لم يتأخر ردَّ حركة "النجباء"، أبرز الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لطهران، على الجدل الدائر في العراق منذ أيام بشأن ما بات يُعرف إعلامياً بـ"حصر السلاح بيد الدولة"، إذ جاء كما كان متوقعاً بأنها لن تُسلّم سلاحها "حتى لو انسحبت" القوات الأميركية من البلاد، وذلك بعدما أكدت واشطن بدء أولى الخطوات لسحب المئات من جنودها العاملين في العراق، وتحديداً من قاعدتي "مطار بغداد" و"عين الأسد" في محافظة الأنبار، وتوجهها نحو قاعدة "حرير" في مدينة أربيل، في إقليم كردستان العراق.
وقال القيادي البارز في حركة "النجباء" مهدي الكعبي إن "سلاح المقاومة لن يُسلّم لا في لبنان ولا في العراق"، مضيفاً في مقابلة متلفزة الاثنين الماضي، أن "سلاح الفصائل العراقية سيبقى حتى بانسحاب الأميركيين من العراق". وحاول الكعبي تبرير ذلك بوجود "مخططات" لاستهداف العراق "في أيّ لحظة"، معتبراً أن "الفصائل العراقية قد تكون التالية بعد حزب الله اللبناني"، في إشارة إلى إقرار الحكومة اللبنانية بند حصر السلاح بيد الدولة في 5 أغسطس/آب الجاري، وتكليفها الجيش اللبناني بإعداد خطة لتنفيذ القرار قبل نهاية العام. وتابع الكعبي أن "المخاوف بعد انسحاب التحالف الدولي مشروعة"، مضيفاً: "نعرف جواسيس أميركا في العراق، ونعلم ماذا سيحصل بالنهاية. أميركا تخشى من الحشد والفصائل".
هذا التعليق ينسحب على بقية الفصائل المعروفة في العراق، وأبرزها "كتائب سيد الشهداء" و"كتائب حزب الله" و"حركة الأوفياء"، إذ إنها تتمسك بهذا المبدأ، حيث لا حل لديها لمأزق الضغوط الأميركية غير الإبقاء على موقفها و"المواجهة إذا لزم الأمر"، وفق مصدر مسؤول في أحد تلك الفصائل. كما ترى هذه الفصائل أن المواجهة قادمة، خصوصاً مع رصد معلومات تفيد بمعاودة الاحتلال الإسرائيلي شن هجمات وفتح جبهة مرة أخرى مع إيران، وهذا قد يدفعها إلى المشاركة في مواجهة إسرائيل لصالح إيران، بعد أن التزمتومصطلح الفصائل المسلحة الشائع اليوم في العراق يقصد به عملياً التفريق بين "الحشد الشعبي"، الذي يضم نحو 70 تشكيلاً مسلّحاً من جهة، وبين الجماعات التي تُقدّم نفسها باعتبارها "مقاومة إسلامية"، وأبرزها "كتائب حزب الله"، و"النجباء" و"الطفوف"، و"البدلاء"، و"الأوفياء"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي"، و"العصائب". لكن في الواقع تمتلك هذه الجماعات وجوداً ونفوذاً داخل "الحشد الشعبي" نفسه، يُقدّره مراقبون عراقيون بأنه يشكل أكثر من 60% منه، وتسيطر على المناصب القيادية فيها. في المقابل، فإنّ حضور فصائل عراقية مرتبطة بالعتبات الدينية في العراق، وتُعرف باسم "حشد العتبات"، إلى جانب وحدات مرتبطة بزعيم التيار الوطني (التيار الصدري سابقاً)، مقتدى الصدر، وأخرى لعشائر عربية سنية، تكاد تقوم جميعاً بدور ثانوي أمام الفصائل الموالية لإيران.
