مصر: وفاة سجين سياسي شاب فى مركز شرطة فاقوس شرقية وأكاديمي يواجه الموت في "بدر 1"

في الجمعة ١١ - يوليو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في وفاة جديدة تُسجَّل في سجون مصر ومقار احتجازها المختلفة، قضى السجين السياسي عبد المنعم عبد الباسط إسماعيل السيد، أمس الخميس، بعد نقله إلى المستشفى في حالة صحية حرجة. والشاب البالغ من العمر 30 عاماً من قرية الطويلة التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، وكان محتجزاً في قسم شرطة فاقوس، حيث أمضى سبع سنوات في الحبس الاحتياطي من دون محاكمة، علماً أنّه دُوّر في خلال هذه المدّة على أساس قضايا أمنية متعدّدة، وتنقّل على معظم أقسام الشرطة بالمحافظة، في ظلّ ظروف احتجاز قاسية، وفقاً لما أفادت به مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان".

وأتت هذه الوفاة في حين تكثر التحذيرات من تداعيات الإهمال الطبي المسجّل في حقّ نزلاء سجون مصر وظروف احتجازهم القاسية والانتهاكات، ولا سيّما تدهور الأوضاع الصحية وفقدان الحياة. وتكرّر منظمات حقوقية تحذيراتها من تدهور أوضاع سجناء كثيرين، ولعلّ الأكاديمي المصري صلاح سلطان المحتجَز حالياً في سجن "بدر 1" واحد منهم، علماً أنّه يحمل إقامة قانونية في الولايات المتحدة الأميركية.

وأوضحت مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان"، في بيان أصدرته اليوم الجمعة، أنّ عبد المنعم عبد الباسط إسماعيل السيد أُصيب، في خلال احتجازه، بمرض جلدي نتيجة تردّي أوضاع النظافة والرعاية الصحية في أماكن الاحتجاز، وقد عُزل لاحقاً في زنزانة انفرادية شهدت إهمالاً طبياً شديداً استمرّ لفترة طويلة. وأكدت أنّه لم يُنقَل إلى المستشفى إلا بعد أن تدهورت حالته بصورة بالغة، ليفارق الحياة بعدها بساعات. وحمّلت المؤسسة سلطات مصر المسؤولية الكاملة عن هذه الوفاة، مشدّدةً على أنّ استمرار احتجاز المعتقلين لفترات طويلة من دون محاكمة وغياب الرعاية الصحية يمثّلان انتهاكاً صارخاً للقانون والدستور والمعايير الدولية. وطالبت المؤسسة بفتح تحقيق عاجل ومستقلّ في هذه الوفاة الأخيرة، ومحاسبة المتورّطين في هذه "الجريمة".

وتثير وتيرة الوفيات المتزايدة بين السجناء السياسيين في سجون مصر ومقار احتجازها المختلفة قلقاً بالغاً لدى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. وتشير تقارير عديدة إلى أنّ هذه الوفيات تكون في الغالب نتيجة مجموعة من العوامل، أبرزها الإهمال الطبي المتعمّد، بالإضافة إلى ظروف الاحتجاز السيّئة والتعذيب وسوء المعاملة. ويُعَدّ الإهمال الطبي المتعمّد السبب الرئيسي وراء وفيات كثيرة بين السجناء السياسيين. وتُفيد التقارير بأنّ إدارة السجون في مصر تتّبع سياسة ممنهجة لحرمان السجناء من الرعاية الصحية الأساسية، خصوصاً السياسيون من بينهم. ويشمل ذلك "الرفض المتكرّر لتحويل المرضى إلى المستشفيات المتخصّصة، حتى في الحالات الحرجة التي تتطلّب تدخّلاً طبياً عاجلاً"، و"الحرمان من الأدوية الضرورية، حتى لمن يعانون من أمراض مزمنة أو خطرة"، و"الغياب شبه الكلي للأطباء المختصّين في داخل السجون، ما يترك السجناء فريسة للأمراض من دون تشخيص أو علاج مناسب"، و"القيود المفروضة على إدخال الأدوية من خارج السجن حتى تلك التي تُشترى على نفقة السجناء أو ذويهم"، و"سوء التغذية الذي يضعف أجساد السجناء ويجعلهم أكثر عرضة للأمراض".
وتتدهور سريعاً الأحوال الصحية لعدد من السجناء، الأمر الذي يؤدّي في النهاية إلى وفاتهم. وقد وثّقت منظمات مثل "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" مئات الوفيات في سجون مصر نتيجة الإهمال الطبي في السنوات الأخيرة. وفي سياق متصل، أعربت 16 منظمة حقوقية مصرية ودولية عن بالغ قلقها إزاء الأنباء الواردة بشأن تدهور الحالة الصحية للأكاديمي المصري صلاح سلطان. ووفقاً لما يُنقَل عن عائلته، فإنّه يعاني أزمة صحية حرجة تهدّد حياته، ويُخشى أن يموت في ظلّ ظروف احتجاز وُصفت بأنّها "غير إنسانية". وذكّرت المنظمات بأنّ سلطان، إلى جانب كونه أكاديمياً بارزاً، يقيم بصورة قانونية دائمة في الولايات المتحدة الأميركية، وله خمسة أبناء وخمسة أحفاد جميعهم يحملون الجنسية الأميركية.وطالبت المنظمات الحقوقية، في بيان أصدرته أمس الخميس، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن سلطان، داعية السلطات المصرية إلى ضمان وصوله العاجل إلى الرعاية الطبية الضرورية التي يحتاج إليها بشدّة من أجل إنقاذ حياته. ويأتي هذا التطوّر في سياق أوسع من الانتهاكات التي تشير المنظمات إلى أنّها تطاول أفراد عائلة سلطان منذ أكثر من عقد، على خلفية نشاطها الحقوقي. ومثال على الاستهداف، القضية رقم 1766 لسنة 2022 التي حُكم فيها محمد سلطان، نجل صلاح سلطان، بالسجن المؤبّد غيابياً بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2025. ويُعَدّ هذا الحكم، وفقاً لبيان المنظمات، مثالاً جديداً على سياسة الترهيب التي تنتهجها السلطات المصرية ضدّ عائلة سلطان، وقد رأت أنّه جاء رداً انتقامياً على الجهود التي بذلها محمد سلطان للإفراج عن والده.

