ي وقت تكرر عائلات عشرات آلاف المختفين قسراً في العراق الدعوات أو حتى الاستغاثات التي توجهها للحكومة والقضاء لمعرفة مصيرهم، أكدت قيادات سياسية في مناسبة اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري أهمية التعامل بإنسانية مع الملف وإغلاقه سريعاً. وقال رئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر: "نقف مع عائلات عشرات الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية والغربية الذين جرى تغييبهم قسراً على أيدي مليشيات طائفية متفلتة، ونؤكد أن هذا الملف سيبقى أولوية لدينا، ولن يُغلق أو يُساوَم عليه مهما كانت الضغوط والتحديات".
وبين عامي 2014 و2018، شهد العراق موجة من عمليات الخطف والتغييب نفذتها مليشيات مسلحة بدوافع طائفية خلال نزوح سكان من محافظات في الشمال والغرب كان سيطر مسلحو تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة منها، لكن لا توجد أرقام رسمية لعدد المخفيين قسراً خلال هذه الحقبة وما بعدها، في حين تفيد إحصاءات شبه رسمية بوجود عشرات آلاف المغيبين مجهولي المصير منذ نحو عشر سنوات.
بدموع لا تجف، تنتظر أم عبد الله (70 عاماً) التي تسكن في مدينة الموصل (شمال) أي خبر عن ابنها محمود الذي خطفه مسلحون مطلع عام 2017 ولم يعرف مصيره حتى الآن، في حين تؤكد أنها حصلت على معلومات عن أنّ ابنها على قيد الحياة وأنه موجود في أحد سجون العاصمة بغداد. وقالت لـ"العربي الجديد": "أناشد السلطات كشف مصير ابني والإفراج عنه إذا كان حياً في سجن سري أو تسليم جثته كي يتسنى دفنها، وإكمال معاملة شهادة الوفاة للحصول على حقوقه بوصفه شهيداً".
والحال مماثلة بالنسبة إلى شكرية المحمدي (65 عاماً) التي تسكن في منطقة الصقلاوية بمحافظة الأنبار، إذ خطفت مليشيات مسلحة زوجها وثلاثة من أبنائها عندما كانوا يحاولون الفرار باتجاه القوات العراقية، وقالت لـ"العربي الجديد": "خطفت فصائل مسلحة عراقية في الثالث من يونيو/ حزيران 2016 زوجي محمد وأبنائي عمر وحسن وخالد، وذلك خلال حادثة مجزرة الصقلاوية التي فقِد فيها 640 من أبناء الناحية لم يُعرف مصيرهم حتى الآن".
أضافت: "رافقت زوجي وأبنائي والعديد من العائلات التي هربت من منطقة البو عكاش في الصقلاوية بسبب المعارك والقصف العنيف، ونجحنا في الهرب واللجوء إلى القوات العراقية في محيط المنطقة، لكن هذه القوات خطفت مئات الشباب بعدما عزلتهم عن النساء والرجال المسنين والأطفال واقتادتهم إلى جهة مجهولة، ولم يعرف مصيرهم منذ ذلك التاريخ. وفعلياً، طرق ذوو المغيبين كل أبواب السلطات المحلية والمركزية والحكومية والبرلمانية والقضائية لمعرفة مصيرهم لكن من دون نتيجة، كما بحثوا عنهم في كل مراكز الاعتقال والاحتجاز والطب العدلي والمستشفيات ومخيمات النازحين من دون أن يجدوا لهم أي أثر. وأناشد السلطات كشف مصير زوجي وأبنائي أو اعتبارهم شهداء كي يصبحوا مثل باقي الضحايا الشهداء الذين مُنحت عائلاتهم بعض الامتيازات المادية والمعنوية".
وخلال عمليات استعادة الفلوجة، هاجمت القوات العراقية ناحية الصقلاوية. وكما الحال عند اقتحام أي مدينة، أجبر الأهالي على الهروب من شدة المعارك والقصف، لكنهم وقعوا في شباك الخطف والتغييب على يد قوات عراقية كان يفترض أن تحميهم بدلاً من استهدافهم. وأفاد شهود بأنّ جهتين تورطتا في خطف 643 مدنياً من الصقلاوية؛ الأولى كتائب "حزب الله" المنضوية في "الحشد الشعبي"، والثانية الشرطة الاتحادية، حيث جرى تغييب وخطف المدنيين لدى وصولهم إلى قاطع مسؤولية تلك القوات في أطراف الناحية.وأكدت عضو مجلس محافظة نينوى سمية الخابوري أنّ المحافظة سجلت رسمياً تغييب أكثر من 8 آلاف من أبناء نينوى غالبيتهم على أيدي "داعش" في صحراء الأنبار. وقالت لـ"العربي الجديد": "لا يزال ملف المغيبين مفتوحاً ولم تحسمه الحكومة المركزية التي تتحمل مسؤولية كشف مصيرهم وتسليمهم إلى ذويهم إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، كما تتحمل الحكومة مسؤولية فتح المقابر الجماعية بشكل عاجل لتحديد مصير المغيبين وتسليم رفاتهم إلى ذويهم، وفتح الحكومة المحلية في نينوى مقبرة الخسفة جنوبي الموصل سيساهم في تحديد المصير المجهول لكثير من المغيبين، لا سيما أن المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود نحو 20 ألف ضحية فيها".
من جهته، اتهم الناشط السياسي في محافظة الأنبار عبد القادر النايل السلطات بالتواطؤ مع الجهات التي خطفت وغيّبت آلاف العراقيين بدوافع طائفية. وقال لـ"العربي الجديد": "يستمر التغيب القسري في العراق من دون تحقيق تقدم حكومي أو أممي في إيقاف هذه الجريمة وتداعياتها المستمرة والمؤلمة، لأنها نفذت بطريقة التطهير العرقي والطائفي، ما أثار الانقسام المجتمعي الذي يهدد وحدة العراق".
وأوضح أنّ "ما فاقم الوضع الكارثي في موضوع المخفيين والمغيبين هو التواطؤ الحكومي والأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة مع الجهات التي خطفت وغيبت آلاف المواطنين، ومنهم أطفال ونساء". وشدد على أن تواطؤ الأجهزة الحكومية يظهر بوضوح من خلال عدم محاسبة المتورطين في هذه الجرائم وفق القانون العراقي".
وسبق أن اتهم مرصد "أفاد" لحقوق الإنسان مليشيات عراقية بالوقوف وراء جرائم الخطف وتغييب أعداد كبيرة من العراقيين بدوافع طائفية، وطالب الحكومة بـ"كشف مصير من اختفوا على أيدي فصائل مسلحة، والكف عن العبث بحقائق المقابر الجماعية التي عُثر عليها، ومزاعم أن جميعها تعود لضحايا قتلهم تنظيم داعش".