وأفادت مصادر مطلعة على تفاصيل اجتماعات تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم الأحزاب الشيعية وممثلي الفصائل المسلحة، بأن "الفصائل لن تسلّم سلاحها تحت أي ظرف، بل إنها تسعى إلى حشد أعضاء مجلس النواب لإقرار قانون الحشد الشعبي بأسرع وقتٍ ممكن، قبل أي عودة للتوتر بين إيران وإسرائيل"، مبينة لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم كشف هويتها، أنه خلال "الاجتماعات الأخيرة للإطار التنسيقي، جرى الحديث عن تبعات تسليم سلاح الفصائل للدولة، وجاء بضمنها المخاوف من الضربات والتصفيات الإسرائيلية والأميركية لقادة الفصائل، ثم الخطر الداخلي من عودة الاحتجاجات الشعبية، أو تحرك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لمحاولة السيطرة على السلطة عبر أنصاره الذين يحتفظون بسلاحهم".
من جهته، أشار عضو في مجلس النواب ينتمي إلى حركة مدنية عراقية إلى أن "الفصائل العراقية تحافظ على مصالحها عبر السلاح، وأن تجريدها من السلاح سيجعلها مكشوفة الظهر سواء للعراقيين أو الأميركيين والإسرائيليين، بالتالي فإن مفهوم المقاومة الإسلامية في العراق لا يشبه مفهوم المقاومة في غزة، وهناك فارق كبير بينهما، إذ إن جميع الفصائل وبدون استثناء لديها مكاتب اقتصادية واستثمارات وخطوط تجارية وربحية مع الحكومة الحالية ومؤسساتها، وهي تستحصل على معظم مواردها عبر التلويح بالسلاح، بالإضافة إلى خدمة حليفها الإيراني"، متوقعاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إيران إذا طلبت من الفصائل العراقية أن تسلم سلاحها، فإن بعض الفصائل لن تستجيب لأنها ستكون عارية تماماً بدون سلاحها".
أما أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم، فلفت إلى أن "موقف هذه الفصائل المسلحة التي تسمي نفسها فصائل المقاومة متوقع، وهو انعكاس لموقف حزب الله اللبناني، لكن إعلانها عدم نيتها تسليم السلاح غير مهم حالياً، لأنها جزء من الحشد الشعبي وإن كانت لا تعلن ذلك، وبالتالي فهي تفكر بمستقبل الحشد الشعبي"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "واشنطن إذا تمكنت من الضغط على بغداد لحل الحشد الشعبي مقابل انسحابها من قواعدها العسكرية في بغداد والأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك إلى قواعد في إقليم كردستان، فإن سلاح فصائل مثل النجباء وحزب الله وغيرها لن يبقى طويلاً".
وتابع سلوم: "هذه الفصائل مدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية، وإذا استمرت على موقفها الرافض لتسليم سلاحها بعد حل الحشد الشعبي، فستستهدفها الولايات المتحدة بالقتل المستهدف (الاغتيالات) وتضرب مواقعها بهدف إنهائها، وستدعم الحكومة العراقية أعمال كهذه بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي فإن مستقبل سلاح هذه الفصائل مرتبط بمستقبل الحشد الشعبي في العراق، وتصريحاتها بعدم تسليم السلاح تأتي ضمن موقف المحور الذي تقوده إيران".سبق أن أكد رئيس الوزراء العراقي العمل على إدماج الفصائل العراقية المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، فيما أكد وزير الخارجية فؤاد حسين بالتزامن أنّ بلاده بدأت حواراً مع الفصائل يهدف إلى إقناعها بالتخلي عن السلاح والاندماج بقوات الأمن النظامية، وفقاً لمقابلة صحافية سابقة. إلا أن الواقع لم يشهد أياً من تحركات الحكومة، بل ساءت العلاقة كثيراً بين السوداني و"كتائب حزب الله"، بعد اشتباكات مسلحة وقعت في بغداد الشهر الماضي.
وأكدت أن "خضوع الفصائل العراقية للإرادة الأميركية غير وارد حالياً، وأن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بات على علم بهذا الموقف، بالتالي فإن الأشهر القليلة المقبلة قد تكون الأخطر، لا سيما بعد انسحاب الأميركيين"، معتبرة أنه "إجراء يفيد بالسماح الأميركي للإسرائيليين بأن يقصفوا أهدافهم داخل العراق". خيار الصمت والمراقبة في حرب الـ12 يوماً بين طهران وتل أبيب في يونيو/ حزيران الماضي.