وفي 18 يونيو الماضي، قبل أيام من صدور الحكم على محمد سلطان، تلقّت العائلة معلومات تفيد بتعرّض صلاح سلطان لأزمة صحية حادّة في الحبس الانفرادي، إذ فقد وعيه فجأة قبل أن يستعيده بعد مدّة غير معروفة من دون تذكّر ما حدث. وبعد العثور عليه مغمى عليه في زنزانته، نُقل إلى المركز الطبي التابع لسجن "بدر 1"، حيث خضع لتصوير بالرنين المغناطيسي. وعلى الرغم من تعبير أطباء عن مخاوف من احتمال إصابته بسكتة دماغية أو نزيف داخلي في الدماغ، لم يتلقَّ سلطان أيّ معلومات طبية عن حالته منذ ذلك الحين. وتلفت المنظمات الحقوقية إلى أنّ هذا الإهمال الطبي المتعمّد قد يرقى إلى مستوى التعذيب بموجب القانون الدولي.

وفي زيارة له بتاريخ 29 يونيو الماضي، أفاد أحد أفراد عائلة سلطان بأنّ حالات الإغماء التي تعرّض لها ليست معزولة، بل هي تتكرّر بوتيرة متزايدة. وعبّرت العائلة عن خشية كبيرة من الاستمرار في حبسه بالانفرادي، مع انعدام الرعاية الطبية ومنع تواصله مع سجناء آخرين، الأمر الذي قد يؤدّي إلى وفاته.

وبيّنت المنظمات أنّ ما يواجهه صلاح سلطان ليس استثناءً، بل يندرج من ضمن النمط السائد في سجون مصر حيث يفتقر المحتجزون إلى الحدّ الأدنى من الرعاية الصحية والحقوق الأساسية. وفي القضية نفسها، يقبع حالياً في السجون سبعة محتجزين آخرين من بين 19 متهماً، إلى جانب محمد سلطان، وهؤلاء جميعاً عرضة مباشرة لانتهاكات جسيمة وموثّقة لحقوق الإنسان. ومن بين هؤلاء الناشط معاذ الشرقاوي الذي يُحتجَز حالياً في سجن "بدر 3" سيّئ السمعة. وقد صدر في حقّه حكم بالسجن لمدّة عشر سنوات، من دون إجراء أيّ تحقيق فعلي في القضية.

تجدر الإشارة إلى أنّ مصر واجهت، في دورات المراجعة الدورية الشاملة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، انتقادات متكرّرة تتعلق بقمع حرية التعبير وإغلاق المجال العام وتقييد عمل المنظمات الحقوقية المستقلة بالإضافة إلى توظيف القضاء في ملاحقة المعارضين سواء داخل البلاد أو خارجها. وقد رُفضت مئات التوصيات الدولية التي دعت الحكومة المصرية لإجراء إصلاحات هيكلية في جهاز العدالة الجنائية وتحسين ظروف الاحتجاز. وعلى الرغم من وعود رسمية متكرّرة بإطلاق حوار وطني وتحسين الأوضاع الحقوقية، يرى مراقبون أنّ وتيرة القمع تصاعدت منذ عام 2013، خصوصاً بعد إنشاء مجمعات سجون جديدة مثل سجن "بدر"، التي تحوّلت، بحسب منظمات حقوقية، إلى "أماكن احتجاز أكثر عزلاً وانتهاكاً للكرامة الإنسانية، رغم حداثة إنشائها".