تحقيقات حول محاولات تجسس على كبار المسؤولين في مصر

في الخميس ١٧ - يوليو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كشفت هيئة الرقابة الإدارية، في بيان رسمي صدر اليوم الأربعاء، عن واقعة بالغة الخطورة تتعلق بانتحال بعض الأشخاص صفة الهيئة، ومحاولاتهم التواصل مع مسؤولين كبار في الدولة وأعضاء بالمجالس النيابية، لجمع بيانات ومعلومات تتعلق بهم وبجهات عملهم.

وبينما وصفت الهيئة التابعة لرئاسة الجمهورية ولها صفة شبه عسكرية، ما جرى بأنه "محاولات تضليل وابتزاز" تستهدف الإضرار بمؤسسات الدولة، أكد مصدر مسؤول بالهيئة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن التحقيقات الداخلية رصدت مؤشرات خطيرة تشير إلى احتمال قائم ومطروح عن تورط أجهزة مخابرات أجنبية معادية في تلك الوقائع، في إطار محاولات تجسسية منسقة تستهدف النيل من مفاصل الدولة المصرية.

وجاء في البيان الصادر عن المركز الإعلامي لهيئة الرقابة الإدارية، التي تضم نخبة من الضباط والعسكريين، أن الهيئة رصدت تكرار وقائع تواصل مشبوهة من أرقام وصفحات مجهولة، مع مسؤولين تنفيذيين وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، مدّعيةً الانتماء إلى الهيئة، بغرض الحصول على بيانات شخصية ومعلومات دقيقة ترتبط بطبيعة العمل داخل جهات رسمية.وأكدت الهيئة أن تلك الأرقام والحسابات "لا تمت لها بأي صلة من قريب أو بعيد"، وأنها تمثل انتحالاً صارخاً للصفة، ومخالفة للقانون، وتهدف إلى الإساءة لمؤسسات الدولة، وبث حالة من البلبلة وعدم الثقة لدى الرأي العام. كما شددت الهيئة على أن تعاملاتها تجري فقط عبر القنوات الرسمية المعروفة، وفي إطار صلاحياتها القانونية التي تضمن الشفافية والوضوح.

وفي تطور لافت، صرح مصدر مسؤول في هيئة الرقابة الإدارية لـ"العربي الجديد"، بأن طبيعة المعلومات التي حاولت تلك الجهات الحصول عليها، والانتقائية في استهداف أشخاص بمراكز حساسة داخل الدولة، تثير شبهة تورط جهات خارجية تسعى لاختراق البنية الإدارية والأمنية لمصر.

وقال المصدر: "نحن لا نتحدث فقط عن انتحال صفة لأغراض النصب أو الابتزاز، بل عن نمط من العمليات المركبة التي قد تكون مدفوعة بأهداف تجسسية واضحة، تتجاوز الدوافع الفردية أو الجنائية المعتادة، وتدخل في نطاق الأمن القومي، ولذلك فالتحقيقات قائمة".

وأشار إلى أن الأجهزة المعنية في الهيئة رصدت عدداً من الوقائع التي تتطابق من حيث الأسلوب والوسائل المستخدمة، بما يرجح وجود جهة منظمة تقف وراءها، وليس مجرد أفراد، لافتاً إلى أن هناك احتمالات جدية بأن تكون أجهزة استخبارات معادية أو شبكات إلكترونية تعمل لحسابها، هي من تدير هذا النوع من النشاط، مستغلين التطور التكنولوجي وانتشار تطبيقات الاتصالات المشفرة.

ووفقاً للمصدر نفسه، فإن بعض محاولات التواصل التي جرى تتبعها، استهدفت مسؤولين يشرفون على ملفات سيادية أو اقتصادية شديدة الحساسية، بالإضافة إلى نواب داخل البرلمان معروف عنهم تبنيهم مواقف حاسمة تتعلق بمراقبة أداء الجهاز التنفيذي أو طرح ملفات فساد. وأضاف: "هذا النوع من الاستهداف لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التطورات الإقليمية والدولية، أو دون وضعه في سياق حروب الجيل الخامس، التي تعتمد على المعلومات أداة لإضعاف الدولة من الداخل"، مؤكداً أن الهيئة تتعامل مع تلك الوقائع بأقصى درجات الجدية والحذر، بالتنسيق الكامل مع جهات الأمن القومي المختصة، لوقف هذا النوع من الاختراق المعلوماتي عند حده.وفي ختام بيانها، ناشدت هيئة الرقابة الإدارية المواطنين ومسؤولي الدولة بعدم الاستجابة لأي محاولات تواصل مشبوهة تنتحل اسمها، والتوجه فوراً للإبلاغ عنها عبر الوسائل الرسمية التي حددتها الهيئة، وتشمل: الاتصال بالرقم المختصر: 16100، والموقع الرسمي للهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي www.aca.gov.eg.

ويرى متابعون أن هذا البيان من هيئة الرقابة الإدارية ليس مجرد تحذير عابر من ظاهرة انتحال صفة، بل يحمل بين سطوره مؤشرات واضحة على تنامي قلق مؤسسات الدولة من موجة هجمات إلكترونية وتجسسية قد تكون قيد التنفيذ بالفعل، على غرار ما حدث في إيران ولبنان، كما أن الربط بين محاولات انتحال الصفة واستهداف مسؤولين بعينهم، يدفع إلى إعادة تقييم آليات حماية المعلومات داخل المؤسسات، خاصة مع تصاعد الاعتماد على الوسائط الرقمية في التواصل بين المسؤولين.

وفي وقت تشهد فيه مصر تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متداخلة، تبدو مثل هذه المحاولات أشبه بـ"هجمات استباقية ناعمة"، تسعى لتفكيك شبكات الثقة داخل الجهاز الإداري، وإرباك العلاقة بين السلطة الرقابية والتنفيذية، تمهيداً لإضعاف قدرة الدولة على التصدي للفساد والاختراق. الجدير بالذكر أن هيئة الرقابة الإدارية هي إحدى الهيئات المستقلة المنوط بها مكافحة الفساد في مصر، ولها صلاحيات موسعة في التحقيق والتفتيش ومتابعة أداء المسؤولين في مؤسسات الدولة، مما يجعل من استغلال اسمها في عمليات مشبوهة أمراً بالغ الخطورة.