صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 170 لسنة 2025، بشأن تنظيم بعض الأحكام الخاصة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها، وذلك بعد موافقة مجلس النواب ونشره في الجريدة الرسمية. وبدأ العمل بالقانون اعتباراً من 19 أغسطس/ آب الجاري 2025، ليشكل خطوة جديدة في مسار اقتصادي شائك ارتبطت منذ سنوات بشروط صندوق النقد الدولي.
وينص القانون الذي صدق عليه السيسي على إنشاء "وحدة الشركات المملوكة للدولة" في مجلس الوزراء، تتولى إدارة ملكية الدولة في الشركات ومراجعة خطط إعادة الهيكلة والتخارج أو التوسع في الشراكات مع القطاع الخاص. وتتمتع هذه الوحدة بصلاحيات واسعة تشمل تقييم القيمة العادلة للأصول، وإبداء الرأي في عمليات البيع والاندماج وتوسعة قاعدة الملكية، على أن تُرفع توصياتها أولاً إلى اللجنة الوزارية الاقتصادية ثم إلى مجلس الوزراء لاعتمادها بشكل نهائي.
وأكدت الحكومة من جهتها أن القانون يهدف إلى تعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الأصول العامة، وإرساء قواعد موحدة للتعامل مع الشركات المملوكة للدولة بما يمنع تضارب الصلاحيات بين الوزارات والهيئات المختلفة. وأوضحت أن الهدف الأساسي يتمثل في رفع كفاءة الأصول المملوكة للدولة وتحقيق عوائد أفضل للاقتصاد الوطني، مع طمأنة المستثمرين المحليين والدوليين.غير أن القانون الذي صدق عليه السيسي واجه انتقادات واسعة من خبراء واقتصاديين حذروا من أنه قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الخصخصة غير المعلنة، ولا سيما أن الوحدة الجديدة تملك سلطة الموافقة على البيع والتخارج من دون وجود ضمانات واضحة لرقابة برلمانية أو مجتمعية. ويرى المعارضون أن غياب هذه الرقابة قد يؤدي إلى التفريط في أصول استراتيجية وبيعها لمستثمرين أجانب بعيداً عن معايير الشفافية المطلوبة.
ويربط محللون صدور القانون بمطالب صندوق النقد الدولي التي تركز على تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص، باعتباره شرطاً أساسياً للحصول على قروض جديدة. ويعتبر هؤلاء أن القانون امتداد مباشر لـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة"، التي حددت القطاعات المستهدف خروج الحكومة منها بشكل كامل أو جزئي، مثل البنوك والموانئ والكهرباء والخدمات اللوجستية، ففي قطاع البنوك، أعلنت الحكومة نيتها طرح حصص من بنك القاهرة وعدد من البنوك الأخرى، بينما شهدت الموانئ دخول استثمارات خليجية واسعة خلال الأعوام الماضية، ويتوقع أن يتوسع هذا المسار مع القانون الجديد.وتجدد هذه الخطوات ذكريات تجارب الخصخصة في التسعينيات وبداية الألفية، حين أُطلقت برامج لبيع شركات القطاع العام تحت شعار "الإصلاح الاقتصادي"، لكنها أثارت انتقادات واسعة بعدما جرى بيع كثير من الشركات بأقل من قيمتها الحقيقية، وأدى ذلك إلى تسريح آلاف العمال وإضعاف الصناعة الوطنية. ويخشى منتقدو القانون أن تتكرر تلك التجربة في ظل الضغوط المالية الراهنة التي تعيشها البلاد.
وبينما تصر الحكومة على أن القانون يمثل إصلاحاً تنظيمياً ضرورياً يحمي الملكية العامة ويضمن كفاءة الإدارة، يظل الجدل حول ما إذا كان يمثل بالفعل خطوة إصلاحية لتحديث الاقتصاد، أم مجرد استجابة لضغوط خارجية قد تضعف سيطرة الدولة على قطاعات حيوية تمثل عماد الأمن الاقتصادي والاجتماعي.