على طبيب أمراض نساء في مستشفى السويس العام، ما أدى إلى كسر في يده اليسرى. وتعرض طبيب عظام بمستشفى ناصر العام بمنطقة شبرا في القاهرة للاعتداء من مرافقي أحد المرضى، خلال مناظرة حالة مرضية أحضرتها سيارة إسعاف إلى المستشفى. وفي مستشفى سوهاج الجامعي، قرر الفريق الطبي نقل إحدى المريضات من قسم العناية المركزة بعد تحسن حالتها إلى القسم الباطني لاستكمال العلاج، لكن ذلك أغضب أفراداً من عائلتها، حيث اعتدوا على طبيبتين وطبيب.
وحطم مرافقو أحد المرضى محتويات مستشفى دكرنس في محافظة الدقهلية، بعد أيام قليلة من الاعتداء بأسلحة بيضاء على أستاذ أمراض القلب السيد الدركي، في أحد المراكز الطبية بمدينة المنصورة، ما أسفر عن خضوعه لعملية جراحية.
وتقول الوكيلة السابقة لنقابة أطباء مصر منى مينا، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة الاعتداء على الأطباء باتت واقعاً كارثياً، والمسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق الحكومة التي لا تستطيع تأمين المستشفيات، بينما ينبغي وقف حملات التحريض ضد الأطباء عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ووضع نظام تأمين شرطي جاد للمستشفيات. الاعتداء على الأطباء والمنشآت الصحية جريمة ضد المجتمع أولاً، ولا يجوز التصالح فيها من قبل الأطباء الذين يتعرضون لضغوط من رؤسائهم في العمل، أو من أهل الجاني".
وتضيف مينا: "الاعتداءات المستمرة على الأطباء تتزامن مع مشكلات، من بينها ضآلة رواتبهم، والإرهاق الكبير الذي يتعرضون له خلال العمل، وهما من بين أهم أسباب هجرتهم إلى الخارج بحثاً عن فرص تشغيل أفضل، خصوصاً في دول الخليج وأوروبا".
بدوره، يعتبر الأمين العام المساعد لنقابة أطباء مصر خالد أمين أن "الاعتداءات المتكررة على الأطقم الطبية في المستشفيات العامة تعكس غياب دولة القانون، وهي تدفع الأطباء إلى الاستقالة من عملهم في مستشفيات وزارة الصحة بحثاً عن فرصة عمل أفضل في المستشفيات الخاصة، والتي تتراجع فيها وتيرة الاعتداءات إلى حد كبير، أو ترك العمل والهجرة للعمل في الخارج".
وفي مارس/ آذار الماضي، أقر مجلس النواب المصري تشريعاً مقدماً من الحكومة بشأن المسؤولية الطبية، فرض عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وغرامة لا تزيد على 30 ألف جنيه (الدولار = 48.55 جنيهاً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من أبلغ كذباً مع سوء قصد ضد مقدم الخدمة الطبية أو المنشأة التي يعالج فيها، ولو لم يترتب على البلاغ إقامة الدعوى الجنائية.
وفرض القانون عند الخطأ الطبي المحقق غرامة تراوح ما بين عشرة آلاف و100 ألف جنيه، على أن تشدد العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تتجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى العقوبتين، إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم.ويعرّف القانون الخطأ الطبي الجسيم بأنه "الخطأ الذي يبلغ حداً من الجسامة بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققاً، ويشمل ذلك ارتكاب الخطأ الطبي تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرها من المؤثرات العقلية، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي، أو عن طلب المساعدة له على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادثة، أو تعمد ممارسة المهنة خارج نطاق التخصص، وفي غير حالات الطوارئ".
كما ينص القانون بأن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد أحد مقدمي الخدمة الطبية أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديتها، وبالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تتجاوز 50 ألف جنيه، كل من أتلف عمداً شيئاً من المنشآت أو محتوياتها، أو اعتدى على أحد مقدمي الخدمة أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديتها.
أيضاً ينص القانون على إنشاء صندوق تأمين حكومي للتأمين ضد الأخطار والأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية مباشرة، أو عن طريق التعاقد مع شركة تأمين أو أكثر أو مجمعة تأمين توافق على إنشائها الهيئة العامة للرقابة المالية. على أن يجوز للصندوق المساهمة في تغطية الأضرار الأخرى التي تلحق بمتلقي الخدمة أثناء تقديم الخدمة الطبية وبسببها استناداً إلى الدراسات الفنية.
ويشمل التأمين حالات الوفاة والعجز والإصابة البدنية لمتلقي الخدمة وفق أحكام وثيقة التأمين، ويكون أداء الصندوق لمبلغ التعويض بناءً على التسوية الودية، أو بعد حصول متلقي الخدمة على حكم قضائي نهائي بقيمة التعويض. ويصدر بتحديد شروط وضوابط وفئات وأسعار عمليات التأمين التي يغطيها الصندوق قرار من مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية.