العراق: عودة الحديث عن حزب البعث مع اقتراب الانتخابات

في الأحد ١٠ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

عاد زعيم حزب الدعوة الإسلامية ورئيس ائتلاف دولة القانون في العراق نوري المالكي، لفتح المجال مرة جديدة لتخمينات وتأويلات كثيرة مرتبطة بعودة حزب البعث إلى الواجهة، بعد حديثه عن محاولات بعض الأعضاء السابقين للحزب المنحل والمحظور في العراق، للدخول إلى السياسة عبر بوابة الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفيما لا وجود واقعياً لحزب البعث في الوضع السياسي العراقي، إلا أن المالكي ومن يمثلونه في خط الإسلام السياسي الشيعي في العراق، عادة ما يفتحون ملفات في إطار التنافس الانتخابي، ومحاولات النيل من الخصوم عبر اتهامهم بالانتماء إلى حزب البعث. وحذّر المالكي، أخيراً، من محاولات إعادة حزب البعث أو التساهل مع رموزه، مؤكداً أن ذلك "يشكل تهديداً مباشراً لمسار الدولة الديمقراطية واستخفافاً بتضحيات العراقيين الذين قاوموا الاستبداد". وذكر في بيان، أن "الدستور العراقي نص في المادة السابعة على حظر حزب البعث، ومنع رموزه من العودة إلى الحياة السياسية تحت أي مسمى أو عنوان، وأن الانتماء إلى هذا الحزب جريمة لا تسقط بالتقادم".

وأوضح أن "الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة أنشئت انطلاقاً من هذا المبدأ الدستوري، لتكون الجهة المختصة بكشف البعثيين، وجمع الأدلة التي تثبت انتماءهم، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، بما في ذلك منعهم من الترشح أو المشاركة في العملية السياسية". وأضاف أن "الهيئة ليست جهة قضائية تُصدر أحكاماً، بل جهة تنفيذية تعمل على تطبيق القانون وفقاً للدستور، وقراراتها ملزمة ولا يجوز التدخل فيها من أي جهة سياسية أو حكومية أو تشريعية"، مؤكداً أن "أي محاولة للتساهل مع هذه الإجراءات أو التغاضي عنها، تعني فتح الباب أمام اختراق مؤسسات الدولة، وعودة الفكر البعثي عبر قنوات التشريع أو الأمن أو الاقتصاد".

حديث المالكي ليس جديداً، كذلك فإن توقيته لم يصدم المراقبين، فقد ساهم المالكي طوال العقدين الماضيين بإزاحة كثيرين من خصومه السياسيين ومنافسيه بالطريقة نفسها، وهي التعويل على هيئة "المساءلة والعدالة" التي تطالب قوى سياسية عدة بإنهاء أعمالها بعد انتفاء الحاجة إليها، إلا أن المالكي وفريقه من السياسيين يسعون للإبقاء عليها، بل وتمكينها كما جاء في بيانه، وهي مرحلة ضمن مراحل قد يشهدها الوضع الانتخابي في العراق، خلال الأسابيع المقبلة، وهي مراحل اوتواصل "العربي الجديد" مع مصادر سياسية من تحالف "الإطار التنسيقي" (المظلة الجامعة للأحزاب الشيعية وممثلي الفصائل المسلحة)، التي قالت إن "المالكي يريد معاقبة بعض الأحزاب التي يشعر بالخطر منها، ومن النتائج التي قد تحققها، ومنها تحالف الإعمار والتنمية الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ولا سيما أنه تمكن من جمع مرشحين يمثلون واجهات حزبية مهمة، بالإضافة إلى شخصيات لها ثقلها في الوضع السياسي، فضلاً عن بعض الشخصيات العشائرية المهمة"، مبينة أن "أسماءً كانت قد انشقت عن حزب المالكي، وتوجهت إلى تحالف السوداني، قد تكون على قائمة المعاقبين بجريمة الانتماء إلى حزب البعث، من ضمنها النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف".

وأكملت المصادر التي طلبت عدم التطرق إلى أسمائها وعناوينها الحزبية، أن "التوجه الجديد نحو تفعيل وتمكين دور هيئة المساءلة والعدالة، لن يشمل الأحزاب الشيعية، بل توجد أهداف سنية ضمن كيانات مهمة، مثل تحالف السيادة الذي يقوده خميس الخنجر، وحزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وبالتالي فإن المالكي يبحث عن غربلة جديدة للمرشحين، وإزاحة الذين ينافسون مرشحيه في بعض المناطق"، معتبرة أن "هذا الحديث ليس جديداً، لكن من غير المتوقع أن يؤدي إلى تغيرات كبيرة أو مكثفة على واقع الانتخابات".

