الاختفاء القسري... جريمة تتفاقم في صمت

في الأحد ٣١ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في ظل تزايد الصراعات السياسية والمسلحة، وتفاقم القمع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تزال ظاهرة الاختفاء القسري تمثل جرحًا غائرًا في جسد حقوق الإنسان بالمنطقة، وفقًا لبيان مشترك صادر عن منظمات حقوقية دولية وعربية بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يوافق 30 أغسطس/آب من كل عام. ورسم البيان صورة قاتمة للوضع في العالم العربي، حيث يشير إلى أن الاختفاء القسري لم يعد مجرد حادث فردي، بل تحول إلى أداة قمع سياسي ممنهجة. يُستخدم لإسكات المعارضين وترهيب المجتمعات، وتتفاقم هذه الظاهرة في ظل غياب المساءلة وضعف سيادة القانون.

واستعرض التقرير العديد من الدول العربية التي تتفشى فيها هذه الجريمة. ففي مصر، تشير تقديرات المنظمات الحقوقية إلى أن ما يقرب من 19 ألف شخص تعرضوا للاختفاء القسري منذ عام 2013، ولا يزال مصير 300 منهم مجهولًا. وتوثق المنظمات مئات الحالات سنويًا، بينهم صحافيون، وطلاب، وناشطون سياسيون، ما يعكس سياسة ممنهجة لتكميم الأفواه. ودعا رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، الحكومة إلى اصدار قوانين لملاحقة من يتسترون على الاختفاء القسري، مؤكداً في بيان صحافي أصدره الحزب اليوم إن انتشار الظاهرة يتطلب محاسبة قوية لمواجهة كل حالات الاختفاء القسري، التي يتعرض لها مواطنون.



وفي الجزائر، لا يزال مصير الآلاف الذين اختفوا خلال "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي مجهولًا، وسط إنكار رسمي للعدالة. وفي العراق، أدت النزاعات المستمرة إلى أعداد هائلة من المختفين على يد مليشيات طائفية. وفي ليبيا، تتواصل حالات الاختفاء القسري وسط صراعات الجماعات المسلحة والفوضى الأمنية. وفي اليمن، تستخدم جماعة الحوثي، وجهات أخرى مدعومة من الإمارات، سجونًا سرية لإخفاء المعارضين. وفي سورية، رغم التغيرات السياسية، لا يزال ملف عشرات الآلاف من المختفين في سجون النظام السابق جرحًا مفتوحًا يتطلب إجراءات حقيقية للكشف عن مصيرهم ومحاسبة المسؤولين. وفي الإمارات والسعودية، يشير البيان إلى وجود عالم من الظلم وغياب العدالة خلف مظاهر التطور، حيث يواجه معتقلو الرأي والمعارضون السياسيون القمع والترهيب.

وأكد البيان أن جريمة الاختفاء القسري لا تسقط بالتقادم، وتُشكل جريمة ضد الإنسانية. وتدعو المنظمات الموقعة على البيان الحكومات العربية، وخصوصاً المذكورة في التقرير، إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وإنشاء آليات وطنية مستقلة للتحقيق والكشف عن مصير الضحايا، وتمكين أسر الضحايا من حقهم في معرفة الحقيقة والحصول على الإنصاف المادي والمعنوي. كذلك طالب الموقعون على البيان، المجتمع الدولي بممارسة ضغط فعال لوقف هذه الجريمة، ودعم آليات الأمم المتحدة المختصة، وتفعيل الولاية القضائية العالمية لمحاسبة المتورطين.واختتم البيان بالتأكيد أن الصمت عن هذه الجرائم يطيل من معاناة الضحايا وأسرهم، وأن مواجهة الاختفاء القسري تتطلب إرادة سياسية صادقة، وعدالة مستقلة، ومجتمعًا دوليًا أكثر حزمًا.

البيان صدر عن مجموعة من المنظمات الحقوقية الدولية والعربية، وهي: عدالة لحقوق الإنسان (JHR) - إسطنبول، منظمة ضحايا التعذيب - جنيف، إفدي الدولية - بلجيكا، الكرامة لحقوق الإنسان - جنيف، هيومن رايتس مونيتور - لندن، سيدار لحقوق الإنسان - لبنان، تواصل لحقوق الإنسان - لاهاي هولندا، منظمة صوت حر لحقوق الإنسان - باريس، مجلس حقوق المصريين - جنيف، والتضامن لحقوق الإنسان - جنيف.وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 أغسطس/آب يومًا دوليًا لضحايا الاختفاء القسري في ديسمبر 2010. يهدف هذا اليوم إلى رفع الوعي حول جريمة الاختفاء القسري التي تُعرف بأنها اعتقال أو احتجاز شخص من قبل عملاء تابعين للدولة، أو من قبل أشخاص أو جماعات تعمل بإذن أو دعم من الدولة، مع إنكار الاعتراف بحرمانه الحرية أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده، ما يضع هذا الشخص خارج حماية القانون. تُعد هذه الجريمة انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، وفي بعض الحالات يمكن أن تُصنف جريمةً ضد الإنسانية إذا ارتكبت على نطاق واسع أو بشكل ممنهج.
اجمالي القراءات 196