يذكر أن السوداني سبق أن طلب رسمياً إلى هيئة المساءلة والعدالة نقل ملفاتها إلى القضاء، في خطوة أولى لتنفيذ الاتفاق بحل الهيئة، إلا أن الطلب قوبل بالرفض من قبل رئيس الهيئة، ودعمته قوى من الإطار التنسيقي. وجاءت هذه الخطوة ضمن الاتفاقات والتفاهمات بين القوى الحاكمة في البلاد، ضمن ما يُعرف بائتلاف "إدارة الدولة"، وكان شرطاً من شروط تشكيل حكومة السوداني، أن تُحل هيئة المساءلة والعدالة وتحويلها إلى ملف قضائي.

وكانت شخصيات سياسية، منها رئيس كتلة "تحالف السيادة" في البرلمان العراقي، النائب سالم العيساوي، قد دعمت حل الهيئة، التي تمارس من خلالها أهدافاً سياسية وإقصاءً غير اعتيادي للسياسيين الذين لا ينسجمون مع بعض المشاريع السياسية الشيعية. وقال العيساوي في تصريح صحافي سابق، إن "ملف المساءلة والعدالة يجب أن يوضع له حدّ، وأن يُحسم بعد 20 عاماً مرت عليه"، وإنها بعد كل هذه السنين استوفت أعمالها، ويجب أن تنتهي وتسلَّم للسلطات القضائية وللمؤسسات، وأنه لا يمكن أن تستمر الهيئة بالعمل كل هذه الفترة وفي ظل عملية سياسية قائمة، وقد أصبح الملف عائقاً ومشكلة لا بد أن توضع لها الحلول.

لكنّ عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، النائب في البرلمان العراقي، أحمد الموسوي، أشار إلى أن "قرار حل هيئة المساءلة والعدالة لم يُتفق عليه سياسياً، وحتى مع النقاشات التي جرت بشأن مصير الهيئة، فإن حلها بقي بلا اتفاق"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الهيئة حكومية وليست خاضعة لجهة معينة، وهي تعمل على الفحص لمنع أي تجاوز للقانون من قبل البعثيين ومحاولاتهم للدخول إلى العمل السياسي، وطالما أن المؤشرات تفيد بوجود هذه المحاولات، فإن عمل الهيئة لا بد أن يستمر".

من جانبه، وجد الباحث في الشأن السياسي العراقي، عبد الله الركابي، أن "المالكي يعرف ما يقوله وما يصدره من بيانات، وهي عادة تستبق حملة سياسية حقيقية يؤسس لها، بالتالي فإن حديثه عن محاولات لعودة البعث يعني أن لديه النية الحقيقية لاجتثاث شخصيات في مواقع ومناصب في هذه الحكومة، وآخرين يريدون الترشيح أو المشاركة في الانتخابات، وقد لا يكون المالكي يهدف إلى تحقيق هذا الهدف لأسباب عامة، بل ربما بدافع انتقامي شخصي"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الأسابيع المقبلة قد تشهد فعلاً حملة لإبعاد وإقصاء شخصيات سياسية من مناصبها، وأخرى من المرشحين في الأحزاب".ستعداد المرشحين وأُقرّ قانون اجتثاث حزب البعث عقب الغزو الأميركي للعراق، عام 2005، ونص عليه الدستور العراقي، واستناداً إلى القانون أُقيل عشرات آلاف العراقيين من وظائفهم، وصودرت أملاك آلاف آخرين، وأُحيل قسم على القضاء، إلا أن كتلاً سياسية مختلفة تواصل المطالبة بتفعيلات جديدة فيه وضمانة فعاليته، بهدف ما تسمّيه منع وصول البعثيين إلى المناصب. وتواجه هيئة "اجتثاث البعث"، التي تحوّل اسمها إلى هيئة المساءلة والعدالة، اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء، أو الإقالة من المؤسسات والدوائر الرسمية، استجابة لضغوط من قبل قوى مؤثرة على المستوى السياسي.

وحاول رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، التخلّص من تركة الهيئة، وما تسببت به من أزمات نتيجة إقصائها مكوناً معيناً، لذا عمل على مراجعة تشكيلتها والارتباطات الحزبية للمسؤولين فيها، بالتنسيق مع رئاسة البرلمان المنحل، وحاول تعيين شخصيات مستقلة في الهيئة لتحقيق التوازن، إلا أن جهوده فشلت.للتواصل مع جماهيرهم، وإعلان برامجهم الانتخابية، والسعي لنيل الأصوات من الناخبين.